لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

فتح السفر المختوم

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

ص4-7

وصول القديسين إلى السماء. ثم تهيئة الجو للحوادث الأولى الهامة بعد الاختطاف. ثم وقوع هذه الحوادث التي أسماها الرب بفمه الكريم «مبتدأ الأوجاع».

ص4 :أصحاح العرش.

ص5 :أصحاح السفر المختوم، والخروف المذبوح.

ص6 :ستة ختوم.

ص7 :مشهد بين قوسين؛ ناجون من اليهود والأمم.

أصحاح 4

من أصحاح 4 وحتى أصحاح 22 :5 نجد صلب النبوة، أو بلغة السفر «ماهو عتيد أن يكون بعد هذا» والأصحاحان 4، 5 يعتبران مقدمة للقسم النبوي ، أما أولى الحوادث الني ستحدث على الأرض بعد اختطاف الكنيسة فنجدها في أصحاح 6. ورغم أن الكنيسة ليست لها علاقة مباشرة بهذه الحوادث -حيث أن النبوة بوجه عام تخص الأرض، بينما الكنيسة سماوية، وستكون في السماء عندما يتم كل هذا- لكن كأن الله يعيد علينا ما قاله لإبراهيم قديمــاً إنـه لا يُخفي عن أحـبائه ما هو فاعله (تك18 :17).

يفتتح الفصل الرابع من سفر الرؤيا بعبارة تتكرر مرتين؛ في أول العدد وفي آخره، وهي عبارة «بعد هذا» وهي عبارة خطيرة تشير إلى نهاية فترة النعمة وسنة الرب المقبولة، ليبدأ «يوم انتقام لإلهنا»(إش61 : 2)!

ويسمع يوحنا صوتاً من السماء يقول له «اصعد إلى هنا» ومرة ثانية نقرأ أن يوحنا صار في الروح (قارن أصحاح1 :10)، وإذ ذاك رأي في هذه المرة لا شبه ابن إنسان في وسط السبع المناير الذهبية، بل عرش الله في السماء، ورأي الجالس عليه، كما رأي حول عرش الله أربعة وعشرين عرشاً جالساً عليها أربعة وعشرون شيخا. ورأي أمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

الشيوخ الأربعة والعشرون يمثلون القديسين السماويين جميعاً انظر الملحق؛ السؤال الرابع.، أو بالحري مؤمني العهد القديم والجديد باعتبارهم ملوكاً وكهنة (أصحاح1 :5،6). وصفتهم كملوك تظهر في الأكاليل الذهبية التي عليهم والعروش الذهبية التي هم عليها. وصفتهم ككهنة ظاهرة في الثياب البيضاء التي يلبسونها، وفي الجامات الذهبية المملوة بخوراً التي في أيديهم، وأيضاً في عددهم الذي هو أربعة وعشرون بعدد الفرق الكهنوتية التي كانت مرتبة في العهد القديم (1أخ24،25). إذاً فهم يُرَون هنا في سمو ملكي وقرب كهنوتي ! وجلوسهم ما أمجده! ففي وسط مشهد الدينونة؛ البروق والرعود والأصوات، لا يقولون كما قال الشعب يوم إعطاء الناموس «لا يتكلم معنا الله لئلا نموت» (خر20 :19)، ولا حتى كموسى ، وسيط العهد القديم، الذي قال «أنا مرتعب ومرتعد» (عب12 :21)، بل كما هو مكتوب «لنا ثقة في يوم الدين... لأن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج» (1يو4 :17، 18).

ورأي يوحنا كذلك أربعة كائنات حية سماوية عجيبة، تجمع في صفاتها بين صفات السرافيم المذكورة في إشعياء 6، والكروبيم السرافيم جمع "سراف" بالعبري ويعني "يشعل" أو "يسمو"، وهم نوع سام من الملائكة، لهم قرب خاص من الله، ويسبحونه باستمرار (إش6). أما الكروبيم فهو جمع "كروب" بالعبري ، وهم نوع آخر من الملائكة سام أيضاً ويمثلون قوة الله في الخليقة والقضاء (تك3 : 24، حز10).* المذكورة في حزقيال1. فهي كالسرافيم لها ستة أجنحة (تمثل فورية تنفيذ الأوامر)، ومثلهم أيضاً تقول نهاراً وليلاً «قدوس قدوس قدوس»، وهي كالكروبيم مملوة عيوناً من قدام ومن وراء (الفطنة المميزة)، ولها نفس المناظر الأربعة التي للكروبيم. هذه المناظر هي لكائنات لها التفوق المطلق في مجالها؛ فالمنظر الأول شبه أسد (ملك الوحوش)، والثاني شبه عجل (أهم المواشي وأشهرها)، والثالث له وجه مثل وجه إنسان (قمة كل خلائق الأرض)، والرابع شبه نسر طائر (ملك الطيور). الأسد رمز القوة الواثقة، والعجل رمز الصبر المتأني ، والإنسان رمز الفطنة المميزة، والنسر رمز الانقضاض السريع. يا لخطورة هذه الصفات الأربع إذا اجتمعت معاً كما هنا! إنها صفات الله القضائية؛ فقضاء الله النابع من قداسته لا يقاوم ولا يستكين ولا يتغير ولا مهرب منه!

وتحدثنا هذه الكائنات الحية الأربعة عن وسائل تنفيذ الله لأحكامه على الأرض، كيفما كانت هذه الوسائل. وهي أربعة (رقم العالم بأطرافه الأربعة، نظرا لارتباطها بالأرض). ونحن نعلم أن الله في العهد الجديد، كما كان في العهد القديم ينفذ سياسته القضائية وأحكامه بواسطة «ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه» (مز103 :20) لكن في الملك الألفي لن يكون هذا من اختصاص الملائكة «لأنه لملائكة لم يخضع العالم العتيد» (عب2 :5)، بل إن السيادة فيه ستكون للمسيح ابن الانسان ومعه قديسوه. لذلك فإن هذه الكائنات الحية الأربعة في أصحاح 4 هي تعبير عن الملائكة، بينما في أصحاح 5 تمثل المفديين كملوك حاكمين حيث تم استلام الخـروف للسفر، وجـاءت ترنيمة المفديين عن ملكهم على الأرض (ع9، 10).

ولعلنا نلاحظ أنه لم يرد ذكر الملائكة في أصحاح 4 رغم أن الرائي ذكر لنا فيه ما شاهده في السماء، فلماذا لم يذكر الملائكة هناك؟ الإجابة لأنه ذكرهم ضمنا في الكائنات الحية الأربعة. أما في أصحاح 5 فإننا نجد الكائنات الحية مع الشيوخ يكونون فريقاً واحداً، لهم مركز أقرب إلى عرش الله، بينما يذكر الملائكة في هذا الفصل، ويرد ذكرهم باعتبارهم فريقاً مستقلاً أبعد عن العرش من الفريق الأول. ومن هذا كله نفهم أن الكائنات الحية في رؤيا 5 تمثل المفديين لا في صفتهم ساجدين (فهذا ما نجده ممثلاً في الشيوخ)، بل في صفتهم ملوكاً حاكمين.

والمشهد المذكور في هذا الفصل هو مشهد في السماء وبعد الاختطاف، رغم أن الاختطاف لم يرد صراحة يري بعض الشراح أن يوحنا بداية من أصحاح 4 يمثل الكنيسة، حيث لن نعود نقرأ عنها حتى ص22 : 16، وأنه بصعوده إلى السماء يمثل الكنيسة المختطفة لكي تتابع الأحداث من السماء، لا لتعايشها على الأرض؛ مثل ابراهيم الذي رأي فقط حريق سدوم دون أن يعايشه. وعليه فهم يعتبرون صوت البوق الذي سمعه يوحنا يمثل " البوق الأخير " (1كو 15 : 51) الذي تتوق قلوبنا أن تسمعه. وأن الباب المفتوح في السماء والصوت الذي دعاه إلى السماء يمثل الاختطاف.، لأن السفر سفر مسئولية لا نعمة (كما مر بنا في الملاحظات التمهيدية) لكننا نستنتج حدوثه من عدة أمور :

1 - القول «ما لابد أن يصير بعد هذا» أي بعد انتهاء فترة وجود الكنيسة على الأرض (أصحاح2، 3).

2 - كون المؤمنين ممثلين بأربعة وعشرين شيخاً؛ فكونهم شيوخاً أي بلغوا الكمال بفداء الأجساد كما ذكر الرسول بولس في 1كورنثوس13 :9-12 (قارن عب11 :39)، وكونهم أربعة وعشرين أي أن العدد قد كمل باختطاف الكنيسة من الأرض.

3 - البحر الزجاجي الموجود أمام العرش صورة الثبات والاستقرار اللذين يميزان السماء. ثم إن الكنيسة وقد وصلت إلى المجد ما عاد لها حاجة بعد إلى التطهير (انظر 1يو 3 :2) الذي يلزمنا ويلازمنا الآن (أف5 :26، 27).

4 - العرش المذكور هنا لا هو عرش النعمة (عب4 :16) ولا هو عرش الملك (رؤ20 :4)، فالنعمة ولّى زمانها، والمُلك لم يأتِ بعد. فماذا يكون إذا؟ إنه عرش القضاء الذي يميز فترة الضيقة التي ستلي اختطاف الكنيسة.

5 - ألقاب الله المذكورة هنا ليست هي ألقابه المرتبطة بالكنيسة (مما يدل على أن دورها قد انتهي من الأرض)، بل إنها توافق سياسة ملك المسيا على الأرض.

أصحاح 4،

في كلمة واحدة نقول إن أصحاح 4 هو أصحاح العرش بدخولنا إلى أصحاح 4 فإننا ندخل إلى القسم النبوي ، حيث تنفذ أحكام الله القضائية، وكان من المهم أن يشير فيه إلى العرش. ومع أن سفر الرؤيا هو بالإجمال سفر العرش؛ حيث يبدأ به (1 : 4) ويختم أيضاً به (22 : 3)، ويرد فيه أكثر من 36 مرة، إلا أن هذا الأصحاح وحده يرد فيه كلمة العرش (بالمفرد) 12 مرة، رقم الحكم والسلطة. (مصدر الحكم) بينما أصحاح 5 هو أصحاح الخروف (منفذ الحكم). وإن كنا في أصحاح 4 نري الرب الإله القادر يأخذ المجد والكرامة والقدرة التي يستحقها كالخالق، فإننا في أصحاح 5 نري الخروف المستحق أن يأخذ القدرة والغني والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة لأنه ذُبح واشتري . ولهذا فإن أصحاح 4 يملأ القلب بالخشوع والورع أمام جلال الله وعظمته، لكن أصحاح 5 يحرك العواطف بالسجود والتعبد أمام محبة المسيح وتضحيته.

* * * *

في أصحاح 5 - كما ذكرنا- نجد الرب كالفادي ، الذي يفدي المقتنى . فكل المشهد الذي أصابه التشويش نظراً لسيادة الشيطان عليه، لابد يأتي يوم يخضع للمسيح. لأن المسيح في الصليب وضع الأساس لمصالحة كل شي ء (كو1 :19،20)، ولابد أن يأتي اليوم الذي فيه يحرر المسيح بالقوة ما وضع أساسه بالنعمة ودفع ثمناً له دمه الكريم.

لقد رأي يوحنا على يمين الجالس على العرش سفراً مكتوباً ومختوماً بسبعة ختوم. إنه سفر أو صك ملكية الرب للميراث. لكن سُمع السؤال :من هو مستحق؟ وهذا الســؤال يتضمن أيضاً من هو كفـؤ ليتمم بالبر ما قصده الله من البداية؛ سـواء بالنسبة لبركة الانسان أو الأرض؟ لم يوجد من هو كفؤ لهذا؛ لا أحـــد بين جنبات السمـــاء، ولا في بقاع الأرض، ولا حتى في دوائر الهــالكين تحت الأرض لعل هذا يفسر لنا سر الفترة التي فيها تُرك الشيطان يعربد في الأرض، كما يفسر أزمنة الأمم، وأيضاً يفسر انتظار الله الطويل على بابل (الديانة - انظر المحاضرة الخامسة) وانتظاره.. وانتظاره.. نعم كان لابد أن يثبت أمام كل الكون أن الكل أخذ الفرصة، لكن لم يوجد كفؤ سواه. . لــيس فقــط لم يوجد من هو مستحق أن يفتح السفر تفكر : مَنْ مِن الشعوب يملك صك ملكية الأرض التي يسكن عليها؟ طبعاً لا أحد. لكن المسيح له حق ملكية الأرض كلها، لأنه خلقها ولأنه اشتراها (كو1 : 16،20 و مت13 : 44، 38). وتوجد في إرميا 32 : 6-15 صورة تصويرية جميلة لذلك عندما كان إرميا محبوساً في السجن. لقد أمره الرب أن يشتري من حنمئيل ابن عمه الحقل الذي في عناثوث. وقد اشتراه إرميا بالفعل، ودفع ثمنه فضة (والفضة في الكتاب ترمز للفداء والكفارة والشراء -انظر 1بط1 : 18، تث14 : 25،26، خر30 : 16...)، وكتب صكين للشراء؛ واحد مختوم والآخر مفتوح. ثم أمره الرب أن يضع هذين الصكين في إناء من خزف لكي يبقيا أياماً كثيرة. وهذا بل اشك يؤكد أن ما دُفع ثمنه سيعود إلى صاحبه مهما طالت المدة وتأخر التنفيذ. وهنا كأن الرب يفتح صك الشراء المختوم، الصك الذي يثبت شراء الرب لكل العالم بدمه الكريم، هذا الشراء الذي تم من فوق الصليب. بل ولا حتى أن يقرأه أو ينظر إليه (5 :4)! فبكى يوحنا كثيراً؛ وإن من يتوقع مجيء البركة للأرض من أحد غير المسيح لابد أن يبكي كثيراً. نعم لم يستطع أحد، كائناً مَنْ كان إدخال البركة للعالم البائس، ولا حتى الكنيسة تستطيع ذلك. هو وحده، وهو باعتباره «الأسد الخارج من سبط يهوذا» في مجيئه الثاني بالقوة.

وفي الحال رأي يوحنا المسيح وهو في وسط العرش والحيوانات والشيوخ :

في وسط العرش والكائنات الحية : فهو مركز أحكام السماء.

وفي وسط الشيوخ : لأنه مركز أفكار وعواطف مفدييه.

لكن يوحنا الذي كان متوقعاً أن يري الأسد إذ به يري المسيح كالخروف تعبير الخروف يرد هنا في صيغة التصغير. ذلك لأن ما جعل البشر يستخفون بالمسيح، أعني التجسد والصليب، هما في الواقع أساس استحقاقه لأخذ السفر «أعطاه سلطانا أن يدين..لأنه ابن الإنسان» (يو5 : 27). ولقد ورد تعبير الخروف في هذا السفر 28 مرة (7×4)، وكلها جاءت في صيغة التصغير. القائم كأنه مذبوح. فهو رأي ما يرتبط بأساس الفداء؛ أعني الذبح والدم اللذين هما الأساس. فإتمام مقاصد الله من نحو الخليقة كان يتطلب أولاً إزالة الخطية من المشهد، تلك الخطية التي فصلت الإنسان عن الله، وأدخلت اللعنة إلى الأرض. فأين ذلك الشخص الذي بوسعه رفع خطية العالم؟ لا يوجد شخص سوي المسيح ولا يوجد عمل سوي ما عمله في مجيئه الأول.

ماذا حدث للمسيح في مجيئه الأول عندما جاء متضعاً ؟ لقد رفضه البشر، بل لقد قتلوه بأيدي أثمة. هذا هو قوة التعبير الوارد هنا «الخروف المذبوح»؛ فهو لا يقول خروفاً مقدماً ذبيحة، بل خروفاً مذبوحاً (ع6،12). هذا ما فعله البشر بالمسيح في يومهم، بل في ساعتهم وساعة سلطان الظلمة، لكننا سنري حالاً ما سيفعله المسيح بالبشر بصدد مجيئه الثاني . ولهذا فإننا نقرأ هنا أن الخروف قام وأخذ السفر من يمين الجالس على العرش. نعم فكما سبق أن ذكرنا أن القوة ستنفذ ما وضعت النعمة أساسه، ولابد أن يمتلك المسيح بالقوة قوة المسيح تُري هنا في القرون السبعة التي للخروف. فالقرن تعبير عن القوة (تث33 : 17، 1صم2 : 1، مز75 : 10). وعليه فإن السبعة قرون تعني كمال القوة. كل ما اشتراه بالدم.

ويالفرحة السماء عندما قام الحمل المذبوح ليستلم السفر ويفك ختومه السبعة! ويشير الرائي هنا إلى ثلاث دوائر تحيط بالخروف المذبوح وتزداد في الاتساع، وكلها فرحة ومبتهجة بهذا العمل الذي من قديم ينتظر. وهذه الدوائر هي :

الدائرة الأولى : هي دائرة المفديين ممثلة في الأربعة الكائنات الحية والأربعة والعشرين شيخاً (ع8-10).

والدائرة الثانية : هي دائرة الملائكة (ع11،12).

والدائرة الثالثة : هي كل الخليقة (ع13).

لقد سجدت الأربعة الكائنات الحية وكذلك الشيوخ (لاحظ أنهم يُرون هنا في أصحاح 6 معاً، بخلاف أصحاح 4، كما أشرنا سابقاً). ثم يذكر ترنيمة الشيوخ الجديدة، وهي لا تدور حول بركات المفديين، بل حول مجد الفادي وعظمة الفداء (ع9،10)، وأيضاً تسبحة الملائكة السباعية (ع12)، ثم تسبيح رباعي تسبيحة كاملة للملائكة (رقم 7 هو رقم الكمال)، أما الخليقة فتسبيحة رباعية (4 هو رقم الخليقة). والمجموع 11؛ والرقم 11 مدلوله الترنيم والفرح! للخليقة موجه لله وللخروف معاً. وساعتها فإن كل وسائل تنفيذ القضاء قالت «آمين»، بينما المؤمنون كمفديين خروا ساجدين. ولقد سبق للمفديين أن قدموا للخروف سجودهم المسموع في ع9،10، والآن يقدمون له سجودهم الصامت (ع14)!

* * * *

وابتداء من أصحاح 6 ولغاية أصحاح 19 نجد تسجيلاً للحوادث التي كان السفر المختوم يتضمنها والتي ستحدث في الفترة المحصورة بين الاختطاف وظهور المسيح. وأصحاح 6 يقدم لنا الحوادث التي تتلو فتح كل واحد من الختوم الستة الأولى ، وهي الحوادث إلى ستتم في الفترة التي أسماها الرب في متى 24 :8 «مبتدأ الأوجاع»، أما الختم السابع فنجده في أصحاح 8 وهو في حقيقته مقدمة للأبواق السبعة التي هي مجموعة الضربات التالية.

ما هو أول حادث هام سيحدث على الأرض بعد اختطاف الكنيسة؟ هذا ما نراه في فتح الختم الأول إذ أن الكائن الحي الأول الكائنات الحية هي المسئولة عن تنفيذ سياسة الله القضائية على الأرض كما أشرنا عند تعليقنا على الأصحاح الرابع. قال كصوت رعد «هلم» فإذا فرس   الفرس هنا تعبير عن قوة منتصرة لا تقاوَم (أي 39 : 19-25، زك6 : 1-7). أبيض وعليه راكب ليس هو المسيح كما فسر البعض، فالمسيح لا يؤمر بالخروج من أحد الكائنات الحية، إنه محرك للأحداث لا متحرك بها. ثم إن المسيح سيظهر بعد نهاية الأسبوع السبعين من أسابيع دانيال (دا9) وليس في أول الأسبوع السبعين. أما الراكب على الفرس الأبيض هنا فهو كما ذكرنا الزعيم الروماني أو القرن الصغير. وسيكون ظهوره إيذاناً ببدء الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال. معه قوس وخرج غالباً ولكي يغلب.

أصحاح 6

هذا يحدثنا عن ظهور من أسماه دانيال في نبوته «رئيساً آتياً» (دا9 :26) وهو شخصية إيطالية عادية لم تكن متولية الحكم من قبل، ولكن ما أن يفيق العالم من ارتباكه لما حدث نتيجة للاختطاف، حتى تكون هذه الشخصية قد تقدمت لتأخذ الحكم في إيطاليا «أُعطي إكليلاً». وسوف تلعب هذه الشخصية دوراً من أخطر الأدوار على الأرض منذ ابتداء العالم. فبعد نحو ثلاث سنين ونصف من ظهورها سيُكرم باعتباره الله، وسيسجد العالم كله سجوداً فعلياً له. لكن ما هي إلا فترة نظيرها حتى يكون هو أول من يُلقَي حياً (أي بروحه ونفسه وجسده) لا إلى الهاوية بل إلى بحيرة النار والكبريت! وسيأتي الكلام عن هذا فيما بعد.

نحن نعلم أن دول أوربا قد نجحت في تحقيق حلمها القديم بالوحدة. ولقد بدأ الاتحاد عام 1958 بالسوق الأوربية المشتركة، ثم تطور فأصبح الآن تحالفاً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً فيما يسمي بالتحالف الأوربي . لكن ما تحقق في أيامنا هذه، سبق الكتاب المقدس وأخبرنا به في سفر الرؤيا بل وأيضاً في سفر دانيال الذي كُتب قبل المسيح بنحو 600 سنة (دا2 :42،7 :24). كما أخبرنا الكتاب المقدس أيضاً أن زعامة هذا التحالف ستكون عن قريب جداً من نصيب إيطاليا. ففي دانيال9 :26 «وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس». ومعلوم أن هذا الشعب الذي أخرب أورشليم وهدم الهيكل سنة 70م هو الشعب الروماني . إذا "فالرئيس الآتي " سيكون من إيطاليا. هذا هو إحياء الامبراطورية الرومانية الذي سنعود نسمع عنه في هذا السفر، وسوف يقوم ربنا يسوع المسيح بتحطيمها عند ظهوره كما ذكر دانيال في نبوته (دا2).

هذا الزعيم يُري هنا راكباً على فرس ومعه قوس. والفرس صورة للقتال والقوس إشارة إلى الحروب من على بعد. لكن نلاحظ أن الفرس أبيض والقوس بلا سهام، أي أنه يحرز انتصارات سلمية كتلك التي أحرزها كل من نابليون وهتلر في أول عهديهما. كما أنه يُري أيضاً وقد «خرج غالباً ولكي يغلب»، أي أنه يتطلع للزعامة على البلاد الأخرى . «ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد» (دا9 :27)، وسرعان ما تكون دول غرب أوربا قد أقرت بزعامته.

أما الختم الثاني فإنه لما فُتح «خرج فرس أحمر (لون الدم)»، إشارة للحروب. «وللجالس عليه أُعطي أن ينزع السلام من الأرض»، وهكذا ستعم الأرض كلها الحروب، وأولئك الذين سيحلمون بالسلام تحت سيادة ذلك الرئيس راكب الفرس الأبيض سيخيب ظنهم سريعاً، «لا سلام قال الرب للأشرار» (إش48 :22) «وأن يقتل بعضهم بعضاً» أي حروب أهلية. «وأُعطي سيفاً عظيماً» - فليس قوساً بل سيفاً، أي ليست حروباً عن بُعد بل قتالاً بالسلاح الأبيض. ويقال عن السيف إنه سيف عظيم لأن القوات المتعاركة متعادلة والصرعى مئات الآلاف. هنا نري ما بات العالم كله يشكو منه اليوم؛ الإرهاب والاضطرابات الداخلية والحروب الأهليه! ما أفظع هذا وما أشد أهواله!! كم انتشر حولنا في بلدان العالم المختلفة، صورة لما سيعم العالم كله بعد الاختطاف. فهل تتعظ الناس؟!

ولما فُتح الختم الثالث «إذا فرس أسود»، واللون الأسود هو دلالة الجوع كقول إرميا «جلودنا اسودت كتنور من جري نيران الجوع» (مرا 5 :10،4 :8). «والجالس عليه معه ميزان في يده»، والميزان دلالة على ندرة الموجود كما ورد في حزقيال 4 :16 «هاأنذا أكسر قوام الخبز فيأكلون الخبز بالوزن» وما هو مدي تلك المجاعة؟ «ثُمنية قمح بدينار» - والثمنية هي قوت فرد واحد في اليوم. والدينار هو أجر العامل في اليوم (مت20 :2)؛ فكل أجر العامل يذهب في أن يسد رمقه بالخبز فقط، فماذا بالنسبة لأسرته وما فيها من أطفال ونساء وشيوخ؟ سيضطر العامل في هذه الحالة لأن يتجه إلى أرغفة الشعير التي لا تؤكل في الوقت الحالي ، لكنها ستؤكل في تلك الأيام، ليتقاسمها مع أسرته بالكاد لكي يقي نفسه بالكاد غائلات الجوع الشديد، «ثلاث ثماني شعير بدينار».

وبينما المجاعة تطحن الفقراء طحناً سيظل الأغنياء في رفاهيتهم لا يشعرون بشيء «أما الزيت والخمر فلا تضرهما» -وهذا تكرار أكبر لما حدث قبيل الثورة الفرنسية عندما قالوا للملكة إن الشعب لا يجد الخبز، فقالت : ولماذا لا يجربون البسكويت!

ولما فُتح الختم الرابع «إذا فرس أخضر (أو شاحب Pale) والجالس عليه اسمه الموت، والهاوية تتبع معه». فختام هذا الرباعي هو الأوبئة المشار إليها بهذا الفرس الشاحب لتحصد بالموت الآلاف والملايين «وأعطيا سلطاناً على ربع الأرض أن يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض».

ونلاحظ أن ترتيب الحوادث كما ذكرناها الآن هو عين ما نطق به سيدنا في متى 24 «فإن كثيرين سيأتون.. قائلين أنا هو المسيح» (ع 5)، وهذا يتمشي مع الختم الأول. «وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب... لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة» (ع6،7)، وهذا هو الختم الثاني . «وتكون مجاعات» (ع7)، وهذا هو الختم الثالث. «وأوبئة وزلازل في أماكن» (ع7)، وهذا هو الختم الرابع. «ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع» (ع8).

الناس اليوم يقولون سلام سلام، لكن السيف آت.

الناس اليوم يحلمون بالرخاء والوفرة، لكن المجاعات آتية.

الناس يتوهمون بأنهم انتصروا على الأمراض، لكن الأوبئة قادمة.

الناس يحتجون لصالح الحيوان، وحقوق الحيوان! ناسين حقوق الله، لكن الحيوانات المفترسة لن ترحم أولئك الناسين الله.

وعندما نقارن هذا الرباعي بالمسيح له المجد كما نقرأ عنه في الأناجيل الأربعة نجد أن الكائن الحي الأول؛ الذي يشبه الأسد هو الذي دعا تلك الشخصية الأثيمة للخروج. لقد رفضوا المسيح الملك (كما يحدثنا عنه متى ) وسيقبلون ذلك المزيف، فإن من يرفض «المسيح الرئيس» سيقبل «رئيساً آتياً» (قارن دا9 :25،26).

والكائن الحي الثاني الذي يشبه العجل هو الذي دعا الفرس الثاني للخروج. لقد رفضوا المسيح الخادم الصبور (كما قدمه لنا إنجيل مرقس)، الذي جاء لا ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مر10 :45)، فكانوا بذلك كمن ينتحرون، إذ سيُنزع السلام عن الأرض!

أما الكائن الحي الثالث الذي له وجه إنسان فيحدثنا عن المسيح كما ورد في إنجيل لوقا. فالذين رفضوا ذاك الذي حدثهم عن الوليمة العظيمة ودعوته للمساكين (لو14)، سيكون من نصيبهم المجاعات القاسية في الحياة الحاضرة، وفي الأبدية أيضاً!

وأخيراً فإن الكائن الحي الرابع الذي هو مثل النسر الطائر يحدثنا عن المسيح كما ورد في إنجيل يوحنا، فأولئك الذين رفضوا المسيح الذي أتي ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل، لن يبقي أمامهم سوي «الموت، والهاوية نلاحظ أن الهاوية ترد في الكتاب دائماً بالارتباط بالموت (هو13 : 14، 1كو 15 : 55، رؤ1 : 18، 6 : 8، 20 : 13،14،...) مما يعطينا الانطباع أن الهاوية حالة وليست مكاناً. فكما أن الموت هو حالة الأجساد بدون الأرواح، فإن الهاوية هي حالة الأرواح بدون الأجساد. ولهذا فإن القراءة الدقيقة هنا أن الهاوية تتبع مع الموت، وليست تتبع الموت. تتبع معه» !

ثم يواصل السيد كلامه عما سيحدث أيضاً في مبتدأ الأوجاع بما يتمشى مع الختم الخامس فيقول «حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي ». والكلام هنا عن المؤمنين الأمناء من الشعب القديم، لأن الكنيسة وقتها ستكون قد اختطفت إلى بيت الآب. «حينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضاً ويبغضون بعضهم بعضاً» - لذلك عند فتح الختم الخامس لا نجد صرخة أحد الكائنات الحية تأمر بضربة جديدة على العالم، بل نسمع الصرخة من أولئك الشهداء الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم، ويوجهون الصرخة لا إلى أحد راكبي الخيل بل إلى الله «حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟» -إنهم شهداء النصف الأول من الأسبوع الأخير لأسابيع دانيال السبعين (دا9 :27) أي في فترة الثلاث سنين ونصف الأولى التي هي «مبتدأ الأوجاع».

لذلك في الختم السادس نجد الرد الفوري من السماء على صرخة أولئك الأمناء الشهداء «أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً؟!» (لو18 :7) إن الله يبقي على نظم الحكم المختلفة لخير قديسيه الذين يصلُّون لأجل الحكام وجميع الذين هم في منصب كيما نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوي ووقار (1تي 2 :2) ولكن عندما ترحل الكنيسة، ويصلي القديسون الباقون على الأرض، لا لأجل سلامة الحكام -كما هو حادث الآن- بل لانتقام السماء منهم، فما الذي نتوقعه؟ إن الذي سيصرخ في هذه المرة هم ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر.

ما الذي حدث هذه المرة؟! كيف دارت الدائرة عليهم؟! إن هذه الفئات لم تشعر بوطأة كل الضربات السابقة، بينما الضربة في هذه المرة ستتركز عليهم! نعم فهل دماء المؤمنين رخيصة كما ظنها أولئك الحكام الظالمون ؟ أو ليس عزيزاً في عيني الرب موت أتقيائه (مز116 :15) ؟! لذا فإن القوي التي اضطهدت القديسين سيفتقدها الله بالقضاء، وستقوم الشعوب بثورات ضدهم، والجزاء من جنس العمل.

وتجميعاً للحوادث الني ذكرناها الآن نقول :لقد جاء ذلك الرئيس الروماني فجاء معه الرجاء والأمل في إصلاح الأوضاع المتدهورة وإعادة السلام. لكن ما لبث أن جاءت الاضطرابات أشد مما كانت، بل قامت الحروب الأهلية فأهملت الزراعة والتجارة ونهبت المحال، ومن ثم حدثت المجاعات الرهيبة، فزادت الفوارق بين الطبقات. ثم جاءت الأوبئة وانتشرت، ساعدها على ذلك سوء التغذية وأضيف إلى كل ذلك الزلازل، ثم أرسل الله أيضاً وحوش الأرض!! نتيجة كل ذلك انفجر الوضع وثارت الطبقات الفقيرة المحرومة على الطبقات الغنية المتنعمة، ثورة شعبية انتقموا فيها من كل الأغنياء وذوي السلطة، مثل الثورة الشيوعية التي قامت في روسيا انتقاماً من ظلم القياصرة، فإن التاريخ يعيد نفسه، وكما قال هيجل الفيلسوف «التاريخ يعلمنا أن الإنسان لم يتعلم شيئاً من التاريخ».

فالزلزلة المذكورة عند فتح الختم السادس ليست مجرد زلزلة طبيعية لا نستبعــد طبعـاً أن تكـون هنـاك زلـزلة طبيعية أيضـاً، استنادا إلى مـا أشـار إليه الرب في متى 24 : 7. بل هي زلزلة أخطر في كل البنيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي (تمشيا مع الطابع الرمزي للسفر) حتى لم يعد أحد كبيراً أو صغيراً يأمن على نفسه.

فالشمس والقمر والنجوم، التي رتبها الله لحكم النهار والليل (تك1 :16- 18) تشير إلى الحكام على اختلاف درجاتهم من رؤساء ووزراء ومحافظين، هذه أظلمت وسقطت إلى الأرض.

والسماء التي تشير إلى الهيئة الدينية والروحية، «انفلقت كدرج ملتف في دانيال 12 : 3 نقرأ أن الفاهمين يضيئون كضياء الجلد، والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهر. أما هنا فنري الصورة العكسية تماماً، فاختفي الضياء من السماء. في دانيال يحدثنا عن «الذين ردوا»، أما هنا فعن الذين ارتدوا. » أي سفر مطوي .

وكل جبل؛ إشارة إلى الأشخاص ذوي المراكز والمفكرين الذين لهم الوزن في الهيئة الاجتماعية، تزحزح من موضعه.

وكل جزيرة؛ إشارة إلى ذوي الثروة ورجال التجارة والاقتصاد، أو قد تشير إلى البنوك - «تزحزح من موضعه» (إشارة إلى انهيار البنوك وإفلاسها)، مما يدل على تزعزع البنيان الاقتصادي .

هذا كله حدث فلم يعد أحد يأمن على نفسه لا من الساسة المرموقين، أو رجال الدين المحترمين، أو المفكرين البارزين، أو رجال الأعمال الناجحين.. لدرجة أن الناس اعتبروا أن هذا هو يوم غضب الخروف العظيم مع أن هذا كله «مبتدأ الأوجاع»!!

طالما وجّه الروح القدس نصيحته للحكام بأن يُقِّبلوا الابن لئلا يغضب، دون جدوى . وقال لهم «عن قليل يتقد غضبه» (مز2 :12)، فسدوا آذانهم، وانصرفوا لحال سبيلهم. ها قد جاء الغضب فعلاً، ومن يستطيع الوقوف ويالها من سخرية أن الأصحاح الذي تمني البشر في بدايته السلام والأمان، يختم بالهلاك بغتة ولا نجاة (1تس5 :3). حق لهم أن يقولوا مرثاة إرميا الأسيفة «مضي الحصاد وانتهي الصيف ونحن لم نخلص» (إر8 :20)

* * * *

يتوقف الرب عن الاسترسال في هذا الحديث. فقبل فتح الختم السابع وبالتالي فتح السفر الذي هو صك ملكية الرب لكل ما اقتناه له المجد بدمه الغالي ، ذلك الختم الذي هو في ذاته مقدمة للأبواق السبعة وما تتضمنه من دينونة رهيبة، فإن الرب يأتي مقدماً بمشهد رحمة وسط مشاهد الغضب (حب3 :2). إن سرور الرب الحقيقي هو في الرحمة لأن القضاء هو فعله الغريب (إش 28 :21). وفي وسط العواصف والأمطار الشديدة كم ينعش القلب ظهور قوس القزح في السحاب، فلن يهلك كل بشر بل هناك بقية ستخلص بالرحمة من اليهود والأمم من المهم أن نلاحظ أنه في الوقت الحالي لا يفرق الله بين اليهود والأمم، بل إنهما معا يكونان إنساناً واحداً جديداً (أف2 : 11-22). أما بعد اختطاف الكنيسة، عندما يغلق الباب نهائياً في وجه المسيحيين بالاسم، سيخلص الرب أشخاصاً من كل من اليهود والأمم، وسيعود التمييز بينهما كما كان قبلا. . لذا نجد ملاكاً آخر طالعاً من مشرق الشمس معه ختم الله الحي ، يأمر الملائكة الأربعة الذين أعطوا أن يضروا الأرض والبحر بأن لا يفعلوا حتى يتم ختم الأمناء على جباههم. فقبل القضاء سيتم ختم المختارين للدلالة على حفظهم (حز9 :4-6). وكم هو جميل أن من الأسباط الاثني عشر هناك ناجون. ومع أننا نرجح أن العدد المذكور (وهو 12000 من كل سبط) هو عدد رمزي سبب اعتقادنا هذا هو ما يقدره الوحي في أماكن أخري أن عدد المخلصين من هذا الشعب سيكون جيشا عظيماً جداً جداً (حز37 : 10 قارن مع 1 أخ 12 : 22، مز110 : 3). ، إلا أن الحقيقة مؤكدة. فتلك العظام اليابسة التي رآها النبي حزقيال في يومه من كان يظن أنها تقوم وتحيا. لكن هذا ما لابد أن يحدث كما قال له الله القادر على كل شي ء (حز37). على أنه ليس من اليهود فقط، ولا من الأسباط الاثني عشر فحسب، بل أيضاً من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة «جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده» (ع9).

إذاً فهذا الفصل يحدثنا عن ناجين من اليهود ومن الأمم. ولكي يلفت الوحي نظرنا إلى تميز هذين الفريقين نري أن عبارة «بعد هذا» ترد في فاتحة كل قسم من هذين القسمين (ع1، 9). الفريق الأول يصور لنا أمانة الله، فعدم أمانة هذا الشعب لا تبطل أمانته هو من جهتهم (رو3 :3،4و 11 :25-29). والفريق الثاني يصور لنا حكمة الله الذي أمكنه أن يخلص هذا العدد الضخم الهائل من كل الشعوب، في زمن ردئ كهذا هو زمان إثم النهاية، وفي أيام معدودة وقليلة هي أيام الضيقة العظيمة المقصَّرة. والفريقان معاً يصوران قوة الله الذي حفظ هؤلاء وأولئك رغم اضطهاد الوحش والنبي الكذاب لهم، ومن ورائهما الشيطان ببطشه وشراسته.

ولهذا فإنه عندما كانت لدى يوحنا في (ع 13) استفسارات داخلية لم يفصح عنها، فإن واحداً من الشيوخ أجابه عليها بأن هؤلاء المتسربلين بالثياب البيض هم الذين يأتون من الضيقة العظيمة - إنهم والفئة السابقة من اليهود يكونان معاً رعايا الملك الألفي ، وهم يشبهون إلى حد ما الفريقين المذكورين في متى 25. الفريق الأول هم إخوة الرب الأصاغر من اليهود، والفريق الثاني هم الخراف الذين عن اليمين من كل الشعوب. هؤلاء وأولئك سيدخلون الملك الأرضي بأجسادهم الطبيعية مكونين ما نقرأ عنه في أماكن أخري من الكتاب «ملكوت ابن الإنسان» (مت13 :41). لذا نجدهم هنا يحتاجون لأكل وشرب والخروف نفسه سيحل فوقهم للرعاية. وما أجمل هذا؛ فهو ليس فقط الحمل الذي ذُبح لأجلهم (ع14)، بل أيضاً هو الراعي المهتم بأمورهم (ع17). وطبعاً ستتغير أجساد هؤلاء القديسين الطبيعية إلى أجساد روحانية بعد الألف السنة.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.