لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

المسيح المتألم

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

2

على أيلة الصبح

عنوان هذا المزمور هو «على أيلة الصبح»، وهو تعبير لم يرد في كل الكتاب المقدس إلا هنا، ولو أن اليهود فيما بعد استخدموه للتعبير عن الصباح الباكر. والأرجح أن داود هو الذي أنشأ هذا التعبير الشعري الجميل. ويقال في تفسير ذلك إن منطقة يهوذا التي تقع فيها قرية بيت لحم، حيث تربى داود، هي منطقة محاطة بالجبال، وكان داود يرعى أغنام أبيه في مروج تلك الجبال، وهو - كأي راعي غنم - بينما يحرس أغنامه في الليل كان يتطلع بشوق إلى بزوغ الفجر، فيأمن على خرافه من الخطر، ويأنس هو من وحشة الليل. وإن كان منظر غروب الشمس مهيباً، إلا أن شروقها أكثر بهجةً. ولأن داود كان شاعرياً مرهف الحس، فكان يتخيل الأشعة الأولى للشمس عند شروقها من خلف جبال يهوذا الشرقية كأنها قرون الأيل، وبذلك صار شائعاً أن يُطلق على أشعة الشمس الأولى في الصباح الباكر «أيّلة الصبح». فها بعد الليل البهيم، تنفذ أشعة الشمس ناشرة ضياءها، مبددة ظلمة الكون بهذا المشهد الخلاب الذي يشبه على نحو كبير قرون الأيل.

موت المسيح وقيامته

يمكننا أيضاً أن نفهم معنى هذا التعبير «أيلة الصبح» بطريقة أخرى. فكأن الشمس ماتت في الليل فاتشحت الطبيعة بالسواد، وأتى الظلام، ولكن في الفجر ها هي قد قامت من جديد فملأت الأرجاء بنورها الوضاح.

وهذان هما الأمران المشغول بهما هذا المزمور؛ أعني بهما موت الرب وقيامته. ولو كان المسيح مات ولم يقم، ما كان أسوأ تلك القصة! ما كنا ندعوها إذ ذاك قصة الحب السرمدي، بل مأساة كل الدهور. ولكن شكراً للرب إذ أن الحب تمجد وقهر الموت. من أجل ذلك كان مناسباً للغاية أن يعنون داود هذا المزمور الذي يصور لنا آلام الرب وهو يتجرع غصص الموت، بهذه الكلمات «أيّلة الصبح».

في أسفار موسى كثيراً ما كان يشار إلى المسيح بثور أوتيس، بحمل أو كبش، بحمام أو يمام، أما في الأسفار الشعرية فنجد المسيح مشبهاً أكثر بالأيائل والظباء، وهي مخلوقات جميلة وطاهرة، وديعة ومسالمة. وفي هذا المزمور يشبه المسيح بالأيلة الوديعة الجميلة وهي محاطة بالصيادين، وذلك منذ الصباح الباكر. بل وفي كل حياته أيضاً كانت هناك الثيران والكلاب مستعدة دائماً للهجوم عليه.

وإن كان قد تم لهؤلاء الأردياء أخيراً ما أرادوا، فقتلوه معلقين إياه على خشبة، وبعدما أنزلوه عن الخشبة وضعوه في قبر ظانين أنهم أحرزوا النصر المبين، فإنهم لم يعلموا أنه هو أيلة الصبح؛ الشمس التي عادت للإشراق بعد الغروب. فلقد أقامه الله من الأموات، وهو الآن حي إلى أبـد الآبديـن.

هذا المزمور بناء على ما سبق ليس موالاً حزيناُ لليل بلا إشراق، ولا هو مرثاة لمأساة بلا رجاء، بل هو أغنية صبح أتى في أعقاب ليل «عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنم» (مز30: 5). نعم إنها أنشودة فجر القيامة بلحنه المبهج «أخبر باسمك اخوتي، في وسط الجماعة أسبحك». لذلك فإنها لإمام المغنين (المسيح) على أيلة الصبح (القيامة).

****

بل إن المسيح نفسه هو أيلة الصبح, والمشابهة بين أيلة الصبح وبين ربنا المعبود يسوع المسيح يمكننا أن نتتبعها في سبع نقاط تحكي لنا قصته الحلوة من البداية إلى النهاية.

1- طهارته

نفهم من سفر اللاويين أصحاح 11 أن الأيل من الحيوانات الطاهرة وذلك لأنه يجتر وأيضاً لأنه يشق الظلف. ولذلك كان الإيل ضمن الأطعمة التي تقدم على مائدة سليمان (1مل23:4)، إذ أنه من ألذ وأشهى أنواع اللحوم.

والشرطان اللذان كانا على أساسهما تحسب البهائم طاهرة كانا يضمنان سلامة لحم الحيوان، وخلوه من الأمراض. فالحيوان الذي يجتر يجيد هضم الأكل، فيستفيد من طعامه بصورة أفضل، كما يمكنه التخلص من الأشياء الضارة قبل أن تصل إلى لحمه، وكذلك الذي يشق الظلف، فيكون تعرضه أقل للتلوث من سيره فوق الأرض، مقارناً بالحيوانات ذات الأرجل المفلطحة الملامسة للأرض الملوثة.

ولنا في هذين الشرطين دروس روحية أهم. فلكي يكون الإنسان طاهراً، يجب أن يشق الظلف روحياً، فلا يتلوث من سيره فوق هذه الأرض الملوثة. وأيضاً يجيد هضم ما يأكله روحياً؛ إذ أنه «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (مت4: 4).

هذان الشرطان لم ينطبقا تمام الانطباق سوى على شخص واحدٍ فقط، هو شخص المسيح الذي تم فيه تطويب المزمور الأول، فمن جهة شق الظلف يقول المزمور إنه «لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس». ومن جهة الاجترار يستطرد المرنم قائلاً «لكن في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً».

لم يسلك المسيح مطلقاً «في مشورة الأشرار» بل نقول إنه لم يسلك ولا حتى في مشورة الأبرار؛ إنه لم يأخذ مشورة سوى من الآب فقط. لقد حاول الكثيرون أن ينصحوا الرب يسوع؛ المطوبة أمه، اخوته، تلاميذه، مرثا ومريم (يو2: 3، 7: 3،4 ، 11: 8، 21، 32)،... لكنه لم يتحرك ولم َيسِر سوى بتعليمات الآب. لقد كان لسان حاله - تبارك اسمه - «أبارك الرب الذي نصحني» (مز7:16).

فإن كان يوجد شخص وطأت قدماه هذه الأرض وهو طاهر بكل معنى الكلمة، فهو ذلك الشخص الفريد ربنا يسوع المسيح. نحن طاهرون لأنه طهر بالإيمان قلوبنا، أما هو فطاهر ذاتياً «هو طاهر» (1يو3: 3). لقد كان من مولده قدوساً، كما في كل حياته كان قدوساً.

ثم إنه هو الطاهر تماماً؛ من الداخل ومن الخارج. قد تبدو الناس جميلة من الخارج، ولكنها تكون ممتلئة من الداخل بالدنس. فكلمة جميلة جاءت في العهد الجديد مرة واحدة، مرتبطة - ويا للعجب - بالقبور!! «قبور مبيضة تظهر للناس جميلة وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة» (مت27:23). هكذا الإنسان في أحسن صوره. أما الرب فهو في ذلك كما في كل شيء آخر أبرع جمالاً من بني البشر. إنه المحرقة الكاملة والتي عندما يسلخ جلدها وتقطع إلى قطعها يظهر ما فيها من صحة وكمال، وهو تقدمة الدقيق الخالية من الخمير والذي عندما نفتها فتاتاً يظهر ما فيها من تناسق إلهي عجيب.

2 ـ سلوكه

الأيل لا يعيش في المدينة، بل يهوى حياة البراري. من أجل ذلك يسمى في سفر النشيد «أيائل الحقل» (نش5:3)، فحياته ترتبط بهذا المناخ الطبيعي الهادئ.

ويتكلم حبقوق عن صفة أخرى للأيائل؛ وهي مقدرته على تسلق المرتفعات وشغفه في الوصول إلى القمم العالية «الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالأيائل ويمشيني على مرتفعاتي» (حب19:3). يلذ لكثير من الفنانين أن يرسموا الإيل واقفاً شامخاً فوق قمم الجبال، حيث الجو النقي الهادي.

هكذا المسيح، فكثيراً ما كان يقضي لياليه في صلاة مع الله، سواء في مواضع خلاء، أو فوق أحد الجبال. ولذلك أمكنه أن يطأ الصعاب والمشقات بأقدام ثابتة.

ولنا في بشارة مرقس 1: 35-37 جانب من سلوك العبد الكامل، إذ قام في الصبح باكراً جداً وخرج ومضى إلى موضع خلاء ليصلي، مع أنه كان خارجاً من يومٍ طويل من العمل المستمر والخدمة المتواصلة. كما لنا في إنجيل لوقا جانب من سلوك الإنسان الفريد، فيقول لنا إنه قضي الليل كله في الصلاة لله (لو9: 12). وفي مشهد آخر نجده يأخذ بطرس ويعقوب ويوحنا، ويصعد بهم إلى جبل عال منفردين. ومن قول البشير «صعد بهم» نفهم أن هذا كان دأبه دائماً. وبينما تثقل تلاميذه بالنوم كان هو في جو الشركة مع أبيه، وفي أثناء صلاته الهادئة تغيرت هيئته، وأضاء وجهه كالشمس. إنه بحق رجل الشركة الحقيقي.

3 ـ قوته

إن كلمة "أيَّل" مشتقة من اسم الجلالة "إيل" الذي ورد في أول المزمور، كما نفهم من القول الذي نطق به المسيح من فوق الصليب «إيلي إيلي لما شبقتني؛ أي إلهي إلهي لماذا تركتنـي؟».

وإن كان إيل يعني قوي، فإن الأيل بتشديد حرف الياء؛ تعني القوي جداً. ورغم أن الأيل شديد القوة؛ إلا أنه غير مؤذ. هناك حيوانات أقل منه في القوة، إلا أنها شرسة ومؤذية، أما الأيل فإنه لا يستخدم قوته في إيذاء غيره. هكذا المسيح؛ فمع أن له قوة لا يضاهيه فيها أحد، فإنه لم يستخدم تلك القوة إلا في خدمة الآخرين.

يلقب النبي أليشع بنبي النعمة، ذلك لأن المعجزات التي عملها كان طابعها العام هو النعمة. ومع ذلك فقد عمل أيضاً ثلاث معجزات قضاء. فلقد لعن الصبية الساخرين في بيت إيل فخرجت دبتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولداً (2مل24:2). وعندما كذب عليه جيحزي قال له «برص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد» (2مل27:5). كما نطق بالقضاء على جندي الملك غير المصدق لأقوال الله قائلاً له «إنك ترى بعينيك ولكن لا تأكل منه، فكان له كذلك. داسه الشعب في الباب فمات» (2مل2:7،18-20).

أما المسيح فلقد ذكرت له البشائر الأربع 35 معجزة تفصيلياً أظهرت حقاً قوته، لكننا لا نجد فيها ولا معجزة واحدة لضرر أحد من البشر رغم أنه تضرر كثيراً منهم، ومراراً عديدة حاولوا قتله.

لقد فتّح الرب أعين سبعة رجال، لكنه لم يعمي أحداً، كما فعل أليشع مثلاً (2مل6: 18)، مع أنه من السهل جداً أن تعمي أحداً، بينما من المستحيل أن تعيد البصر للأعمى. إنه بحق الأيل القوي؛ بل شديد القوة، إلا أنه استخدم قوته لخير النفوس وبركتها.

وما أمجده في آخر عمل له قبيل الصليب، حيث لن يعود يستخدم قوته بعد ذلك، لأنه «صُلِب من ضعف» (2كو13: 4). إن آخر شيء فعلته يداه قبل أن توثقا هو إبراء أذن عبد رئيس الكهنة التي قطعها بطرس بسيفه. لقد استخدم الرب له المجد يديه الكريمتين قبل أن يوثقوه لإبراء أذن ذلك العبد الجاحد قاسي القلب.

والمسيح ليس فقط لم يؤذ الآخرين، بل أيضاً لم يستخدم قدرته لنفسه قط. فهو لم يصنع معجزة واحدة لنفسه، وإن كان عمل لغيره الكثير.

عندما كان الرب صائماً في البرية أربعين يوماً وجاع أخيراً، جاءه الشيطان كمن يريد أن ينصحه وقال له «إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً» (مت4: 3). لكنه لم يفعل، فهو «لم يرض نفسه» (رو15: 3)، بينما عندما جاءه آلاف من البشر لم يصرفهم جياعاً لئلا يخوروا في الطريق، وهكذا بارك الخبزات والسمك وأشبع الجميع، وفضل عنهم (مت14: 15-21، 15: 32-38).

إنه هو الأيل القوى، لكننا نراه في هذا المزمور لا يستخدم قوته، وبمنتهى الضعف يصنع الخلاص العظيم!!

4- وداعته

إن الأيل في طبيعته وديع رقيق. وهو في هذا في مباينة كاملة مع باقي الحيوانات المذكورة في المزمور. فنقرأ عن «ثيران كثيرة؛ أقوياء باشان»، وعن «أسد مفترس مزمجر»، وعن «كلاب»، وعن «الكلب» (بالمفرد)، وعن «الأسد»، وأخيراً عن «بقر الوحش». هذه الحيوانات الشرسة المفترسة كانت كلها حول أيلة الصبح!

تخيل أحدهم أن كانت هذه الأيلة نائمة في هدوء وأمان، وما أن بزغت شمس الصباح مبددة ظلمة الليل إذ بها ترى حولها مجموعات من الضواري تحيط بها من كل جانب .. فماذا تفعل هذه الأيلة الوديعة المسالمة؟

هذا عين ما حدث مع المسيح. لقد أحاطت به منذ الصباح الباكر كل أنواع الوحوش الكاسرة. تفكر فيه في بداية حياته؛ وهو بعد طفل صغير، دون الثانية من عمره، كيف أراد ذلك الملك الدموي أن يقتله (مت2). ثم تأمله على مدى حياته كيف كان الأشرار دائماً على أتم الاستعداد لقتله (مت12: 14، لو4: 29، يو5: 18، 7: 19،25، 8: 59، 10: 31)، إلى أن نصل إلى مشاهد الصليب وعندئذ تجمع كل العالم السياسي والديني ضده، عندما ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل، قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معاً على فتى الله القدوس يسوع (أع4: 24-28).

تأمل جماعة العسكر وهم يسخرون به .. يصفعونه على وجهه ويلكمونه، ويلطمونه .. بل تأملهم وهم بكل قسوة يضعون إكليلاً من شوك ويغرسونه على رأسه الكريم، ويلبسونه أرجواناً إمعاناً في التهكم به.. ثم تأمل في رؤساء الكهنة وهم بكل شماتة وحقد يعيرونه وهو على الصليب قائلين له «خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فينزل الآن عن الصليب» (مت27: 42). بل تأمل الجموع من حول الصليب وهم يجدفون عليه ويهزون رؤوسهم «قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب» (مت27: 40)، فماذا كان رده على هؤلاء جميعاً سوى صلاة لأبيه طالباً الغفران لهم!

5- أشواقه

يتميز الأيل بعطشه وتلهفه الشديد إلى الماء، وهذا ما نعرفه من مزمور 42 الذي يفتح بالقول «كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه». ويقال إن الأيل له حاسة شم قوية حتى أنه يميز أماكن وجود الماء من على بعد، ومن ثم يركض نحوها بلهفة وشوق. إن كلمات ذلك المزمور والتي تعبر عن شوق الأيل للماء «عطشت نفسي» تعيد إلى ذاكرتنا واحدة من عبارات الرب وهو على الصليب «أنا عطشان». قد يبدو أن الرب قال هذه العبارة لاحتياجه للماء، ولكن دعنا لا ننسى أنه كان يعلم أنهم لن يقدموا له الماء بل الخل. فهو من الناحية الواحدة كان يعلم مسبقاً بكل ما سيحدث له (يو 18: 4)، ثم أنه قال ما قال لكي يتم الكتاب «وفي عطشى يسقونني خلاً» (يو19: 28، مز20:69). ولهذا فإنه بمجرد أن أخذ الخل قال: قد أكمل. فإن كان الرب قال ذلك لا ليروي ظمأه بل «لكي يتم الكتاب»، فلأي شيء إذاً كان عطشانَ؟ نعم إن جسده كان في أشد الاحتياج إلى الماء، ولكن نفسه كانت عطشانة إلى شيء آخر. وعندما نقارن عباراته التي نطق بها من فوق الصليب ببعض، نجد أنه في العبارة الرابعة قال «إلهي إلهي لماذا تركتني»، وبعدها قال «أنا عطشان» وكأنه يقول لله لماذا تركتني فإني عطشان إليك؟ وهذا يتمشى مع ما جاء في مزمور 42 «عطشت نفسي إلى الله، إلى الإله الحي، متى أجيء وأتراءى قدام الله». لقد ظل ثلاث ساعات محروماً من الشركة والعلاقة مع الله، ومرت عليه هذه الساعات كأنها دهر طويل. وبعد أن تمم آخر نبوة عنه قال «قد أكمل»، وبعدها مباشرة قال «يا أبتاه في يديك أستودع روحي».

إنه الأيل العجيب الذي يعطش إلى الشركة مع الله، وكم أظهر عطشه إليه خلال كل حياته، بل أظهر نفس الشوق حتى وهو معلق فوق الصليب متروكاً من الله، صارخاً «إلهي إلهي لماذا تركتني»!

6- قيامته

إن أيلة مزمورنا ليست مجرد أيلة، بل - كما رأينا في الفصل الأول - هي «أيلة الصبح»، وهو تعبير يشار به كما فهمنا، إلى شروق الشمس من جديد بعد مغيب. إن الكتاب المقدس من أصحاحه الأول يكرر ست مرات القول «وكان مساء وكان صباح يوماً (واحداً)»، فالمساء لابد أن يعقبه صباح. وهكذا مزمورنا لا ينتهي بموت المسيح، بل هناك بعد الموت قيامة.

والمسيح بعد أن مات، وفي ظلام القبر بات، فإنه قام ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يُمسَك منه. وعندما مضت النساء إلى القبر في فجر يوم قيامته، فإنهن وجدن الحجر مدحرجاً عن القبر، ولم يجدن جسده، بل رأين ملاكين في ثياب براقة قالا لهن «لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟ ليس هو ههنا لكنه قام. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة، ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم» (لو24: 5-7).

هذا هو المعنى المستفاد من أيلة الصبح. وهو ما يُختم به مزمور 22 فهو يختم بالحديث عن قيامته وانتصاره على الموت، وسجود كل المفديين له. لذا يحق لنا أن نرنم قائلين:

هللويا قد تحقق الخبر قام حقاً، شوكة الموت كسر

7- أقواله

في بركة يعقوب لأولاده الإثني عشر، عندما عندما وصل إلى نفتالي والذي يعنى اسمه "مصارعة"، والذي يذكرنا بالمصارع الأعظم الذي انتصر في جثسيماني وفي الجلجثة، قال يعقوب عنه «نفتالي أيلة مسيبة يعطي أقوالاً حسنة» (تك21:49). ألا تذكرنا تلك الأيلة المسيبة بالمسيح وقد حُل من أكفان القبر وقام من الأموات؟ والأقوال الحسنة التي تعطيها تلك الأيلة المسيبة ألا تذكرنا بكلمات المسيح المقام؟ فعندما قام الرب له المجد ظهر أولاً لمريم المجدلية. وما كان أحسن الأقوال التي قالها لها بعد أن كفكف دموعها؛ قال لها «اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم؛ إني أصعد إلى أبي وأبيكم» (يو20: 17). وبعد ذلك ظهر لتلاميذه وقال لهم مرتين «سلام لكم» (يو20: 19،21).

وفي هذا المزمور، بمجرد أن أشار إلى القيامة في ع21، فإنه أشار إلى أقواله المباركة «أخبر باسمك إخوتي، في وسط الجماعة أسبحك». ولازال الرب يخبرنا باسم أبيه كلما اجتمعنا حوله. وإن كان رائعاً ما يقوله لنا الآن، فما أروع ما سيقوله لنا هناك عندما يُدخلنا إلى حجاله، ويكون علمه فوقنا محبة، ومن قصور العاج يحكي لنا من جديد قصة الحب العجيب! فمتى تأتي يا ربنا، ونورك ينهي المساء!

هذا هو أيلة الصبح .. الأيلة الطاهرة الوديعة والبهية، الذي مرة أحاطت به الوحوش والضواري من كل جانب، والذي مررته ورمته واضطهدته أرباب السهام، والذي لأجلنا احتمل الألم بصبر، وبعد أن ذاق الموت بنعمة الله، فإنه قد قام من الأموات غالباً منتصراً، فبدد الظلام إلى الأبد!

إننا نهتف لك يا من بلطفك ورقتك ووداعتك أسرت قلوبنا، بل ويا من في حبك مهرتنا لنفسك بالألم المبرح والدم المسفوك، قائلين«حبيبي هو شبيه بالظبي أو غفر الأيائل» (نش2: 9). وفي شوق قلوبنا الملهوفة لأن تراك نضيف قائلين «اهرب يا حبيبي وكن كالظبي أو كغفر الأيائل على جبال الأطياب» (نش8: 14).

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

 

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.