لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تأملات في سفر الأمثال

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح السابع عشر

بالعدد الأول من هذا القسم نعود إلى العددين 16و17 من ص15.

1. لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام.

نذكر أن أجزاء من ذبائح السلامة كان يأكلها مقدم الذبيحة وأصحابه؟ وهذه هي الذبائح المشار إليها هنا. فمثل هذه الوليمة من المفروض أنها مظهر تقوى من جانب المضيف ومعارفه الآخرين (لا2: 3؟7: 31). لكن إذا ما شوّه الخصام والشقاق جمال تلك الوليمة؟ فإنها تفقد طابعها الكريم. ذلك أن لقمة يابسة مع سلام وهدوء؟ تُفضَّل كثيراً عن مثل ذلك الاحتفال غير اللائق.

وبتصرف شبيه بهذا كان الكورنثسيون قد أساءوا ممارسة عشاء الرب؟ إذ جعلوه فرصة وليمة عامة؟ ساد فيها الخصام وروح التحزب. والرسول إذ أخذ يوبخهم؟ أمرهم أن يأكلوا وجباتهم الخاصة في بيوتهم في هدوء حتى لا يجتمعوا معاً للدينونة (1كو11: 17-22).

2. العبد الفطن يتسلط على الابن المخزي ويقاسم الإخوة الميراث.

إن العبد الذي يمكن الاعتماد عليه؟ خير من الابن السيئ التصرف. ومثل هذا الابن لن يلوم سوى نفسه إذا لم يمنحه أبوه إلا النذر اليسير؟ أو إذا حرمه إطلاقاً؟ بينما يذكر العبد الذي تتجلى أمانته في أداء واجباته؟ كواحد من أهل البيت. على أنه برغم هذا لا يمكن للعبد الأجير أن يملأ قلب الآب بالفرح الذي يقدمه الابن المطيع. انظر العازر الدمشقي (تك15: 2؟3).

3. البوطة للفضة والكور للذهب وممتحن القلوب الرب.

إن التجارب والضيقات لقديسي الله هي كالبوطة والكور من حيث تنقية المعادن الثمينة. «الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيراً بتجارب متنوعة لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح» (1بط1: 6؟7).

إن الصانع يعرف مقدار النار اللازم لتنقية الزغل ويحرص على أن لا يتجاوزه؟ هكذا الأمر مع إلهنا وأبينا. فإنه تبارك اسمه يريد أن يخلصنا ويحررنا من دنايا العالم؟ فيسمح أن نجتاز نيران الضيق ليصل إلى غرضه فينا. لكنها في الحق حقيقة ثمينة أن نعلم أنه يجلس بجانب البوطة؟ حتى يرى صورته تنعكس على نفس القديس. وأنه يمشي أو يتمشى في الكور؟ أي الأتون؟ مع أولاده المضطهدين. انظر بني لاوي والثلاثة الفتيان العبرانيين (ملا3:3؟ دا 3: 19-26).

4. الفاعل الشر يصغي إلى شفة الإثم والكاذب يأذن للسان فساد.

عندما يكتم القلب إثماً فإن الأذن تكون على استعداد فوراً أن تصغي للشفاه الكاذبة واللسان الشرير. أما مستقيمو القلب فيتعلمون كيف يعرفون صوت المضل ويرفضون أقواله. في حين أن النفس الظالمة الباطلة تنسجم مع من هم على شاكلتها. انظر شعب يهوذا؟ والكهنة والأنبياء الكاذبين (إر5: 30؟31).

5. المستهزئ بالفقير يعير خالقه؟ الفرحان ببلية لا يتبرأ.

قارن هذا بما جاء في ص 14: 21. إن الرب قد ترك الفقراء دائماً معنا؟ لكي نتعلم بهم كيف تتحرك أحشاؤنا بالعطف والتقدير من نحو الذين يجتازون ظروفاً أقل ملائمة من ظروفنا. فالاستهزاء والاستخفاف بهم بسبب فقرهم معناه تعيير ذاك الذي سمح أن تكون ظروفنا متباينة.

حينما تحدث بلية لواحد. عوض عن أن نحوطه برثاء المحبة؟ فإذا بنا نجد في قلوبنا فرحاً لأحزانه؟ ولكن هناك ديان لا يحابي الوجوه؟ يعنى بأن يفتقدنا بدورنا. ولا ننسى أن شكوى الله من أدوم هي أنه كان يشمت بقصاص شعبه؟ والنتيجة أنه هو أيضاً حوكم (عو12-16).

6. تاج الشيوخ بنو البنين وفخر البنين آباؤهم.

ليس أحلى لقلب الرب من الوحدة والتآلف في العائلة؟ فالشيوخ يجدون شبابهم قد تجدد في بني بنيهم؟ بينما يوقر الأحداث آباءهم ويكرمونهم بإطاعة تعاليمهم. هذا هو البيت المثالي حيث تتم السياسة العائلية بحسب الله؟ وتسيطر المحبة على كل قلب. وطوبى للأسرة التي يُرىَ فيها المثال الإلهي. انظر يعقوب وابني يوسف (تك48: 8-22).

7. لا تليق بالأحمق شفة السؤدَدِ كم بالأحرى شفة الكذب بالشريف.

إن الأقوال الحسنة التي تصدر من فم الشرير؟ كريهة وفي غير مكانها؟ لأن الحياة العملية تبرهن على عكسها. لذلك ينفر منها الرجل المستقيم. ومن الجهة الأخرى يقولون في الدنيا؟ الجاه يفرض التزاماً؟ فالكلام الباطل والتصرف الباطل من جانب شخص ينظرون إليه كزعيم قومه؟ شيء ينددون به. ذلك لأنهم يحسون بالغريزة أن من يتزعم ويقود الآخرين ينبغي أن يكون هو نفسه حراً. إنهم يتجاوزون عن النقص في الكفاية؟ أو انعدام الذكاء المتوقد أو المواهب الطبيعية أو المكتسبة؟ أما الزيف والرياء؟ فذلك أمر لن يغفروه. والانسجام الذي بهذا المعنى كان هو السبب في التساؤل التهكمي «أشاول أيضاً بين الأنبياء؟» (1صم10:10-12)؟ وذلك يوم كان شاول يتكلم «بشفة السؤدد». ونفس الإحساس حدا بغير المتجددين أن يذكروا بالتنديد إنكار إبراهيم لزوجته؟ فإن مقامه الرفيع ومكانته الجليلة؟ هي التي جعلت خطيته أكثر افتضاحاً (تك20: 1-13).

8. الهدية حجر كريم في عيني قابلها حيثما تتوجه تفلح.

إن الهدية المقدمة رمزاً لمودة مخلصة واحترام؟ لها قيمتها الكبيرة عند قابلها. وتمهد السبيل لكثير من القيم. ومن يريد أن يجد المحبة يجب أن يعطي؟ لا أن يقبل ويأخذ فقط. لكن لاحظ أن الهدية خلاف الرشوة (راجع ع23)؟ فإن هدايا يوناثان لداود استطاعت أن تعزز وتساند صداقتهما بإظهار المحبة التي كانت في قلبه (1صم 18: 3؟4).

ومن الناحية الروحية لنذكر أن المسيح صعد إلى العلاء وأعطى الناس عطايا (أي هدايا)؟ ليس لاستخدامها في تعظيم الذات؟ بل لخدمة الكنيسة. على أنه إذا ما استخدمت العطية استخداماً صحيحاً؟ فإنها تكون مستودع نعمة تمنح قابلها ترحيباً وقبولاً بين من يقدّرون أمور الله.

9. من يستر معصية يطلب المحبة ومن يكرر أمراً يفرّق بين الأصدقاء.

عد يا أخي إلى الملاحظات السابقة عن ص10: 12؟11: 13. واذكر أن من يستر المعصية يتمثل بالله ويحبه الجميع. لكن الذي يكرر أمراً بقصد الإساءة لغيره؟ فإنه يستمد قدوته من ذلك الروح الشرير الذي يسمى «المشتكي على اخوتنا».

بيد أن ستر المعصية؟ ليس معناه الاستخفاف بالخطية؟ والسماح للإثم في الآخرين أن يأخذ طريقه دون توبيخ. بالعكس هو يعني أن تذهب بنفسك إلى أخيك المخطئ؟ مدفوعاً بالرقة واللطف الأخوي؟ لكي تدرب ضميره فيما يتعلق بمسلكه الذي يجلب الإهانة على سيده. فإذا نجحت مساعيك؟ فلا ينبغي أن تذكر الخطية مرة أخرى. لقد سُتِرت ولا يجب أن يعرف أحد شيء عنها.

ولكن من أسف أن ذلك قلما يحدث بيننا! فإن الشر سرعان ما يذاع؟ والنميمة تعمل سراً؟ وهكذا يتنجس الكثيرون وتذبل المحبة وتهدم الشركة.

إن الشخص الذي يجول مردداً أموراً ليس لها ضرورة فعلية؟ إنما هو يورط نفسه في مهمة تاعسة. ذلك أنه يفرق الأصدقاء الأعزاء عن طريق خطواته الذميمة ويجلب التعيير على اسم الرب. إنها لمأساة أن شعب الله غير متنبه إلى هذا الطابع الشرير؟ طابع النمام. إنه يجب الابتعاد عن مثل هذا الشخص؟ كما يُبتعد عن الأبرص النجس الذي ينجس من يصغي إليه.

إن الله وحده هو الذي يجب أن يسمع قصة عار الأخ المحزنة. ففي أذنيه تعالى يجب أن يسكب كل شيء مصحوباً بصلاة حارة لرد نفس الأخ الذي ضل. أما إذا أصررت على إذاعة بيانات عن أخطاء أحد الاخوة في آذان القديسين رفقائك؟ فأنت إنما تحزن وتؤذي من تحاول أن تجعلهم يصغون إليك. وفي الواقع قليلون هم الأشخاص الذين يستطيعون أن يأكلوا ذبيحة الخطية في مكان مقدس؟ والذين حين يصل إلى مسامعهم خبر خطية أحد اخوتهم يحزنون ويأخذونها فرصة لإدانة الذات والاعتراف من جانبهم للرب.

قال واحد: لو أغواك من يريدك أن تقص عليه أشياء معيبة عن أخ غائب؟ فمن الأفضل أن تسائل نفسك هذه الأسئلة الثلاثة: هل الأمر صحيح؟ وهل هذا من المحبة؟ وهل هو ضروري؟ وأنا أضيف سؤالاً رابعاً: هل تكلمت مع أخي الغائب عن هذا الأمر شخصياً؟ وإنني أتصور أن نتيجة هذه الخطوات ستغلق الباب في وجه كثير من التقولات.

لقد كان ناثان النبي حازماً؟ استطاع أن يوبخ في دائرة خوف الله؟ وأن يستر الخطية حينما ظهرت التوبة (2صم12). بينما نرى في سنبلط مثال النمام الذي سعى جهده لإيجاد فرقة بين نحميا واخوته بمحاولة زعزعة ثقتهم في نزاهته واستقامة مسلكه (نح6).

10. الانتهار يؤثر في الحكيم أكثر من مائة جلدة في الجاهل.

أدِّب الجاهل بقسوة؟ فلن يكف عن التمسك برضائه عن ذاته. ولكن انتهر الحكيم بلطف ولا شك أنه يتأثر ويحزن. الأول واقع تحت تأثير رأيه التاعس عن نفسه بأنه لا يوجد من هو أكفأ منه. والآخر يدرك ويتحقق قصوره فيقبل النصيحة والتوبيخ بقلب شاكر. وازن بين أبيمالك وهيرودس (تك25:21؟26؟لو19:3).

11. الشرير إنما يطلب التمرد فيطلق عليه رسول قاس. 12. ليصادف الإنسان دبة ثكول ولا جاهل في حماقته. 13. من يجازي عن خير بشر لن يبرح الشر من بيته.

لا شيء يزعج المتعجرف المتمرد سوى كبح جماحه عن طريق السلطة الشرعية. إنه يعيش على الغدر والعصيان. ولذلك يجب أن يعامل بالقسوة. ومنازعته تشبه مصارعة وحش هائج انتزعت أولاده منه. إنه يجازي عن الخير بشر؟ من أجل هذا لن يبرح الشر بيته «أما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة» (كو25:3).

14. ابتداء الخصام إطلاق الماء فقبل أن تدفق المخاصمة اتركها.

إن فتحة أو ثغرة صغيرة في خندق؟ يمكن وقفها بقطعة صغيرة من الحصا متى لوحظت في مبدأ الأمر. ولكن إذا أُهمل علاجها؟ فإن الثغرة تزداد اتساعاً؟ إلى أن تجرف المياه الدافقة كل ما في طريقها. هكذا الخصام. فكم من خصومات طويلة الأمد؟ بدأت بقليل من الكلمات الهوجاء؟ التي كان يمكن علاجها فوراً لو ندم عنها واعتذر قائلها؟ وكان يمكن منع سنوات من الحزن والألم. لقد قال روح الله مرة «اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم» (أف4: 26). ولو أن كل القديسين أطاعوا حرفياً هذه الوصية البسيطة الصريحة؟ لتجنبوا كثيراً من أوجاع القلب! وطوبى لمن يضع رأسه ليلاً على الوسادة وهو عالم أنه لا توجد أعمال هوجاء أو أقوال غاضبة لم يندم عنها؟ ولم يعترف بها لمن أخطأ في حقه. إنه بذلك يتجنب خسارة صديق إلى الأبد؟ لو لم يكن قد أصلح الثغرة في الحال في خوف الله؟ لأنه كلما تتعاقب أيام وأسابيع الاتهامات وما يقابلها؟ وتلاحقها شهور من إثبات الاتهامات أو نفيها؟ فإن المصالحة تكون عملية شاقة. لذلك فمن الأفضل كثيراً أن يتضع الإنسان ويتحمل الخطأ في البداية إذا لزم الأمر؟ عوض أن يحزن روح الله القدوس ويجرح قلوب رفاقه القديسين بفترة طويلة من الخصام الذي لا ظل فيه للمسيحية الحقة؟ والذي يترك خلفه جراحاً لن يمكن الشفاء منها. حتى ولو أمكن الشفاء؟ فلا بد أن تخلف ندوباً لا يمكن أن تزول. انظر بولس وبرنابا (أع15: 35-40).

15. مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب.

إن تبرير الشرير وإدانة البار معناه تسمية الشر خيراً والخير شراً (أش5: 20). إن الله يريد أن يكون الحكم طبق الحق؟ أما عكس ذلك فمكرهة لديه. إن التبرير معناه إعلان البراءة؟ والله يبرر الفاجر على أساس عمل المسيح الكامل؟ بمعنى أنه يبرئ الخطاة المذنبين من كل تهمة؟ حينما يضعون ثقتهم في ابنه ويتحولون إليه نادمين. على إن جعل هؤلاء الخطاة مستقيمين في حياتهم أمر يختلف عن هذا كل الاختلاف. وهو ينتج عن التبرير بالضرورة؟ لكنه ليس التبرير ذاته. هذه نقطة هامة إذا شئنا أن نفهم؟ على الوجه الصحيح؟ تعاليم النعمة المسيحية؟ كما هي معلنة في رسالتي رومية وغلاطية.

وتبرئة المذنب هنا؟ معناها غض الطرف عن الخطية. والتجاوز عن الإثم؟ دون كفارة ملائمة؟ بينما تذنيب البار؟ معناه حسبان البر شراً لا خيراً. ومثل هذا التصرف غير محتمل في نظر الديان العادل. هذه هي خطية بيلاطس المرعبة؟ حيث أنه؟ لكي يرضي الشعب؟ أطلق باراباس المذنب وحكم على الرب. وفي نفس الوقت كان قد أعلن براءة الرب التامة قبل الحكم عليه بلحظات (مت27: 24-26).

16. لماذا في يد الجاهل ثمن؟ ألاقتناء الحكمة وليس له فهم؟

لا فائدة للإنسان الذي لا يضع قلبه على طلب الحكمة؟ أن يحاول تعلمها بواسطة الحفظ عن ظهر قلب. فليس من ثمن يدفع لاقتنائها؟ إذا لم تكن الحواس مدربة للتمييز بين الخير والشر. قد يحصل الجاهل على بعض صور المعرفة عن طريق كثرة الدرس والتطبيق الذهني؟ غير أن هذا أمر يختلف كل الاختلاف عن امتلاك الفهم لمقاليد الكيان. ونحن إنما نعرف الحق بسلوكنا فيه. انظر سيمون (أع8: 18؟19).

17. الصديق يُحَبُ في كل وقت. أما الأخ فللشدة يولد.

إن قلب المسيحي يتحول؟ بنفس راضية؟ عن كل قدوة بشرية؟ مهما تكن مخلصة؟ ويدعو صديقاً واحداً لم تستطع سيول مياه الدينونة الدافقة أن تطفئ محبته؟ ولا تيارات الغضب أن تغمرها. إن ربنا يسوع المسيح هو ذلك الصديق الذي لا تتغير محبته؟ وهو؟ بلا منازع؟ الأخ الذي ولد للشدة. لكن عباراتنا هذه؟ لا تعني التسامح والتساهل مع تلك العاطفة المعوجة التي تنسى كرامة شخصه الكريم المبارك؟ فتدعوه «الأخ الأكبر»؟ وتطبق عليه ألقاباً غير كتابية من هذا النوع. ولكن كما نستطيع أن نعتمد في يوم الشدة على الأخ الفاضل الغيور؟ هكذا نقدر أن نعتمد على سيدنا المحبوب في ساعة العوز والتجربة. «إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى» (يو13: 1).

وإنه لشيء كريم بما لا يقاس للنفس أن تثبت في محبته. ولو أن ذرة من الشك تدخلت لتحجب جلال وعظمة عواطفه التي لا تخبو؟ فسرعان ما يحل؟ محل الفرح والسلام؟ كآبة واضطراب. أما إذا لم نسمح لأي شيء أن يعوق التمتع بتلك المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى خارج؟ فإن الحياة تكون حلوة حقاً؟ والشركة معه تكون أعز وأغلى كثيراً مما تمنحه أية صداقة بشرية.

إن كثيرين من القديسين عرفوا الرب كمخلصهم؟ ولكنهم لم يعرفوه كالصديق الحي المحب الودود؟ الذي يدخل في أحزانهم؟ ويحب أن يشاركهم في كل أفراحهم؟ وعندما نعرفه بهذه الصورة؟ فإننا نستطيع أن نواجه صعوبات طريق الغربة؟ في رباطة جأش؟ ويستطيع القلب أن يثق فيه كل ساعات التجارب. (انظر18: 24).

18. الإنسان الناقص الفهم يصفق كفا ويضمن صاحبه ضماناً.

ليرجع القارئ إلى ملاحظاتنا عن ص6: 1-5؟ 11: 15. فإن انعدام الرأي السليم هو الذي يدفع الإنسان لضمانة غيره؟ برغم تحذيرات كلمة الله المتكررة. إلا إذا كان على استعداد لاحتمال الخسارة؟ ومواجهة نتائجها. لقد ضمن بولس ابنه أنيسيموس (فل18؟19). كما ضمن يهوذا بنيامين (تك42: 17؟ 44: 32) وكلاهما عمل حساب النفقة. وكان مستعداً ليدفع آخر فلس.

19. محب المعصية محب الخصام. المعلي بابه يطلب الكسر. 20. الملتوي القلب لا يجد خيراً والمتقلب اللسان يقع في السوء.

الذين يحبون المعصية؟ يجدون لذة في الخصام والشقاق. وبذلك يظهرون محبتهم لطرقهم الخاصة؟ لأنهم يملّون من التقييد. وفي عجرفتهم يعلون أبوابهم؟ وهم بذلك يجلبون على أنفسهم الخراب والهدم؟ إذ وهم يمجدون أنفسهم؟ يقتربون من السقوط؟ وإذ لهم قلب ملتوٍ؟ فإنهم لا يجدون سوى الشر؟ لأن ألسنتهم المتقلبة؟ تحرك السوء. ولنا في "حانون" (2صم10) قصة مؤلمة ترسم آثار الكبرياء والتحدي البشري. ونتائجه المؤلمة.

21. من يلد جاهلاً فلحزنه ولا يفرح أبو الأحمق.

هذا العدد ليس بحاجة إلى تعليق؟ وهي حقيقة مؤلمة وواضحة يدركها الجميع. فإن حزن داود على أبشالوم؟ برهان على صدقها (2صم 18: 33؟ انظر أيضاً ع25).

22. القلب الفرحان يطيب الجسم والروح المنسحقة تجفف العظم.

(انظر 15: 13؟15). لا شيء يحطم الجهاز البدني مثل الكآبة والحزن. ولكن حين يمتلئ القلب بالفرح؟ فإن الكيان بجملته ينتعش. على أن بهجة المسيحي أشد أصالة من استهتار واستخفاف الشخص العالمي. وهو يستطيع في كل الظروف أن يفرح في الرب؟ وهكذا يرتفع فوق كل ما من شأنه أن يبعث الكآبة ويحني النفس. ثم بدلاً من أن يظهر سعادته وغبطته بأساليب العالم الفارغة الجوفاء؟ فإنه يستطيع أن يرنم وينشد في قلبه لمصدر وهدف أفراحه. يقول يعقوب «أمسرور أحد فليرتل» (يع5: 13). إن الإنسان العالمي يلجأ إلى مختلف الوسائل لكي يهدئ قلقه ويرفع روحه المعنوية. ومن هنا كان اشتراكه ومساهمته الفعالة في جميع أنواع الملاهي والتسليات؟ التي هدفه منها جميعها؟ النسيان. والعكس صحيح مع أولاد الله؟ فإنهم في مباهجهم ومسراتهم؟ يذكرون مركزهم ونصيبهم في المسيح. وازن الحالتين المختلفتين التي وُجد فيهما كاتب مزمور 116؟ حينما كان مشغولاً بذاته؟ ثم حين حلّق إيمانه إلى الله.

23. الشرير يأخذ الرشوة من الحضن ليعوّج طرق القضاء.

يحاول من يكسر القانون؟ وهو عالم بفعله الشرير؟ أن يرشو القاضي أو الموظف الذي يحقق جرائمه. مثل هذا التصرف اعتراف ضمني بالذنب؟ وإنه من الصعب فعلاً أن تتصرف بأمانة مع شخص أنت مدين له بمعروف؟ ومن هنا كانت الحاجة إلى الرفض القاطع لأي شيء يقدم من الأشخاص المتهمين بمسلك خاطئ. عندما أرسل ملك بابل رسائل وهدايا لحزقيا؟ كان أن ذلك الملك التقي غفل عن مركزه؟ وتصرف دون الحصول على مشورة الرب كما فعل قبلاً يوم تسلم رسالة التهديد (إش 1:39 بالمباينة مع إش 37: 14).

24. الحكمة عند الفهيم وعينا الجاهل في أقصى الأرض.

إن تركيز الفكر على الهدف الوحيد الأكبر؟ لاقتناء معرفة الرب والسير معه؟ هو الحكمة التي من كل شيء قدراً؟ ولكن بلا هدف من هذه جميعاً. ومن هذه العينة أولئك الذين حذر بولس ابنه تيموثاوس ضدهم؟ واصفاً إياهم بأنهم تملك الفهيم؟ أما الجاهل الذي بلا هدف معين؟ فإنه يجول هنا وهناك؟ يتذوق مختلف النظريات ويأخذ «يجمعون لأنفسهم معلمين مستحكة مسامعهم» وهم بذلك لا يهتمون بحق الله الذي هو وحده الحكمة. ومن ثم ينحرفون إلى الخرافات «يتعلمون في كل حين ولا يستطيعون أن يقبلوا إلى معرفة الحق أبداً» (2تي3: 7؟4: 3؟4). وعكس ذلك على خط مستقيم؟ كان الطابع الذي ميز الرسول نفسه؟ الذي استطاع أن يقول «أفعل شيئاً واحداً» (في 3: 13).

25. الابن الجاهل غم لأبيه ومرارة للّتي ولدته.

(انظر ص10: 1 ثم17: 21). ليس الشاب وحده هو أكثر الناس معاناة حينما يُلقى التعقل في مهب الرياح؟ وينغمس في الحماقة والرذيلة؟ بل أبوه وأمه أيضاً.

ولا ريب أن قسوة حزن قلب أبيه ومرارة خيبة آمال أمه. لهي أحزان أعمق من أن تفصح عنها الأقوال. فإذ ولد لهما من يحتقر محبتهما ويحطم القيود؟ فذلك أمر مخيف حقاً. ومن أسف أنه قلما يتأثر قلب الشاب العنيف المتعجرف المتمرد بل يسير قدماً بلا رادع؟ وهو يزيد الغم غماً والويل ويلات. اقرأ عن الابن المعاند المارد في تثنية 21: 18-20.

26. أيضاً تغريم البرئ ليس بحسن. وكذلك ضرب الشرفاء لأجل الاستقامة.

إن تحريف العدالة من جانب الحاكم بمعاقبة أو تغريم الرجل الطيب؟ أو من جانب المحكوم بضرب الشرفاء بسبب استقامتهم كلاهما شر. ولا ننسى أن هذا ليس نادراً في هذا العالم؟ إذ من الشائع الانتقام من الأبرياء بقصد إخفاء مجرمين؟ وكذلك التمرد على الرؤساء الذين يخافون الله بسبب طرق استقامتهم التي تناقض وتناوئ الأثمة وروح العصر غير المستقرة. اقرأ قصة إسماعيل بن نثنيا والمذبحة التي نصبها للرئيس المستقيم جدليا ثم أعقبها بقتل ثمانين رجلاً من شكيم وشيلوه والسامرة لئلا يفضحوا أمر جريمته (إر41: 1-7).

27. ذو المعرفة يبقي كلامه وذو الفهم وقور الروح. 28. بل الأحمق إذا سكت يحسب حكيماً. ومن ضم شفتيه فهيماً.

راجع ملاحظات ص 12: 23؟ 15: 2. إن الأبله هو الذي دائماً يهذي. أما ذو المعرفة فإنه لا يتشدق دائماً بمعلوماته؟ هو وقور الروح ويستطيع أن ينتظر وقته. لكن الشخص الذي يتكلم كثيراً هو في العادة إنسان تافه المدارك وقليل المعلومات. وبين المسيحيين نرى أن صاحب اللسان غير الملجم لا يصلح للتمييز. بل صاحب المعرفة المحدودة يعد حكيماً إذا كانت أقواله قليلة. والمؤمن الذي يعيش في خوف الله؟ يقدّر قيمة الأقوال؟ الأمر الذي لا يفهمه الشخص عديم الاكتراث؟ لأنه يتذكر القول «إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين». وحتى ما اختبره من محبة الله ونعمته؟ لا يحدث الناس به دائماً في استهتار وخفة. لقد ظل بولس طوال أربع عشرة سنة يحتفظ بسر اختطافه إلى السماء الثالثة؟ حتى جاء الوقت المناسب وتحدث عنه (2كو12: 1-7). وبهذه المناسبة يحسن بنا أن نتعلم من أليشع كيف ضبط نفسه؟ وهويسير خلف إيليا (2مل2: 3).

الأصحاح الثامن عشر

ما من حقيقة يعلمها لنا الكتاب أكثر وضوحاً من حقيقة الحاجة إلى الانفصال بين الطاهر والنجس؟ بين من يحب الحق ومن يسلك ضده. فالانفصال عن الشر أمر لابد منه؟ وكل من يود أن يكرم الله لابد وأن يسلم بهذه الخطوة؟ سواء أكان الانفصال عن إخوان الشر؟ أم عن الشر التعليمي. والكلمة واضحة «أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم» (2كو6: 17). والسلوك بالانفصال عن كل ما هو نجس؟ ورفض الشركة مع الأشخاص الذين يشتركون في خطايا الآخرين؟ هو المسلك الوحيد الجدير بكل مسيحي يرغب في التمتع برضى الرب أكثر من أي شيء آخر.

على أن هنالك انفصالاً أو اعتزالاً يختلف عما أشرنا إليه؟ وهذا الاعتزال تدينه كلمة الله؟ هو ما في العدد الأول:

1  المعتزل يطلب شهوته. بكل مشورة (أو بكل حكمة صحيحة) يغتاظ.

فارق كبير بين شخص يعتزل عن الشر في طاعة وتواضع وخضوع لله؟ وآخر تدفعه الكبرياء والاستعلاء للانفصال عمن يرفضون الشر؟ وذلك ليطلب شهوته وملذاته. مثل أولئك الذين نقرأ عنهم في رسالة يهوذا «هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم (أي ليس لهم الروح القدس)» (يه19). أناس من هذا الصنف هم «مدمدمون متشكون سالكون بحسب شهواتهم وفمهم يتكلم بعظائم يحابون بالوجوه من أجل المنفعة» (يه16). وإنه لمن المحزن حقاً - كما هي الحال في كثير من الأحيان - أن يقع مسيحيون حقيقيون في نفس طرق هؤلاء المعترفين المزيفين. وهكذا نجد مؤمنين؟ هم بلا ريب مولودين من الله؟ وبلا ريب أيضاً موهوبون؟ ولكنهم بالطبيعة جامحون عنيدون. أمثال هؤلاء يسيرون مع إخوتهم طالما سلّموا بأقوالهم واعترفوا بسلطانهم؟ أما إذا وُجدت هناك نية لعدم اتباع مشورتهم؟ عندئذ تأبى كبرياؤهم أي محاولة لرفض مشورتهم. فإما أن يكون ما أشاروا به؟ وإما أن يتركوا الجماعة؟ ويبدأوا في مشروع أكثر ملاءمة لميولهم. هذه هي الطبقة التي تعتزل؟ ليس لمجد الرب؟ بل لملذاتهم. وإذ يفعلون ذلك؟ تثور فيهم عاطفة الغضب ضد كل حكمة؟ والافتراء على أولئك الذين لا يجعلون المكانة الأولى لآرائهم.

إن الاعتزال؟ أو الانفصال عن الشر بأنواعه؟ صواب وبحسب كلمة الله. غير أن الاعتزال عما هو من الله؟ إنما هو بدعة وهرطقة. معناه إعطاء الحرية للإرادة البشرية في أن تختار؟ متجاهلة سلطان كلمة الله؟ وروح الله.

كما أنه حتى في حالة وجود أمور لا تطيّب الخاطر بين أولئك الذين يطلبون أن ينقادوا حسب كلمة الله؟ أمور من الصعب إصلاحها؟ الأمر الذي يجعل الإخوة الأتقياء والحريصين يتحركون ببطء؟ فإن التحول عما أقامه الله؟ خطأ عظيم. فهي غلطة كبرى أن أعزل نفسي لأنني أزعم أن فلاناً يجب أن تؤدبه الجماعة. على أن مثل هذه الأمور إنما هي؟ حيث تتوفر الروح المتواضعة؟ فرصة طيبة لانتظار الرب؟ وتدريب ضمائر القديسين رفقائي. إنما الأشخاص العنيدون هم الذين يتناولون الأمور بأنفسهم؟ وإذ يعجزون عن التأثير على الضمائر الحساسة؟ يعزلون أنفسهم؟ ويهتاجون على إخوتهم. ولقد كان اسكندر النحاس رجلاً من هذا الصنف؟ إذ كان؟ كما يبدو؟ شريكاً لهيمينايس المذكور في 1تيموثاوس1: 20؟ وإذ ترك الحق؟ أصبح يقاوم المدافعين عن الحق في أشد مرارة (2تي4: 14؟15).

2. الجاهل لا يُسرّ بالفهم بل بكشف قلبه.

اقرأ ملاحظاتنا عن 15: 14. ما من شيء يميز الجاهل مثل ازدرائه بالتأديب؟ وعدم اهتمامه بالفهم. فهو يكشف؟ حتى لمجرد الأشخاص العابرين؟ عن الجهالة التي في قلبه؟ وذلك بالكلمات التافهة التي تتساقط من شفتيه. لاحظ توبيخ الرب للفريسيين الذين لا يسرون بالفهم (مت 23: 17-19).

3. إذا جاء الشرير جاء الاحتقار أيضاً. ومع الهوان عار.

إن التمرد على القيود والتصرف بموجب الإرادة الذاتية؟ ينشئ خزياً وتعييراً. ومن يعتز بثقة إخوته؟ وباحترام أصدقائه؟ لابد أن يظهر روح الخضوع من جانبه. الروح التي تنبئ عن ذهن صاحٍ؟ وشخصية مفكرة؟ تقدّر قيمة الكمال. وعكس هذه الروح تخلق الهوان آخر الأمر؟ مهما ارتفعت الرأس إلى حين. انظر فشحور (إر20: 1-6).

4. كلمات فم الإنسان مياه عميقة. نبع الحكمة نهر مندفق.

القلب هو النبع الذي تفيض منه هذه المياه. على أن تدبيرنا المسيحي يمتاز بسكنى الروح القدس في كل مؤمن؟ حيث يخلق ينبوعاً عجيباً للحكمة أكثر مما حصل عليه أحكم رجال العهد القديم. فالروح القدس هو الذي تكلم عنه سيدنا يوم قال «إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ» (يو7: 37؟38). لقد حاول المفسرون عبثاً أن يفتشوا عن فصل الكتاب الذي يشير إليه سيدنا المبارك؟ ولكن أليس من المحتمل أن الفقرة التي نتأمل فيها الآن؟ هي (وربما غيرها أيضاً) كانت في أفكار سيدنا وهو يتكلم؟ إن النفس العطشى تجد في المسيح «حكمة الله». وإذ تثق به تحصل على تلك السكنى الإلهية التي تجعل الحكمة؟ كنهر ماء يندفق من الكيان كله؟ لإنعاش وفرح الآخرين المساكين.

إن ربنا يسوع كان يلفت النظر إلى شهادة الكتاب بوجه عام؟ ولكن في هذا المثل نجد أن التشبيه المستعمل هنا هو عينه الذي استخدمه سيدنا لتصوير الحق الذي كان يعلنه له المجد. انظر استفانوس (أع 6: 8؟10).

5. رفع وجه الشرير ليس حسنا لأخطاء الصديق في القضاء.

كم من مرة نرى الديان العادل يشدّد على محاباة القضاء من جانب أولئك القائمين على تمثيله تعالى في محاكم الناس؟؟! وإذا كان تعالى يعلن نفوره من الأحكام الزائفة المغرضة التي تصدر من محاكم العالم؟ فكم بالحري تكون غيرته مضاعفة إزاء أحكام قديسيه! انظر كلمته بفم موسى والإعلانات المعطاة لنا بواسطة رسوله بولس (تث1: 16؟17؟16: 18-20؟1كو6: 1-7).

6. شفتا الجاهل تداخلان في الخصومة وفمه يدعو بضربات. 7. فم الجاهل مهلكة له. وشفتاه شرك لنفسه 8. كلام النمام مثل لقمة حلوة وهو ينزل إلى مخادع البطن.

(انظر ص26: 20-22). إن الجاهل على استعداد دائماً أبداً للخصام؟ وفمه يتفوه بأقوال طائشة مُرّة؟ متعللاً بأشد التعليلات تفاهة؟ كما أن شفتيه تطلبان التعنيف الصارم؟ وستكونان مهلكة له إذا لم يندم. إنه يُسرّ بالوشاية والفضائح؟ ينشر أقاصيص شريرة؟ وكأنها أطعمة مختارة تحت لسانه؟ وملأ قلبه بما هو نجس وملتوٍ. يعطي آذاناً مصغية للنمام الهامس ويقلد أساليبه. ومن هذا النوع كان قورح وداثان وأبيرام (عد16).

9. أيضاً المتراخي في عمله هو أخو المسرف.

الأول يضيع وقته؟ والآخر يضيع مقتنياته؟ وكلاهما إلى الفقر؟ كما فعل الابن الضال والابن غير المطيع (لو15؟مت21: 30).

10. اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع.

«اسم الرب»؟ كناية عن الرب نفسه. فإذ تركض إليه؟ كما إلى حصن منيع؟ معناه الثقة فيه وقت الضيق. وهذا هو امتياز كل قديس حقيقي. «لاتهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ (أي يحرس ويحمي) قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في4: 6؟7). نعم فإن كل ما يحيرنا ويضايقنا يجب أن نضعه في أذني إلهنا؟ وحينئذ تستطيع النفس أن تدع الكل بين يديه؟ واثقة في محبته. وهكذا يكون القلب في سلام؟ محروساً؟ كما في حصن منيع؟ مهما يكن هياج العدو. انظر صورة لهذا المثل في حصن أو برج تاباص (قض9: 50-57).

11. ثروة الغني مدينته الحصينة ومثل سور عال في تصوره.

كم يختلف حصن الإنسان هذا عن برج الرب. الإنسان؟ الذي إذ يجهل اسم الرب؟ يثق في ثروته؟ زاعماً في تصوره؟ أنه إلى الأبد في أمان. غير أن الغنى سرعان ما يزول؟ ويترك ذاك الذي جعله معتمده وموضوع ثقته؟ مهجوراً وحيداً. وكم من مرة وبّخ المخلص الكريم أولئك الذين يعتمدون على الغنى غير المضمون! (انظر بوجه خاص لو6: 24؟مر10: 24).

12. قبل الكسر يتكبر قلب الإنسان وقبل الكرامة التواضع.

راجع ملاحظات ص 16: 18. من الضروري جداً للأشخاص الذين يستسلمون للكبرياء؟ أن يتذكروا دائماً نتائج الكبرياء المرعبة. فهي النذير المحقق للكسر. ومن الجهة الأخرى؟ ترى أن التواضع بشير الكرامة. والله يسر أن يرفع المتواضعين. يقال أن الترجمة الهندية للكلمة "تواضع" هي "التراب". فهناك المثل السائر عندهم "سر أبداً على التراب؟ إنه لن يرد جواباً" فالتواضع معناه نسيان الذات؟ معناه روح الوداعة؟ الذي هو قدام الله كثير الثمن. ادرس جيداً كلمته لباروخ (إر45: 5)؟ وانظر كيف أن الشق الأول من العدد الذي أمامنا ينطبق على عزيا (2أي26: 16)؟ كما يتمثل الشق الآخر في ابنه يوثام (2أي6:27).

13. من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار.

إن الأحكام الطائشة القائمة على دليل من وجه واحد؟ أو التى تم التوصل إليها بالقفز إلى النتائج؟ تعرّض غير الحكيم للعار عند فحص الأمر فحصاً دقيقاً؟ فيظهر أنه تكلم دون أدلة كافية. ومثل هذه الأحكام ليست قليلة؟ حتى بين المؤمنين الذين يجدر بهم أن يتعلموا من هذا العدد. ولكن ربما كان الشاب أكثر تعرضاً لهذه المصيدة؟ وبوجه خاص عندما لا توجد حدود للثقة في الذات. انظر حكم داود الخاطئ فيما يتعلق بصيبا ومفيبوشث (2صم16؟19).

14. روح الإنسان تحتمل مرضه أما الروح المكسورة فمن يحملها؟!

حينما أقام يهوشافاط مغنيين للرب في طليعة الجيش؟ أخذت النصرة ترفرف على أجناده. أجل؟ وعندما تملأ روح التسبيح أرجاء النفس يقدر الإنسان أن يرتفع فوق ضعفات الجسد وتجارب الطريق. أما إذا ضاعت البهجة وانكسرت الروح؟ فالهزيمة محققة. ويستطيع القديس أن يفرح في الرب مهما كانت الظروف؟ هذا إذا لم تنقطع الشركة؟ وكان الضمير حراً. وحينئذ يصير الضعيف بطلاً وينتصر في الميدان. انظر كلمات نحميا للبقية الراجعة (نح8: 10).

15. قلب الفهيم يقتني معرفة وأذن الحكماء تطلب علماً.

شدّد النبرة على الكلمتين "يقتني" و"يطلب". إن الحكيم الفهيم إذ يطلب المعرفة ساعياً إليها؟ يحصل عليها ويقتنيها؟ على أن المعرفة ليست عبارة عن جمع كمية من المعارف والمعلومات؟ بل هي تفتيش يومي عن العلم الصحيح؟ أي الحق المطلق؟ كما هو معلن في كلمة الله؟ الحق الذي ينشئ إنارة للإنسان النزيه في تقواه. (انظر عزرا7: 10).

16. هدية الإنسان ترحب له وتهديه إلى أمام العظماء.

وازن هذا مع ص 25: 14. أما العدد الذي أمامنا فيمكن معالجته من زاويتين؟ الطبيعية والروحية. أما أولاً؟ فالمعنى واضح. فالإنسان الذي يمنح أفضالاً للمرؤوسين؟ يمهد طريقه بسهولة إلى حضرة الرئيس. هذه طريق مألوفة من جانب الذين يريدون مقابلة العظماء؟ حيث لا تتوفر لهم حظوة القبول. ولا حاجة بنا إلى التأمل طويلاً في هذه الناحية.

أما إذا تفكرنا في الهدية؟ أي العطية؟ بالمعنى المستعمل في الرسائل؟ العطية أو العطايا التي يمنحها المسيح المُمجَد لخدامه لبنيان جسده؟ فهذا يأتي بنا إلى درس خطير فإن صاحب الموهبة ليس بحاجة أن يقحم نفسه. أن موهبته ترحب له؟ تفسح له المجال؟ تماماً كما يحدث في الميدان الطبيعي إزاء الهدية المادية. وبمعنى آخر؟ أن المؤمن الذي استودعه الرب خدمة؟ لا يجب أن يكون متزلفاً؟ بل ليواصل طريقه بأمانة؟ والسيد الذي يخدمه لابد أن يقوده إلى الطليعة في الوقت المعين؟ إذا كان هذا بحسب مشيئة الرب. أما الثقة في الذات؟ فيجب أن تتلاشى تماماً في خادم المسيح. بل إن طاعة الوداعة للسيد؟ مقترنة بشوق المحبة للخدمة لأجل اسمه الكريم ومن أجل خاطره؟ هي ما ينبغي أن يميز صاحب الموهبة أكثر من أي شيء آخر. (انظر عاموس7: 14؟15).

17. الأول في دعواه محق. فيأتي رفيقه ويفحصه.

(انظر ع13). وإنه ليس من الحكمة في شيء أن تسمع قضية من جانب واحد؟ خاصة إذا كان الأمر يتعب ويزعج قديسي الله؟ ثم تعطي رأيك أو حكمك بناء على المعلومات المقدمة إليك. فمهما يكن مصدر تلك المعلومات؟ ومهما يكن محايداً؟ فهو إنما يحدثك جزئياً ومن جانب واحد. ومن هنا كانت حكمة الاستماع؟ ليس فقط من الطرفين بل - إذا كان ميسوراً - سماعهما معاً في مواجهة أحدهما الآخر. فإن معظم الناس يعرضون قضاياهم سليمة الأركان؟ إذا كانوا وحدهم؟ لأنه قد أصبح شيئاً طبيعياً للإنسان الساقط أن يبرر نفسه؟ وذلك منذ حاول آدم أن يلقي اللوم في خطيته على الله. ولذلك فإن القطع برأي في قضية ما على أساس شهادة من طرف واحد؟ أمر لابد أن ينتج عنه إسقاط العدالة. انظر شاول وصموئيل (1صم15: 13؟14).

18. القرعة تبطل الخصومات وتفصل بين الأقوياء.

(انظر ملاحظاتنا عن 16: 33). قديماً حين كان يتجلى عدم جدوى النقاش؟ وفي الخلافات التي تصعب تسويتها كانوا يلجأون إلى القرعة بوصفها الإجراء النهائي للتسوية. وهذا كان وقت لم تكن كلمة الله قد اكتملت بعد؟ ولم يكن الروح القدس قد سكن في أولاد الله بعد. فالكلمة مستخدمة في قوة الروح القدس؟ هي التي أُعطيت لنا بدلاً من دار القضاء؟ وهي الملجأ الأخير في تدبير النعمة الحاضر. إن أورشليم بسبب خطيتها؟ تُركت وليس لها من يلقي حبلاً أو قرعة للفصل في الخصومات؟ ديس العدل ولم يعد موجوداً (ميخا2: 5). وفي هذا تحذيراً لنا نحن المؤمنين لئلا نتجه إلى كلمة الله للإرشاد عبثاً؟ إذا كانت طرقنا غير بارة. ومكتوب «يدرب (يهدي) الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه» (مز25: 9).

19. الأخ أمنع من مدينة حصينة والمخاصمات كعارضة قلعة.

(انظر ملاحظاتنا عن 17: 14). ليس هناك عقدة أشق وأصعب حلاً من تلك التي تتصل بالاخوة الذين كانوا مرة مرتبطين برباط المحبة الصادقة. فإذ تحاول أن تربح أخاً مساءاً إليه؟ فذلك أصعب منالاً من إخضاع مدينة ذات أسوار. ذلك أن كل واحد من الطرفين يحاول أن ينظر إلى ما يفعله الآخر بعين الارتياب وسوء الظن؟ نتيجة انعدام الثقة بين النفوس. وإذ يحتمي كلاهما خلف عوارض (أو قضبان) الكبرياء المجروحة؟ ولا يريد أن يواجه الأمر بالنسبة إلى الله؟ فإنه من المستحيل لكلاهما أن يرضى بأن تتغلب عليه النعمة والاتضاع.

ولكن ما أيسر أن يذلل القديس نفسه من أول الأمر؟ من أن يحاول ذلك بعد فوات شهور وسنوات من بدء الخصام! هنالك عدد من الخصومات كان يمكن تسويتها في وقت قصير جداً؟ لو أن كلا الطرفين كانا على استعداد للاجتماع في هدوء قدام الرب للنظر فيما بينهما من اختلاف. على أن اللحظة المناسبة متى فاتت فقد لا تتكرر فترة طويلة من الزمن. وليتنا حينما نكون عرضة لإطالة مدى الخصومة؟ أن نتذكر الإهانة التي تلحق اسم الرب من وراء ذلك. وليكن لنا إنذار كاف من هذا المثل الذي لا يمت للمحبة بشيء؟ مثل النزاع الذي كان بين رجال يهوذا وإسرائيل؟ مع ما خلّفه من نتائج محزنة (2صم19: 41-43).

20. من ثمر فم الإنسان يشبع بطنه. من غلة شفتيه يشبع. 21. الموت والحياة في يد اللسان وأحباؤه يأكلون ثمره.

من يزرع بشفتيه يحصد غلة وفيرة؟ إما من الخطية للموت؟ أو من البر للحياة. فالأقوال قلما تقع على الأرض بلا ثمر. قد تنطق بها عن تفكير أحياناً؟ لكنها تتأصل في التربة؟ ولابد أن تثمر على غير انتظار. فكم من كلمات عابرة صدرت من شفاهنا لغريب؟ كانت وسيلة لبركة لا تقدر. لذلك ليكن هذا مشجعاً لإنسان الله على متابعة طريقه بمثابرة؟ ملقياً بذار إنجيل الله الثمينة وله اليقين بأنه «من غلة شفتيه يشبع».

أما إذا كانت الأقوال شريرة؟ فالحصاد مؤكد أيضاً. ومعروف جيداً أن الحشائش والنباتات السامة تزدهر حيث لا تكتمل الحنطة والثمار المغذية. والرجل ذو الشفاه النجسة يحصد نتائج وافرة من أقواله الجامحة؟ ولابد أنه «من ثمر فمه يشبع» أيضاً. وازن بين المعلمين الكذبة (2بط2)؟ وبين سفراء المسيح (2كو5)؟ فإن كلا الفريقين سينال بحسب ما زرع.

22. من يجد زوجة يجد خيراً وينال رضى من الرب.

ليست المصادفة العمياء هي التي توجد شريكين متجانسين في رباط الزواج المقدس. فإن الزوجة من الرب؟ وهي برهان رضا محبته. وإذا كان الأمر كذلك؟ فمن الأهمية بمكان أمام الشاب؟ قبل أن يسمح لعاطفته أن تتجه نحو عذراء؟ أن يطلب إرشاد الرب نفسه فيمن يتجه إليها. ولو أن الشبان المسيحيين طلبوا معرفة فكر الرب؟ وتخلوا عن قيادة أهوائهم ونزعاتهم؟ لقلّ عدد الزيجات المتنافرة غير الموفقة. فلينظر إذاً اخوتنا ما إذا كانت زيجاتهم ستكون نيراً متخالفاً أو عائقاً لتقدمهم الروحي؟ عوض أن تكون معيناً لهم. انظر بوعز وراعوث (را4: 9-12؟ ثم انظر الفقرة الأخيرة من 19: 14).

23. بتضرعات يتكلم الفقير. والغني يجاوب بخشونة.

إن صاحب الثروة الكبيرة يتصف بذكاء غير مقدس؟ يمكن أن يجفف العواطف ويقسي القلب ضد المعوزين؟ إذا لم يحرص الغني على اتجاه هذا النوع من الذكاء. فليت أولئك الذين وضعهم غناهم الزمني في مركز معونة الفقراء؟ يتذكرون أن أذن الله تستمع إلى كل صرخة من المساكين؟ وأن عينه تعالى تلاحظ كل تصرف غير كريم من جانب أولئك الذين في مقدورهم أن يخففوا عنهم ولكنهم لا يفعلون. انظر مثل العبد الذي لا يرحم العبد رفيقه (مت18: 23-35).

24. المكثر الأصحاب يخرب نفسه. ولكن يوجد محب ألزق من الأخ.

إن الأصحاب؟ مهما كثروا؟ لا يمكن الاعتماد عليهم؟ ولا يجب انتظار العون منهم في وقت الشدة والضيق؟ لأنهم بسبب عجزهم يقفون من بعيد. ولا يوجد أقسى على النفس من أن يجد الإنسان نفسه وحيداً في وقت تجربته؟ وقد تخلى عنه جميع أصحابه الذين وضع ثقته فيهم. هكذا يرثي أيوب حاله؟ بعد أن خارت نفسه؟ قائلاً «أقاربي قد خذلوني والذين عرفوني نسوني» (أي19: 14). ويشكو النبي مرارة هذا الاختبار «أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيداً» (مز38: 11).

«ولكن يوجد محب ألزق من الأخ»... الصديق الذي يحب في كل حين؟ ولا يمكن أن تتأثر محبته... الصديق الحقيقي؟ الذي لا يتغير قلبه بسبب إهانات من هم غرض قلبه؟ وهو دائماً يظهر المحبة والنعمة في عالم ابتعد فيه الجميع عنه وأبغضوه بلا سبب.

في هذا الصديق يجب أن تتركز ثقة قلوبنا؟ وإليه وحده يجب أن نركض في وقت شدتنا وضيقنا؟ ومنه وحده يجب أن ننتظر العون والخلاص؟ أما من يتحول عنه؟ ولو أكثر الأصحاب؟ فهو «يخرب نفسه».

الإصحاح التاسع عشر

الثلاثة الأمثال الأولى مترابطة معاً ترابطاً وثيقاً ويحسن أن نتناولها معاً:

1. الفقير السالك بكماله خير من ملتوي الشفتين وهو جاهل. 2. أيضاً كون النفس بلا معرفة ليس حسناً والمستعجل برجليه يخطأ. 3. حماقة الرجل تعوج طريقه وعلى الرب يحنق قلبه.

هذه مقارنة بين طريق الحق وطريق العناد والجهل. فخير للإنسان أن يكون فقيراً مجهولاً؟ لكن سالكاً قدام الله بالاستقامة وكمال القلب؟ من أن يتكلم بصوت مرتفع وهو أسير الجهل والالتواء.

لا يصح مطلقاً أن يكون الجهل محل إعجاب. كما أن مبدأ أهل العالم الذي يقول وينادى بأنه "إذا كان في الجهل هناء وسعادة فمن الحماقة أن تكون حكيماً" لهو مبدأ كاذب وغبي وسخيف. فالتجرد من المعرفة ليس بالأمر المستحًب؟ كما أن مجرد الغيرة والحماسة ليس كافياً لحفظ صاحبها في طريق الصواب. فقد يكون الإنسان مخلصاً؟ لكنه إخلاص مغلوط؟ كما كان الأمر مع شاول الطرسوسي قبل تجديده (أع26:  9). كما أن الذي يركض دون معرفة مشيئة الله؟ يضيف إلى خطيته خطية؟ حماقتة تقوده إلى الضلال؟ وخداع قلبه يثور ضد الرب؟ فهو عاكف على طريقه ولا يقبل التوبيخ. انظر يونان وهو يعمل في عناده (يون1: 3؟4: 8؟9).

4-الغنى (أو الثروة) يكثر الأصحاب والفقير منفصل عن قريبه.

الإنسان الذي في ميسرة يجد كثيرين ممن يطمعون في صداقته؟ بينما المعوز يجد من فقره سبباً لانفصال قريبه عنه. ذلك أن هذا العالم؟ مهما أحسنّا الظن به؟ فإنه عالم بارد خال من المشاعر.

على أن هناك مفهوماً آخر مبرراً وجائزاً؟ وهو كسب أصدقاء عن طريق الثروة. فقد أوصى الرب تلاميذه قائلاً « اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية» (لو16: 9)؟ فإن الغني إذا استعمل للتخفيف عن الآخرين؟ وفي نور الدهر الآتي؟ فإنه يكون وسيلة لبركة كثيرة. فحينما تنتهي حياة مثل هذا الشخص؟ الذي يستخدم أمواله على هذه الصورة الجميلة؟ فانه سيجد في انتظاره جمهوراً من الأصدقاء ممن كانوا غرض وموضوع إحساناته المسيحية على الأرض؟ يرحبون به في بيت المفديين الأبدي. لاحظ الأعداد 6؟7؟17 من إصحاحنا. هذا وأن البار لا يراعي الأغنياء اكثر مما يراعي الفقراء. (انظر أيوب34: 19؟ يع2: 1-9).

5-شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب لا ينجو.

إن دينونة الله هي بحسب الحق؟ وهو تعالى يهتم يومئذ بأن «كل تعد ومعصية ينال مجازاة عادلة». قد يبدو أن النصرة حليف الكذب في الوقت الحاضر؟ لكن الحق لا بد أن ينتصر في الوقت المعين. انظر الشهود ضد نابوت اليزرعيلى (1مل21: 8-13).

6. كثيرون يستعطفون وجه الشريف وكل صاحب لذي العطايا. 7. كل اخوة الفقير يبغضونه فكم بالحري أصدقاؤه يبتعدون عنه. من يتبع اقوالاً فهي له.

(راجع ع 4). هنالك علي الدوام جماهير من الناس يخدمون الشريف ويقومون بدور الأصدقاء لمن يحسن إليهم. ولكن ما أعظم الفارق بين هذا الصنف من الناس؟ وبين روح سيدنا الذي اتهم بأنه يقبل خطاه ويأكل معهم (لو15:  1)؟ ذاك الذي لم يرغب في بسمات العظماء؟ كما لم ترهبه عبوسة وجوههم! وبروحه أوصى من يريدون أن يتبعوه في خطواته؟ أن يكون طابعهم «غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين» (رو12:  16).

نحن نعمل كأهل العالم حين نفضل الأغنياء والعظماء علي المعوزين وغير النبلاء بحسب الظاهر. لكن ليذكر المسيحي أن سيده قد ظهر علي الأرض كواحد من الفقراء؟ احتقره اخوته وابتعد عنه أصدقاؤه؟ مع أنه كان يلاحقهم بالتوسلات اللطيفة؟ ولزام علي أولئك المرتبطين الآن معه بالنعمة في البركة؟ أن يبقوا في أذهانهم الاهتمام الحبي بالمحتاجين والمعوزين.

8. المقتنى الحكمة يحب نفسه؟ الحافظ الفهم يجد خيراً.

إن الكلمة العبرية المترجمة هنا "حكمة" يُقصد بها الرأي السليم أو الذوق السليم (انظر15: 21). الذي يسعى إلى اقتناء الحكمة يحسن إلى نفسه؟ والذي يجد الفهم يجب أن يحفظه؟ أي يحرسه كما يحفظ كنزاً ثميناً (ص20:16)؟ فيجد خيراً جزيلاً. إن السلوك في الاستقامة الأدبية؟ والتمسك بالفهم يمنح الإنسان سلاماً حقيقياً وسعادة دائمة. (انظر 2تيموثاوس3: 14؟15).

9. شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب يهلك.

هذه العبارة ليست تكراراً للعدد الخامس الذي يقول أن المتكلم بالأكاذيب لا ينجو؟ فهو هنا فيحدثنا عن القضاء الذي يلحق به؟ إنه يهلك؟ بمعنى أن كل آماله تقطع وتنتزع؟ أما هو فيمضي إلى ظلام. وإذ ينكسر تحت وطأة دينونة الله؟ يعاني هناك ويلات العذاب الأبدية التي لا يعبَّر عنها (رؤ21:  8).

10. التنعم لا يليق بالجاهل كم بالأولى لا يليق بالعبد أن يتسلط على الرؤساء.

كلا الأمرين في غير محله. فإن تحكم وتسلط العبد على الرؤساء؟ وتربية أو تنشئة الجاهل في الرفاهية والتنعم؟ كلاهما ليسا لائقين. قد تنشأ ظروف يفقد الرئيس فيها كل معونة؟ مما يضطره إلى الاعتماد على رأي واحد ممن هم أقل منه مكانة؟ لكن العبد الحكيم يستخدم هذه السلطات بالتدبر؟ محتفظاً بمكانه كمرؤوس؟ ولو إن كل شيء يكون بين يديه. ويوسف مثال جميل لهذه الحقيقة (تك47:  14-20).

11. تعقل الإنسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية.

انظر ص 14:  29. إن الطبع غير المرَّوض؟ الذي يتجلى في الغضب المتعجل غير المحكوم عليه؟ يدل على أن صاحبه رجل لم يتعلم في مدرسة الله ذلك الدرس العظيم؟ درس الحكم على الذات وضبط النفس. فإن المتحذلق المتعجرف المغرور بالذات؟ هو الذي لا يقدر أن يتجاوز أو يصفح عن أذى يلحق به؟ بل يصبّ جام غضبه على من أذنب إليه؟ متى سنحت له الفرصة. لكن الإنسان صاحب الرأي السديد والتعقل قد تعلم أن يصفح عن الأخطاء والإهانات المقصودة؟ التي قد تكون بمثابة إهانات تستفز عديم الحكمة لمزيد من السخط. وفي هذه الناحية؟ يظهر عيسو؟ رغم الفشل الذي ظهر في نواحي أخرى كثيرة في حياته؟ بمظهر جميل؟ حيث استقبل يعقوب أخاه استقبالاً حسناً؟ في فضل وشهامة؟ دون أن يشير إلى غلطة أخيه ومعصيته (تك33:  4-9).

12. كزمجرة الأسد حنق الملك وكالطل على العشب رضوانه.

«حيث تكون كلمة الملك فهناك سلطان»؟ ولذلك فان حنقه؟ أي غضبه؟ مدعاة للخوف؟ ورضوانه حافز للاجتهاد والسعي إليه. وكم بالأحرى تنطبق هذه الأقوال كل الانطباق على الملك العتيد؟ الأسد الخارج من سبط يهوذا؟ حين يجيء يوم غضبه العظيم؟ فما أشقى يومئذ حالة أولئك الذين لا يعرفون نعمته؟ التي هي للتائب مثل الطل على العشب! وكلتا الصورتين نراهما في تصرف فرعون مع رئيس السقاة ورئيس الخبازين (تك40).

13. الابن الجاهل مصيبة على أبيه ومخاصمات الزوجة كالوكف المتتابع.

الشق الأول يرتبط مع ص17:  25؟ وما أتعس البيت الذي يوجد تحت سقفه ابن جاهل وزوجة مخاصمة! ومن المرجح أنهما يتفقان معاً؟ فحين تنازع الزوجة زوجها في السلطان وتنحاز لأولادها للوقوف في وجه تأديبه المعقول؟ فالنتيجة بالنسبة لهم لن تكون خيراً.

وإنه لأمر شائع جداً أن نرى الأبوين يتنازعان ويتخاصمان على مرأى ومسمع من أفراد البيت؟ الأمر الذي يؤدي بالبنين والبنات إلى أن يتعلموا أن يزدروا بسلطان الأب؟ ويتحدّوا توبيخ الأم إن حاولت ذلك. وهكذا ينشأون ويشبّون على روح متمردة؟ لا تعترف بالقانون؟ عاكفين على سلوك طرقهم الخاصة ومصّرين على رفض الخضوع للتأديب المعقول. وجدير بالوالدين المسيحيين أن يمعنوا النظر جيداً في النصائح والإرشادات المقدمة لكل فريق في رسائل أفسس وكولوسي وبطرس الأولى. ونرى صورة مؤسفة للزوجة الصاخبة المخاصمة في ميكال ابنة شاول (2صم6: 16-23؟ 1أي15: 19).

14. البيت والثروة ميراث من الآباء أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب.

انظر ص18: 22. قد يرث الإنسان بيت وثروة؟ ولكن ليس من يعطي زوجة متعقلة سوى الرب. فالله هو الذي يجمعهما معاً؟ ولهذا فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. والذي قال من البدء «ليس جيداً أن يكون آدم وحده فاصنع له معيناً نظيره» (تك2: 18)؟ لا يزال يعنيه أمر سعادة شعبه. لذلك يستطيع رجل الإيمان أن يعتمد عليه؟ وهو مطمئن؟ لكي يهبه شريكة حياة ملائمة. وعندما يندفع الإنسان؟ وهو غير راغب في انتظار الله؟ فيختار لنفسه؟ عند هذه النقطة تقع الأخطاء المريرة التي لا علاج لها في الغالب. ولا تنس أن الزواج بين المسيحيين ليس هو بالضرورة زواجاً في الرب. ولكن حينما تكون الإرادة خاضعة؟ ويكون المؤمن قد عرف فكر الله؟ حينئذ يكون الزواج في الرب. انظر قصة زواج رفقة وكيف رتب الرب الأمر كله (تك24).

15. الكسل يلقي في السبات والنفس المتراخية تجوع.

انظر ملاحظاتنا عن ص12: 24؟13: 4. من المؤسف أن كثيرين منا لا يستطيعون أن يتحققوا أن الكسل خطية. فان إضاعة الوقت مسألة لا بد أننا سنؤدي عنها حساباً أمام كرسي المسيح. صحيح أن الراحة الضرورية صواب وفي محلها. ومرة قال الرب يسوع لتلاميذه «تعالوا أنتم منفردين... واستريحوا قليلاً»؟ غير أن الكسل شيء آخر؟ فهو عبث بالفرص التي لن تعود؟ هو عجز عن تقدير قيمة الوقت. وفي الحياة الطبيعية سيحس الكسلان يوماٌ بلدغات العوز؟ وهكذا الأمر صحيح عن التطبيق الروحي. فالمؤمن؟ الذي يسبب نقص نشاطه التقوى؟ لا يحرص علي الحصول على غذاء مناسب لنفسه؟ لا بد أن يصل إلى العوز؟ ويختبر شدائد المجاعة. انظر كلمات بولس في افسس5: 16 وكولوسى4: 5.

16. حافظ الوصية حافظ نفسه والمتهاون بطرقه يموت.

هذه حقيقة طالما استعرضها الكتاب. فمن عطف الإنسان وإشفاقه علي نفسه أن يطيع وصايا الرب؟ لأن الكلمة؟ هي كلمة الحياة؟ وتركها موت. ولذلك فإن الإنسان الذي يحتقر طرق الله ويختار لنفسه؟ هو إنسان قصير النظر؟ وهو إنما يختم علي هلاكه ويجلب علي نفسه الغضب الذي يستحقه. انظر شمعي (1مل2: 36-46).

17- من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه.

إنه لأمر كريم حقاٌ أن نتأمل في الرب كنصير الفقير. ولقد ترك الفقراء في العالم ليمتحن بهم قلوب الأثرياء. وهو يتقبل ما يفعلونه لإغاثة المحتاج بعامل الرحمة والشفقة؟ وكأنهم يفعلونه له. فالمال والخيرات الأخرى التي نقدمها بعواطف المحبة لأولئك الذين هم في ضيق؟ لن تضيع أبداً. إنه يسجل كل فلس؟ ويعتبر نفسه مسئولاٌ أن يرد الكل؟ ونحن نثق أن الفائدة ستكون أكبر من أية فائدة نحصل عليها بطريق أخرى. إن حب الخير صافياً؟ هو ثمر المحبة الصادقة لله. وحينما تنسكب محبته في القلب بالروح القدس؟ ينشأ في النفس اهتمام بجميع الناس. وفعل الخير والتوزيع أمر يُسرّ الرب جداٌ؟ ولن يضيع اجره؟ ولو كان مجرد تقديم كأس ماء بارد باسمه. إن أرملة صرفة صيدا كانت أفقر من أن تخدم إيليا في ضيقته؟ ولكنها وجدت عوض خدمتها كوز زيت لا ينقص وكوار دقيق لا يفرغ (1مل17: 10-16).

18. أدِّب ابنك لأن فيه رجاء؟ ولكن على إماتته لا تحمل نفسك.

إن التأديب الحازم والمقترن بالشفقة؟ طابع يجب أن يتميز به البيت. أما العقوبات الوحشية التي قد تعرض الحياة للخطر؟ فإنها خطأ كبير وتناقض روح الله. ومثل هذا التصرف إنما يقسّي قلب الابن العنيد؟ عوض العمل عن إصلاحه. ومكتوب «أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم»؟ وهي كلمة إنذار لابد منها لكثير من العائلات. فالمطالب غير المعقولة؟ والعقوبات المبالغ فيها؟ هذه كلها ينبغي تجنبها بكل اجتهاد. ومن الناحية الأخرى؟ كم من أطفال كان يمكن إنقاذهم؟ لو حصلوا في أيام طفولتهم الأولى على تدريب تقوي بعناية. لقد تُركوا لينشأوا على حرية غير مقيدة؟ إلى أن رأى الأب في آخر المطاف أن ابنه صار أكبر من أن يؤدب؟ وإذ جعله موضع معاملة صارمة امتلأ قلبه بالحنق وصار غريباً في الحياة عن أبيه الحسن النية ولكنه غير حكيم للغاية. إن "اليد الحديدية في قفاز من القطيفة"؟ رمز للتأديب المدقق في أسلوب النعمة. أما ترك الطفل لشأنه؟ فذلك إهمال لمستقبل إنسان عُهد أمره لعنايتنا. ومن الناحية الأخرى فإن القسوة التي لا ضرورة لها خطأ أيضاً إذا ما حاولنا أن نستخدمها لإصلاح الغلام. لكن الوسيلة الحكيمة؟ هي التي تعلمها كلمة الله؟ وتأتي بالنتائج المرجوة؟ وإنه من الخير؟ أن نجعل أولادنا يتحققون من أننا لا نقصد بهم ولهم؟ سوى نفعهم وخيرهم؟ وليس مجرد تأديب ننفّس به نحن الآباء عن غيظنا الهائج؟ الأمر الذي أفقد كثيرين احترام الأحداث. انظر معاملة شاول غير الحكيمة ليوناثان؟ تلك المعاملة التي فصلت عنه ابنه بالقلب عوض كسب ثقته (1صم20: 30).

19. الشديد الغضب يحمل عقوبة لأنك إذا نجيته فبعد تعيد.

عبثاً تحمي إنسان يستسلم للغضب الجامح؟ فمع أنه؟ بفضل شفاعات أصدقائه؟ قد ينجو؟ من وقت لآخر؟ من النتائج التعسة التي لابد أن تتخلف عن فورة طباعه؟ فهو عرضة أن تسوء أخلاقه كذي قبل؟ وأن يستجلب على رأسه مجازاة عادلة؟ كما يورط أولئك الذين يأخذون على أنفسهم أن يدافعوا عنه؟ في متاعب وخسارة (انظر22: 24). واضح أن رجلاً كهذا؟ لم يتذلل أمام الله فهو فقير في نعمة وفضيلة الحكم على الذات. والتصرف القويم هو أن يُترك وشأنه؟ حتى يتعلم من العقوبة ما لا يمكن أن يتعلمه بغيرها. لقد كان شاقاً على صموئيل أن ينحني لهذا الدرس؟ ولكنه أُرغم على ترك شاول حين دعاه الرب دعوة واضحة أن ينفصل عنه (1صم16: 1).

20. اسمع المشورة واقبل التأديب لكي تكون حكيماً في آخرتك 21. في قلب الإنسان أفكار كثيرة لكن مشورة الرب هي تثبت.

إن ازدراء المشورة هو تصرف الحمقى؟ لكن الحكيم يقدّر التأديب؟ وخاصة حينما يكون مطبوعاً بطابع السلطان؟ إنه يعلم أنه مهما تكن مخططات الإنسان؟ ومهما تكن مشاريعه حكيمة؟ فإن مشورة الرب محققة؟ ولابد أن تتم في الوقت المعين. وقد قال الله «رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي» وإنه من الغباوة أن يحاول الإنسان أو يجسر على أن يناوئ مشورة القدير. ولكن طوبى لذلك الذي؟ وهو يعتمد على الله؟ يقبل تأديبه؟ ويطيع مشورته بكل بساطة؟ فيعمل لله ومع الله. انظر مهمة يشوع التي عهدت إليه (يش1: 5-9).

22. زينة الإنسان معروفة والفقير خير من الكذوب.

إن الروح اللطيفة الخيّرة؟ تجد طريقها إلى كل إنسان؟ وهي تزدان بعدم أنانيتها؟ وبتفكيرها في الآخرين؟ غير أن بذل الوعود في أشياء نعجز عن تنفيذها؟ أمر يدعو إلى الملامة. وإنه من الأفضل أن أكون فقيراً؟ وأن أعتذر بصراحة بعجزي عن تنفيذ ما يتمناه قلبي؟ من أن أعد بالكثير؟ وفي آخر المطاف؟ أثبت أنني غير جدير بالثقة. كن على سجيتك؟ ولا تدعي بما ليس فيك؟ لأن هذا مبدأ سليم؟ تكسب من ورائه احترام صاحب الرأي السديد. انظر بطرس والأعرج (أع3: 6).

23. مخافة الرب للحياة. يبيت شبعان لا يتعهده شر.

هذا تلخيص موجز للحقيقة الكريمة المعلنة في مزمور 91؟ وهي نصيب الذي يسكن في ستر العلي ويبيت في ظل القدير. فإن القديس الذي يخاف الرب؟ الشبعان والمتمتع بقدرته التي لا حدّ لها؟ وبمحبته التي لا تتغير؟ لا يقلق مطلقاً من جهة أمر من أموره. نعم؟ فإن له أن يبيت شبعان؟ مرتاحاً؟ عالماً أن شراً لن يصيبه؟ لأن كل الأشياء تعمل معاً لخيره. وما يبدو أنه شر؟ إنما يصبح وسيلة بركة؟ إذ يجعل القلب يتمسك بإله كل نعمة. انظر أنشودة بولس المنتصرة في رومية8: 28-39.

24. الكسلان يخفي يده في الصحفة وأيضاً إلى فمه لا يردها.

مع أن وسائل التغذية ومقومات الحياة متوفرة لدى الكسول؟ فإنه على درجة من النعاس والفتور بحيث لا يستفيد مما هو بين يديه. إن التشبيه الذي يذكره سليمان هنا قد يبدو مغرقاً في المبالغة؟ لكنه قصد أن يصور به حالة متطرفة؟ حيث نجد إنساناً جالساً إلى مائدة الطعام؟ وأمامه وفي يده تشكيلة من الأطعمة المغذية؟ لكن يغلبه النعاس ويفضل أن يستسلم للراحة والنوم على أن يحرك يده ليتناول وجبته. إن كلمة الله مائدة مستوفاة من الطعام الشهي؟ ولكن ما أكثر الكسالى الذين مع ما لديهم من وفرة الفرص للتغذي بما فيها من أشياء ثمينة؟ فإنهم لا يعبأون بالبحث للعثور على ما فيها من كنوز. ويبدو أن عجلون ملك موآب رجل من هذا النوع (قض3: 17-25).

25. اضرب المستهزئ فيتذكى الأحمق؟ ووبخ فهيماً فيفهم معرفة.

إن ترك المستهزئ بلا توبيخ؟ قد يكون في أغلب الأحيان شركاً لأقدام الجهال؟ الذين قد يستنتجون أن مخالفات المستهزئ لا يمكن أن تقاوَم؟ ما دامت لم تنل عقوبة. لذلك فمن الصواب واللائق؟ أن يعاقَب من يقاوم الحق؟ وذلك بعرض سخافاته أمام عيون الآخرين. أما إذا كان شخصاً عاقلاً حكيماً؟ فلن تكون هناك صعوبة في توبيخه؟ لأن الحق ذاته له من القيمة في عيني الفهيم؟ أكثر من قيمة كرامته في عينيه. انظر كلمة بولس لتيموثاوس بشأن المنحرفين (1تي5: 20).

26. المخرب أباه والطارد أمه هو ابن مخز ومخجل.

(انظر ع13). في الواقع أنه ليس أمرّ من الأحزان التي يجلبها الابن المتمرد على أبويه. مثل هذا الوليد؟ إنما هو الأنانية متجسدة. هو يخرب أباه؟ لأنه يبدد ثروته ومقتنياته لتعظيم ذاته؟ وفي عناده يبعد ويطرد أمه عنه؟ رافضاً كل توبيخ؟ وهكذا يتلطخ اسم أبويه بالفضيحة والعار؟ وبرغم هذا كله فإنه لا يكترث به. وفي إصراره على التحرر من كل قيد؟ يندفع متهوراً إلى هلاكه. إنها صورة محزنة؟ ومحزنة للغاية؟ وكثيراً ما تتكرر في هذا المشهد التعس؟ وهو بوجه خاص ما يميز الأيام الأخيرة التي نعيش فيها الآن (2تي 3: 2).

27. كف يا ابني عن استماع التعليم للضلالة عن كلام المعرفة.

هذه وصية ذات أهمية بالغة. ذلك أنه من مظاهر كبرياء الشباب أن يزعم الواحد منهم أنه يقدر أن يستمع إلى مختلف النظريات؟ من خير وشر؟ ولا يتدنس بشيء منها. إن مبدأ الفلسفة الانتقائية قد يُشتَم منه سعة الأفق وحرية التفكير؟ لكنه بوجه عام ينتهي إلى انكسار سفينة الإيمان. وإنما أنت تستطيع أن تدرك الخطأ وتتوقاه حينما تعرف حق الله وتجد فيه مسرتك. ومن هنا الحاجة القصوى إلى دراسة الكتاب باهتمام واجتهاد. فإذا ما رأينا واحداً ينطق أو يعلم بما هو مناقض لكلمة الله المعلنة؟ فذلك هو الوقت لرفضه ورفض تعليمه. فأنت لن تقدر أن تحتمل التعاليم الدنسة أو تعاملها بخفة. تذكر أن ما يناقض تعاليم كلمة الرب التي لا تخطئ إنما هو من الشيطان مباشرة. والاستخفاف به إنما يعرضك لتأثيره الشديد. لذلك حذار أن تستمع إليه.

سؤال واحد بسيط لابد من تقديمه لكل من شاء أن يأخذ مكان المعلم في الأمور الإلهية؟ لاكتشاف ما في تعليمه من انحراف أو غرض. ذلك هو «ماذا تظنون في المسيح؟». فمن يجيب على هذا السؤال إجابة غير صحيحة؟ فهو مخطئ على طول الطريق. فإذا أنكر لاهوت الرب يسوع؟ إذا استخف بفاعلية كفارة دمه الكريم؟ إذا بدا في تعليمه ما يحجب كمال ناسوت سيدنا المنزّه عن الخطية؟ بصورة أو بأخرى؟ فإن التعليم كله خطأ من أساسه؟ وستثبت عدم سلامته في كل شيء.

وبالنسبة للمسيحي؟ فإن استمرار استماعه أو تعضيده لإنسان يجدف على سيده؟ فتلك خيانة عظمى. إن مَن لا يجيء بتعليم المسيح يجب أن يُرفض؟ وألا نظهر له أي نوع من أنواع الشركة؟ لأنه يمكث في الظلمة. «وأية شركة للنور مع الظلمة؟». انظر أصحاب التوابع في أيام إشعياء (إش8: 19؟20) والمتهودين والغنوسيين في العهد الرسولي (تي1: 10؟11؟كو2: 8؟2يو 9؟10). كل هذه النوعيات لابد أن توجد في أيامنا؟ وعلى أضعاف مضاعفة. ولكن «أعرض عن هؤلاء».

28. الشاهد اللئيم يستهزئ بالحق وفم الأشرار يبلع الإثم 29. القصاص معد للمستهزئين والضرب لظهر الجهال.

يبدو أن لفظ "بليعال" يستخدم بشكل أو بآخر كناية عن الشيطان؟ ومعناه الحرفي: شيء تافه؟ لكنه يستخدم عموماً للكلام عما هو ضد الله. ولذلك فإن شاهد بليعال؟ لابد أن يكون شريراً فاجراً؟ ولذلك فهو يستهزئ بالحق والتوبيخ؟ فمه يلتهم الإثم؟ هو طعامه؟ وعليه يعيش. لكن الحساب الخطير في انتظاره؟ ولو أنه يبدو الآن مستقلاً لكنه سيتعلم أخيراً أن عقوبات قد أعدها الله له ولمن على شاكلته وجلدات لظهره. قد نرى أن الخديعة والمعصية تأخذان طريقهما بلا رادع إلى حين؟ لكن اللطمة سوف تصيبهما؟ اللطمة التي ستجعل الشاهد التافه يتحقق أنه لا يمكن الاستخفاف بالله إلى الأبد. انظر حنانيا وسفيرة (أع5).

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.