لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

خادم الرب د. فايز فؤاد

 

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

أوصى الرب شعبه القديم بخمسة أشياء يُعلِّمونها لأولادهم:

(1) الفصح (خر12: 24-27)

(2) عيد الفطير (خر13: 6-8)

(3) فداء البكر (خر13: 13-15)

(4) حفظ وصايا الرب (تث6: 20-25)

(5) الاثنى عشر حجرًا المأخوذة من نهر الأردن، والتي نصبها يشوع في الجلجال

(يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

وهكذا نحن أيضًا ينبغي أن نعلِّم أولادنا ما تُشير إليه هذه الأمور الخمسة:

  1. الفداء بالدم أي على أساس موت المسيح ...
  2. وجوب القداسة والطهارة، وأهمية الحكم على الشر، واستبعاد أية خطية من حياتنا العملية ...
  3. معنى التكريس الحقيقي للرب ...
  4. حفظ وصايا الرب داخل القلب ...
  5. القيامة؛ حقيقتها وتطبيقها العملي...

 

*******

(1)

 

وقبل أن نبدأ في التأمل في هذه الخمس الدرجات التصاعدية في سلم الحياة المسيحية التي حسب فكر الرب، لدينا بعض الملاحظات الافتتاحية:

أولاً: إنه من الأمور الخطيرة جدًا أن يوجدنا الله في مركز الوالدين؛ ذلك المركز المقدَّس والمُفرح والمُبهج، ولكنه من الجهة الأخرى يتضمن مسؤولية عظيمة جدًا. ونحن نلاحظ، بنوع خاص، المسؤولية العظيمة جدًا المُلقاة على عاتق بني إسرائيل من نحو أولادهم «إِنَّمَا احْتَرِزْ وَاحْفَظْ نَفْسَكَ جِدًّا لِئَلا تَنْسَى الأُمُورَ التِي أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ، وَلِئَلا تَزُول مِنْ قَلبِكَ كُل أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَعَلِّمْهَا أَوْلادَكَ وَأَوْلادَ أَوْلادِكَ» (تث4: 9).

فشعب الله قديمًا كان مطلوبًا منه أن يحترز ويحفظ نفسه جدًا لئلا ينسى كلمة الله الثمينة، وليس ذلك فقط، بل كان عليه واجب مقدَّس أن يقوم بتعليم أولاده وأولاد أولاده هذه الكلمة. ويهتم الله بهذا الأمر الخطير كل الاهتمام. وقد سبق أن قال عن إبراهيم: «لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلاً، لِكَيْ يَأْتِيَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ» (تك18: 19).

وهل مسؤوليتنا في هذا الخصوص أقل من مسؤولية شعب إسرائيل قديمًا؟ ...

بالطبع كلا، فمسؤوليتنا أعظم، وذلك لأن النور الذي لدينا والامتيازات التي حصلنا عليها أكثر.

لقد أوجب الرب على الوالدين من بين أفراد شعبه تربية أولادهم في مخافته – تبارك اسمه – تلك التربية المطابقة تمامًا لكلمته المقدَّسة. والكتاب المقدس، من أوله إلى آخره، لا يسمح قطّ للوالدين بأن يتركوا أولادهم يشبّون على الجهل والتهاون والعناد والتمرد. وكل مَنْ يُقصّر في هذا الواجب المُحتَّم، لا بد أن يعاقبه الله لتقصيره.

وفي سفر التثنية – بصفة خاصة – يُطلب من بني إسرائيل مرارًا كثيرة أن يصنعوا الوصايا والأحكام وتعاليم الناموس أمام أولادهم، لكي تُثار في داخل الأولاد التساؤلات عن طبيعة وغرض تلك الوصايا والأحكام. وعلى كل أب أن يكون مستعدًا لمجاوبة ابنه متى سأله الابن (تث6: 9، 10؛ 11: 18-21).

ثانيًا: إن مبدأ «أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» لهو امتياز عظيم وبركة ثمينة (تك7: 1؛ 18: 17-19؛ 35: 1-3؛ خر10: 8، 9؛ يش24: 15؛ أع11: 14؛ 16: 31). فإذا كانت مقاصد الله ورغباته هي أن يخلص جميع أهل بيت المؤمن، فالوالدان المؤمنان يستطيعان أن يعوّلا على الله في خلاصهم. هنا تعزية قوية. ومن جهة أخرى هناك مسؤولية جسيمة، إذ أنا مسؤول أن أقود بيتي في طريق الرب، وأن أربّي الأولاد لأجله. ويجب أن يشبوا في مخافة الرب، وأن يُروَّضوا في سُبل البر والانفصال عن العالم. وحسنًا جدًّا أن يُرسل الأولاد إلى مدارس الأحد ليتعلموا الكتاب المقدَّس، ولكن هذا لا يعفي الوالدين من مسؤولية تعليمهم الكلمة في البيت. أما إذا سُمح بالشر في البيت، فالله لا يعفي رأس البيت من المسؤولية.

وفي هذا الصدد نقتبس هذه الكلمات الثمينة لخادم الرب الفاضل/ تشارلس ماكنتوش:

"لا نزاع في أننا لا نستطيع أن نجعل أولادنا مسيحيين بالحق، كما أنه ينبغي أن لا نجعلهم مُرائين أو متظاهرين بالدين، ولكن في الواقع غير مطلوب منا أن نجعلهم هذا أو ذاك، إنما المطلوب منا أن نعمل الواجب علينا ونترك النتائج لله. وكلمة الله تُعلِّمنا، بل تأمرنا، أن نربي أولادنا بتأديب الرب وإنذاره (أف6: 4).

ومما يُعزينا أثناء تأملنا في هذه المسؤولية الخطيرة أن نعمة الرب – تبارك اسمه – تكفينا في هذا الظرف كما في كل الظروف «وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يع1: 5)؛ «لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا» (في هذا الموضوع الخطير) أَنْ نَفْتَكِر(أو نعمل) شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ» (2كو3: 5)، والله قادر أن يسدّ جميع أعوازنا، وما علينا إلا أن نستمد منه ما يملأ حاجات كل ساعة. ولكن ينبغي أن نقوم بواجبنا. ونعتقد أن كل مسيحي بالحق يجب عليه القيام بواجبه خير قيام، ومن المُحقق أننا لا نستطيع أن نعتمد على الله إلا إذا كنا سالكين سبيل الواجب".

أيها الأحباء ... إن القضية أمام ضمير الوالد المسيحي تتلخص في هذا السؤال: هل أنا أدير بيتي لله؟ وهل أنا أعوّل على الله في كل ما يخص بيتي؟ ويالها من قضية خطيرة!! وإن الله ينتظر من الأب أو الزوج أن يَشرف على بيته وعلى عائلته، وأن يرتب بيته بموجب كلمة الله ولأجل مجده، معوِّلاً على الله في كل ما يخص بيته.

ثالثًا: نحن نعلم، طبعًا، أن الله مطلق السلطان، ونؤمن بمقاصده الأزلية ومشوراته المحتومة، ونؤمن تمامًا بتعليم الله الصادق الخاص بعقيدة الاختيار وسبق التعيين، وكذلك نؤمن بضرورة حصول أولادنا على الولادة ثانية، ونؤمن أن هذه الولادة هي عمل إلهي محض يُحدثها الروح القدس بالكلمة (يو3: 3-8؛ يع1: 18؛ 1بط1: 23)؛ ولكن ذلك كله لا يؤثر بتاتًا على مسؤولية الوالدين المسيحيين من جهة تعليم وتربية أولادهم في مخافة الرب بكل أمانة ومثابرة واجتهاد من طفوليتهم. وويل للوالدين الذين - بسبب سوء التعليم أو لأي سبب آخر - لا يعترفون بهذه المسؤولية، أو يُقصِّرون في هذا الواجب المقدَّس.

وفي هذا الصدد يقول خادم الرب الفاضل/ ر. ك. كامبل:

"ما أحسن أن تختزن قلوب الأطفال الصغيرة، وعقولهم الغضّة، حقائق كلمة الله الثمينة! وإنه لأمر جليل القدر أن يتعلم الأطفال، حتى غير المولودين ثانية، حقائق الكتاب المقدس، وأن تكون لهم معرفة واسعة بكلمة الله، فإن هذا يُشبه ترتيب الوقود ترتيبًا جيدًا، وما هي إلا شرارة صغيرة يحتاج إليها لتندلع لهبًا. لقد استطاع الرسول أن يكتب إلى تيموثاوس الشاب: «مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ» (1تي4: 6). ومنذ طفوليَّته عرف تيموثاوس الكتب المقدَّسة القادرة أن تُحكِّمه للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع (2تي3: 15).

رابعًا: نرجو ألا يتبادر إلى ذهن أحد أن مجرد قراءة فصل من كلمة الله وسط العائلة يوميًا، ثم سكب القلب بصلاة مختصرة لله، هو كل ما تتضمَّنه هذه الجملة الخطيرة: «أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ» (يش24: 15)، كلا، فمرمى هذه الآية أبعد من ذلك بكثير، وهي تشمل كل شيء له مساس بحياتنا الشخصية والبيتية، وتتناول كل تفاصيل الحياة العملية اليومية. وقد أُعطيت وصية هامة في هذا الخصوص للآباء في إسرائيل:

«فَضَعُوا كَلِمَاتِي هَذِهِ عَلى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ، وَارْبُطُوهَا عَلامَةً عَلى أَيْدِيكُمْ، وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عُيُونِكُمْ، وَعَلِّمُوهَا أَوْلادَكُمْ، مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ، لِكَيْ تَكْثُرَ أَيَّامُكَ وَأَيَّامُ أَوْلادِكَ عَلى الأَرْضِ التِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآِبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلى الأَرْضِ» (تث11: 18-21؛ انظر أيضًا تث6: 6-9).

يالها من أقوال رائعة وجّهها الله لشعبه! وياله من وصف بديع لما يريد الله أن يراه في كل بيت. فالله يريد أن توضع كلمته في القلب، وتُربط علامة على الأيدي، وتكون عصائب بين العينيين؛ أي أن كلمة الله هي التي توجِّه وتوحِّد سلوكنا ليستقيم ويتوافق مع المكتوب (قارن خر13: 9، 16). وعلى الآباء أن يُعلِّموا تلك الكلمة لأولادهم دائمًا، وأن تُكتب على قوائم أبواب البيت (The Doors أي الأبواب الداخلية)، وعلى أبوابه (The Gates أي البوابات الخارجية)، أي تكون كلمة الله سائدة في داخل البيت وتحكم تصرفات الجميع، وبالتالي يسهل جدًّا أن يكون مظهر العائلة في الخارج – أمام العالم – وقد زيَّنته تعاليم كلمة الله بالتقوى والسيرة الحسنة، فتكون العائلة عظةً عمليةً، كلمة حيَّةً ومُعاشة عمليًا أمام الجميع (2كو5: 20). فالداخل أولاً، والمظهر الخارجي بعد ذلك لا بد أنه سيعكس حقيقة خضوع أفراد العائلة لكلمة الله.

ثم يعطي الرب الوعد بطول العمر، وأن تكون أيام الحياة «كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلى الأَرْضِ» (تث11: 21)، هذه هي بركة البيت المسيحي الحقيقي حيث تُحَّب كلمة الله وتُطاع وتحتل مكانها اللائق بها. ذلك البيت حيث يعيش الكل بحسب كلمة الله ولأجل مجده، إنما هو قطعة من السماء على الأرض.

فيا عزيزي القارئ:

هل الأمر كذلك في بيتك؟

وإلا فماذا؟! ...

ولماذا؟!

وإن هذا يمكن أن يكون عندما تُختزن كلمة الله الثمينة فوق كل شىء آخر في قلوب الوالدين، ويسير نظام العائلة وفقًا لتعليماتها. حينئذٍ تُرى كلمة الله عمليًا على قوائم الأبواب وعلى البوابات، ويتغذى بها الصغار ويشّبوا في طريق الحق. وإن كان الآباء لا يحبون كلمة الله ولا يسلكون بحسبها، فكيف يُمكن أن يكون أولادهم مُحبين للكلمة ومُطيعين لها؟! إنه من الغبث أن نحاول أن نُعلِّم أولادنا كلمة الله، بينما حياتنا العملية ليست محكومة بمقتضاها.

والخلاصة – أيها الأحباء – إنه من الواجب أن يرى أولادنا أن قلوبنا وأيادينا وعيوننا جميعها مشغولة بكلمة الله الثمينة، وأن تقديرنا لها يفوق كل تقدير، وأننا محكومون في كل أمورنا ومعاملاتنا بنصوص الكتاب المقدس، وأننا عائشون في جو المكتوب، وأن منه يتكون حديثنا عندما نجلس بينهم في أوقات راحتنا وفراغنا، وقتئذٍ ستُثار داخلهم التساؤلات و«إِذَا سَأَلكَ ابْنُكَ ... تَقُولُ لاِبْنِكَ».

*******

(2)

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أن الرب أوصى شعبه القديم بخمسة أشياء يُعلِّمونها لأولادهم:

(1) الفصح (خر12: 24-27)

(2) عيد الفطير (خر13: 6-8)

(3) فداء البكر (خر13: 13-15)

(4) حفظ وصايا الرب (تث6: 20-25)

(5) الاثنى عشر حجرًا المأخوذة من نهر الأردن، والتي نصبها يشوع في الجلجال

(يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

وذكرنا أن الرب طلب من بني إسرائيل مرارًا كثيرة أن يصنعوا الوصايا والأحكام وتعاليم الناموس المختصة بهذه الخمسة الأشياء أمام أولادهم، لكي تُثار في داخل الأولاد التساؤلات عن طبيعة وغرض تلك الوصايا والأحكام، وعلى كل أب أن يكون مُستعدًا لماوبة ابنه متى سأله ابنه «اسْأَل أَبَاكَ فَيُخْبِرَكَ، وَشُيُوخَكَ فَيَقُولُوا لكَ» (تث32: 7).

ونبَّرنا أيضًا على أن إعداد الأولاد لله هو امتياز ثمين ومسؤولية عظيمة في آن واحد، وأن علينا أن نبدأ من البيت والعائلة؛ فينبغي أن نزرع بذرة كلمة الله الصالحة في حياة أولادنا، فنحصد حياة جميلة «فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غل6: 7). فلا شك في أن إشاعة الجو المسيحي في وسط الأسرة هو مصدر إلهام لحياة نبيلة مقدسة شريفة. ومن حق كل طفل أن يتوقع البركات التي هي وليدة البيئة المسيحية الصحيحة.

وسنتناول – بمعونة الرب – هذه الأمور الهامة بالتأمل، طالبين من القلب أن يساعدنا بنعمته، لنكون أمناء في تعليم أولادنا ما تُشير إليه هذه النقاط الخمس.

*******

أولاً: الفصح ... والفداء بالدم أي على أساس موت المسيح

(خر12: 24-27)

لقد كانت تعليمات الله لشعبه القديم بخصوص الفصح:

«فَتَحْفَظُونَ هَذَا الأَمر فَرِيضَةً لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى الأَبَدِ. وَيَكُونُ حِينَ تَدْخُلُونَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكُمُ الرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ، أَنَّكُمْ تَحْفَظُونَ هَذِهِ الْخِدْمَةَ. وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هَذِهِ الْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا» (خر12: 24-27)

كان من الطبيعي والمنطقي أن يأتي الفصح أول كل الأشياء التي أوصى الرب شعبه القديم أن يُعلمونها لأولادهم. فالفصح يُذكِّر الشعب بخروجهم من بيت العبودية وبداية تاريخهم كأمة. والفصح يمثل كل معاملات الله مع البشر؛ الأساس العظيم لمجد الله وبركة الإنسان. ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح.

وكان يجب أن يتعلَّم الأولاد في شعب الله القديم حقيقة المصير المروع الذي كان يتهددهم في أرض مصر، وكيف تمت النجاة على حساب الدم، وكيف أنهم صاروا من ضمن أفراد الأمة التي اختارها الرب لنفسه وقرّبها إليه، فأصبحوا ينتمون إلى الشعب المُخلَّص والذي أُعتق من العبودية، وأصبحوا ينتمون إلى الله المُخلِّص.

وبالنسبة لنا نحن أيضًا، فإنه من الطبيعي والمنطقي أن يكون الفصح بالمفهوم الروحي هو أول كل الأشياء التي ينبغي أن نعلّمها لأولادنا. فالفصح رمز معروف لموت المسيح «لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ» (1كو5: 7، 8)، وعليه فإن أساس أعيادنا، أساس اجتماعنا معًا حول الرب وعبادتنا له ، بل أساس أفراحنا؛ هو موت المسيح لأجلنا.

والفصح هو الأساس الوحيد البسيط للراحة والأمن. وعلى هذا الأساس يمكن لأولاد الله، وهم محتمون بدم المسيح، أن يتغذوا بشخصه وهم في سلام تام. قد تكون الدينونة مُحيطة بهم، والجهاد والكفاح أمامهم، ولكنهم يستريحون في حِمى الدم، متمتعين بالأكل من خروف الفصح. فمن جهة أنفسنا لم نكن مستحقين إلا الموت والدينونة، ولكن المسيح فصحنا قد ذُبح لأجلنا وحمل الدينونة بالنيابة عنا لكي يُخلّصنا.

وكان ذبح خروف الفصح بداية سير الشعب مع الله في البرية، وهكذا الإيمان بالمسيح فادينا ومخلِّصنا، هو بداية السير مع الله الذي فيه يتمتع المؤمن بالسلام والاختبارات الثمينة، وينمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح.

أيها الآباء الأحباء... ليتنا نضع الرب يسوع المسيح أمام أولادنا، مُبكرين وباستمرار، كالمخلِّص والفادي الوحيد. ليتنا نضع الصليب وذبيحة المسيح أمامهم كالسبيل الوحيد للنجاة من الدينونة الأبدية التي تستحقها الخطية. ليتنا نُعلِّمهم ماذا فعل المسيح من أجلهم، لنجعلهم يعرفون الرب ويُحبونه، حتى قبل أن يتعرفوا عليه.

ويجب أن نُعلِّم أولادنا أن مَنْ كان يعمل الفصح من الشعب القديم، ويحتمي في الدم، يُشبه مؤمن العهد الجديد الذي يعترف أنه في ذاته لا يستحق شيئًا، ويلجأ إلى دم المسيح، ويحتمي به، فتعبر عنه الدينونة إلى الأبد، ولا يحتاج إلى ذبيحة أخرى. ولكن كما كان الشعب القديم يعمل ذكرى عبور الدينونة عنه بموت خروف الفصح، هكذا المؤمن الآن يُمارس ذكرى موت الرب الذي قال: «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي» (لو22: 19؛ 1كو11: 24، 25).

وفي هذا الصدد، لدينا بعض الملاحظات التي ننقلها من كتاب "مواسم الرب"، لخادم الرب الفاضل الأخ/ يوسف رياض:

  1. يتميز الفصح الأول الذي صنعه بنو إسرائيل عندما كانوا في أرض مصر في بيت العبودية عن الفصح الذي كان يُمارس سنويًا، بأنه في الفصح الأول كان للدم الأهميةُ القصوى، ولولاه ما كان لممارسة الفصح أية قيمة: «بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْحَ وَرَشَّ الدَّمَ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ» (عب11: 28)، الأمر الذي لم يتكرر بعد ذلك، حتى إننا لا نجد أية إشارة للدم بعد ذلك. فإننا نطبق فاعلية دم المسيح وسفك دمه لأجل احتياجنا للخلاص مرة واحدة. هذا هو التعليم الذي تركز عليه الرسالة إلى العبرانيين، فالخلاص الذي نحصل عليه من الرب لا يُفقّد. أما بعد ذلك فإننا لا نحتاج أن نحصل على خلاص جديد، وبالتالي لا نحتاج إلى رش الدم مرة أخرى لأن الهلاك قد عبر والنجاة تحققت، بل كل ما يلزمنا هو أن نذكر «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي».
  2. الفصح الأول في أرض مصر مارسه بنو إسرائيل في بيوتهم، أما بعد ذلك فما كان يجوز لهم أن يفعلوا ذلك، إذ طلب الرب إليهم أن يذهبوا إلى المكان الذي اختاره ليحل اسمه فيه (تث16: 5، 6). ولنا في هذا تعليم هام. أننا في المرة الأولى التي تمتعنا فيها بما لموت المسيح من فاعلية وبركات، عندما كنا ما نزال في بيت العبودية ومحتاجين لرش الدم، كان أمر الرب أن نأكل الفصح في بيوتنا. فليس أن هذا كان مسموحًا به فقط، بل قد كان هذا هو أمر الرب وقصده. وروحيًا يُشير هذا إلى ما قاله الرسول بولس وسيلا، لسجان فيلبي: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أع16: 31)، أما بعد ذلك فما عاد يصلح أكل الفصح في بيوتنا، بل في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه.

    والتطبيق الروحي لذلك هو أن الإنسان يوم تعرُّفه بالمسيح المُخلِّص، عندما يعرف أن ابن الله أحبه وأسلَم نفسه لأجله، يريد منه الله أن يأكل الفصح في البيت. هكذا السجان في فيلبي عندما سأل: «مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ (أنا)؟»، كان الجواب: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ»، ثم «تَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ (أو تَهَلَّلَ عائليًا)، إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللَّهِ» (أع16: 31- 34). لكن بعد ذلك عند تذكُّر الخلاص أو المُخلِّص يجب ألا يكون ذلك مع بيتي فقط، بل مع شعب الله، وذلك بأن أذهب لصنع الذكرى في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه؛ أي الاجتماع إلى اسم الرب.

    إن ذكرى موت الرب ليست ممارسة عائلية. صحيح أن ثمة مذبحًا عائليًا، ولكن هل يصلح أن الأسرة بمفردها تصنع ذكرى موت الرب؟ الإجابة نفهمها بسهولة من تثنية16: 5، 6 «لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَذْبَحَ الفِصْحَ فِي أَحَدِ أَبْوَابِكَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، بَل فِي المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِل اسْمَهُ فِيهِ. هُنَاكَ تَذْبَحُ الفِصْحَ». هذا المكان في العهد القديم كان هو خيمة الاجتماع ثم الهيكل بعد ذلك، أما في العهد الجديد فهو الاجتماع إلى اسم الرب بحسب متى18: 20 «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ».

  3. الفصح كان رمزًا لموت المسيح الذي كان عتيدًا أن يتم في ملء الزمان، أما ذكرى موت الرب فهي تذكار لموته الذي تم. فالفصح يُشير متقدمًا إلى موت المسيح، وعشاء الرب يُشير راجعًا إلى هذا الموت.
  4. الخلاص الذي حصل بموت الفصح الأول كان خلاصًا زمنيًا وأرضيًا، ولكن الخلاص الذي حصلنا عليه بموت المسيح هو خلاص روحي وأبدي.
  5. كان على كل إسرائيلي بالمولد واجب ممارسة عيد الفصح. أما الآن فهو امتياز لكل أولاد الله بالولادة ثانية أن يصنعوا ذكرى موت المسيح.
  6. أننا لسنا مثل بني إسرائيل نذكر الخلاص الذي تم، بل نذكر المُخلِّص صاحب هذا الخلاص «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي».
  7. أننا لسنا كبني إسرائيل نصنع هذه الذكرى مرة واحدة في السنة، بل نصنعها أسبوعيًا «فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ» (أع20: 7).

وهناك سبعة أمور كان يتطلبها حفظ الفصح كما نرى في خروج12: 8، 11؛ نُشير إليها وإلى معانيها الروحية والأدبية، لأنها يجب أن تتوافر في كل مَنْ يمارس ذكرى موت الرب. لأنه إذا كان الخلاص من الدينونة يتوقف على الدم وحده، فإن التغذي بالفصح والتمتع بالسلام وبالشركة التي نتجت عن هذا الخلاص، كانت تتوقف على هذه الأمور السبعة ولا تستقيم بدونها:

  1. «يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ ... مَشْوِيّاً بِالنَّارِ» (خر12: 8) ... صورة لما تحمَّله المسيح لأجلنا من نيران عدالة الله؛ فعند الصليب أرسل الله من العلاء نارًا إلى عظام المسيح فَسَرَتْ فيها (مرا1: 13؛ 1كو5: 7).
  2. «يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ ... مَعَ فَطِيرٍ» (خر12: 8) ... إشارة إلى وجوب القداسة والطهارة والانفصال عن الشر، واستبعاد أية خطية من حياتنا العملية (1كو5: 8).
  3. «عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ يَأْكُلُونَهُ» (خر12: 8) ... صورة للتوبة وللحكم على الذات، وللحزن على الخطية. فخطايانا هي التي سببت تلك الآلام القاسية للمسيح، فكيف لا تُسبِّب لنا أيضًا الكثير من الأسف والحزن؟!
  4. «تَأْكُلُونَهُ أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ» (خر12: 11) ... أي أن ملابسهم لا تلامس الأرض حتى لا يتعثرون أو يتدنسون بقاذورات الطريق. وفي هذا إشارة إلى تطبيق الحق على حياتنا «مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ» (أف6: 14)، وأيضًا إلى ضبط العادات وإلى الانفصال (1بط1: 13)، وإلى الاستعداد للخدمة (لو12: 37).
  5. «تَأْكُلُونَهُ ... وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ» (خر12: 11) ... إشارة إلى الاستعداد الفوري الدائم للرحيل، وإشارة أيضًا إلى السير بحسب مبادئ الإنجيل متمتعين بالسلام في كل الظروف، طوال الطريق (أف6: 15).
  6. «تَأْكُلُونَهُ ... وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ» (خر12: 11) ... إشارة إلى أننا غرباء ونزلاء (1بط2: 11)، ومستندين في المسير على قوة الله ومواعيده في الكلمة (عب11: 21).
  7. «تَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ» (خر12: 11) ... إشارة إلى الآتي سريعًا (رؤ3: 11؛ 20: 7، 12، 20). وهذا ما يجب أن نكون عليه نحن أيضًا أثناء صُنع الذكرى؛ أن نكون مترقبين مجيء المسيح بين لحظة وأخرى، كقول الرسول: «تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1كو11: 26).

أيها الأحباء، ما أجمل هذه المميزات الأدبية! يا ليت كل شعب الله المفدي يُظهر أن له كل هذه الامتيازات. فقد تمتعنا - بنعمة الله - بكفاية دم المسيح المُطهِّر، ولنا أن نتعزى بشخصه المجيد المعبود، ونتمتع بغناه الذي لا يُستقصى، ونشترك في آلامه متشبهين بموته. والله قادر أن يعطينا قوة، ويهبنا أن نتعمق في اختبار هذه الأمور بحيث لا تكون مجرد نظريات وحقائق في الذهن، ولا مجرد مبادئ كتابية صحيحة ومعرفة بالكلمة لشرحها الشرح الصحيح، بل نسير فيها ونحققها عمليًا واختباريًا، ونُظهرها بجلاء ووضوح في حياتنا لمجد الله أبينا.

وعندما يرى أولادي وأهل بيتي – قبل غيرهم – أنني حريص على أن أمارس ذكرى موت الرب، ليس في المكان الصحيح فقط، ولا بالطريقة الكتابية الصحيحة فحسب، بل وأنا أيضًا في حالة أدبية صحيحة، فعندئذٍ سوف تُثار في داخلهم التساؤلات، ويجب أن أكون مُستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله، مُخبرًا إياه أن المسيح قد جاء وأعدَّ الفداء بدم صليبه لكل العالم، وأن غرض الله من الفداء ليس خلاصنا من دينونة الخطية فقط، بل ومن قوة الخطية أيضًا. وأننا قد أتينا «إِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (عب12: 24)، ولم يُرَّشْ الدم على البيوت بل على القلوب (عب10: 22)، وليس البكر وحده هو الذي احتاج إلى الفداء، بل كل واحد فينا على حده يحتاج إلى دم المسيح الذي يُطهِّر من كل خطية (1يو1: 7)، وأنه على أساس دم المسيح غُفرت خطايانا، وعُفيَ عنا، بل ونلنا كل البركات الإلهية. وكما نلنا الحماية في شخص المسيح وكفاية عمله، فلنا أيضًا أن نشبع ونتغذى بشخصه. وعلينا ألا نُضيف شيئًا متعلقًا بذواتنا إلى دم المسيح ليتكون من الخليط أساس لسلامنا، فدم المسيح هو الذي يُعطي السلام والتبرير التام والبر الإلهي، ويُطهِّر الضمير، ويدخل بنا داخل الأقداس، ويُبرر الله في قبوله للخاطئ التائب، وعليه وحده تتوقف بركات المؤمن وامتيازاته وأفراحه وأمجاده في السماء.

وهكذا يتواصل الحديث مع ابني، ولا أُعطي عينيَّ نومًا ولا أجفاني نُعاسًا، حتى أجده بجانبي، بقلي مكسور ومأسور بنعمة المُخلِّص، آمنًا وسعيدًا، مُتمتعًا بالسلام وبحماية دم المسيح، مترنمًا معي بنغمة صادقة وعالية:

أنتَ المسيـحُ رَبُّنـا وأنتَ فِصْحُنا الوحيدْ

بالموتِ قدْ خَلَّصْتَنا وقُمْتَ رأسَنا المـجيدْ

 

فنحنُ في ظلِّ حِماكْ قد التجأنا للرَّجـا

وليسَ يَخزَى مَنْ دَعاكْ يا خَيْرَ مَلجأ وحِمىَ

*******

(3)

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أنه كان من الطبيعي والمنطقي أن يأتي الفصح أول كل الأشياء التي أوصى الرب شعبه القديم أن يُعلمونها لأولادهم. فالفصح يُمثل أساس كل معاملات الله مع البشر؛ الأساس العظيم لمجد الله وبركة الإنسان. ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح. وإذا كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح (1بط1: 15-20). ولذلك فإن الأمر الثاني الذي أوصى الرب شعبه القديم أن يُعلمونه لأولادهم، هو ضرورة حفظ عيد الفطير.

 

ثانيًا: عيد الفطير ...

ووجوب القداسة والطهارة، وأهمية الحكم على الشر،

واستبعاد أية خطية من حياتنا العملية

(خر13: 6-8)

لقد كانت تعليمات الله لشعبه القديم بخصوص عيد الفطير:

«سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُ فَطِيرًا، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ عِيدٌ لِلرَّبِّ. فَطِيرٌ يُؤْكَلُ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ مُخْتَمِرٌ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ خَمِيرٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ. وَتُخْبِرُ ابْنَكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ إِلَيَّ الرَّبُّ حِينَ أَخْرَجَنِي مِنْ مِصْرَ» (خر13: 6-8).

إن الفطير (الخالي من الخمير) رمز لقداسة القلب والحياة. وهذه القداسة ضرورية جدًّا للتمتع بشركة حقيقية مع الله «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبّ» (عب12: 14). وإن لم تكن قداستنا العملية الشخصية هي واسطة خلاصنا، لكننا خلصنا لنعيش فيها. هي ليست أساس خلاصنا، ولكنها عنصر هام في شركتنا وتمتعنا بهذا الخلاص. أما الخمير (الذي يُكنى به عن الشر)، فهو الضربة القاضية على الشركة والعبادة.

ويجب علينا ألا نتغاضى ولو دقيقة واحدة عن هذه الحقيقة الرئيسية في حياة القداسة الشخصية والتقوى العملية. تلك الحياة التي دُعينا إليها كمفديين بدم الحَمَل، وصار مطلوبًا منا، بل ومن امتيازنا أن نحياها من يوم لآخر في وسط المناظر والظروف التي نمر بها، ونحن سائرون إلى موطننا حيث الراحة الأبدية في السماء. فلكي نتمتع بالشركة مع الله وبشركة القديسين، ولكي نعبد الله بالروح والحق، يجب أن نعيش في القداسة؛ يجب أن تكون لنا حياة الانفصال عن كل الشرور المعروفة «فَإِذْ لَنَا هَذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ» (2كو7: 1).

ولذلك يأتي عيد الفطير (خر12: 15-20) بعد عيد الفصح مباشرة، وبلا فاصل بينهما. فكان خروف الفصح يُذبح في مساء اليوم الرابع عشر من الشهر الأول عند غروب الشمس، وفي نفس المساء يبدأ عيد الفطر لأن اليوم اليهودي يبدأ من غروب الشمس إلى غروب الشمس. فليس هناك ساعة واحدة بين صُنع الفصح وبدء عيد الفطير. أي ليست هناك فرصة بالمرة يُسمح فيها بوجود الشر.

وفي العهد الجديد نجد العيدين يرتبطان معًا كعيد واحد؛ فنقرأ في لوقا22: 1 «وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ» (انظر أيضًا لوقا22: 7-15). فالعيدين يرتبطان معًا من الوجهة الأدبية.

والارتباط الأدبي بين مدلول كل من الفصح والفطير نجده في 1كورنثوس5: 7، 8 إذ يقول الرسول: «إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ».

* ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح، وفي الفطير نرى وجوب القداسة والطهارة ...

* وإذا كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح (الفصح)، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح (الفطير).

* وإذا كان النصيب في المسيح يأتي عن طريق الفداء (الفصح)، فإن النصيب مع المسيح يأتي عن طريق الشركة وما تتطلبه من قداسة عملية (الفطير) «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ» (عب12: 14).

وكانت مدة عيد الفطير سبعة أيام؛ أي دورة حياة بأكملها. وكما كان الشعب القديم يُعيّد سبعة أيام، فعلى المؤمنين الآن – كجماعة وأفراد – أن يُعيّدوا بالسلوك في القداسة العملية كل أيام حياتهم على الأرض، المُعبَّر عنها بسبعة أيام (عدد الكمال)، وذلك بالطبع نتيجة لازمة لغسلهم بالدم لكي تكون لهم شركة مع الله وشركة مع القديسين. فإن حياة القداسة عيد مستمر، والخضوع للرب المرتبط بالإيمان يولِّد فرحًا، عيدًا روحيًا دائمًا، لمدة سبعة أيام.

وفي عيد الفطير كان على الإسرائيلي التقي أن يعمل أمرين:

  1. عزل الخمير: «تَعْزِلُونَ الْخَمِيرَ مِنْ بُيُوتِكُمْ ... سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يُوجَدْ خَمِيرٌ فِي بُيُوتِكُمْ» (خر12: 15، 19).
  2. أكل الفطير: «سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا» (خر12: 15؛ 13: 7).

والخمير على أي حال، فساد وانحراف عن الله، سواء في السلوك أو في التعليم.

ويوضح الرسول في 1كورنثوس5: 8 معنى الفطير بقوله إنه «الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ».

الإخلاص هو الأمانة من نحو الله ...

والحق هو السير طبقًا لكلمة الله ...

فليس الانفصال عن الشر هو الواجب الوحيد على المؤمن الذي فُدي بالدم، بل هناك أيضًا واجب إيجابي بالإضافة إلى الواجب السلبي السابق ذكره. وهكذا على المؤمن دائمًا لا أن يكف عن فعل الشر، بل أن يتعلم فعل الخير (إش1: 16، 17؛ رو12: 9). فالرب يريد من المؤمن ليس فقط أن ينقي الخمير من حياته، بل أيضًا أن يأكل الفطير.

وفي هذا الصدد، لدينا ثلاث ملاحظات ننقلها من كتاب "مواسم الرب" لخادم الرب الفاضل الأخ/ يوسف رياض:

أولاً: ما هو الخمير؟ ومَنْ هو الفطير؟

يحدثنا العهد الجديد عن المدلول الروحي للخمير، ونجد فيه ست إشارات إلى الخمير (رقم 6 هو رقم الشر)، كلها بمعنى سلبي، كالآتي:

  1. خمير الوثنية: الخميرة التي أخذتها المرأة وخبأتها في ثلاث أكيال دقيق (مت13: 23 قارن رؤ2: 18-21؛ زك5: 5-11).
  2. خمير الفريسيين: الرياء، وتقليد الآباء (مت16: 6 مع لو12: 1 انظر أيضًا مت6: 1-18).
  3. خمير الصدوقيين: الكُفر؛ إنكار الكتب الربانية والقوة الإلهية (مت16: 6 مع مت 22: 23-32).
  4. خمير الهيرودسيين: الإباحية والعيشة العالمية (مر8: 15 مع مر6: 18-23).
  5. خمير السلوك: أو الشر الأدبي (1كو5: 6).
  6. خمير الشر التعليمي: أو الشر الطقسي (غل5: 9).

الخمير بالإجمال يمثل كل ما هو من الإنسان في الجسد. وكلمة الله تُعلمنا أنه يجب على المؤمن ألا يسمح بظهور أي شيء من الجسد في حياته؛ أي يتنقى من كل صور الخمير المختلفة، وأن يمتنع عن كل شبه شر.

أما الفطير فإنه شخص المسيح له المجد. فكما تعلَّمنا أن الفصح هو المسيح (1كو5: 7)، نقول هنا أيضًا أن الفطير هو المسيح، لأنه – تبارك اسمه – الوحيد الذي كان خاليًا من عنصر الشر.

وتنقية الخمير من حياة المؤمن تعني أن يمتنع عن الشر، ولكن أكل الفطير يعني أن يتغذى المؤمن بالمسيح. ونحن مدعُّوون لأن نشبع بالمسيح. وعندما لا آكل مدة سبعة أيام سوى المسيح، فإنني في النهاية سأكون أكثر شبهًا بالمسيح.

ثانيًا: لقد ذكرنا في ما سبق أنه يمكن تطبيق عيد الفصح على مناسبة عشاء الرب، تلك الوليمة الأسبوعية. وما أجمل أن يتبع هذا العيد سبعة أيام فطير، تغطي كل أيام الأسبوع إلى أن نصل إلى يوم الرب التالي، لتبدأ ذكرى جديدة. وهكذا تكون كل حياة المؤمن عبارة عن تذكر المسيح المذبوح (الفصح)، متبوعًا بحياة القداسة (عيد الفطير).

ثالثًا: نلاحظ أن عيد الفصح كان يُحفظ في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه (تث16: 5)، وليس في البيوت، أما الفطير فكان يُحفظ في البيوت. يقول الوحي: «تَعْزِلُونَ الْخَمِيرَ مِنْ بُيُوتِكُمْ ... سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يُوجَدْ خَمِيرٌ فِي بُيُوتِكُمْ ... لاَ تَأْكُلُوا شَيْئاً مُخْتَمِرًا. فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا» (خر12: 15، 19، 20). وما أحرانا أن نسهر على حالة بيوتنا حتى لا يوجد فيها خمير، وهكذا يُمكننا أن نُعيّد ونفرح عندما نوجد في محضره، في المكان الذي اختاره ليحل اسمه فيه. فليس المطلوب فقط أن لا نأكل الخمير، بل ألا يوجد الخمير في المساكن على الإطلاق.

ونحن نضيف أننا نفهم من هذا أنه يجب أن تبدأ شهادتنا العملية من البيت. يجب أن تكون لنا شهادة حسنة وسط بيوتنا. وأن أولادنا والذين يعيشون معنا – أكثر من غيرهم – يجب أن يروا – قبل سواهم – حياة المسيح فينا. وأن أولادنا ومن يعرفوننا أكثر، يجب أن يدركوا أكثر من غيرهم أننا للمسيح. ويجب أن يروا فينا قبل غيرهم، الثمار الجميلة التي للحياة المسيحية، وأننا منفصلون عن كل أشكال الشر، وعن مختلف أشكال الخطية، سالكين في القداسة العملية، وأننا ننمو في مُشابهتنا للرب يسوع المسيح، وأننا نحيا الحياة المسيحية الصحيحة التي هي عبارة عن إظهار حياة المسيح التي وصلتنا بقوة الروح القدس بناءًا على مشورة الله الأزلية الصالحة بالنعمة.

وبالتأكيد – والحالة هكذا – أنه ستثار في داخل الأولاد التساؤلات، ويجب أن أكون مستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله مُخبرًا إياه أن القداسة تليق بجماعة الرب «نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (1بط1: 15، 16). فالذي دعانا قدوس، لا علاقة له بالشر مطلقًا، وعلينا أن نكون قديسين إذا أردنا أن نتبعه ونسير في أثر خطواته. فإن القداسة هي مطلب أولي من مطاليب الله الذي يريد أن يمتعنا بالشركة معه (لا19: 2). ولا يمكن أن تكون لنا شركة معه ما لم تكن لنا هذه الصفة، ولهذا يقول: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ». وأن القداسة العملية إنما هي ما ينبغي أن يسعى إليه كل مؤمن تقي طوال حياته على الأرض (1تس4: 3، 7؛ يو17: 17)، فننمو في مُشابهتنا للرب يسوع المسيح حتى اليوم الذي فيه نراه وجهًا لوجه، وعندئذٍ نكون مثله طوال الأبدية.

وهكذا يتواصل الحديث مع ابني وأنا أراقب التدريبات القلبية العميقة التي يُجريها الروح القدس إذ يستحضر أمامه التكاليف العظيمة التي تحمَّلها ربنا ومُخلِّصنا المبارك في سبيل إنقاذه من خطاياه، ومن الدينونة التي تستحقها هذه الخطايا، وهذا يُنتج عمقًا في الفكر، ووداعة في الروح، وجوعًا وعطشًا إلى قداسة القلب والحياة، والانفصال الكُلي عن العالم؛ يُنتج سهرًا كاملاً على النفس والأفكار والكلمات وجميع التصرفات في حياته اليومية. وبالاختصار يقود إلى نوع من الحياة يختلف كل الاختلاف عما نراه في العالم من حولنا.

*******

(4)

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أن الرب أوصى شعبه القديم بخمسة أشياء يُعلمونها لأولادهم، وتأملنا في الفصلين السابقين في الأمرين الأولين؛ ألا وهما الفصح وعيد الفطير، وذكرنا أن هناك ارتباط أدبي بين مدلول كل من الفصح والفطير. ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح، وفي الفطير نرى وجوب القداسة والطهارة. فإن كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح لأجله، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ» (عب12: 14).

ولكن ليس فقط القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» هي التي تنشئها محبة المسيح الفدائية في الذين هم موضوعها وغرضها، ولكن أيضًا التكريس القلبي لكل الحياة من أجل الرب. ولذلك ففي هذا الفصل نرتقي درجة أخرى من هذه الخمس الدرجات التصاعدية في سلم الحياة المسيحية التي حسب فكر الرب، فنتأمل في:

ثالثًا: فداء البكر ...

ومعنى التكريس القلبي الحقيقي للرب

(خر13: 1، 2؛ 13: 13-15)

فبعد أن ترك الشعب مصر (خر12: 51)، كانت أول وصية أعطاها الرب لموسى تختص بالأبكار، وهي تتعلق بتقديسهم وتخصيصهم للرب.

«وَكَلَّمَ الرَّبُّ ِمُوسَى قَائِلاً: قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍٍٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي» (خر13: 1، 2).

«وَلَكِنَّ كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدِيهِ بِشَاةٍ. وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ فَتَكْسِرُ عُنُقَهُ. وَكُلُّ بِكْرِ إِنْسَانٍ مِنْ أَوْلاَدِكَ تَفْدِيهِ. وَيَكُونُ مَتَى سَأَلَكَ ابْنُكَ غَدًا: مَا هَذَا؟ تَقُولُ لَهُ: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إِطْلاَقِنَا أَنَّ الرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ النَّاسِ إِلَى بِكْرِ الْبَهَائِمِ. لِذَلِكَ أَنَا أَذْبَحُ لِلرَّبِّ الذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَأَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلاَدِي» (خر13: 13-15).

في كل أسرة كان البكر يُعتبر الأهم، وأفضل ولد في نظر الله. كان للبكر مكان الشرف والصدارة في العائلة. وكان البكر يأخذ وضعه المُميَّز كممثل لإخوته جميعًا (تك37: 29، 30). وفي كل أسرة، في إسرائيل، كان كل أب ينظر إلى الابن البكر، نظرة يعقوب إلى ابنه رأوبين: «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ» (تك49: 3).

وكان إسرائيل، في نظر الله، هو الابن البكر بين جميع الشعوب. ولأن مصر ضايقت إسرائيل، ولم تكن تريد أن تطلق الشعب ليعيد للرب، كانت النتيجة أن الله أمر أن يموت كل بكرٍ، كل فاتح رحم في أرض مصر «فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ. فَقُلْتُ لَكَ: أَطْلِقِ ابْنِي لِيَعْبُدَنِي فَأَبَيْتَ أَنْ تُطْلِقَهُ. هَا أَنَا أَقْتُلُ ابْنَكَ الْبِكْرَ» (خر4: 22، 23).

والآن احتفاءً بذكرى هذا الحدث الهام، ولتذكير الشعب بصنيع الرب معهم، إذ قتل كل بكر في أرض مصر، ولكن أبقى على أبكارهم، إذ فداهم بدم خروف الفصح؛ أصبح حق الرب واضحًا، وكل بكر لا بد أن يُفرَز مِلكًا خاصًا للرب «وَكَلَّمَ الرَّبُّ ِمُوسَى قَائِلاً: قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي» (خر13: 1، 2 انظر أيضًا خر13: 12؛ 34: 19) ... ولماذا إذن كان لا بد أن يتم هذا؟ لأجل التكريس لخدمة الرب.

كان الملاك المُهلك قد اجتاز في أرض مصر وأهلك كل بكر فيها، أما أبكار إسرائيل فقد نجوا بموت الخروف الذي تعيَّن فدية من الله. وها نحن الآن نراهم أمامنا شعبًا حيًّا خاصًا لله. وبما أنهم خلصوا بدم الخروف، فقد وجب عليهم أن يكرسوا حياتهم لمن فداهم بالدم لأن حياتهم الجديدة التي صارت لهم الآن، إنما هي حياة الفداء، ونعمة الله وحدها هي التي جعلت لهم وجودًا، ووهبتهم حياة أمامه، تبارك اسمه.

نعم، ضرب الرب كل بكرٍ في أرض مصر وافتدى شعبه يوم الفصح (خر12: 12، 13)، وكرَّس الأبكار لنفسه (خر13: 2، 12)، ولكننا نعرف بعد ذلك أن الرب أخذ اللاويين بدلاً من الأبكار لأجل خدمة خيمة الاجتماع (عد3: 12، 13؛ 8: 16-18). وعندما زاد عدد الأبكار عن اللاويين 273 شخصًا، أخذ موسى فداءهم؛ خمسة شواقل فضة عن كل واحد، وأعطى موسى فضة الفداء لهرون وبنيه حسب قول الرب، كما أمر الرب موسى (عد3: 44- 50). وهكذا كان اللاويون سبطًا مُفرَزًا، ملك الله الخاص، وأخذوا مقام كل بكرٍ في إسرائيل، مقام أولئك الذين نجوا من سيف الملاك المُهلك، بدم الخروف، فكانوا كرمز على شعب ميت ومُقام ومُفرَّز ومُقدَّم منه تعالى كهبةً لهرون رئيس الكهنة ليقوموا بخدمة الخيمة.

وكان على لاوي أن ينظر إلى ذاته كما هو في نظر الله، وكما نقرأ عنه: «وَتُفْرِزُ اللاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيل فَيَكُونُ اللاوِيُّونَ لِي. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي اللاوِيُّونَ لِيَخْدِمُوا خَيْمَةَ الاِجْتِمَاعِ فَتُطَهِّرُهُمْ وَتُرَدِّدُهُمْ تَرْدِيدًا، لأَنَّهُمْ مَوْهُوبُونَ لِي هِبَةً مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيل. بَدَل كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ بِكْرِ كُلٍّ مِنْ إِسْرَائِيل قَدِ اتَّخَذْتُهُمْ لِي. لأَنَّ لِي كُل بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مِنَ النَّاسِ وَمِنَ البَهَائِمِ. يَوْمَ ضَرَبْتُ كُل بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ قَدَّسْتُهُمْ لِي. فَاتَّخَذْتُ اللاوِيِّينَ بَدَل كُلِّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيل» (عد8: 14-18).

والرسول بولس، بلا شك كان أمام ذهنه الأصحاح الثامن من سفر العدد عندما كتب تحريضه المُنهض في الأصحاح الثاني عشر من رسالة رومية. فاللاويون قديمًا كانوا يُرَّددون ترديدًا أمام الرب، أي يُقدَّمون كما تُقدَّم الذبيحة تمامًا، غير أن الذبيحة كانت تُقدَّم لتُذبَّح فعلاً، لكن اللاويين، بعد أن يُقدَّموا، كانوا يستمرون أحياءً للرب؛ لقد كانوا ذبائح حية. ولهذا يأتينا تحريض الرسول بولس: «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، (التي هي) عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رو12: 1، 2).

ففي العهد القديم كان بنو لاوي يفترزون عن بقية إسرائيل لأجل الخدمة اللاوية، وهم في هذا رمز للمؤمنين الآن. فالمسيحيون المؤمنون هم لاويو العهد الجديد. ونحن إذ قُدِّمنا كذبائح حيةً، مطلوب منا أن نفترز عن العالم، وأن يكون افترازنا أيضًا لله. فالناحية الإيجابية لانفصالنا هي أن نُقدِّم أجسادنا كذبائح حية. هذه هي عبادتنا الروحية العاقلة. وعلينا أن نجدد أذهاننا لنختبر ما هي إرادة الله. هذا هو العمل الذي لأجله افترزنا أو انفصلنا عن العالم. والناحية السلبية هي أن لا نشاكل العالم ولا نتشبه بأهله. والمؤمن المنفصل ذو الشخصية المتزنة، إنما هو المؤمن المنفصل لله ولخدمته.

وهكذا كان اللاويون مثالاً حيًّا مؤثرًا لشعب الله الآن، هؤلاء الذين رُفعوا من أعماق انحطاطهم وخرابهم كخطاة، واغتسلوا بدم المسيح الثمين وتطهروا بغسل الماء بالكلمة، فأصبحوا لائقين للخدمة المقدَّسة التي دُعوا إليها، وأعطاهم الله لابنه ليكونوا عماله وخدَّامه في هذا العالم «كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي» (يو17: 6) ... فكر عجيب! أن يُقال عن أناس نظيرنا مثل هذا الكلام: أننا ملك لله، وعطيته لابنه!! وكما قيل عن اللاويين أنهم موهوبون هبة لهرون رئيس الكهنة (عد3: 9) «They are wholly given to him out of the children of Israel» هكذا المسيحيون المؤمنون هم كهنة وهم موهوبون لرئيس الكهنة العظيم؛ الرب يسوع المسيح (يو17: 2، 6 (مرتين)، 9، 11، 12، 24). حقًا يمكننا القول أن هذا يفوق كل عقل بشري، فليس أننا فقط خلُّصنا من جهنم وتبرَّرنا وقُبلنا، مع أن هذا حق، وإنما نحن أيضًا مدعوون للعمل السامي الشريف، وهو حَمْل ذلك الاسم العظيم في هذا العالم، والشهادة لمجد الرب يسوع المسيح؛ ذلك هو عملنا كلاويين حقيقيين.

وقديمًا كان المطلوب أن يخدموا وأن يحملوا الخيمة في مشهد البرية المخيف. وتلك الخيمة كانت رمزًا للمسيح. وهكذا الحال تمامًا مع المؤمنين المسيحيين الآن؛ لاويو العهد الجديد، فشغلهم الخاص، وعملهم العظيم، وخدمتهم المستمرة هي المسيح ومتعلقاته وأموره، وليس عليهم شيء آخر ليفعلوه.

وإذا استطاع اللاوي الحقيقي قديمًا أن يقول: "الحياة لي هي الخيمة"، فإن المسيحي الآن يقدر أن يقول: «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في1: 21). فالمسيح يجب أن يكون هو الغرض الوحيد الذي أمامه، وهو المصدر والدافع لكل ما يفعل وكل ما يقول وكل ما يفكر. ويجب أن يكون الهدف في الحياة أن يحب الرب يسوع، ويُمجّده ويعبده ويخدمه. ويجب أن يرغب – من القلب – في أن تكون حياته مشابهة لحياة المسيح، وأن تظهر حياة المسيح الرائعة المباركة من خلاله. والسؤال الضروري في كل مهمة تعترض المسيحي هو: "هل أستطيع أن أتحد المسيح بهذه أم لا؟ وهل المسيح يتمجد من هذا الأمر أم لا؟ فإذا كان الجواب سلبيًا، فيجب أن لا تكون لي علاقة بهذه المهمة مهما كانت. وهذا هو الطريق القويم الصحيح في النظر إلى الأمور. وليس السؤال هو أَ صواب أم خطأ هذا الأمر أو ذاك؟ كلا، بل السؤال فقط هو: إلى أي حد يختص هذا الأمر باسم المسيح ومجده؟

آه أيها الأحباء ... ياليت قلوبنا تنصب انصبابًا في الرب يسوع، إذ لا شيء يهب الوجه نورًا وبهاءً، والقلب سرورًا وعزاءً، مثلما نقول عمليًا «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في1: 21). وبالتأكيد أن أولادنا والذين يعيشون معنا، يجب أن يروا قبل سواهم حياة المسيح فينا. يجب أن يروا فينا، لا أشخاصنا، بل شخص المسيح «يَتَعَظَّمُ الْمَسِيحُ» (في1: 20)، أي ليظهر بوضوح أكثر ويتمجد في حياتنا. ويجب أن يروا أننا لا نعمل شيئًا لا نثق أنه يؤول إلى مجد الله «وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ أوْ فِعْلٍ، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ» (كو3: 17). ويجب أن يروا فينا قبل غيرهم الثمار الجميلة التي للحياة المسيحية، وأننا منفصلين عن كل أشكال الشر وعن مختلف أشكال الخطية، سالكين في القداسة العملية، وأننا ننمو في مشابهتنا للرب يسوع المسيح.

نعم، إن أولادنا والذين يعيشون معنا، يجب أن يروا، قبل سواهم، أننا نسعى لنحيا بالقرب من المسيح فعلاً لا اعترافًا. وأن نفوسنا لا تجد لذتها وشبعها إلا في ظل محضره المقدَّس. وأننا ننظر بكل احترام إلى كل ما يتعلَّق بمجده وكرامة اسمه وعظمة خدمته وتنازله، كأنها أمور حيوية هامة وأساسية. وأننا نشتاق إلى تكريس قلبي أكمل، ونتوق إلى تقديس أسمى لذواتنا، وكل ما لنا، لخدمة المسيح في هذه الأرض. وأنه ليس لنا إرادة ذاتية، بل إننا خاضعين للرب بالتمام ، وفي طاعة كاملة لإرادته. وأننا نجتهد في أن نوجَد في حضرته أكثر، وعندما تأتي الفرصة المناسبة، نكون مستعدين لأن نقف موقف الخادم النافع المُثمر.

وبالتأكيد، والحالة هكذا، أنه ستُثار في داخل الأولاد التساؤلات، ويجب أن أكون مُستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله مُخبرًا إياه أن الرب له كل الحق في حياتنا؛ حق المحبة التي بها دفع ثمن فدائنا. فلقد أَحبَّ المسيح الكنيسة وأَسلَم نفسه لأجلها، حتى تكون له خالصة كما يريدها هو لنفسه (أف5: 25-27). لقد دفع الثمن عنها كاملاً، بل لقد باع كل ما له ليمتلكها (مت13: 46). لقد «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (في2: 7، 8)، هذا هو الثمن الذي دفعه لكي يُخلِّصنا من الدينونة الأبدية، وليعطي لنا أسمى البركات السماوية، أَفلا يُعطيه هذا الثمن الغالي الذي دفعه الحق فينا؟ ... نعم، إن له الحق أن يأخذ كل محبتنا، وقدرتنا، وطاعتنا له. بل له كل الحق في أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا. له الحق فينا بكل ما لنا. ونحن يجب أن نعترف بحق الرب هذا علينا. يجب أن نأتي إليه بكل رغباتنا وحاجاتنا. يجب أن نسأله في كل أمر عما يريدنا أن نفعله. كل كبيرة وصغيرة في حياتنا يجب أن نسأله عنها. يجب علينا ، دقيقة بعد دقيقة، أن نسأله دائمًا «يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (أع9: 6)، «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا ... كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ ... لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (2كو5: 14، 15). وإن سر كل بركة هو أن نعطي للرب المكان الأول، ونفكِّر أولاً في حقوقه، ولا نفكر في أي شيء آخر حتى نعطيه ما هو جدير به «لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ» (كو1: 18). وإذا لم أعطِ للرب يسوع المسيح، المقام الأول في قلبي وفي حياتي، فأنا لست في توافق مع فكر الله.

ويتواصل حديثي مع ابني، ونحن، معًا، نتجاوب مع عمل الروح القدس فينا، ومحبة المسيح تحصرنا في الصليب حتى نُسلّم أنفسنا بجملتها لذاك الذي أحبنا وأَسلَم نفسه لأجلنا، وتجعلنا نصغر في أعين أنفسنا أمام تلك المحبة، إذ نرى أننا لسنا لأنفسنا، بل قد اشتُرينا بثمن، ولذا فيجب أن نُمجِّد الله في أجسادنا وفي أرواحنا التي هي لله (1كو6: 19، 20).

فأنــا لسـتُ لـِذاتي ليس لي شيٌ هُنا

كلُّ ما عِندي لفادى الـ نَّفْسِ وهَّابِ المُنىَ

إذ فَدانـي إذ فَدانـي ذاكَ بالدَّمِ الكريمْ

*******

(5)

 

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27، 13: 6-8، 13: 13-15، تث6: 20-25؛ يش4: 4-7، 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أن الرب أوصى شعبه القديم بخمسة أشياء يعلّمونها لأولادهم وهي:

(1) الفصح (خر12: 24-27)

(2) عيد الفطير (خر13: 6-8)

(3) فداء البكر (خر13: 13-15)

(4) حفظ وصايا الرب (تث6: 20-25)

(5) الاثنى عشر حجراً المأخوذة من نهر الأردن والتي نصبها يشوع في الجلجال (يش4: 4-7، 4: 20-24).

وذكرنا أنه ينبغي علينا نحن أيضًا أن نُعلِّم أولادنا ما تشير إليه هذه النقاط الخمس التي تقدم لنا سلسلة مترابطة الحلقات ومتتابعة من الدروس الأدبية والتدريبية لقلوب شعب الله في حياة القداسة والشركة العميقة مع الله. ونحن نلاحظ أهمية الترتيب والتصاعد التدريجي في هذه الشمائل الروحية. ففي الفصح رأينا الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح. وفي الفطير رأينا وجوب القداسة والطهارة. فإذا كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح لأجله، فليس أقل من القداسة ««فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح. ثم تأملنا في الدروس الأدبية التي نتعلمها من فداء الأبكار وتقديسهم وتخصيصهم للرب، الأمر الذي يشير إلى التكريس القلبي لكل الحياة من أجل الرب. وكل هذه الأمور ضرورية ولازمة ولابد منها للتمتع بشركة حقيقية مع الرب.

وفي هذا الفصل نرتقي درجة أخرى من هذه الدرجات الخمس التصاعدية في سلم الحياة المسيحية التي حسب فكر الرب، فنتأمل في:

 

رابعاً: ضرورة حفظ وصايا الرب داخل القلب

(تث6: 20-25)

ولقد كانت تعليمات الرب لشعبه القديم بخصوص هذا الأمر:

««إِذَا سَأَلكَ ابْنُكَ غَدًا قَائِلاً: مَا هِيَ الشَّهَادَاتُ وَالفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ التِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ إِلهُنَا؟ تَقُولُ لاِبْنِكَ: كُنَّا عَبِيدًا لِفِرْعَوْنَ فِي مِصْرَ، فَأَخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ. وَصَنَعَ الرَّبُّ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ عَظِيمَةً وَرَدِيئَةً بِمِصْرَ، بِفِرْعَوْنَ وَجَمِيعِ بَيْتِهِ أَمَامَ أَعْيُنِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِنْ هُنَاكَ لِيَأْتِيَ بِنَا وَيُعْطِيَنَا الأَرْضَ التِي حَلفَ لآِبَائِنَا. فَأَمَرَنَا الرَّبُّ أَنْ نَعْمَل جَمِيعَ هَذِهِ الفَرَائِضَ وَنَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَنَا، لِيَكُونَ لنَا خَيْرٌ كُل الأَيَّامِ، وَيَسْتَبْقِيَنَا كَمَا فِي هَذَا اليَوْمِ. وَإِنَّهُ يَكُونُ لنَا بِرٌّ إِذَا حَفِظْنَا جَمِيعَ هَذِهِ الوَصَايَا لِنَعْمَلهَا أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِنَا كَمَا أَوْصَانَا» (تث6: 20-25).

وفي سفر التثنية ـ بصفة خاصة ـ يُطلب من بني إسرائيل مراراً كثيرة أن يصنعوا الوصايا والأحكام وتعاليم الناموس أمام أولادهم، وهذا سيثير تساؤلات أمام الأولاد، فيستفهمون عن طبيعة وغرض تلك الوصايا والأحكام (تث4: 1-10، 6: 4-9، 6: 20-25، 11: 18-21). وإنه من العبث طبعاً أن نحاول أن نعلِّم أولادنا كلمة الله، بينما حياتنا العملية ليست محكومة بمقتضاها.

والدرس المهم المُستفاد من سفر التثنية، من أوله إلى آخره، هو الطاعة لكلمة الله. وليس المقصود طاعة الحرف، بل الطاعة المقترنة بروح المحبة ومخافة الله؛ الطاعة المؤسسة على معرفة الرابطة التي تربط الشعب بإلهه مع التمتع بلذة هذه المعرفة الصحيحة. الطاعة التي ينعشها الشعور بالالتزامات الأدبية والواجبات الخطيرة الهامة ذات الأثر الحساس نحو الله ـ تبارك اسمه.

وإن الطاعة، الطاعة البسيطة المطلقة غير المترددة، لكلمة الله، هي واجبنا المقدس وأيضاً امتيازنا الثمين باعتبارنا مؤمنين حقيقيين. وإنها لرحمة عُظمى يليق بنا أن نسبح الله عليها ليلاً ونهاراً أنه أعطانا كلمته ويحرضنا على التمتع بسُكنى هذه الكلمة في قلوبنا بغنى حتى يظهر تأثيرها المقدس في حياتنا. وإن رضا الله وسروره هما خير مكافأة لنا على طاعتنا وخضوعنا لكلمته.

والبركة مقترنة دائماً بالطاعة أينما وُجدت. وليتأكد كل منا أن الطاعة تبهج قلب الرب، وإن سر التمتع الحقيقي بشركة حقيقية مع الله هو في الطاعة الصريحة الصادقة لوصايا الله المقدسة. فالله أعطانا كلمته لا لكي نناقشها، ولا لكي نجول بتصوراتنا فيها، بل لكي نطيعها. وعلى قدر ما نطيع الكلمة، طاعة قلبية ونخضع بفرح لفرائض الله وأحكامه ووصاياه، على قدر ما نجتاز سبيل الحياة المُنيرة، ونعبر السبيل غير خائفين، ونختبر فعلاً ونتمتع عملياً بكل ما ذخره الله لنا في المسيح. وليس ذلك فقط، فهو ـ تبارك اسمه ـ يتنازل ليكافئ طاعتنا لوصاياه بإظهار ذاته أكثر فأكثر لنفوسنا. وهذا الامتياز لا يتمتع به سوى الأشخاص الذين يحبون المسيح ويُبرهنون على محبتهم له بطاعتهم الحُبية وحفظهم وصاياه «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يو14: 21).

وهكذا ـ أيها الأحباء ـ يجب أن تكون إرادتنا خاضعة لإرادة الله، عازمين من القلب أن نطبق الحق فيما يختص بنفوسنا ومشاكلنا، وأن ننفذه عمليًا. ويجب أن نُخضع نفوسنا للكلمة لتصحح وتصوغ أفكارنا ومواقفنا ومشاعرنا وعواطف قلوبنا. وإن الطاعة والمحبة هما أعظم المؤهلات للدخول في الاختبارات الروحية الأعمق وللتمتع بقوة الروح القدس. ولقد قال الرب: «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ» (يو14: 15) ثم قال: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي» (يو14: 21). ولقد قيل بحق إن العبارة الأولى قدمت المحبة كمصدر للطاعة، والثانية قدمت الطاعة كبرهان على المحبة.

ولقد أعلن الرب يسوع المسيح للتلاميذ شيئًا أسمى من حفظ وصاياه، ألا وهو «حفظ كلامه»، وعلَّمنا أن الدرجة الممتازة للمحبة هي لا أن نحفظ وصاياه فقط (يو14: 15،21)، بل أن نحفظ «كلمته»؛ كلمته المُعبِّرة عن فكره ومشيئته «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي» (يو14: 23، 24). لأنه إن كان حفظ الوصايا معناه طاعة الوصايا الصريحة، فحفظ الكلام معناه أن يكون لنا فكر المسيح في كل شيء حتى في الأمور التي لم تُعطَ فيها وصية صريحة.

وإنني إذا أعطيت ابني وصية، فمعنى هذا أنني حددت له واجبه وعيَّنت له عملاً ينبغي عليه القيام به. وعلى قدر ما يحبني، على قدر ما يُسرّ بأداء العمل الذي أوصيته به. ولكن إذا سمعني أقول إنني أوَد أن أرى هذا الأمر مُنجز، وبادر بإنجازه من غير أن أطلب منه ذلك صراحة، فلابد وأن يغتبط قلبي بابني أكثر مما لو فعل نفس الشيء تنفيذاً لوصية أُعطيت له.

وقد روى أحد خدام الرب الأفاضل الذين يعيشون في أوربا هذه القصة التي توضح الفارق بين "وصايا الرب" و "كلام الرب"، فقال: بعد فترة انقطاع دامت أسابيع طويلة، بدأت الثلوج في التساقط لتملأ شوارع وساحات المدينة. وفي يوم السبت اتصل أحد الفتيان بصديقه تليفونيًا يسأله إن كان يرغب أن يذهب معه في الغد للهو والتزحلق على الجليد. فردَّ الصديق فورًا وبتلقائية وعفوية قائلاً:

ـ لا .. لا يمكنني أن أذهب معك غدًا للتزحلق على الجليد.

ـ لماذا؟!!

ـ لأن أبي لن يوافق ولن يكون راضيًا إذا فعلت مثل هذا الأمر غدًا.

ـ ولكنك لم تسأله بعد!!

فقال الصديق بلهجة هادئة راضية:

ـ إنني لا أحتاج أن أستوضحه رأيه في هذا الأمر. إنني أعرف أبي جيدًا. وغدًا هو يوم الأحد؛ اليوم الأول من الأسبوع «يوم الرب»؛ اليوم الذي علَّمنا أبي أن نُعيِّد فيه بذكرى موت الرب، وهو يحرضنا دائمًا أننا يجب أن ندرب أنفسنا دائماً أن نكرس يوم الرب للرب، فنسحب أفكارنا وعواطفنا من الأرض، ومن الأمور الأرضية، لنكون في الروح، وفي دائرة الأمور الروحية السماوية.

أحبائي ... لقد كان الفتى يعرف فكر أبيه ويحفظ كلمته، ولم يكن محتاجًا إلى وصية صريحة أن لا يذهب للهو والتزحلق على الجليد في يوم الرب.

ونحن نضيف أيضًا أن العبد يتلقى الأوامر والوصايا الصريحة ويقوم بتنفيذها، أما الصديق فإنه يعرف أفكار صديقه ورغباته ويُسرّ في تنفيذها دون أمر. وهذا هو الأسلوب الأرقى في التعامل مع سيدنا الذي قال: «لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا ... قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ» (أصدقاء friends)» (يو15: 15). إن الصديق يُحمل إليه الفكر بالكلام. وحفظ كلام الرب يقتضي البحث بعمق في الكلمة، وأن نخبئها في القلب ونملأ بها ذهننا النقي.

فنحن مُطالبون بدرس كلمة الله والتمعُّن فيها حتى نعيها كما ينبغي، وأن نطبّق تصرفاتنا عليها ونقيس حياتنا اليومية بموجبها. ومثل هذا العمل والاجتهاد فيه برهان محبتنا للمسيح.

لقد كان كافيًا لرجال داود الأشداء الثلاثة أن يسمعوا رغبته «مَنْ يَسْقِينِي مَاءً مِنْ بِئْرِ بَيْتِ لَحْمٍ الَّتِي عِنْدَ الْبَابِ؟» (2صم23: 15). مجرد تأوّه جعلهم يخاطرون بحياتهم، وبدافع من محبتهم اجتهدوا لإتمام رغبة داود. محبتهم عملت دون أمر من الملك، وهذا يذهب إلى حدٍ أبعد من مجرد الطاعة. ونحن أيضًا نعلم أهمية إطاعة وصايا الرب، وهذا يجلب لنا السعادة. ولكن المحبة تتخطى حدود إطاعة الوصايا إلى فهم قلب الرب «وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. مَنْ قَالَ: قَدْ عَرَفْتُهُ وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هَذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ. بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ» (1يو2: 3-5).

إن الرب له السلطان أن يأمر بما يشاء وأن يطلب منا الطاعة، لكنه يريد أكثر من ذلك، يريد قلوبًا مُحبِّة تتصرف لا بطريق الأوامر، بل نتيجة لقرار واعٍٍ من قلب مُحب. لذلك نحتاج أن نُميِّز الأمور التي يُفضلها الرب لكي نُشبعه بمحبة متجاوبة.

ومن العبث أن نتكلم عن محبتنا للمسيح، بينما نحن لا نحب كلمته ولا نحيا بالكلمة. بل من الخطأ أن نتصوّر أن الحياة الجديدة في حالة صحية ونمو مستمر إذا كانت كلمة الله مُهملة في مخادعنا وفي وسط عائلاتنا. فو إن كانت وصايا الرب عزيزة وغالية علينا بحيث يسعدنا أن ننفذها، إلا أن "كلامه" أو "كلمته" أعمق، فإن الشركة التي لنا مع المسيح هي التي تشوّقنا لمعرفة فكره أو مشيئته. والرب يُسرّ بروح الطاعة لكل حق يظهر للنفس. وما أعظم البركة المؤسسة على حفظ كلام الرب لأن نتيجة الطاعة للكلمة هي الشركة مع الآب ومع ابنه «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يو14: 23)، أي أن يكون للمؤمن شركة مع الآب والابن في قوة الروح القدس. وفي الشركة مع الآب والابن يوجد الفرح الكامل. ومن الجهة الأخرى فإن الذي لا يحب الرب لا يحفظ وصاياه «اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي» (يو14: 24). وهذا هو الاختبار الحاسم. فلقد جعل الرب الطاعة للكلمة أسمى مقياس لمحبة الرب.

أيها الأحباء .. إن أولادنا والذين يعيشون معنا ـ يجب أن يروا قبل سواهم ـ أننا نسعى لنحيا بالقرب من الرب يسوع فعلاً لا اعترافاً، وأننا نُسرّ أن نطيع كل حق يظهر لنفوسنا، وأن الطاعة للرب ولكلمته أثمن عندنا بما لا يُقاس من أي شيء آخر، وأننا نسعى لنرضي قلب الرب يسوع ونحرص أن نكون مرضيين عنده من كل وجه، وأننا نتوق إلى أن نرتوي أكثر من روح المسيح ونسلك في آثار خطواته المباركة ونؤدي له طاعة قلبية في كل شيء أساسها المحبة والشعور بوجوب تكريس الذات له ـ تبارك اسمه ـ ونسعى ونجِّد في هذا كله حتى يرى من تعب نفسه ويشبع قلبه بنا ويتمجد اسمه فينا في كل أدوار حياتنا اليومية العملية.

وبالتأكيد والحالة هكذا، أنه ستُثار في داخل الأولاد التساؤلات، ويجب أن أكون مستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله مُخبرًا إياه أن أكثر ما يُسرّ الرب فينا هو القلب الخاضع والروح المُطيع (1صم15: 22)، وأنه يجب أن تكون إرادته خاضعة لإرادة الله، عازمًا من القلب أن يطبق الحق فيما يختص بنفسه وبمشاكله، وأن ينفذه عمليًا. وأنه يجب أن يُخضع نفسه للكلمة لتصحح وتصوغ أفكاره وآراءه ومواقفه ومشاعره وعواطف قلبه. وأنه يجب أن تكون مهمته العُظمى هي "الطاعة"، وأن تكون غايته الثمينة لا أن يعمل كثيرًا، بل أن يعمل ما يتوافق مع فكر السيد، فالخدمة العظيمة هي أن نجد سرورنا في إرضاء سيدنا «أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ» (مز40: 8). وأنه يجب أن يُعظم شأن الكتاب المقدس باعتباره مستودع إرادة السيد التي يرجع إليها في كل حين لمعرفة ما يجب عمله وكيف يُعمل. وأن أكبر وأهم سؤال أمامه هو "ماذا يقول الكتاب؟"، فهنا الحل لكل مشكلة، وما تحكم به كلمة الله هو القول الفصل، فلا معارضة ولامُجادلة، فمتى تكلم الرب يجب على الإنسان أن ينحني خشوعًا.

ويتواصل حديثي مع ابني، طالبين، معًا، من الرب أن ينشئ فينا محبة شديدة للكتاب المقدس، ويوسِّع تخوم إدراكنا الروحي للتعرف بالكلمة، ليكون لنا فكر المسيح في كل شيء حتى في الأمور التي لم يُعطَ لنا فيها وصايا صريحة، مُصلين أن يقودنا إلى الخضوع الأكمل لتعاليمه في كل شيء حتى يتمجد الله فينا أكثر فأكثر بيسوع المسيح.

ساعدني حتى أخبئنَّ

كلامَكَ داخلْ قلبي

فلا أعود أخطئ إليكَ    بل يشهدُ لكَ حبي

*******

(6)

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27، 13: 6-8، 13: 13-15، تث6: 20-25؛ يش4: 4-7، 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أن الرب أوصى شعبه القديم بخمسة أشياء يعلمونها لأولادهم. وذكرنا أنه ينبغي علينا نحن أيضًا أن نُعلَّم أولادنا ما تُشير إليه هذه النقاط الخمسة التي تقدم لنا سلسلة حقائق مترابطة الحلقات، ومتتابعة من الدروس الأدبية والتدريبية لقلوب شعب الله في حياة القداسة والشركة العميقة مع الله. ونحن نلاحظ أهمية الترتيب والتصاعد التدريجي في هذه الشمائل الروحية. ففي الفصح رأينا الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح. وفي الفطير نرى وجوب القداسة والطهارة. فإذا كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح لأجله، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح. ثم تأملنا في الدروس الأدبية التي نتعلمها من فداء الأبكار وتقديسهم وتخصيصهم للرب، الأمر الذي يُشير إلى التكريس القلبي لكل الحياة من أجل الرب. ثم تأملنا في ضرورة حفظ «وصايا الرب» وأيضًا «كلامه» داخل القلب. وكل هذه الأمور ضرورية ولازمة ولا بد منها للتمتع بشركة حقيقية مع الرب. ولكن أهمية الترتيب هي الشيء البارز هنا.

وفي هذا الفصل نرتقي درجة أخرى من هذه الخمس الدرجات التصاعدية في سلم الحياة المسيحية التي حسب فكر الرب، فنتأمل في:

 

خامسًا: الاثنى عشر حجرًا التي نُصبت في الجلجال ...

حياة القيامة؛ حقيقتها وتطبيقها العملي

(يش4: 4-7؛ 4: 19-24)

فبخصوص هذا الأمر، وإطاعة لتعليمات الرب (يش4: 1-3)، نقرأ:

«فَدَعَا يَشُوعُ الاِثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، رَجُلاً وَاحِدًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ. وَقَالَ لَهُمْ يَشُوعُ: اعْبُرُوا أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ إِلَى وَسَطِ الأُرْدُنِّ، وَارْفَعُوا كُلُّ رَجُلٍ حَجَرًا وَاحِدًا عَلَى كَتِفِهِ حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ تَكُونَ هَذِهِ عَلاَمَةً فِي وَسَطِكُمْ. إِذَا سَأَلَ غَدًا بَنُوكُمْ: مَا لَكُمْ وَهَذِهِ الْحِجَارَةَ؟ تَقُولُونَ لَهُمْ: إِنَّ مِيَاهَ الأُرْدُنِّ قَدِ انْفَلَقَتْ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ. عِنْدَ عُبُورِهِ الأُرْدُنَّ انْفَلَقَتْ مِيَاهُ الأُرْدُنِّ. فَتَكُونُ هَذِهِ الْحِجَارَةُ تِذْكَارًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الدَّهْرِ» (يش4: 4-7 اقرأ أيضًا من فضلك يش4: 19-24).

فعند عبور الأردن نقرأ عن اثني عشر حجرًا أُخذت من وسط الأردن وأصعدها رجال مُنتخبون؛ رجل من كل سبط، ونصبوها في الجلجال (يش4: 20)، ونقرأ أيضًا عن اثني عشر حجرًا أخرى أقامها يشوع نفسه في البقعة التي وقفت فيها أقدام الكهنة حاملي التابوت في وسط الأردن (يش4: 9).

ونحن نعلم أن عبور البحر الأحمر وعبور نهر الأردن، كلاهما رمز من رموز العهد القديم، نرى في كليهما عبور الشعب القديم، وفي كليهما نلمح حقيقة الموت والقيامة، مع هذا الفارق: أنه بعبور البحر الأحمر أخرج الرب الشعب من دائرة العبودية إلى البرية. وهكذا فإن عبور البحر الأحمر يُرينا موت المسيح لأجلنا وقيامته، الأمر الذي يترتب عليه انفصال المؤمن عن العالم الحاضر الشرير أدبيًا، وإذ قد انفصل عن العالم أصبح غريبًا ونزيلاً، والعالم بالنسبة له برية.

أما عبور الأردن الذي ترتب عليه دخول الشعب إلى أرض كنعان، وهي تُشير إلى السماويات، التي هي مناخ القديسين وهم على الأرض، ففيه نرى موتنا نحن وقيامتنا مع المسيح. فالمؤمن لم ينفصل فقط عن هذا العالم الحاضر الشرير بصليب المسيح، بل أُقيم مع المسيح «وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ (معًا) فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أف2: 6). وإدراك هذه الحقيقة يُمكنَّنا من الاستمتاع بالبركات الروحية السماوية، والاستمتاع بحياة القيامة مع المسيح، والتغذي بالمسيح المُمجَّد في الأعالي، للشبع بدسم «غلة الأرض». وإن كنا لم نزل بعد في الأجساد، ونعيش على الأرض، ولم نصل بعد إلى السماء، لكننا بالروح نتحقق اتحادنا مع المسيح ومقامنا فيه، وأننا أتينا إلى دائرة السماويات، وأُجلسنا معًا في السماويات، رغم أننا لم نَزَل نجاهد الآن هنا في حرب روحية، وأمامنا أعداء روحيين، هم أجناد الشر الروحية في السماويات. ِ

ونحن نعلَّم – أيها الأحباء – أن المسيح مات على الصليب لأجلنا، لكن ماذا يعني أننا مُتنا معه؟ إن ذلك الموت الذي نتكلم عنه الآن يتعلق «بإنساننا العتيق». وإنساننا العتيق ليس هو طبيعتنا القديمة الفاسدة، بل الإنسان كله كمَنْ هو في آدم الساقط، بكل عاداته ورغائبه وأمياله؛ هذا الإنسان قد صُلِبَ مع المسيح وانتهى، ولم يَعُد له وجود أمام الله. وأنا الآن إنسان جديد في المسيح، ولست ذلك الإنسان الجديد الذي مضى وانتهى «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ» (رو6: 5-8).

والطريق الوحيد للتحرر من قوة الطبيعة الفاسدة، هو أن نحسب أنفسنا أمواتًا لها «كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رو6: 11). والآن نتعلم فرحين أن هذا هو ما فعله الله فعلاً مرة واحدة على الصليب، عندما حسب موت المسيح كأنه موتنا، وكل ما نحتاج أن نفعله هو أن نقبل هذه الحقيقة كما قبلنا غفران خطايانا. ونحن الآن – كأحياء روحيًا فيه – كمن أُقيم من الأموات، نتمتع بفوائد موتنا معه كقوة تحررنا من الخطية.

فكل ما كنا عليه في الجسد انتهى أمره في صليب المسيح، وأستطيع الآن أن أقول: أنا الآن ميت للخطية، ميت للناموس، مع المسيح صُلِبت، وعيناي الشاخصتان إلى المسيح تريان فيه نهاية شخصيتي الذاتية كابن لآدم، ولكن فيه أيضًا القوة الغالبة المنتصرة التي أصبحت لي ومن حقي، والتي تُدخلني بحياة القيامة فيه، بعد عبوره نهر الموت، إلى دائرة التمتع بالأمور التي هي من حق هذه الحياة الجديدة «أَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غل2: 20).

وفي هذا قوتنا الحقيقية للعيشة منتصرين فوق الخطية، لأنه على أساس أننا "مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، لا نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا" (رو6: 2)، ونحن نتمتع بحرية ملؤها البركة في احتساب أنفسنا أمواتًا إذ لنا حياة جديدة. والمسيح الآن يشغل مركزه باستحقاقات الموت والقيامة. وهناك أنا، حيث المسيح موجود. وإنها لحياة أخرى تمامًا، حياة لها محيطها ومناخها، وجو العواطف والاهتمامات الخاص بها «فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ» (رو8: 5).

فمن هذا كله يتضح لنا أن عبور الأردن يرمز بكيفية خاصة إلى موتنا وقيامتنا مع المسيح؛ الموت عن كل متعلقات الحالة الأولى التي كنا عليها، وإلى بداءة حالة جديدة بقوة الحياة مع المسيح الذي قُمنا معه. فموته وقيامته يأتيان بنا الآن إلى دائرة البركات السماوية بكل مُشتملاتها. فالإنسان الخارج من مياه الموت (الأردن) ليس كالذي دخل إليها، بل هو إنسان جديد. الإنسان العتيق أي انتسابنا إلى آدم الأول، بقى تحت مياه الدينونة، مع كل أفكاره وشهواته الشريرة، بنفس الطريقة التي دُفنت بها الاثني عشر حجرًا في قاع الأردن (يش4: 9)، والإنسان الخارج هو «خليقة جديدة» و«إنسان جديد» (2كو5: 17)، يمثله الاثني عشر حجرًا المأخوذة من قاع الأردن ، والمقامة على شاطئ أرض الموعد، تذكارًا ليراها الجميع (يش4: 20).

هذه الحجارة التي نُصبت في الجلجال تُشير إلى أسباط إسرائيل الاثني عشر، وبعبارة أخرى تُشير إلى الشعب بأسره الذي انتُشِّل من الموت بواسطة تابوت عهد الرب الذي وقف في نفس البقعة التي احتاج الشعب فيها للخلاص، فوقفت - بوقوف تابوت الرب - مياه الأردن المنحدرة، واستطاع الشعب أن يعبر كما على اليابسة، وأصبحت هذه الحجارة أثرًا وتذكارًا عند مدخل أرض كنعان في الجلجال، ذلك المكان الذي كان ولا بد للشعب أن يرجع إليه دائمًا، وأصبحت هذه الحجارة علامة دائمة نصب عيونهم وعيون أولادهم من بعدهم.

وكما كان الأمر مع الشعب، هكذا الحال معنا نحن مؤمني العهد الجديد. فنحن نُعتَّبر بمثابة نصب تذكاري للنصر العظيم الذي حازه المسيح فوق تيارات ولجج نهر الموت. فالمسيح اجتاز الموت لأننا كنا أمواتًا «إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا»، ولكنه اجتاز الموت لكي يُنقذنا من الموت ويأتي بنا إلى حياة جديدة بقيامته «وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ ... وأقامنا مَعَهُ» (أف2: 5، 6).

وفي هذا الصدد يقول خادم الرب الفاضل/ هنري روسييه:

الاثنا عشر حجرًا، والحالة هكذا، ليست فقط موتنا وقيامتنا مع المسيح (والأردن يُشير ويرمز إلى ذلك)، بل هي نصب تذكاري لهذا الموت وتلك القيامة. وهذا الأثر يُذكّرنا بما يجب أن نكون عليه. ففي الأردن يُعلن الله هذه الحقيقة وهي أننا قد مُتنا، وهذه الحقيقة من نصيب كل الشعب، وتنطبق على جميع أفراد الشعب. فكل مؤمن مسيحي قد مات وقام مع المسيح. ولكن في الجلجال لنا أن ندرك هذه الحقيقة، أدبيًا وعمليًا. وجميع أفراد الشعب عبروا الأردن، ولكن كثيرون من بينهم ربما لم يهتموا ولم يسألوا عن المعنى المُستفاد من قيام هذا النصب في الجلجال، وهذه الحجارة التي وإن كانت صامتة ولكنها تتكلم بأفصح لسان وتقول للشعب: «احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رو6: 11)، وأيضًا «فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ» (كو3: 1-3).

وفي هذا الصدد نقتبس أيضًا هذه الكلمات الثمينة لخادم الرب الفاضل/ تشارلس ماكنتوش:

ما أجمل أن نرى هذه الحقيقة العملية تُنفَّذ بكل دقة بواسطة كل الجماعة «رَجُلاً وَاحِدًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ ... وَارْفَعُوا كُلُّ رَجُلٍ حَجَرًا وَاحِدًا عَلَى كَتِفِهِ» (يش4: 4، 5)؛ حجرًا مأخوذًا من نفس البقعة التي وقفت فيها أرجل الكهنة راسخة. فالكل كان يجب أن يوُتَى بهم إلى صلة حية وشخصية. الكل كان عليهم أن ينشغلوا في إقامة مثل هذا التذكار بحيث يستطيعون أن يُجيبوا أولادهم عن المعنى المقصود منه حتى لا يُنسى مطلقًا.

ويا له من درس لنا هنا! فهل نحن مُقيمون تذكارنا؟ هل نُعطي إيضاحًا لأولادنا عن حقيقة يسوعنا الذي هزم قوة الموت لأجلنا؟ هل نحن مُقدِّمون أي دليل عملي في حياتنا اليومية أن المسيح قد مات لأجلنا وأننا قد مُتنا مع المسيح؟ هل يوجد شيء في تاريخنا العملي من يوم إلى آخر يقابل الرمز المذكور في الآية: «وَارْفَعُوا كُلُّ رَجُلٍ حَجَرًا وَاحِدًا عَلَى كَتِفِهِ»؟ هل نُعلن بكيفية واضحة أننا قد عبرنا الأردن وأننا تابعون للسماء، وأننا لسنا في الجسد بل في الروح؟ هل يرى أولادنا شيئًا ما في عاداتنا وطرقنا، في مظاهرنا وأخلاقنا وحياتنا ما يحملهم على أن يسألوا: ماذا تقصدون بهذه الأشياء؟ هل نحن عائشون كمن ماتوا مع المسيح، وماتوا عن الخطية، وماتوا عن العالم؟ هل نحن منفصلون عن العالم وتاركون الأمور الحاضرة بقوة الشركة مع المسيح المُقام والمُمجَّد؟

هذه أسئلة فاحصة للنفس، دعونا نُجيب عليها بأمانة في حضرة الله. إننا نُقرّ بهذه الأشياء ونتمسك بها نظريًا، ونقول بأننا نؤمن أن يسوع مات لأجلنا وأننا مُتنا فيه ومعه، ولكن أين البرهان؟ أين التذكار الدائم؟ أين الحجر على الكتف؟ يا ليتنا نحكم على أنفسنا بأمانة أمام الله ولا نبقى بعد مقيدين بأي شيء إلا تنفيذ أمر الله الكامل العملي " أَننا قَدْ مُتّنا وَحَيَاتُنا مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ". إن مجرد الإقرار لا قيمة له، نحتاج إلى القوة الحيَّة، إلى النتيجة الصحيحة، إلى الثمر اللائق.

ونحن نُضيف – أيها الأحباء – أن أولادنا والذين يعيشون معنا، يجب أن يروا قبل سواهم، أننا بمثابة شهادة كاملة للحياة المنتصرة على الموت، وأننا نسلك بالانفصال عن كل مبادئ هذا العالم، وبدون التأثر بدوافعه، وأن لنا دوافعنا الجديدة. وأننا قد ودَّعنا نمط الحياة العالمية، لكي ندخل شكلاً جديدًا من الحياة مختلفة تمامًا؛ أي حياة الرب يسوع المُقام، وبما أننا قد قمنا مع المسيح فعلينا أن نطلب ما فوق، وأننا نحيا بالمسيح ولأجل المسيح، وأننا لا ننظر إلى الأمور بالمنظار الأرضي، بل نرى الأشياء – لا كما تظهر للعين الطبيعية – بل في ضوء أهميتها بالنسبة إلى الله وإلى الأبدية.

وبالتأكيد والحالة هكذا، أنه ستُثار في داخل الأولاد التساؤلات، ويجب أن أكون مُستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله مُخبرًا إياه أن كل مسيحي حقيقي هو إنسان سماوي، شريك الطبيعة الإلهية، ميت للعالم، ميت للخطية، حيّ لله، ليس له أقل ارتباط بالعالم، وسيرته هي في السماوات. و"السماوات" هي مناخ "القديسين" وهم على الأرض، ومكانهم يوم ترحب بهم "السماوات" التي منها ننتظر مُخلِّصًا، هو الرب يسوع المسيح، لكي يأتي أيضًا ويأخذنا إليه حتى حيث يكون هو نكون نحن أيضًا. وأن نعمة الله لم تظهر فقط في كون المسيح قد بذل نفسه لأجل خطايانا، بل في كونه أيضًا أنقذنا من العالم الحاضر الشرير. ومع أننا ما زلنا في العالم، لكننا لسنا منه. ومع عِلّمنا جميعًا أن المؤمن يدخل السماء عند موته، لكننا أيضًا يجب أن ندرك الحقيقة الهامة وهي أن السماء مكاننا الآن، وأن الأرض التي نحن فيها ليست مكاننا باعتبارنا سماويين. وأنه لا يمكن أن يتقدم المؤمن كثيرًا في النعمة قبل أن يحصل الانفصال الكامل بينه وبين العالم، ويقبل الحق الإلهي بأن الأرض ليست مكانه.

ويتواصل حديثي مع ابني، وأنا أراقب كيف يسلك في الطريق الإلهي، وكيف يزداد إدراكه أنه ليس من هذا العالم، وأن الأرض هي مكان موت المسيح، فيشتاق أن ينمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح (2بط3: 18)، ليختبر بالروح معنى العبارة «وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ (معًا) فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أف2: 6)، وكيف أصبح يدرك مهمته على الأرض، وهي الشهادة للمسيح في قوة الروح القدس، تابعًا ذاك المجيد القدوس الذي قال «لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ» (يو17: 14).

 

فهْوَ كنزُنا الغَنِي وهْوَ رأسُـنا الحبيبْ

وعنِ العالمِ قـدْ مُتنا مَعْهُ بالصليبْ

 

كيف نَبغِي غَيرَهُ وهْوُ غايـةُ المُنَى

قلبُنا يصْبو لـهُ حُبهُ يحصُرُنــا

خادم الرب د. فايز فؤاد

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة ©  لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.