قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

35

فترة الاختبار أو الأمل بعد الموت

فكرة الأمل بعد الموت فكرة تناسب الناس تماماً، وتجد لديهم قبولاً وترحيباً، والحقيقة أنها سراب خادع ووهم باطل وليس من ورائها إلا الهلاك المحقق. إنها الحبل الحريري الذي ينسجه أولئك الذين يتلاعبون برحمة المخلص ويستهينون بنعمته وطول أناته ليشنقوا به أنفسهم وهم على جرف الهاوية المخيف إلى أن يختبروا بأنفسهم أن الذي يتلقاهم، لا نار الحب بل نار الغضب المريع الأبدي الذي يتجاوب مع ما يملأ كيانهم من دود داخلي لا ينام ولا يموت.

هل الإنسان مستعد أن يقبل خلاص الله، وهل عند الله تأخير من حيث المشيئة أو القوة في منحه هذا الخلاص؟ كلا. فالكتاب يقول صراحة «كل من يدعو باسم الرب يخلص». وهل الخلاص عملية شاقة مشكوك فيها ولا يمكن تحقيقه إلا بعد مجهود طويل من الصلوات والأصوام والمحاولات التي قد تحتاج إلى عملية تكميلية بعد الموت؟ كلا. فالكتاب يؤكد صراحة أننا «فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح». وهل نار جهنم هي عملية الله للخلاص، أو بعبارة أخرى هل هي أداته ووسيلته لخلاص الذين يتطلعون إليه، أم هي غضب الله على الذين يرفضون خلاصه؟ إنها الثانية وليست الأولى. وهل المسيح أخبر «المساكين بالروح» أن نصيبهم هو بحيرة النار أم «ملكوت السماوات»؟ وهل أخبر الحزانى أنهم «سيتعزون» أم أنهم سيتعذبون؟

إن التبشير بهذا الأمل الخادع ليس هو في الحقيقة إلا كفر بالحق الأساسي الخاص بالمسيح والنعمة. ولن يجد أي تشجيع فيه سوى الذين يجهلون النعمة، أو الذين يريدون أن يستمروا في الخطية أطول مدة ممكنة. إن الرسول يقف متسائلاً «كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟» والرب يأمر قائلاً «خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم».

حقاً إنه ليس شيئاً استثنائياً أن يسير موضوع محبة الله مع إنكار حقه جنباً إلى جنب. فهذه هي طريقة الشيطان دائماً - الانتقاص من الحق على أساس المحبة أو من المحبة على أساس الحق.

ولكن دعنا نتأمل في الفصل الكتابي الذي اتخذه المضللون أساساً لوهمهم الباطل:

«فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله، مُماتاً في الجسد ولكن محيي في الروح، الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، إذ عصت قديماً، حين كانت أناة الله تنتظر (مرة) في أيام نوح، إذ كان الفلك يبنى، الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفسٍ بالماء» (1بط 18:3 - 20).

دعنا نأمل في هذا الفصل بالتدقيق ماذا يقول وبماذا يُعلِّم حقيقة. أولاً نرى أنه في الروح ذهب المسيح وكرز - أعني ليس شخصياً. لقد حاول البعض أن يجعلوا «الروح» تعني روح المسيح الإنسانية ولكن إذا كان قد قيل عنه «محيي في الروح روحه الإنسانية» فمعنى ذلك أن تلك الروح الإنسانية قد ماتت أولاً لكي يقال عنها إنها أُحييت، وهذا غير معقول طبعاً. فالواضح أن القول «محييً في الروح» لا يمكن أن يعني إلا القيامة. والإشارة ليست إلى المسيح في حالة انفصال روحه عن جسده إطلاقاً.

ولكنهم يقولون إن عبارة «ذهب وكرز» تدل على ذهاب شخصي. وفاتهم قول الكتاب بنفس الطريقة «جاء وبشركم بسلام» (أف 17:2) وقياساً على هذا يتحتم أن يكون المعنى المقصود هنا أيضاً (وهو ليس كذلك باعترافهم) مجيئاً شخصياً. ومن هذا يتضح أن القول «في الروح .. ذهب» يستبعد فكرة الذهاب الشخصي بتاتاً.

ثم نأتي إلى «الأرواح التي في السجن». واضح أنهم في السجن الآن (هذا هو المغزى المقصود من العبارة) باعتبارهم عصوا قديماً في أيام نوح. ولكنهم عصوا ماذا؟ عصوا كرازة الروح طبعاً. إنه عن هؤلاء قال الله قديماً «لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد». ولا شك أنه في ذلك الوقت القديم كرز المسيح لهم. ومما يقطع الشك باليقين بدون الالتجاء إلى مهارة في الترجمة أو غيرها أن مجاهدة الله مع أولئك الناس السابقين للطوفان محددة تحديداً زمنياً واضحاً وقاطعاً «لا يدين في الإنسان إلى الأبد، لزيغانه، هو بشر. وتكون أيامه مئة وعشرين سنة» (تك 3:6) ومن العجيب أن يظن البعض أن هذا الحد وضع للعمر البشري رغم أن ذلك العمر ظل أجيالاً عديدة بعد الطوفان يفوق هذا الحد بكثير. ولكنه عمر مجاهدة روح الله مع ذلك الجيل الذي في نهايته جاء الطوفان. ففي حالتهم جاءت نهاية مجاهدة روح الله معهم ونهاية حياتهم في وقت واحد. ومع ذلك يأتي أولئك المعلمون ليقولوا لنا إنه لهؤلاء الناس بالذات كرز المسيح بصفة خاصة بعد ذلك بأكثر من ألفي سنة، بالتناقض التام مع التوكيد الإلهي أن روحه لا يدين فيهم بعد ذلك الحد الذي وضع.

والواقع أنه من سوء حظ أصحاب ذلك الأمل الخادع أن ذات الأمثلة التي يعطيها لنا الكتاب عن فترات الاختبار التي تمتد إلى ما وراء القبر هي بعينها ذات الأمثلة التي تطالعنا بها كلمة الله للتدليل على الضد على طول الخط! وإذا كان مصير أولئك الخطاة الأموات قد أُثبت بالموت بما لا يقبل نقضاً أو إبراماً، فإنه لا يوجد سبب على الإطلاق يجعلنا نفترض شيئاً غير هذا فيما يتعلق بمصيرنا نحن. نعم، إنه من غير المعقول أن يتخيل أحد أنهم استثناء من القاعدة العامة بدلاً من أن يكونوا شرحاً وتفسيراً لها.

وهناك نص مشابه في 1بطرس 4 يتخذه أولئك المنحرفون أساساً لأضاليلهم. دعنا نتأمل فيه لنرى إذا كان سيقودنا إلى نتيجة أخرى غير هذه التي اتضحت لنا:

«فإنه لأجل هذا بُشِّر الموتى أيضاً، لكي يدانوا حسب الناس بالجسد، ولكن ليحيوا حسب الله بالروح» (1بط 6:4).

هل لنا أن نستنبط من هذا أن أولئك الناس كانوا أمواتاً عندما بُشِّرُوا؟ إن النص يقول حرفياً «بشَّر الموتى» ونحن علينا أن نتعرف الباقي من القرينة.

كان الرسول يتكلم قبل ذلك عن السلوك الجديد لأولئك الذين اهتدوا من الوثنية، وكيف أن الأمم حولهم كانوا يدينونهم ويسيئون الحكم عليهم «الأمر الذي فيه يستغربون أنكم لستم تركضون معهم إلى فيض هذه الخلاعة عينها، مجدفين (أي متكلمين شراً عليكم). الذين سوف يعطون حساباً للذي هو على استعداد أن يدين الأحياء والأموات» (1بط 4:4). بهذه الكيفية كان الخطاة بطريقتهم الجسدية يدينون الحياة الروحية التي يحياها المؤمنون والتي هي عنوان رضاء الله عليهم. وبهذا المعنى كان المسيحيون يُدانون حسب الناس (أي حسب تفكير الناس) بطريقة جسدية، ولكنهم كانوا يحيون حسب الله بطريقة روحية. وإنه من أجل هذا بُشروا بالإنجيل. أي من أجل فصلهم عن صفوف أولئك الذين يسيئون الحكم عليهم وهم أنفسهم موضوع دينونة الله العادلة.

إلى هنا الكلام واضح. ولكن لماذا يقال «بشر الموتى»؟ ذلك بكل يقين لأن الرسول حرص على أن يجعل هذا الفكر لا يغيب عن أذهانهم، وهو أن الموت نفسه هو الذي حدد الحالة التي وجد الناس فيها. ومعنى هذا أن أولئك الأبرار قد حصلوا على الخير الذي أتاهم به الإنجيل وهو الذي جعلهم يدركون مقدماً مصير الخطاة ويقبلون دينونة الناس بالجسد بدلاً من دينونة الله النهائية الأبدية. ولكن هل كان ممكناً أن يكونوا «أمواتاً» قبل أن يُبَشَّروا؟ بكل يقين كلا، إذ كيف كان يمكن وهم أموات أن يدانوا حسب الناس بالجسد لسلوكهم المتغير الجديد؟ إن القرينة تستبعد فكرة الأمل بعد الموت استبعاداً كاملاً.

غير أنه يجب علينا أن نقول كلمة عن فصل كتابي آخر حيث العبارة «هوة عظيمة قد أُثبتت» (لو 16) تؤكد لنا استحالة الانتقال من لهيب العذاب (في حالة الموت على الأقل) من الجانب الواحد إلى تعزية حضن إبراهيم في الجانب الآخر. لا شك أن العبارات هنا مجازية رمزية، ولكنها مع ذلك تعبِّر بغاية الوضوح عما ترمز إليه. إن المسيح هو الذي أثبتها. إنه عيِّن وقضى أن أحداً لن يمر منها في حالة الموت على الأقل، وفي هذا فصل الخطاب. ثم بعد ذلك لن تسمح الدينونة الأبدية بأي هروب. وعلى هذا تكون هناك «هوة عظيمة قد أُثبتت» موجودة فعلاً في الحالة المتوسطة - حالة الموت الجسدي أو انفصال الروح عن الجسد - بين طبقتي الأبرار والأشرار - هوة لا يمكن عبورها. ثم «بعد ذلك الموت والدينونة» وقد تأملنا في طبيعة ومدة هذه الدينونة أو المجازاة النهائية.

ولكن الكتاب المقدس كله يؤكد لنا الحقيقة الخطيرة للغاية وهي أن أهمية الحياة الحاضرة تتركز في هذا الشيء الواحد وهو أنه هنا، والآن، يتقرر مصير الإنسان الأبدي. إنه مدعو للتوبة اليوم، وإلا فلن يدخل الراحة (عب 7:4، 11) ومَن ذا الذي يقول إن الحياة الحاضرة مع كونها في الحقيقة قصيرة لا تصلح لامتحان الإنسان الفرد امتحاناً كاملاً مثل العصور اللانهائية أو الأبدية تماماً؟ وهنا يجب الاعتراف والتسليم بأن الدينونة بعد الموت ستكون حسب الأعمال المصنوعة في الجسد ولا شيء آخر. فإذا لم تكن هذه الأعمال كافية لأن تطبع الإنسان وتجعل له شخصيته المتميزة، فإن تلك الدينونة تكون ناقصة وغير عادلة. وحاشا لله أن الأمر كذلك. فمن العبث إذن محاولة المطالبة أو الادعاء بامتداد ولو يوم واحد من أيام النعمة بعد الزمان الحاضر لأن ذلك الامتداد المزعوم لن يقترن به شيء من المسئولية وهي الأساس الوحيد الذي يأخذه يوم الدينونة في الاعتبار.

وختاماً نقول إن جميع الحجج والآراء التي يسوقها مروجو نظرية فرصة الاختبار والرجوع بعد الموت قد يكون مرجعها تفسيرهم الخاطئ للأقوال أو الوعود العديدة الخاصة بظروف وفرص أرضية أو ببركات الزمان الألفي وهي وعود تختص غالبيتها برجوع الشعب القديم وبركة الأمم معهم. فهم بذلك يخلطون بين الرجوع القومي والرجوع الفردي، وبين القيامة القومية والقيامة الفردية. وإذ يفوتهم هذا التمييز، يطبقون التجديد والخلاص القومي تطبيقاً فردياً أيضاً. ولذلك تراهم يأخذون بعض فصول العهد الجديد ويتعسفون في جعلها تطابق بعض أقوال للعهد القديم ولكن يكفي أن نتبين ولو مرة واحدة فساد تلك الطريقة في التفسير وهو الأمر الذي أعتقد قد أوضحناه بصورة كافية لكي ينهار البناء كله من أساسه.

خذ مثلاً الفصل المعروف الوارد في أعمال 21:3 وهو الذي أقاموا على أساسه صرحاً ضخماً من معتقداتهم الفاسدة، كما لو كان هذاالفصل يعني إرجاع الكون وتشكيله من جديد مع أن الجلي الواضح هو أن هذا الفصل يتكلم بكل بساطة عن أشياء وليس عن أشخاص، ومجاله الأرض وليس أي مكان آخر. وهو ما رأينا دائماً أنه مجال العهد القديم الذي إليه كان الرسول بطرس يشير في حديثه المشار إليه، «أزمنة رد كل شيء» التي تكلم عنها الأنبياء. وكذلك في أفسس وكولوسي نجد أن موضوع الكلام هو الأشياء وليس الأشخاص، وفي كولوسي نجد الأشخاص المُصَالَحِين يُذكَرون منفصلين. ولم يرد جهنم في أي فصل من هذه الفصول. ولا يمكن أن يكون هناك أي احتمال لورودها. كذلك لا ذكر للملائكة الساقطين ولا للناس الهالكين، ولكن للأشياء السماوية والأرضية ليس إلا. فالمصالحة في الكتاب لا تتضمن إطلاقاً ما يحاول أصحاب نظرية "إرجاع الخليقة" أن يحمّلوها من المعاني. كذلك لا يمكن في ضوء شهادة الكتاب كما تأملناها للآن أن يكون الخضوع العام المذكور في فيلبي 10:2، 11 معناه الخلاص واقعياً.

والآن يكفي أن نؤكد أنه ليس في جميع حجج واقتباسات الفنائيين أو أضدادهم الإرجاعيين (restorationists) ما يؤثر في قليل أو كثير على تعليم الوحي كما استعرضناه في هذه الصفحات.

إن أصحاب هذه النظريات المضللة يتعاملون مع كلمة الله وفقاً لهواهم الخاص ولا يترددون في طرحها جانباً بافتراض خطأ في النسخ أو أي شيء آخر حيثما يجدون صوتها واضحاً ضدهم. والواقع إن دينونة الخطية دينونة عادلة. وشخص المسيح والروح القدس والكفارة والنعمة وكل ما هو حيوي للمسيحية يتعارض مع هذه النظريات الشيطانية المُضلِّلة.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.