لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

كهنوت مؤمني العهد الجديد

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

دائرة كهنوت المؤمنين الحقيقيين

     1- بما أن ربنا يسوع المسيح يمارس خدمته الكهنوتية الآن في الأقداس السماوية (عبرانيين8: 2). وبما أنه رئيسنا في خدماتنا الكهنوتية الروحية (كما في كل شيء آخر)، لذلك تكون الدائرة التي نقوم فيها بهذه الخدمات هي هذه الأقداس عينها. فقد قال الرسول لنا "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس (السماوية) بدم يسوع لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي" (عبرانيين10: 19- 22). كما قال "فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة (نفسه)، لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه" (عبرانيين4: 16).

     2- وهناك فرق هائل بين المدة التي لنا أن نقضيها بحالة روحية في أقداس الله السماوية، وبين تلك التي كان يقضيها كهنة العهد القديم ورؤساؤهم بحالة جسدية في القدس أو قدس الأقداس الأرضي. فهؤلاء وأولئك كانوا يدخلون إلى هذا المكان أو ذاك في أوقات معينة فقط لتأدية خدماتهم الدينية الرمزية، ثم يخرجون تواً بعد تأديتها. أما في العهد الجديد، فبالإضافة إلى أن السماء التي نكهن فيها الآن بقلوبنا بالإيمان، ليس بها قدس وقدس أقداس، بل كلها أقداس (عبرانيين10: 19)، لأن الله يملأ كل أرجاء السماء بمجده وجلاله، فإنه يمنحنا امتياز الإقامة بالإيمان في هذه الأقداس باستمرار، فقد قال الرسول إن الله أقامنا معاً وأجلسنا معاً في السماويات في المسيح (أفسس2: 6)، كما قال "فإن سيرتنا نحن، هي في السموات (فيليبي3: 20)- ولكي تتحقق لنا هذه الإقامة يجب أن نمتلئ أولاً بالإيمان بحضور الله، ثم نتأمل في عظمته وجلاله، وإحساناته وعطاياه و... و... حتى يأخذ الروح القدس بمجامع قلوبنا للخشوع والتعبد له. وإذا عجزنا يوماً عن هذا التأمل يمكن أن نردد في نفوسنا الآيات الكتابية أو الترانيم الروحية الخاصة بالله حتى ترتفع قلوبنا بالشكر والحمد ومن ثم يجب أن نضع أمامنا، لا أن نكون بقلوبنا في الأقداس بالإيمان في أوقات الصلاة فقط، بل وأيضاً عند القيام بأي عمل من أعمالنا الدنيوية. فقد قال الرسول "وكل ما عملتم بقول أو فعل، فاعملوا الكل باسم الرب يسوع (أو بالحري تحت رياسته) شاكرين الله والآب به" (كولوسي3: 17)، وبذلك تكون كل أعمالنا مقدسة، وفي الوقت نفسه تكون ممجدة لله أبينا.

     3- والإقامة بالإيمان في الأقداس السماوية في كل حين، تسبب لنا فرحاً لا ينطق به ومجيد، كما تقوى علاقتنا الروحية مع إلهنا. ومن ثم يمكن أن ننمو في النعمة وفي معرفته. فضلاً عن ذلك فإنها توضح لنا ما يتعذر علينا فهمه من الحقائق الكتابية التي أعلنها لنا، وتكشف لنا عن مشيئته في كل ناحية من نواحي الحياة. كما تنظم لنا ظروفنا وأمورنا الدنيوية، وتعطينا القدرة للتغلب على العوائق التي تعترضنا من جهتها.

     4- وفي الأقداس السماوية نجد أيضاً حياة المناعة ضد الخطية، والقدرة للنصرة عليها إذا واجهتنا. وفيها نجد العزاء إذا هاجمتنا الأحزان، والقوة إذا شعرنا بالضعف، والحكمة إذا تسرب إلينا الجهل، والري والشبع إذا أحسسنا بالعطش والجوع، والرجاء إذا تعرضنا لليأس. وفيها يجتذب الله نفوسنا نحوه، فتسمو إليه وترقى، وبذلك نعيش في جو كله قداسة. وبالإضافة إلى ذلك، تتأصل فينا صفات الله الأدبية حتى أن كل من يرانا يقر أننا بالحقيقة أولاده. وفي هذه الأقداس ندرك أيضاً مقدار محبة الله للخطاة ورغبته الصادقة في خلاصهم فتتقد عواطفنا فينا حباً لهم وعطفاً عليهم، وننال منه المواهب اللازمة للإتيان بهم إلى حضرته.

     5- حقاً ما أطيب الحياة في الأقداس، وما أسماها، وما أكثر فوائدها. إن أتقياء اليهود، مع عدم تمتعهم بالبركات السماوية التي نتمتع بها نحن في العهد الجديد، كانوا يتوقعون من كل قلوبهم للتمتع بحضرة الله المرموز إليها بهيكلهم الأرضي. فقد قال واحد منهم "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله!!" (مزمور42: 1- 2). وقال أيضاً "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود. تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي... لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف. اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي، على السكن في خيام الأشرار" (مزمور84: 1- 10). وقال غيره "واحدة سألت من الرب وإياها التمس. أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله" (مزمور27: 4)- وإذا كان الأمر كذلك، فكم يجب أن تكون أشواقنا للوجود بقلوبنا في السماويات!! وكم يجب أن يكون حرصنا على البقاء فيها بقلوبنا في كل وقت من الأوقات.

     6- أخيراً نقول: إذا رجعنا إلى كتب التاريخ الكنسي، نرى أن كل المؤمنين الحقيقيين كانوا يعتبرون أيضاً قديماً كهنة لله. فقد جاء في الدسقولية "ولا نأمر كل الكهنة أن يعمدوا بل يعمد الأسقف والقس، ويخدم معهما الشماس[1]"(ص144)- وأشخاص يطلب منهم عدم القيام بالعماد وحده. وفي الوقت نفسه يدعون كهنة هم ولا شك، المؤمنون الحقيقيون العاديون. ومما يثبت ذلك أن صاحب (كتاب الخريدةالنفسية في تاريخ الكنيسة)، على الرغم من تمسكه بالتقاليد، قال في (ج1 ص148) من كتابه هذا: "إن الكاهن لم يكن يراد به (في أول الأمر) واحد من الأكليروس فقط، بل وكان يراد به أيضاً الواعظ وخادم الكلمة والقارئ والمرتل والبواب"- لأنه حتى البواب، كان في القرون الأولى مؤمناً حقيقياً.

     وقد أشار أحد أفاضل الأرثوذكس القدامى إلى كهنوت المؤمنين الحقيقيين العام فقال: "النفس هي هيكل الله. والقلب هو المذبح المقدس الذي تقدم عليه ذبائح التسبيح والحب الطاهر. والعقل هو الكاهن الذي يقوم بشرف الخدمة هناك" (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص181)، الأمر الذي يدل على معرفتهم ليس فقط بسمو هذا الكهنوت وروحانيته، بل وأيضاً على معرفتهم بشموله لكل هؤلاء المؤمنين.


6- كلمة "أسقف" معربة من كلمة "أبسكوبوس" اليونانية، ومعناها "ناظر". وكلمة "قسيس" معربة من كلمة "قشيشو" السريانية، ومعناها "شيخ" وكلمة "شماس" معربة من كلمة "شمشونة" السريانية ومعناها "خادم".

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.