لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

كِتَابُ رَبّ الْمَجْدِ

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الباب الرابع عشر

وإلاّ..... أي لو لم يكن المسيح هو الله

استنتاجات من الوجه السلبي

إن ربنا يسوع نفسه هو الذي بدأ بهذا الأسلوب ـ الاستنتاج من الوجه السلبي ـ وذلك لتمام اليقين. فقد قال لتلاميذه: " وإلا فإني كنت قد قلت لكم " (يو14: 2) " لو لم أكن قد جئت ... لم تكن لهم خطية. وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم ... لو لم أكن قد عملت ... وأما الآن " (يو15: 22 ـ 24 ).

واستعمل بولس الرسول ذات الطريقة، فإنه بعد أن تكلم بالتفصيل في (1كو15: 1ـ 8) عما ذكره لوقا بالاختصار الكلي في سفر الأعمال 1: 3 بقوله " ببراهين كثيرة " عن حقيقة قيامة المسيح، نراه يتقدم ويقول " وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم. ونوجد نحن أيضاً شهود زور ... أنتم بعد في خطاياكم. إذاً الذين رقدوا في المسيح أيضاً هلكواً (1كو15: 14 ـ 18). وعلى هذا القياس نقول:

لو لم يكن المسيح هو الله لرأينا نتائج لا يمكننا أن نتصورها، منها:

أولاً: الطعن في صدقه. فأنّا نراه متعجباً منه للغاية. وقيل عنه أنه معلّم لا مثبل له، ولم يتكلم إنسان نظيره، وأنه مثال سامي الصفات فريد الآداب، ومع ذلك ادعى اللاهوتية بكيفية لا تقبل النقض. ألم يصرّح أنه هو والآب واحد ( يو10: 30) ؟ ألم ينسب لذاته القدرة التامة (التي لو نسبها مخلوق ـ أياً كان ـ لذاته لحسب أول مجدّف ) في قوله " لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلون شيئاً (يو15: 5)؟ أو قوله " وأنا أعطيها (خرافي) حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي " (يو10: 28)؟ وفي نسبة دينونة العالم الأخيرة لشخصه في قوله " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا ... فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط ... اذهبوا عني يا فاعلي الاثم " ( مت 7: 22و23) عدا عن نسبة الحضور في كل زمان ومكان لشخصه كما في قوله " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم " ( مت 18: 20)، " وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " (مت 28: 20). وشهد عن نفسه " انه ابن الله " بكيفية تفيد أنه هو الله. فإن كان أقل مما ادعى فقد صار صدقه هباء منثوراً وبطلت حقيقته. فكيف تطاع تعاليمه ويتبع مثاله ؟!

ثانياً: الاعتراض على انتظام قواه العقلية. محتمل أن يقول المنتقدون أن ادعاء المسيح اللاهوتية لنفسه (كذا) إنما هو لاختلال في القوى العقلية، أما في كل ما هو عدا ذلك فكان صحيح العقل ومقبولا. فهل هذا الكلام معقول ومتوافق ؟ فإذا كان مخطئاً في نقطة فلماذا لا يخطئ في غيرها ؟ ومن هو الحكم في هذه المسألة ؟

ولأجل الإيضاح لنضرب مثلا في ذلك فنقول: هل يمكن أن رئيس إحدى الشركات التجارية يؤمّن أحد الكتبة على كل أشغال الشركة وذلك الكاتب وإن يكن مقتدراً في العمل وعاقلاً ونشيطاً لكن تصيبه من حين إلى آخر نوبة جنون في عقله ؟ وماذا يحصل إذا كانت تلك النوبة تأتيه بهيئة أن له الحق المطلق في امتلاك كل أموال الشركة ويقيد ذلك في الدفاتر ؟ فهل يمكن أن أحد رجال الأعمال العقلاء يجازف بهذه المجازفة الخطرة ؟ أو هل يعقل أن نعلّق حياتنا الأبدية على الشخص الذي وإن يكن سامي العقل وجليل الفكر لكنه ساقط في ضلال واحد ومعرّض لخدعة واحدة وخصوصاً يكون ذلك الضلال وتلك الخدعة من أشنع ما يكون ؟!

ثالثاً: تكون أخبار معجزاته قصصاً خيالية. فإن تجاسر المنتقدون ونسبوا بعض معجزات المسيح لأسباب طبيعية فلا يقدرون أن ينسبوا جميعها كذلك، لأن معجزتي بركة الخبز والسمك حتى يفيض عن ألوف الآكلين قفاف وسلال مملوءة كيف يمكن أن تتم بسبب طبيعي ؟! أو كيف يمكن أن تكون مسألة تسكيت البحر بسبب طبيعي ؟

قد ادعى البعض أنه عندما قال المسيح "اسكت ابكم " كانت الريح على وشك السكوت وحصل ذلك صدفة لكن فاتهم أنه ليست الريح فقط هي التي سكتت بل البحر أيضاً خمدت أمواجه فصار هدوء عظيم، الأمر الذي لا يتم بحسب ناموس الطبيعة إلا بعد سكوت الريح بزمن ـ وغير ذلك من المعجزات.

فحقاً إن لاهوت المسيح هو المفتاح الذي يفتح كل قفل سواء كان في ما يتعلق بالمعجزات أو بغيرها. أما من جهة كلام الناس المنتقدين فقد تجاسروا جهلاً منهم أن يربطوا الخالق بحزم محدودة من نواميس الطبيعة. نعم إن الأرغن الذي يخرج نغمات معلومة بقوانين محدودة هو آلة شجية، لكن الأرغن من ذاته لا يعطي النغمات الموسيقية، بل عقل الموسيقي الذي يقدر أن يخترع توقيعات جديدة ومبتكرة على آلات الطرب هو أعظم وأسمى من الأرغن بما لا يحد. فهكذا أعمال الخلق والقيامة لا تعرقل بقوانين محدودة ولا يمكن أن تأتي معجزة إلا بيد الله القدير .وفكر السيد المسيح كان على وفاق تام مع الآب.

رابعاً: تكون حكاية قيامته خرافة في خرافة .

إن حقيقة قيامة المسيح قد تقررت في الزمان والمكان اللذين حصلت فيهما، ورافقتها ظروف وأحوال كافية لأن تفضح أي خداع أواحتيال ـ لو كان حصل خداع فيها. فقد شهد عنها الأعداء، وعندما صادقوا عليها وقبلوها خسروا كل حجة لهم ـ فالحراس المقاومون من الحكومة قد رشوا لكي يقولوا للناس أن تلاميذه أتوا وسرقوه ليلاً وهم نيام. ومعلوم أن مناداة الرسل كانت منحصرة في " يسوع والقيامة ". والمعارضات التي قامت ضدهم من خصومهم الدينيين المعاصرين لهم لم تكن من حيثية حقيقة قيامة المسيح بل من حيثية الذي أحدثته القيامة على قلوب الناس شاهدين أن الكرازة بالقيامة قد قلبت كل المسكونة.

خامساً: يكون الوحي بأسفار العهد الجديد أمراً مزوراً أو مصطعناً

قد رأينا في ما سبق كيف أن ادعاء يسوع باللاهوت قد ربط كل أسفار العهد الجديد ببعضها بكيفية لا تقبل الحل، بحيث لو كذب أحد كتبة الأسفار لكان الكل كاذبين. وهل يا ترى جميعهم ؟! وإن كان كذلك فمن خدعهم ؟ وإذا كان هذان الفرضان صحيحين فيكون تصريحهم بأنهم تكلموا مسوقين من الروح القدس هو منتهى النفاق.

فتأمّلوا !

هذه بعض النتائج المروعة التي نضطر للتسليم بها إذا أنكرنا لاهوت المسيح.

حقاً ! لولا أن لنا أساساً راسخاً لا يتزعزع للإيمان بلاهوت المسيح لكنا نصرّح بحزن عميق ونقول كما قالت مريم المجدلية " أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه " (يو20: 13).

إن لم يكن المسيح هو الله فما هي الفائدة لنا نحن الخطاة والاثمة من وجود شخص عديم الخطأ ولكنا لم نتبعه أو من وجود معلّم جليل ولكنا لم نطعه ؟ وأي رجاء لنا نحن الذي خاب أملنا وأخطأنا الغرض ؟

يقال لنا أن نقبل مسيحاً حسن الصفات ولكنه ميت كأنه تمثال حسن الصنعة مغلق عليه داخل نظريات بشرية باردة لا فائدة منها، أو كأنه مجرد شبح جميل لكن لا حياة فيه، فوجهه ورسمه صحيحان وأعماله هي كما ظهرت في الزمان الغابر، ولكن لاهوته الذي هو نفس حياته وروح كيانه قد زال ـ لكنا " لم نتعلم المسيح هكذا ".

إن حاجتنا العظمى هي إلى فاد مملوء قلبه من الرحمة والمحبة .ولا نحتاج إلى مسيح ميت مهما كان جميلاً بل نحتاج إلى واحد " يقدر أن يخلّص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله " ـ إلى واحد " حي في كل حين يشفع فيهم " ( عب 7: 25). فلما نتحد بالإيمان بمسيح كهذا ليس ميتاً في القبر بل مقام وممجّد وجالس في يمين العظمى في الأعالي ـ بهذا وحده نجد راحة لنفوسنا.

 

الإيمان العملي

قد يمدح الشك المخلص ولكن الذي يمدح حقاً هو الإيمان المخلص إنما يجب أن نكون مستقيمين في العمل كما في الإيمان. فإذا كنا نؤمن بلاهوت ربنا يسوع المسيح فهل نعلّم الآخرين بواسطة عيشتنا اليومية أن يؤمنوا بما نؤمن به وهل نحن معروفون كأولئك الذين يتبعونه بكل إخلاص وخضوع تام ؟ فإنه لا يمكننا أن نبرهن على إيماننا للذين حولنا إلا بهذه الواسطة.

لاحظوا كلمات بولس الأخيرة للكورنثيين " لأنه وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حي بقوة الله ... جرّبوا أنفسكم هل أنتم من الإيمان. امتحنوا أنفسكم. أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع المسيح هو فيكم إن لم تكونوا مرفوضين " (2كو13: 4و5 ). ما أحوجنا، جميعاً، إلى هذا التنبيه من جهة لزوم امتحان النفس وفحصها !

 

 

تـــذيــيــل

عظة للقس جردنر منشئ مجلة الشرق والغرب

 

إن موضوع هذا الخطاب حق قديم العهد أردت أن أبسّطه في أسلوب حديث لأن الخادم الأمين يستطيع استخراج الأشياء القديمة والجديدة من كنوز الله لا سيما هذا الكنز الذي نحن بصدده. وإننا نجرؤ على القول إنه إذا لم يستطع الإنسان أن يكتب عن هذا الموضوع لحد ما في أسلوب جديد فخير له أن يتنحى عن ذلك بتاتاً. وها نحن الآن نقدم على ولوج هذا الباب باسم الله .ورغبة في الإيضاح أتكلم عن خمس نقط:
1ـ إن هذه الرسالة المعلنة لاهوت المسيح قد تأيّدت بالنجاح في كل العصور .

2ـ إن هذا التعليم قد سلّمه المسيح إلى أتباعه المفوّضين وهو صادر عنه شخصياً .

3ـ إن إدراك أولئك الأتباع والأنصار لهذا التعليم كان تدريجياً وقد أقبلوا عليه كتلاميذ أو طالبي تعليم ولكنهم أدركوه تماماً في نهاية الأمر.

4ـ وهذه هي الحال مع طلاّبه وتلاميذه في هذا العصر ـ التعليم تدريجي ولكنه مدرك تماماً في نهاية الأمر.

5ـ شهادتنا نحو هذا التعليم.

 

1

لقد تأيّد بالدليل ليس في هذه الأيام فقط بل في كل الأجيال منذ عشرين قرناً أن الخلاص جاء إلى العالم بواسطة اسم يسوع الذي هو المسيح، الملك الممسوح العام لجميع الناس .وهذا الاختبار ليس نظرياً ويرجع عهده إلى القرن الأول المسيحي. فكم من أناس أطلقوا على أنفسهم أسماء مختلفة قد عارضوا هذا التعليم وقاوموه مقاومة عنيفة وحسبوه عسيراً أو محالاً أو تجديفاً، ولكن رغماً عن كل ذلك أصبحت هذه الرسالة التي كانت قد طبعت بطابع الاستحالة والعسر والتجديف ينبوع إلهام لملايين من القديسين والشهداء ورسل النور ودعاة الخلاص، ورفعت الإنسانية إلى أسمة مستوى في كل العصور والأقطار .

تعرف الشجرة من ثمارها. فهل من المعقول أن يصدر مثل هذا التعليم المنطوي على القداسة ،والمحبة، وتضحية الحياة ،وتجديدها إلى شبه الله، من مصدر التجديف ؟ أنا أقول أن هذا غير معقول. لقد وجد الرجال والنساء في كل طبقة من طبقات الهيئة، أغنياء كانوا أو فقراء، إن تكريسهم لذواتهم إنما لأجل المسيح الحي وأنه في نظرهم لأعظم من مجرد شخص من أشخاص الماضي. بل هو معطي الحياة للجميع وهو على اتصال حي بهم وهم في وحدة معه. نعم قد رأوا وشعروا وشهدوا أنه ما من شخص بشري يستطيع اتخاذ الموقف الذي اتخذه المسيح إزاء البشرية فصرخوا بصوت واحد قائلين:" مسيح الله واحد مع الله. والذي هو واحد مع الله هو الله. أنت هو ملك المجد أيها المسيح ".

2

وهذا التعليم الذي أيّده اختبار الملايين في كل العصور والأقاليم يمكن تتبع آثاره بكل سهولة حتى نصل إلى الفئة الأولى من الرجال والنساء الذين كانوا على اتصال مباشر بيسوع المسيح نفسه .وقد بلغت شهادتهم أقصى حدودها كما تعلمون في صراخهم القائل "ربي وآلهي ". فإن الروح الذي أيقظهم ـ روح القداسة الذي سما بهم إلى أعلى مستوى في القداسة البشرية والجمال البشري دفعهم إلى أن يصرخوا قائلين: " يسوع هو الرب". ولم ينبعث هذا الصراخ من جمهور هائج متعصّب بل كان نتيجة عبادة شخصية وتكريس نفسي لم يشاءوا إظهارهما إزاء نبي آخر ولا لأي بطل من أبطال الماضي. ولو اندمج موسى وسقراط وكنفوشيوس وكل رجل صالح من رجال الماضي وصاروا كلهم شخصاً واحداً لما كان من المستطاع أن يقدم لهم مثل هذه العبادة وهذا التكريس ولتعذر عليهم فهم حقيقية شخص مثل هذا متى نظروا إليه من المستوى البشري المجرّد. وقد أيّد الله نفسه المطلب الذي طلبه هو والمطالب التي تشبثوا بها هم لأن الله لما أقامه من الأموات مجّده ورفعه إلى العرش الإلهي في سماء السماوات.

3

وهذه الدروس العجيبة لم يتعلّموها في يوم واحد ولم تشرق شمس هذا الإيمان في رابعة النهار دفعة واحدة بل قد تقدّمها بزوغ الفجر ونور الشروق فتلقّنوها تدريجاً وقد كان هذا التدرّج من الأمور الطبيعية. ولكن هذا الإيمان لم يبدأ إلا بدعوته إياهم أن يتبعوه بأبسط الوسائل الممكنة وأن يتبعوه كتلاميذ فدخلوا مدرسة المسيح وهناك درسوا كلماته وشهدوا أعماله وكانوا على اتصال يومي بروحي. فلم يتلقوا كلماته فقط بل تشبّعت نفوسهم أيضاً بسكناته ونظرات وجهه ونبرات صوته وحركات يديه فنمت غيرتهم علىمرّ الأيام والأسابيع والأشهر حتى استفزتهم أن يقولوا أمثال هذه العبارات:" لم يتكلم أحد بمثل ما تكلم به هذا الإنسان " ـ " ترى من يكون هذا الإنسان ؟ ". ولما اصطدموا بموته وأفاقوا من هذه الصدمة وجدوا في موته معنى سامياً وقدراً كبيراً أكثر مما كانوا يجدون لو لم يمت .ولما وقفوا تجاه ذكرى الصليب تلقّنوا ذلك المعنى الأبدي لأنهم شعروا أن المعلّق على الصليب ليس مجرّد إنسان بشري، عظيماً كان أو حقيراً. ولو كان سقراط قد علّق على ذلك الصليب لما أدركوا في موته ذلك المعنى الذي أدركوه من موت المسيح. وهذا الإيمان قد تأيّد وازدان بتاج القيامة لما قام ذلك المصلوب وسار إلى العالم غير المنظور تاركاً إياهم كما هم وإن يكونوا بد تبّدلوا وتغيّروا. تذكّروا أنهم كثيراً ما سمعوا منه دروساً عن هذا الحق العظيم، وتذكروا ذلك المثل الذي شرح لهم فيه أنه هو أعظم من كل الأنبياء .ويعلم سكان هذه البلاد الشيء الكثير عن الأنبياء وقيمة كلمة " نبي ". فما هو إذاً معنى ذلك المثل ؟ ـ يضع كل الأنبياء حتى أعظمهم قدراً في مرتبة واحدة، ثم يأخذ يسوع المسيح نفسه ويضعه في مرتبة ابن الآب الوحيد .وفي ذاك المثل ما يكفي لأن ينزع كل شك سخيف قد يوسوس لهم قائلاً ـ إن يسوع المسيح أسمى جميع الناس ليس إلا.

ثم تذكروا أنه قال لهم مرة أخرى:" أنا والآب واحد "، فابتدأ اليهود أن يقولوا له:" أنت تجعل نفسك الله "، فمرّ على هذا الاعتراض مرّ الكرام صامتاً ولم يشأ شكمهم. وقد رأوا أيضا أن الابن والآب واحد لأنهم كانوا يعلمون أن للابن علاقة جوهرية سرية بالآب إذ كانوا يعرفون المعنى العبري لكلمة " ابن " والتي فهموا منها شيئاً عن " الوحدة الروحية " و " الصلة الضرورية " " وكمال الظهور " فكأن " ابن " يعني صورة الله.

والأمر الغريب أن اعتقادهم هكذا في المسيح لم يعتد على اعتقادهم بالوحدانية، وقد كان أولئك القوم من أشد المتمسكين بوحدانية الله. فهذا الإيمان الجديد بالمسيح لم ينقض اعتقادهم بهذه الوحدانية، بل وجدوا أن الإيمان الجديد قد زيّن معتقدهم القديم وأغناه فأدركوا من معرفتهم للمسيح أن في الجوهر الواحد الإلهية الأبدي محباً ومحبوباً وروح المحبة، وأن المحبوب قد أرسل بدافع محبة المحب فصار الكلمة جسداً وأحنوا الرؤوس أمامه .

4

ولن تسر هذه الحال في تلك الأيام بل في أيامنا هذه أيضاً حيث نرى أن تقدم كل نفس نحو الإيمان بلاهوت المسيح يسير عادة بالتدريج. غير أني أقول أن الأولاد يدركون هذه الحقيقة قبل أن تشرحها لهم. ولقد اختبرت هذا الأمر في أولادي وغيرهم ،وأيقنت أنه قبل أن نشرح للولد الأمور اللاهوتية يدرك حالاً أنه لافرق جوهري بين المسيح والله. فالمسيح في مرتبة الله، وهو الذي أعلن الله. والطفل يدرك هذا الأمر، ولكن الرجل البالغ الذي يحسب مثل هذا التعليم غريباً وتجديفاً، أو الذي تلطخت نفسه بخطايا العالم، إنما يدرك هذا التعليم بأسلوب تدريجي كما أدركه التلاميذ الأولون. وهو لا يدركها كقضية لاهوتية بل تدريجاً بنفس الطريقة التي أدركها بها ملايين كثيرة. وإني أصرّح في هذا المقام أنه متى نظرنا إلى هذا التعليم أو أية قضية لاهوتية أخرى من الوجهة العقلية المجرّدة فلا ننتظر فائدة البتة، بل كل قضية لاهوتية مثل هذه لا تمتاز في تأثيرها على النفس البشرية عن أية قضية حسابية.

وإني الآن لا أقرّب تعليم لاهوت المسيح من هذه الوجهة إنما أقرّبه من وجهة الاختبار الذي جدّد ولا يزال يجدّد حياة الكثيرين الذين استشعروه في أنفسهم وحياتهم شخصياً بواسطة تماسهم مع يسوع المسيح. وإن لم يطبق هذا الأمر في يومنا هذا، سواء كان من جهة الأولاد أو من جهة البالغين من الرجال والنساء الذين يقبلون على مدرسة يسوع، فلا أرى قوة فيها لخلاصنا الآن أو مستقبلاً.

وكما خطا التلاميذ قديماً الخطوة الأولى إلى دور التلمذة يستطيع الرجال والنساء في هذه الأيام أن يفعلوا هكذا ويقبلوا على أول دور من أدوار الاختبار ويدرسوا أعماله وكلماته كما درسها أولئك ويهيموا حباً فيه كما هام أولئك ويضعوا فيه إيمانهم كما فعل أولئك فلا يلبثون أن يختبروا ضعف ما اختبروا ويصرخوا كما صرخوا " ربي وإلهي " وروح الله يحدوهم كما حداهم فلا يلبثون أن يقولوا كما قالوا " يسوع هو الرب " أعني أنه أهل لكل طاعة وخضوع، والله وحده أولى بطاعة الإنسان وخضوعه.

واذكروا ثانياً أن هذا الحق جاء بتأثير عظيم في كل العصور الماضية وثالثاً أنه حق عظيم ومحوط بالأسرار. وإذا كان من الصعب الوصول إلى أعماق المحيط الأعظم فمن نحن حتى ندّعي بمقدرتنا على اكتشاف أعماقه ونقول هذا ممكن وذاك غير ممكن وأن الله لا يقدر أن يظهر ملء نفسه في الجسد ؟ إن الطبيعة الإلهية لأعظم من أن نصدر إزاءها حكماً مثل هذا. فعلينا أن نحني الركب والرؤوس أمام الطارق السماوي الذي جاء من الأزلية وعاد إلى الأبدية.

5

ما هو مغزى هذا الكلام ؟ أما نحن الذين نؤمن بهذه الشهادة وشهادة الرسل وشهادة الأجيال فإننا نؤيّد هذا الإيمان القديم المسلّم لنا وقد اختبرنا الأمر وعرفناه ونربط أيدينا الآن مع أيدي العصور الغابرة، مع بطرس وتوما ويوحنا وبولس، بلا فارق بين الزمان والمكان. وأولئك كلهم قد عاشوا وهم الآن معنا كما أشعر أنكم معي، وأصواتهم ممتزجة بصوتي وأصوات هذا الجمع الحافل، وكلها تشهد لهذه الحقيقة العظمى: أن الله والمسيح واحد، وإن الإله الواحد قد أظهر في الجسد بواسطة يسوع المسيح ربنا، وأنه هو المخلّص الإلهي الوحيد والذات الجامعة الذي يلتصق بحياة كل إنسان في كل الأزمان والأجناس، وهو الذي يجيء بالإنسانية الحية إلى حيث هو أي إلى قلب الله ـ " عمانوئيل الله معنا ".

ونحن الآن ندعوكم ونقول لكم:" تعالوا " واختبروا هذا الأمر العظيم فينفخ فيكم هذا الإيمان ليس كقضية باردة عسرة بل كنتيجة لمجيئكم إليه شخصياً ودرسكم لأقواله وتوبتكم بقلوب منخوسة قد شقّق هو أتلامها وبحبّ هو أحبّكم به أولا .وبعد ذلك لا يقوى شيء على كمّ أفواهكم فتصرخون قائلين " ربنا وإلهنا ". وبعد هذا القول ستكونون معه الآن وفي الأبدية حيث هو في حضرة الله الآب للكل. تم

 

انتهى بعون الله الحقيقي

ـــــــــــــــ

قام بطباعة الكتاب أختنا في المسيح (ت م) التي وضع الرب في قلبها أن تستثمر وقتها لخدمة السيد ولم نضع اسمها كاملاً بناءً على رغبتها واثقين أنها ستأخذ مكافئتها أمام كرسي المسيح، ليباركك الرب أختنا العزيزة ويتمجد في حياتها.

وفي الختام

 

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.