الكتاب المقدس كتاب شرقي، فكيف ملك ناصية الغرب كما هو بدون تغيير؟ من يستطيع أن يعطي تعليلاً طبيعياً عن موافقة هذا الكتاب لسكان جرينلاند كما لسكان مدغشقر، ولسكان أفريقيا كما لسكان الهند؟ وليس هو موافقاً فقط بل له كمال التأثير على عقول سامعيه وإخضاع قلوبهم لسلطانه |
السير وليم جونس
ترجمات الكتاب المقدس |
6
فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التى ولد فيها. . . نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله (أعمال الرسل2: 8، 11) |
أهمية الترجمة ذكرنا في الفصل الأول أن المسيحية لا تؤمن بكتاب هبط علينا من السماء بكلماته وحروفه، بل نحن نؤمن بالوحي. ولقد أعطى الله الوحي بالنسبة لأسفار العهد القديم باللغة العبرانية، وأجزاء قليلة منه بالأرامية، وأما العهد الجديد فأعطاه الرب باللغة اليونانية. لكن ترجمة أقوال الله الحية إلى لغات الناس الحية هي على جانب عظيم من الأهمية، وبدونها يصبح «المتكلم أعجمياً عندي». فليست المفردات العبرية أو الأرامية أو اليونانية هي نهاية المطاف حتى يكون لزاماً على الإنسان أن يتقنها ليكون بوسعه فهم رسالة الله إليه. إن الله لا يتقيد باللغات التي هي أساساً وصمة للتمرد على الله (تك11)، وهو طبعاً لا يُلزم الإنسان أن يتعلمها ليكون بوسعه الاستماع إلى كلامه. لقد كان طابع المسيحية من بدايتها متميزاً عن اليهودية في أنه كان على المسيحيين أن يذهبوا إلى العالم أجمع حاملين بشارة الإنجيل السارة للبشر كما أوصى المسيح المقام من الأموات تلاميذه. ولقد اقترن حضور الروح القدس في أول المسيحية بعلامة الألسنة المنقسمة التي دلت علي رغبة الله في توصيل الكرازة إلي كل شعب بلسانه. ولهذا فإنه بعد العصر الرسولي مباشرة، عند اكتمال العهد الجديد، قام عدد كبير من المؤمنين بترجمة الكتاب المقدس. وفي هذا العمل الجليل أنفق الآلاف طاقاتهم ومواهبهم، بل ومنهم من فاضت روحه وهو يقوم بهذه الخدمة العظيمة. يحفظ التاريخ لواحـد من أولئك المباركين يدعي "بيدي" اشتهر بلقب الوقور، وعاش في إنجلترا من عام 674 حتى 735، أنه أتم ترجمة الأصحاح الأخير من إنجيل يوحنا في نفس يوم رقاده. وإذ أملى على خادمه ترجمة آخر عبارة من الإنجيل، طلب أن يرقد في سريره حيث قال "مجداً للآب مجداً للابن مجداً للروح القدس". ثم فاضت روحه وانطلق ليكون مع الكلمة الحي الأزلي، المسيح يسوع، الذي أحبه وقصد أن ينشر كلمته بين إخوته السكسونيين. ويا لعظمة ما كان يعمل عندما أتته ساعة الموت؛ إنه كان يترجم كلمة الله للناس. وإننا نشكر الرب من كل قلوبنا من أجل الجنود المجهولين (ولو أنهم معروفون عنده) الذين عملوا ولا زالوا يعملون لأجل توصيل الكتاب المقدس إلى الشعوب البدائية بلهجاتها ، فأوصلوه إلى شعب الإسكيمو (سكان جرينلند)، وإلى الهنود الحمر في أمريكا، وإلى البرابرة في مجاهل أفريقيا، وإلى القبائل الوثنية في آسيا. صعوبة الترجمة عملية الترجمة تعتبر عملية شاقة جداً، لاسيما إذا كنت تريد أن تترجم ذات العبارات والكلمات لا الأفكار فحسب، إيماناً منا بالوحي اللفظي، كما ذكرنا في الفصل الثالث. لقد ذكر لوثر أنه هو ورفاقه كانوا أحياناً يبحثون أسبوعين أو ثلاثة وأحيانا أربعة أسابيع عن كلمة واحدة تعطى المعنى الدقيق. وقال فى مناسبة أخرى أثناء ترجمة سفر أيوب، وهو من أصعب الأسفار فى ترجمته نظراً لعمق عباراته وسمو أسلوبه؛ قال "يظهر أن أيوب كان أكثر انزعاجاً عند محاولتنا نقله إلى الألمانية". ومرة أخرى قال "أنا الآن أعمل ترجمة الأنبياء. يا للسماء ما أشق أن نجعل الأنبياء العبرانيين يتكلمون الألمانية". لكن هناك صعوبة أخرى. لأن الترجمة الحرفية للعبارات تبعد أحياناً القارئ عن المعنى المقصود. فكر مثلاً لو أنك أردت أن تترجم عبارة "كلامك على العين وعلى الرأس" إلى الإنجليزية ترجمة حرفية؛ فهل سيفهم القارئ الإنجليزي ما تقصده؟ وهي نفس المشكلة التي قابلت المترجمون في بعض الآيات مثل الآية الواردة في تكوين 41: 40 عن كلمات فرعون ليوسف فلقد ترجمت كما هي، لكنها تبدو غير واضحة أمام القارئ العادي « أنت تكون على بيتي وعلي فمك يقبِّل جميع شعبي ». والمقصود بهذه العبارة أن شعب مصر سيوقرون كل تعليماتك؛ فالفم يعبر عن الكلام، والتقبيل تعبير عن المحبة والتوقير. ولقد زاد من صعوبة عملية الترجمة أن طريقة الكتابة في الزمان الغابر، وهى ما تمت بها كتابة المخطوطات القديمة، كانت هي كتابة السطر كله كأنه كلمة واحدة، بلا فواصل بين الكلمة والأخرى؛ الأمر الذي لا يكون معه فهم المعنى المقصود من العبارة سهلاً في كل الأحوال. وعلى سبيل المثال نذكر ما ورد في عاموس 6: 12 « هل تركض الخيل على الصخر؟ أو يحرث عليه بالبقر؟ » وكلمة بالبقر في العبرية لها الحروف التي تقابل في العربية ب ب ق ر ي م . وهذه الكلمة يمكن قراءتها ككلمة واحدة، وفى هذه الحالة تترجم بالبقر حيث أن حرفي ى، م في آخر الكلمة فى اللغة العبرية يدلان على صيغة الجمع. وهنا يضطر المترجم لأن يربط الجزء الثاني من الآية بالجـزء الأول فيضيف كلمة عليه (أي على الصخر) لتصبح العبارة ذات معنى، وهو ما حدث في الترجمة المذكورة سابقاً. إلا أنه يمكننا أيضاً أن نقرأ هذه الحروف بعينها باعتبارها كلمتين "ب ب ق ر ى م" وكلمة "يم" العبرية تعني البحر. وفى هذه الحالة تصبح العبارة أو يحرث البحر بالبقر. وهو ما ورد في الترجمة التفسيرية. نبذة عن تاريخ الترجمات أول وأهم ترجمة للكتاب المقدس تمت قبل الميلاد، عندما استقدم حاكم مصر بطليموس فيلادلفوس عام 282 ق.م. إلي الإسكندرية 72 عالماً من علماء اليهود ليترجموا العهد القديم إلي اليونانية. وهذه هي الترجمة التي عُرِفت فيما بعد بالترجمة السبعينية (نسبة لعدد مترجميها). وإليها، لا إلى الأصل العبري، ترجع تسمية أسفار العهد القديم كما نعرفها الآن. وقد صادق الرب يسوع عليها إذ أخذ اقتباساته العديدة من العهد القديم منها، وعلى ذات النهج سـار الرسل أيضاً فاقتبسوا منها. ولقد جاءت هذه الترجمة بترتيب العناية الإلهيـة لتمهد الطريق للعهد الجديد، حيث كان الله مزمعاً أن يقدم بشارة نعمته الغنية، لا إلى اليهود وحدهم، بل إلى العالم أجمع مستخدماً اللغة الأكثر شيوعـاً في ذلك الوقت وهى اللغة اليونانية. أما فى الحقبة الحاضرة (بعد الميلاد) فتوالت ترجمات الكتاب المقـدس بعهديه. فنحو عام 150م تُرجم الكتاب المقدس إلى اللغة السريانية لخدمة المؤمنين في أنطاكية ونواحيها، وكانت أنطاكية كما نعرف من الكتاب المقدس مركزاً قوياً للمسيحية (أع11،13،..)، كما أنها كانت ثالث مدن الإمبراطورية الرومانية بعد روما والإسكندرية. وتوجد حالياً خمس ترجمات سريانية مختلفة متوفرة بين أيدي الباحثين، (أشهرها الترجمة البشيتا) أي البسيطـة، وسميت كذلك لبساطتها ووضوحها. وهناك اليوم نحو 350 مخطوطة من هذه الترجمة. وكذلك ظهر نحو ذلك الزمان أيضا ترجمة الكتاب إلى اللاتينية. وفى بدء المسيحية لم تكن هناك حاجة ماسة إلى تلك الترجمة، إذ كانت اللغة اليونانية سائدة بين متعلمي القسم الشمالي من حوض البحـر الأبيض، لكن إذ انتشرت المسيحية بين الشعوب الفقيرة، لا سيما شمال أفريقيا، أصبحت الحاجة ملحة إلى ترجمة الكتاب بلغة التخاطب اليومي، أي اللغة اللاتينية. ولقد سميت تلك الترجمة بالترجمة القديمة، تلتها عدة ترجمات متوفـرة لدى الباحثين أيضاً، إلى أن عهد للعالم الكتابي الفذ القديس إيرونيموس (أو جيروم) أن يقوم بمراجعة وتنقيح الترجمـة القديمـة، فظهرت ترجمته هذه عام 383 م. ولقد عُرِفت هذه الترجمة باسم الفولجاتا، وهي كلمـة لاتينية تعنى "الدارجة"، ولقد ظلت هذه الترجمة* معمولاً بها في كل أوربا الغربية لمدة تزيد عن ألف عـام، أي حتى وقت الإصلاح. ولازالت هي الترجمة المعتمدة في الكنيسة الرومانيـة إلى الآن، كما أنها ترجمة محترمة من النقاد المعتبرين. وفي بداية القرن الثالث نهض العلامـة القبطي بانتينوس بترجمة الكتاب المقدس بعهديه إلى اللغة القبطية*. وبعد ذلك الزمان بفترة وجيزة قام آخرون بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الحبشية وإلى اللغة الأرمينية وكذلك اللغة الفارسية. في أواخر القرن الثامن ظهرت أول ترجمـة عـربية. ونحو سنة 1380 ظهرت ترجمة أسبانية وأخرى إنجليزية. ونحو عام 1460 ظهرت ترجمة نمساوية. وفي عام 1477 كانت هناك ترجمتان للكتاب المقدس بالفرنسية. ولما ظهرت ترجمة لوثر للكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية في عام 1522 كان هناك وقتها ما لا يقل عن 14 ترجمة مختلفة للكتـاب المقـدس بالألماني الفصيح، بالإضافة إلى 4 ترجمات باللهجات القومية. وهي كلها ترجمات كاملة للكتاب المقدس. توالت منذ ذلك الزمان الترجمـات. فبلغت عام 1800 إلى 72 ترجمة، ثم عام 1900 بلغت 567، وفي عام 1965 بلغت 1250. وفي نبذة أصدرتها مؤخراً دار الكتاب المقدس في مصر، ذكـرت أن الكتاب المقدس اليوم تُرجِم كله أو أحد أجزائه إلى 1946 لغة ولهجة، وهي في زيـادة مستمـرة. ولو كان تشارلس وسلى مؤلف ترنيمة "يا ليت لي ألف لسان لأحمد الفادي" عائشـاً اليوم، إذاً لاغتبط أشد الاغتباط وهو يرى أن كلمة الله تُرجِمـت إلى أكثر من هذا العدد من اللغات والألسنة، وكلها تسبح الفادي. كلمة عن الكتاب المقدس في اللغة العربية إن أول ترجمة للكتاب المقدس إلى اللغـة العربية ظهرت في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي، عندما قام يوحنا أسقف أشبيلية في أسبانيا بترجمة الكتاب إلى العـربية نقلاً عن ترجمة إيرونيموس اللاتينيـة. وكانت ترجمته محدودة فلم تشمل كل الكتاب، كما لم يكن لها الانتشار الكافي. ثم في أواخر القرن التاسع قام رجل يهودي يدعى سعيد بن يوسف الفيومي بترجمة العهد القديم فقط إلى العربية. وبعد ذلك توالت ترجمات أخرى من أشخاص كثيرين لأجزاء متفرقة من الكتاب المقدس. على أن هذه الترجمات لم تفِ بالحاجة تماماً، إذ كان معظم المترجمين يعتمدون على ترجمات أخرى أقدم؛ كالسريانية والقبطية، وليس على الأصل العبري واليوناني، فنتج عن ذلك ترجمات مشوهة ومشحونة بالأخطاء. مما دفع أحد علماء الكنيسة القبطية، يدعى هبة الله بن العسال من الإسكندرية، بمراجعة إحدى الترجمات وضبطها وتصويبها، وكان ذلك عام 1252م. وتبعه آخرون حذوا حذوه فأجروا تنقيحاً بسيطاً في إحدى الترجمات، أُطلِق عليها الفولجاتـا السكندريـة (لتمييزها عن الفولجاتـا اللاتينية). التي اعتُبرت ترجمة قانونيـة ورسميـة لعدة أجيال. ولا زالت هذه الترجمـة مستخدمة في القراءات الكنسية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى يومنا هذا. وفى عام 1620 شرع سركيس الرزى مطران دمشق مع نفر من العلماء بالقيام بترجمة دقيقة، مستعيناً بنسخة حصل عليها من البابا إربان الخامس بروما. وبعد عمل 46 سنة ، أي نحو عام 1666 أنجزوا العمل وطُبع الكتاب في روما وظهر إلى الوجود أول نسخة لكل الكتاب المقدس باللغة العربية ليس منقولاً عن ترجمات أخرى. لكن هذه الترجمة أيضاً لم تأت وفق ما كان يرجى منها، إذ أن ضعف الترجمة أفقد التعاليم الدقيقة قوتها، وجعل بعض عباراتها غير مفهومة، بالإضافة إلى ما كان بها من أخطاء لغوية. الترجمة العربية الحالية (ترجمة سميث - فاندايك) إن الترجمة المتوفرة بين أيدينا حالياً يرجع الفضـل فيها بصفة خاصة إلى اثنين من المرسلين الأمريكان، تميزا بالتقوى الصحيحـة والاستعـداد للتضحية الكثيرة، بالإضافة إلى ما زودهما الرب به من مواهب خاصة، وهما: الدكتور عالي سميث: الذي ولد بأمريكا سنة 1801. وأتى للعمل كمرسل بجزيرة مالطة بعد أن أنهى دراسته، ومنها عام 1827 إلى بيروت ليتعلم اللغة العربية. ونحو عام 1837 عُهد إليه بالإشـراف على طبع الكتاب المقدس بالعربية، فتحمل من المشاق مالا يسعنا المجال هنا لشرحه. فقط نشير إلى أنه انكسرت به السفينة مرة وهو فى طريقه من بيروت إلى تركيا، وضاع في البحر مجموعة من أجمل الخطوط التي كان قد جمعها ليصنع منها قوالب الحروف فى ألمانيا لطبع الكتاب المقدس. ومن أثر الصدمة نتيجة لهذا الحادث رقدت زوجنه الفاضلة. ولكن تشددت سواعد يديه، وتخطى كل الصعاب، وبدأ بترجمة الكتاب المقدس إلى العربية وكان ذلك عام 1847. وقد تمكن هو ومعاونوه - على رأسهم المعلم القدير بطرس البستاني، الذي كان ضليعـاً فى اللغة العربية ومتمكناً من العبرية، وكذلك الشيخ نصيف اليازجي النحوي القدير الذي انتُدب لتصحيح وضبط اللغة - بعد مجهود مضنٍ وشاق، من ترجمة أسفار موسى الخمسة، ثم العهد الجديد كله، ثم بعض النبوات. وشرع بالفعل في طبع سفري التكوين والخروج وستة عشر أصحاحاً من إنجيل متى، لكنه رقد في الرب عام 1854 قبل اكتمال العمل. ملاحظة من معد الصفحة عن بطرس البستاني وُلِدَ
المُعَلِّم بُطْرُس
البُسْتَاني سنةَ 1819 في قَرْية
الدِبِّيّة في لُبنان. وتَلقّى
عُلومَه في مدرسةِ عين وَرَقة،
كُبْرى مدارسِ ذلك العَهْد.
وهناك تَعَلَّم العربيَّة
والسّريانيّة واللاتينيّة
والإيطاليّة والفلسفة
واللاّهوت والشَّرع الكنسيّ،
ودرس الإنكليزيّة على نفْسه. الدكتور كرنيليوس فاندايك: الذي ولد في أمريكا عام 1818، وظهر نبوغه المبكر في اللغات بالإضافة إلى تعلمه الطب، إذ كان يتقن عشر لغـات ما بين قديمة وحديثة. ولما بلغ العام الحادي والعشرين من عمره وفـد إلى سوريا مرسلاً، لكنه ذهب إلى بيروت ليتعلم اللغة العربية حتى أصبح من المعدودين في إتقانها. ولقد تعين لمتابعـة ترجمة الكتاب خلفاً للدكتور سميث. فابتدأ بمراجعة ما سبق ترجمته، ثم ترجم الباقي. وقد استعان هو أيضاً بالشيخ يوسف الأسير (الأزهري) لضبط الترجمة. وانتهى من الترجمة والطبع يوم 29 مارس 1865. ومما يذكر أن الدكتور فاندايك لم يعتبر قط أن ترجمته نهائية، بل ظل ينقح ويصحح في كل طبعة جديدة حتى يوم رقاده بيسوع في 13 نوفمبر 1895 تاركاً وراءه ذخراً لا يُقدَّر « وبه وإن مات يتكلم بعد ». الترجمة اليسوعية قام بعض الرهبـان اليسوعييـن في بيـروت، بمعاونة الشيخ إبراهيم اليازجي بن الشيخ نصيف اليازجي السالف الذكر، سنة 1881 بترجمة عربية أخرى. وهى ترجمة جميلة ودقيقة عدا استثناءات معدودة. تتميز عن غيرها بحلاوة الأسلوب وفصاحة اللفظ، لكن على حساب عدم التقيد بحرفية النص الأصلي في بعض الأحيان. الترجمات الحديثة وقد بدأت في السنوات الأخيرة عدة محاولات لإعادة ترجمة الكتاب المقدس، وكذلك تنقيح الترجمة المستعملة حالياً. ولقد ظهرت بالفعل بعض هذه الترجمات، سنذكر بعد قليل جانباً منها. ويقيناً هو شئ غير مستغرب أن يعتز المؤمنون بالكتاب الذي حفظوا مقاطع كبيرة منه في طفولتهم، وتعزّوا بواسطته وبُنوا في الإيمان إذ استخدم الله آياته سواء في الاجتماعات العامة أو الجلسات الخاصة أو الخلوات الانفرادية، الأمر الذي يجعل الكثيرين منهم يرفضون فكرة تعديل نصوصه أياً كانت الأسباب. ومع ذلك فعلينـا أن نستوعب هذه الحقيقة وهي أن اللغة متطورة باستمرار. فنحن عندما نقرأ الصحف الصادرة من مائة عام نحس أننا غرباء عن هذه اللغة. قال كليف لويس "لا يوجد شئ اسمه ترجمة كتاب من لغة إلى أخرى مرة وإلى الأبد، فاللغة شئ متغير. إذا أردت أن تشترى ثوباً لابنك فليس من المعقول أن تشترى له الثياب مرة وإلى الأبد، فهو سينمو ويكبر عليها، وهى ستتهرأ عليه" خذ على سبيل المثال كلمة من الأصحـاح الأول في الكتاب المقدس « وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها؛ بهائم ودبابات... فعمل الله وحوش الأرض ... وجميع دبابات الأرض كأجناسها » (تك1: 24، 25). إن القارئ العادي عندما يقرأ عن الدبابات قد يذهب فكرة إلى آلة الحرب المعروفة بهذا الاسم، مع أن هذه طبعاً ليست هي المقصودة، بل المقصود هو ما يدُب على الأرض. ولذلك اضطرت الترجمة التفسيرية لإزالة هذا الالتباس أن تترجمها زواحف. أو مثل آخر « إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين » (مت12: 36) إن عبارة كلمة بطالة في مفهوم القارئ العادي هي الكلمة الرديئة، مع أن معناها هنا الكلمة العاطلة أو التي لا لزوم لها. ومع اعتقادنا أن الترجمة العـربية الشائعة هي واحدة من بركات الرب للشعوب العربية، إذ أنها من أدق الترجمات في كل العالم، فإن أحداً لا يقدر أن يعترض أبداً على معاودة البحث في الأصـول للوصول إلى لفظ أدق أو كلمة تعطى المعنى الأقرب للأصل، وكذلك لاستبدال الكلمات العسـرة الفهم، أو التي بَطُل استعمالها في اللغة بكلمات أكثر تداولاً بشرط أن تعطى المعنى الأصلي تماماً. ثم إن الأمانة لحق الله تقتضي منا الوقوف بمنتهى الحزم إزاء محاولات الخروج عن مقصد الآية الأصلي لمجاراة أفكار البشر الخاطئة، أو لتثبيت مفاهيم منحرفة، كما حدث ويحدث الآن في بعض الأحيان. ومن أشهر تلك الترجمات الحديثة: الترجمة التفسيرية (كتاب الحياة): تهدف هذه الترجمة لتبسيط المعنى وإيضاحه. وقد صدر العهد الجديد عام 1982، ثم صدر الكتاب المقدس كاملاً عام 1988. وهي ترجمة جيدة إلى حد كبير. الترجمة اليسوعية الحديثة: صدرت الطبعة الأولى للعهد الجديد عام 1969، تلتها عدة طبعات وحاول الآباء اليسوعيون فى كل طبعة إدخال بعض التحسينات مثل تبسيط العبارة وإضفاء الروح المسكونية على الترجمة. الترجمة الحديثة يقوم بنشرها اتحاد جمعيات الكتاب المقدس ببيروت، والتي صدرت طبعتها الأولى عام 1978. وهذه الترجمة بالأسف جاملت البشر على حساب الحق الإلهي. فمثلاً متى 16: 18 ترد فى الترجمة العصرية هكذا «وأنا أقول لك أنت صخر وعلى هذا الصخر سأبني كنيستي» مما يفهم منه القارئ العادي أن الكنيسة بنيت على بطرس. والحقيقة أن الروح القدس استخدم في الأصل اليونـاني كلمتين مختلفتين الأولـى هى « بترس »، وترجمتها حجر أو قطعة من الصخـر، أما االثانية فإنها « بترا » وترجمتها صخرة. فليس على بطرس بُنيت الكنيسة بل على المسيح ابن الله الحي، الإعلان الذي أعلنه الآب ونطق به بطرس. ويستطيع القارئ الفطن أن يفهم لماذا تجاهل المترجمون هذا الفارق بين الكلمتين؛ فهذه أحد أمثلة مجاملة البشر على حساب الحق. وبالمثل في 1بطرس 3: 18،19 « مات في الجسـد، ولكن الله أحياه في الروح. فانطلق بهذا الروح يبشر الأرواح السجينة التي تمـردت فيما مضى » حرف الفاء هنا زيد ويفسد المعنى إذ يُفهم منه أن ذهاب المسيح ليبشر الأرواح السجينة كان بعد موته، مع أن النص اليوناني يُفهم منه - ما يتمشى مع باقي أجزاء الوحي - أن المسيح كرز إليهم بالروح القدس بواسطة نوح قديماً. أيضاً في يوحنا 5: 28،29 « ستجيء ساعة يسمع فيها صوته جمـيع الذين في القبور، فيخرج منها الذين عملوا الصالحات ويقومون إلى الحيـاة، والذين عملوا السيئات يقومون إلى الدينونة » والنص بهذه الصورة يدعم تعليم القيامة العامة، وهو تعليم غير صحيح. لأنه واضح من كلمة الله أن هناك « قيامة أولى » للمؤمنين تسبق قيامة باقي الناس بألف سنه (رؤ 20: 5، 6)، ولذلك سُميـت القيامة الأولى « قيامة من الأموات » (لو 20: 35، في 3: 11). ويرد النص في اليوناني كما في ترجمة فاندايك « يخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة ». فهناك قيامتان لا قيامة واحدة. أما الطامة الكبرى في هذه الترجمـة، فهي محاولتهم النيل من لاهوت المسيح، وهو كما يعرف القارئ أقدس مقدسات المسيحية، كما أنه هدف أساسي لهجمات الشيطان. ففي أمثال 8: 22 ترد العبارة « الرب خلقني أول ما خلـق » ثم في الهامش تقول الترجمة: عبارة خلقني تعنى أيضاً اقتناني، وعبارة أول ما خلق تعنى أيضا أول طريقه. فإن كانت الكلمة العبرية تحتمل المعنيين- كما ذكروا هم في الحاشية - فلأي غرض يا ترى وضعت هذه العبارات في المتن؟ والأسوأ من ذلك أنه في فاتحة إنجيل يوحنا عند حديث الروح القدس عن لاهوت المسيح ترد حاشية تحوله إلى أمثال 8: 22 التي فيها هذا التجديف الصريح. ليت كلمات الرسـول يوحنا « وأما أنتم فما سمعتموه من البدء فليثبت إذاً فيكم » (1 يو 2: 24) تكون نبراساً لنا في هذا الزمان الرديء. |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.