كهنوت مؤمني العهد الجديد |
الأعمال الروحية المتعلقة بالله، وما يقابلها في العهد الجديد 1- تقبل أقوال الله: قال موسى لله عن بني إسرائيل عامة والكهنة منهم خاصة: "وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك" (تثنية33: 3)- رأينا فيما سلف أن الكهنة عند قدمك، يتقبلون من أقوالك" (تثنية33: 3)- رأينا فيما سلف أن الكهنة كانوا يدرسون أقوال الله ويحفظونها، ونرى هنا المجال الروحي السامي الذي كانوا يتلقون فيه هذه الأقوال. فهم لم يتلقوها في مدرسة بها أشهر العلماء، بل تلقوها من الله مباشرة، وذلك أثناء جلوسهم بكل خشوع وتواضع في حضرته القدسية. وهذه الحضرة، لكن بصورة أقرب كثيراً إلى قلوب كهنة العهد الجديد كما اتضح لنا مما سلف، هي أيضاً المجال الذي يتقبلون فيه أقوال الله. نعم إن الإصغاء إلى أقوال الله عن طريق الوعاظ والمعلمين يترك أثراً طيباً في النفس. ولكن الوجود بالإيمان في حضرة الله وحفظ النفس تحت تأثيره والإصغاء القلبي لأقواله، يجعل لها فعالية دونها كل فعالية أخرى. وهذا هو السبب في قول المسيح لنا "ولا تدعوا معلمين، لأن معلمكم واحد وهو المسيح" (متى23: 10). وقوله "وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى11: 29). فضلاً عن ذلك فإن الوجود في حضرة الله هو الوسيلة الوحيدة لتلقي التعليم الذي يريد الله أن يبعث به إلى الآخرين. ولذلك أعلن تعالى سر الذين ينادون بأقواله، دون أن تكون لهم علاقة حقيقية معه. فقال عنهم "لو وقفوا في مجلسي، لأخبروا شعبي بكلامي وردوهم عن طريقهم الرديء وعن شر أعمالهم" (إرميا23: 22). 2- العبادة: ذكرنا في الباب السابق شيئاً عن العبادة، ونقول الآن إنها تختلف عن الشكر والصلاة، وكانت الثلاثة تؤدي غالباً بترديد عبارات محفوظة مقتبسة من صلوات أنبياء العهد القديم، أو معمولة بواسطة رجال الدين في هذا العهد. والعبادة تتميز بأنها سكب ما في القلب من حب وإكرام لله، وذلك لقدرته وجلاله، أو حبه وحنانه، أو حكمته وعلمه. أو.. أو... ولذلك فالعبادة والسجود القلبي هما شيء واحد. والسجود في المسيحية غير مرتبط بمكان أو زمان على الأرض، لأن مجاله هو الأقداس السماوية في أي وقت من الأوقات. وقد أعلن الرب عن هذا السجود يجب أن يكون بالروح والحق (يوحنا4: 23). أي يجب أن يكون بواسطة عمل الروح القدس في القلب، وذلك في نطاق الحق الإلهي المعلن لنا. وهذا على النقيض من العبادة في العهد القديم. فقد كانت عبادة طقسية، مقيدة بمواعيد خاصة، ومحصورة في نطاق الهيكل اليهودي. 3- الشكر: إن تقديم الشكر لله من أجل عطاياه عمل عادي، كان يقوم به كاهن العهد القديم، كما يقوم به كل إنسان في الوجود. لكن تقديم الشكر لله حتى من أجل الظروف المؤلمة التي يسمح لنا باجتيازها، عمل لا يستطيع كل الناس أن يقوموا به. لأنه يتطلب سمواً في الحياة الروحية، كما يتطلب أفقاً متسعاً، ونظراً بعيداً، وتوافقاً مع الله في مقاصده حتى إذا كانت تتعارض مع رغباتنا. وهذه المميزات لا تتوافر إلا في كهنة العهد الجديد، ولذلك فإنهم يشكرون في كل شيء (1تسالونيكي5: 18)، وعلى كل شيء (أفسس5: 20) لأنهم يعلمون أن كل الأشياء (حلوها ومرها معاً) تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده (رومية8: 28) وطبعاً إذا كان الشكر لله من أجل الأمور التي تسرنا مقبولاً لديه، فإن الشكر له من أجل الأمور التي تبعث إلينا بالآلام، أكثر قبولاً لديه تعالى. 4- الصلاة: والصلاة من أجل ما نحتاج إليه من أمور روحية أو مادية، هو أيضاً عمل عادي كان يقوم به كاهن العهد القديم، كما يقوم به كل إنسان في الوجود. أما كهنة العهد الجديد، فإنهم ينظرون إلى جميع الناس بنظرة الله إليهم. ومن ثم يهتمون بأمورهم، كما يفعل تعالى تماماً. ولذلك لا يصلون لأجل أنفسهم وذويهم فحسب، بل يصلون أيضاً لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار (1تيموثاوس2: 1و 2). كما يصلون من أجل المرضى والمساكين والمتألمين والمتضايقين، وهم يشعرون في نفوسهم بالآلام التي يعانيها كل فريق من هؤلاء، وأكثر من ذلك يصلون من أجل الذين يسيئون إليهم ويطردونهم (متى5: 44)، لكي يفتح الله بصائرهم، فيتمتعوا لخلاصه ويسيروا في سبيله، كما أن الصلاة لديهم ليست مجرد فريضة يقومون بها في أوقات خاصة، بل إنها عمل حيوي لا يستطيعون الاستغناء عنه لحظة. فهي بالنسبة إلى نفوسهم مثل الهواء بالنسبة إلى أجسامهم. ولذلك قيل لهم بالوحي أن يصلوا بلا انقطاع (1تسالونيكي5: 16)، وأن يصلوا بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين (أفسس6: 18)، حتى يكونوا هم أنفسهم صرة (مزمور109: 4). أخيراً نقول: كما أن الله كان يرفض كل بخور يقدم إليه بنار غريبة، فإنه يرفض الآن كل عبادة أو شكر أو صلاة لا يكون العامل فيها الروح القدس. لأننا لا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي- بسبب الفجوة المترامية الأطراف بيننا وبين الله- ومن ثم فإن هذا الروح وحده هو الذي يشفع فينا (أو بالحري يعضدنا) بأنات لا ينطق بها (رومية8: 26)، وذلك لأن روح الله هو الذي يعرف كل شيء عن الله وعن نفوسنا معاً. وقد عرف قدامى الأرثوذكس مثل غيرهم، وجوب الصلاة بالروح القدس. فقال أحدهم "إن الصلاة الروحانية تكون من فعل الروح القدس وتدبيره، وليس من فعل الإرادة وسلطانها. وإن الصلاة بالروح أسمى من الصلاة بالقلب والعقل، لأن فيها يصبح وجود الله حقيقة ملموسة للنفس". وقال غيره: إني لا أعمل جهداً ما في خدمتي أو صلاتي، لأني لا أتحرك فيهما بإرادتي، بل أنصت إلى صوت الروح القدس فيَّ، وبذلك يشتعل قلبي بالحب للرب. وقال آخر: إذا حل الروح القدس في إنسان، لا يستطيع أن يتوقف عن الصلاة، لأن الروح يعضده باستمرار على القيام بها، سواء أكان آكلاً أم شارباً، أم مستريحاً أم منشغلاً (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص70و 87و 431و 432). |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.