جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 1، آية 8

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 1، آية 8

8-"ان لم تعرفي أيتها الجميلة بين النساء فأخرجي على آثار الغنم وارعي جداءك عند مساكن الرعاة".

هذا هو أول كلام للعريس في هذا السفر، فهو ان كان كلام العروس جميلا، فأجمل منه بما لا يقاس كلام العريس، فلتصمت العروس ولتصمت العذراى وبنات أورشليم ولتصمت الخلائق بأسرها وليتكلم الرب يسوع العريس والراعي الملكي "أنصتي أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي"(تث32: 1) "من له أذنان للسمع فليسمع" _ "خرافي تسمع صوتي" ما أرق وأعذب صوتك يا راعينا الصالح وعريسنا المبارك. هبنا ان نجلس عند قدميك في كل حين لنسمع كلمات النعمة الخارجة من فمك.

ومع ان العروس اعترفت بجهلها المكان الذي فيه يرعى خرافه ولكنها في الوقت نفسه عبرت عن محبتها له بقول "يا من تحبه نفسي" فهل يبقى الرب صامتا أمام هذه المحبة؟ حاشا، فهو الذي قال "الذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي"(يو14: 21) لذا يناديها بهذا الوصف الحلو "أيتها الجميلة بين النساء" فهي ليست مجرد جميلة ولكنها "الجميلة" فمع أنه توجد نساء أخريات فيهن شيء من الجمال ولكن العروس في  نظر عريسها هي الفريدة في الجمال. قد نجد في البعض من غير المؤمنين شيئا من جمال الصفات الأدبية ولكنها لا قيمة لها في نظر الرب لان مصدرها الطبيعة البشرية الساقطة "المولود من الجسد جسد هو" (يو3: 6) أما العروس فهي الجميلة بين النساء. رغما عن سوادها كخيام قيدار فإنها من فرط نعمته جميلة كشقق سليمان "بنات كثيرات عملن فضلا أما أنت ففقت عليهن جميعا"(أم31: 29).

ان الكنيسة غالية وثمينة في عيني المسيح، فهو قد أحبها وأسلم نفسه لأجلها لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب. أنها اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن التي لأجلها مضى وباع كل ما كان له واشتراها (مت13: 46).

*      *      *

ما أعجب محبة العريس _ "محبة المسيح الفائقة المعرفة" فأنه يعتبرها (أي العروس) الجميلة الوحيدة بين النساء في الوقت الذي أظهرت فيه جهلها للمرعي الذي فيه يربض خرافه، الأمر الذي اضطره ان يوبخها توبيخا لطيفا بقوله "ان لم تعرفي" وهل هناك أرق من هذا التوبيخ، فهو لم يزجرها بقارس الكلام، ولكنه بكل لطف يقول لها "ان لم تعرفي" أو بالحري "كان يمكنك ان تعرفي لان الطريق واضح أمام عينيك" لقد قال مرة لفيلبس "أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس؟" (يو14: 19) أيها الرب سيدنا ما ألطفك قائدا ومرشدا! وما أرق عاطفتك بل ما أرق توبيخات محبتك! إنك تستحق تعبد قلوبنا في كل حين.

*     *     *

أنه وان كان الرب من الوجه الواحد بحبنا حبا فائقا ولا يرى جمالا يملأ نفسه سرورا إلا فينا ولكنه من الوجه الآخر لا يتغاضى عما يبدو منا من الجهالة لان قداسته لا يمكن ان تتساهل مع أقل شر أو شبه شر يظهر في حياتنا، فيستمل معنا وسائط حبية لطيفة ليرد نفوسنا إلى الحالة التي تليق بعلاقتنا به، وهذه خدمة من أهم خدمات وأعمال الراعي الصالح "يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه"(مز23) ولكننا إذا لم نستفيد من هذه الوسائل الرقيقة يضطر إلى استخدام وسائل مؤلمة لطبيعتنا، وحتى هذه الوسائل هي من أقوى الأدلة على محبته القوية لنا "الذي يحبه الرب يؤدبه".

"فأخرجي على آثار الغنم"

إنك يا عروس قد تمتعت ببركات كثيرة مذ دخلت إلى حجالي، ولكن ليس هذا هو الكل، فعليك أيضا ان "تخرجي" . . . . "ان دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى"(يو10: 9) فلا يكفي ان ندخل فقط إلى مراعيه حيث الشبع وحيث الأمن والسلام ولكن علينا ان نخرج للجهاد "فلنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا"(عب12: 1). قد يكون الخروج مؤلما ولكن يكفينا شرفا ان الرب قد خرج أولا، فقد سار كالشاهد الأمين في طريق الآلام تاركا لنا مثالا لكي نتبع خطواته "فلنخرج إذا إليه خارج المحلة حاملين عاره"(عب13: 13).

ما أقسى هذه الحقيقة على نفوس الكثيرين من أولاد الله الأعزاء الذين دخلوا دائرة النعمة التي هم فيها مقيمون، ولكن يعز عليهم ان يخرجوا بقلوبهم منفصلين عن مبادئ العالم الشريرة أو الأنظمة الدينية البشرية "اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا فأقبلكم"(2كو6: 17) ومتى خرجنا بكل قلوبنا فلن نضل الطريق لان الرب سائر أمامنا فيها.

*     *     *

ومتى كانت لنا العيون المفتوحة نستطيع ان نرى آثار أقدامه المباركة وآثار أقدام خرافه المحبوبة "فأخرجي على آثار الغنم". ان قطيع الرب الحقيقي يسير وراء الراعي وحده "ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها والخراف تتبعه"(يو10: 4) والنفس التي تريد ان تسير في الطريق آمنة، عليها ان تسلك الطريق الصالح الذي سار فيه الرب قبلا والذي داسته أقدام رجال الله الأمناء قبلنا والذي يسير فيه الآن قطيع الرب المحبوب. لا شك ان من واجبنا ان نسير وراء الرب وحده ولكن من ذا الذي يسير وراء الرب ولا يرى آثار أقدام خرافه الأمينة؟ فبولس رسول الأمم العظيم إذ يكتب للمؤمنين في كورنثوس يقول لهم "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضا بالمسيح"(1كو11: 1) وإذ يكتب أيضا للتسالونيكيين يقول لهم "وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب . . . حتى صرتم قدوة لجميع الذين يؤمنون في مكدونية وفي أخائية"(1تس1: 6و 7) "كونوا متمثلين بي معا أيا الأخوة ولاحظوا الذين يسيرون هكذا كما نحن عندكم قدوة"(في3: 17) "إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع"(عب12: 1و 2) "اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم"(عب13: 7).

وتبارك اسم الرب عريسنا وراعينا لأنه ترك لنا "آثار الغنم" التي لا تمحى _أعني ما كتبه أواني الوحي (أي أسفار الكتاب المقدس) بصفة عامة وما كتبه رسل وأنبياء العهد الجديد بصفة خاصة، فان كان رسل لربنا المكرمون قد انتهت حياتهم وليسوا موجودين على الأرض ولكن آثارهم _ أي كتاباتهم باقية، فمن ذا الذي يتصفح سفر الأعمال ورسائل العهد الجديد ولا يجد فيها النور الساطع والإرشاد الكامل سواء من جهة العيشة والسلوك بحسب مشيئة الله أو من جهة السجود والعبادة وكيفية الاجتماع في حضرة الراعي المبارك الذي قال: تبارك اسمه " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم " (متى 18: 20) وعلى هذا الأساس كان المؤمنون يجتمعون _ أعني باسم الرب يسوع وتحت رئاسته وقيادة روحه القدوس سواء للوعظ والتعليم والبنيان (أع 2: 24،1كو14: 23-40، 1بط 4: 10-11 ) أو لكسر الخبز (أع2: 42، 20: 7، 1كو10: 15-22، 11: 23-34) أو للسجود والعبادة (يو4: 20-24، 1كو14: 15و 16) أو للصلوات (1تي2: 1و 2و 8) أو التأديب والتدبير (مت18: 17-20، 1كو5: 4-13) هذه بلا شك آثار الغنم التي إليها يوجه العريس عروسه قائلا "فأخرجي على آثار الغنم".

"وارعي جداءك عند مساكن الرعاة"

ان المقصود بالجداء هو الغنيمات الصغيرة الضعيفة، ومن واجبنا ان نهتم بسلامة نفوس أخوتنا الضعفاء وبتعزية حياتهم الروحية، فلا نحتقرهم إذ ان المسيح مات لأجلهم. علينا ان كنا أقوياء ان نحتمل أضعاف، حتى إذا عثروا أو سقطوا فلا نتقسى عليهم بل نهتم بإصلاحهم بكل وداعة "أيها الأخوة ان انسبق إنسان فأخذ في زلة ما فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا. احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا تمموا ناموس المسيح"(غل6: 1و 2).

هذا وقد يكون المقصود بالجداء أيضا المؤمنين الأحداث، وهؤلاء يعنى الراعي بهم عناية خاصة فأنه "كراع يرعى قطيعه. بذراعه بجمع الحملان (أي الغنيمات الصغيرة) وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات"(أش40: 11) ومن واجب المؤمنين البالغين ان يهتموا برعاية المؤمنين الأحداث وافتقاد سلامتهم والصلاة لأجلهم ومعهم وإرشادهم إلى ما يؤول إلى حفظهم طاهرين. علينا ان نوجدهم في الجو المسيحي المنعش فيستفيدون من معرفة المؤمنين الأفاضل ومن ملاحظة سيرتهم النقية، ومن خدمات المتقدمين الذين زودهم الله بمواهب روحية "عند مساكن الرعاة" أي في الجو الصالح الذي يعيش فيه أولئك الأتقياء الذين ائتمنهم الرب على خدمات روحية نافعة لبنيانهم ونموهم في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح.

*     *     *

أما إذا اعتبرنا ان المقصود بقول العريس "جداءك" هو غير المؤمنين فأنه يكون من واجبنا ان نهتم بأولئك البعيدين عن الله ولا سيما الذين لنا صلة بهم سواء كانوا من عائلاتنا وأقاربنا أو أصدقائنا وزملائنا في دوائر أشغالنا. هؤلاء هم الجداء الذين علينا ان نبذل كل جهد في الاهتمام بهداية نفوسهم إلى المخلص الوحيد.

*     *     * 

وإذا جاز لنا ان نعتبر ان الجداء إشارة لغير المؤمنين كما سلفت الإشارة، وتبعا لذلك تكون الخراف إشارة للمؤمنين الحقيقيين (أنظر مت25: 32و33) فإننا نقول لغير المؤمنين ان في المسيحية قوة لن توجد في سواها. ان كل ديانات العالم تستطيع بمقتضى ناموس الذهن أو ناموس الله ان تميز الفرق بين الشر والصلاح ولكنها تعجز عن ان تصير الشرير صالحا، أما المسيحية الصحيحة فإنها تمتاز عن غيرها بما فيها من القوة الإلهية التي تستطيع ان تغير الخاطئ الأثيم وتجعله خليقة جديدة. ألم يصر شاول الطرسوسي (أول الخطاة) بولس الرسول العظيم؟ هذه هي معجزة المسيحية الخالدة "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول ان المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا"(1تي1: 15). ان إنجيل المسيح ليس مجرد قوانين ومبادئ ونظريات يقبلها العقل البشري ولكنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن (رو1: 16).

*     *     *

"مساكن الرعاة". صحيح ان الرب وحده هو الراعي الصالح "راعي الخراف العظيم" ولكنه أيضا "رئيس الرعاة" الذي إذ صعد إلى العلاء سبي سبيا . . وأعطى البعض ان يكونوا "رعاة ومعلمين" (أف4: 8-11) وهؤلاء الرعاة متى كانوا أمناء فإنهم يرعون القطيع لا باعتباره قطيعهم بل قطيع الرب "ارع خرافي . . . ارع غنمي"(يو21: 15-17) وواجب الرعاة الأمناء ان يسهروا على سلامة نفوس المؤمنين "ومتى ظهر رئيس الرعاة ينالون إكليل المجد الذي لا يبلى"(1بط5: 4).