كهنوت مؤمني العهد الجديد |
كهنوت المؤمنين الحقيقيين قال يوحنا الرسول لنا، نحن المؤمنين، عن المسيح له المجد: "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه" (رؤيا1: 5، 6). كما قال لنا عنه إنه اشترانا بدمه من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلنا ملوكاً وكهنة (رؤيا5: 9- 10). وقال بطرس الرسول للمؤمنين الحقيقيين "كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية، بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بطرس2: 5). كما قال لهم "وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1بطرس2: 9). ومن هذه الآيات يتضح لنا: 1- لا يراد بالكهنة الوارد ذكرهم فيها فئة خاصة من بين المؤمنين الحقيقيين[1]، بل يراد بهم هؤلاء المؤمنون جميعاً كما ذكرنا في المقدمة، لأن المسيح لم يحب فئة منهم دون فئة، بل جميعاً بدرجة واحدة، إذ ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عبرانيين2: 9). وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أن عدم معرفة أحد المؤمنين الحقيقيين في العهد الجديد أنه كاهن لله لعدم قيامه بخدمات دينية (مثلاً)، لا ينفي أنه كاهن له. لأن هناك فرقاً بين القيام بالكهنوت وبين القيام بالخدمات الدينية. فمن جهة الكهنوت، ليس هناك فرق بين مؤمن حقيقي وآخر، إذ أن المراد به، الاقتراب إلى الله والتمتع به وتقديم العبادة المقبولة أمامه- وجميع المؤمنين الحقيقيين لهم التمتع بكل هذه الإمتيازات (عبرانيين4: 16). أما الخدمات الدينية، مثل الوعظ والتعليم فهي مقصورة على الذين ينالون مواهب روحية من الله (1بطرس4: 10، 1كورنثوس 12: 1- 10). 2- إن عمل كهنة العهد الجديد (أو بالحري المؤمنين الحقيقيين) ينحصر في تقديم الذبائح الروحية المقبولة لدى الله، وتخبير الناس عن فضائله[2]وهذان العملان ليسا مقصورين على فئة خاصة منهم، بل إنهما من امتيازهم جميعاً. ومن ثم يكون كهنوتهم كهنوتاً روحياً محضاً، كما ذكرنا في المقدمة، ولا يكون هناك ما يميز فريقاً منهم عن الفريق الآخر. أما الذبائح الروحية التي يجب عليهم القيام بها فكثيرة، أهمها: تكريس الحياة بأسرها لله (رومية 12: 1)، وتقديم التسبيح له، ومد يد العون إلى المحتاجين (عبرانيين13: 16). ونظراً لأننا سنتحدث بالتفصيل فيما يلي عن هذه الذبائح، نكتفي هنا بالإشارة إليها. 3- إن المؤمنين الحقيقيين ليسوا كهنة للناس بقدر ما هم كهنة الله. ومن ثم فإنهم لا يسعون إلى إرضاء الناس بل إلى إرضاء الله (غلاطية1: 10). وإذا كان الأمر كذلك، فإن أي مؤمن بالاسم[3]، لا يمكن أن يكون كاهناً لله، حتى إذا دعا نفسه، أو دعاه الناس جميعاً، بهذا الاسم، وذلك لأنه ليست له علاقة حقيقية مع الله. أما المؤمنون الحقيقيون فهم جميعاً كهنة لله، حتى إذا لم يعترف لهم بعض الناس بهذا المقام. 4- إن كهنوت المؤمنين الحقيقيين يوصف بأنه كهنوت مقدس، ليس فقط بسبب ما يقومون به من أعمال مقدسة، بل قبل كل شيء بسبب دعوة الله إياهم للشركة معه. لأن هذه الدعوة هي التي غيرت مركزهم من خطاة إلى قديسين. فمكتوب أنهم مدعوون قديسين (رومية1: 7)، وذلك بفضل تقديم المسيح نفسه كفارة مرة واحدة على الصليب من أجلهم (عبرانيين10: 10). فضلاً عن ذلك، فإن القداسة العملية التي يجب توافرها فيهم، تنشأ أولاً وأخيراً بواسطة انقيادهم بالروح القدس الساكن فيهم. أما محاولة إصلاح الطبيعة البشرية بالزهد والتقشف (مثلاً). فلا يجدي علينا خيراً. لأن الخطية ليست في الجسد بل في النفس. 5- إن كهنوت المؤمنين الحقيقيين جميعاً هو كهنوت ملوكي، وذلك لاقترابهم بالمسيح الذي هو الملك والكاهن معاً (رؤيا19: 16، عبرانيين10: 21). ومن ثم فإن جعل الله إياهم ملوكاً وكهنة لا يراد به (كما يقول بعض المسيحيين[4]) إن الله جعل فريقاً من المؤمنين كهنة بالمعنى الحرفي، وجعل الباقين ملوكاً بهذا المعنى- لأن المراد بجعلهم ملوكاً وكهنة، جعلهم "مملكة كهنة" أي مملكة أفرادها جميعاً كهنة كما يتضح من الأصل اليوناني. وكون جميع المؤمنين الحقيقيين ملوكاً وكهنة في نفس الوقت، يراد به ثلاثة أمور: (أ)-أنهم بارتباطهم بالله يحصلون على بركاته، وباتصالهم بالبشر يقودونهم إلى امتلاك هذه البركات منه لأنفسهم. (ب)-أنهم بالإضافة إلى تعبدهم لله وخدمته، سيملكون مع المسيح عند مجيئه الثاني، لتأسيس ملكه على الأرض (لوقا22: 29). (ج)-أنهم بولادتهم ثانية من الله ملك الملوك، سكن فيهم بروحه، وإن شئت فقل سكن فيهم دمه الملكي، ومن ثم أصبحوا ملوكاً في الباطن قبل أن يكونوا ملوكاً في الظاهر. ولذلك فإنهم يترفعون عن دنايا الأرض كلها، ويحفظون أنفسهم في حالة التوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية[5]، الأمر الذي يهيئهم للقيام بخدماتهم الكهنوتية الروحية بالحالة المرضية أمامه. 6- أخيراً نقول إن الوحي يصف المؤمنين الحقيقيين من حيث كونهم كهنة الله في العهد الجديد: (أولاً)-بأنهم حجارة حية، لأنهم كانوا فيما سلف أمواتاً بالخطية، أما الآن فلهم بالمسيح حياة روحية تظل فيهم إلى الأبد (أفسس2: 1- 5). (ثانياً)-بأنهم بيت روحي، لأنهم بيت الله (عبرانيين3: 6)، ومسكنه (أفسس2: 22)، وهيكله (1كورنثوس6: 19)، وذلك من حيث حلول الله بالروح القدس فيهم كأفراد وكجماعة. لأن العلي لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيدي (أعمال7: 48). (ثالثاً)-بأنهم جنس مختار، لأن الله اختارهم قبل تأسيس العالم، ليكونوا قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة (أفسس1: 3- 4، 1بطرس1: 1- 2). (رابعاً)-بأنهم شعب اقتناء، لأن الله اقتناهم لنفسه (كشيء ثمين وغال) وذلك بدم المسيح الكريم (أعمال20: 28). 1- المؤمنون الحقيقيون هم الذين بتوبتهم عن الخطية وإيمانهم بالمسيح إيماناً حقيقياً، ولدوا من الله ثانية (1يوحنا5: 1)، فحصلوا على طبيعة الأدبية (2بطرس1: 4)، التي تؤهلهم للتوافق معه في صفاتها. ومن ثم فإنهم يحيون من الآن حياة القداسة والعمل الصالح، وذلك بقوة الروح القدس الساكن فيهم (1كورنثوس6: 19). 2- الفضيلة هي السجية الأدبية، أما الفضل فهو الإحسان والمعروف، ولذلك فإن كان كل الناس يعرفون فضل الله عليهم، لكن كهنته وحدهم هم الذين يعرفون فضائله، وذلك لعلاقتهم الوثيقة به. 3- هو من اعترف بالفم فقط بأنه مسيحي. وليس من الضروري أن يكون هذا الشخص شريراً. فقد يكون مهذباً، وعارفاً بالكتاب المقدس، وقادراً على الوعظ والتعليم، غير أنه لا يكون مولوداً من الله أو حاصلاً على الروح القدس. ولذلك فإنه وإن كان يشبه المؤمن الحقيقي في الظاهر، غير أنه لا يكون مثله في الباطن. 4- هم الذين يحاولون أن يثبتوا من الكتاب المقدس، إن الله أقام فئة خاصة من بين المسيحيين تدعى كهنة بالمعنى الحرفي. 5- وهذا على النقيض من ملوك الأرض، فإنهم على الرغم من الجلال الذي يظهرون به أمام الناس، قد يكونون في الباطن عبيداً للنجاسة والفساد. |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.