قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

32

جهنم

(Gehenna)

الرب «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يُهلِك النفس والجسد كليهما في جهنم» (مت 28:10). وقد رأينا كيف أن هذا لا يمكن لأن يعني الفناء. فمن يزعم مثل هذا الزعم كأنه يقول إن تحذير الرب هنا تحذير باطل. وحاشا أن يكون الأمر كذلك. وفي مكان آخر يقول الرب له المجد «خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان أن يلقي في جهنم»، ونحن نعلم يقيناً أن هذا التهديد سيتم. فإذا كان له المجد لا يقصد أن يفعل هذا فلا داعي للناس أن يخافوا لأنه عندئذ يتساوى الأمر سواء أكان له السلطان أن يفعله أو لا يفعله. ولكن ليس هكذا تُؤخذ كلمة الرب. فما أغرب أن يتحدث الرب عن سلطان يملكه ولا ينكره عليه أحد ومع ذلك لن يمارسه! نحن نؤمن أن الله سينفِّذ الإنذار المخيف وسيهلك النفس والجسد كليهما في جهنم. ولن ينقذ الإنسان من هذا المصير الرهيب إلا الإيمان بعمل ابن الله الكفاري على الصليب.

والآن دعنا نرى من أين نستمد معلوماتنا عن جهنم. إننا نستمدها من العهد القديم وهو الذي منه يجب أن نأخذ كل رأي صحيح، كما كان يفعل السيد نفسه. فالإعلان الإلهي وحده هو الذي يمكن دون سواه أن يلقي ضوءاً على ما وراء القبر.

سبق أن أشرنا إلى واحد من فصول العهد القديم، إشعياء 24:66، حيث رأينا النار والدود ينسبان إلى وادي هنوم وهي الفصول التي يتخذها سيدنا ولا شك أساساً لإنذاره المعروف والذي علينا أن نتأمله الآن.

والفصل الرئيسي بجانب هذا أيضاً في إشعياء حيث نجد وادي هنوم (أو توفة) مذكوراً بصريح اللفظ باعتباره مكان دينونة الأشوري حيث نفخة الرب كنهر كبريت توقد الكومة (33:30) ولئن كانت توفة الحرفية تعطينا صورة النبوة إلا أن اللغة تشير قطعاً إلى شيء أعمق لا يمكن إلا للإعلان الأكمل أن يوضحه.

ولأجل هذا ننتقل إلى الفصل المعروف في إنجيل مرقس 43:9 - 50 والذي نقتبسه كاملاً فيما يلي:

«وإن أعثرتك يدك فاقطعها. خير لك أن تخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضي إلى جهنم، إلى النار التي لا تطفأ. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ. وإن أعثرتك رجلك فاقطعها. وخير لك أن تدخل السماء أعرج من أن تكون لك رجلان وتُطرح في جهنم في النار التي لا تُطفأ. حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ. وإن أعثرتك عينك فاقعلها. خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور من أن تكون لك عينان وتُطرح في جهنم النار. حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ. لأن كل واحد يُملَّح بنارٍ، وكل ذبيحةٍ تُملَّح بملح. الملح جديدٌ. ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة، فبماذا تصلحونه؟ ليكن لكم في أنفسكم ملح، وسالموا بعضكم بعضاً».

وقد كان من المتوقع أن يتعثّر الفنائيون في هذا الفصل، وقد تعثّروا فيه فعلاً. فهم يزعمون أن استعارة اللغة من إشعياء 24:66 مع استعمال كلمة «جهنم» تدل (في عرفهم) على فناء الأشرار "فناءً مطلقاً" !

والواقع إن أول ما يجب ملاحظته هو الفارق بين الرمز والمرموز إليه. فالرب لا يتكلم عن وادي هنوم الحرفي. أما عن إشعياء فإن «الجثث» التي يراها فريسة للدود والنار هي بلا شك ليست جثث جميع الأشرار الذين يقومون من الموت عندما تهرب الأرض والسماوات. لقد كان اليهود في أيام تجسد سيدنا يستعملون كلمة جهنم على سبيل الاستعارة كما يتضح ذلك من التلمود. وكذلك الطابع الرمزي واضح في أشياء كثيرة تتعلق بالمُلك الألفي. وبناء على ذلك فإن الكلمات «جثث» و «نار» و «دود» هي جميعاً رموزاً لأشياء أعمق. فهل يعقل أحد أن كل ما يهدد به الرب هو نار ودود يأكل جثث الناس؟ إن هذا بكل يقين يكون أقل من الفناء نفسه لأنه يصبح مجرد صورة لما سيحدث بعد انتهاء عذابهم إذ يكونون قد ماتوا فعلاً!

ولكن السؤال هو: هل هذا يتفق مع البقاء الأبدي أم أن هذا شيء مختلف؟ إن الهلاك المادي، إذا كان رمزاً، يجب أن يرمز إلى شيء آخر وليس إلى ذاته. فالمادي يجب أن يرمز إلى الروحي. والهلاك الروحي يمكن أن يتفق تماماً، بل هو يتفق فعلاً، مع البقاء الدائم للجسد والنفس. فإذا كانت النار حرفية، أي نار مادية، وجسد الإنسان فريستها، فإن الجسد بحسب تكوينه الحاضر يجب أن يتلاشى. أما إذا كانت النار رمزاً للدينونة الإلهية فالأمر عندئذ يكون مختلفاً. والنار كرمز إنما تشير إلى هذا. وقد سبق أن بينت بما لا يترك مجالاً لمزيد أن «هلاك» الخاطئ هو في الواقع ليس فناء، ولذلك فإني لست بحاجة إلى تكرار تلك الأدلة.

هذا والواضح أن كلمة «لا تطفأ» تتضمن الاستمرار حتى في إشعياء. فإذا كان «من هلال إلى هلال ومن سبت إلى سبت» كل ذي جسد ممن يأتون ليسجدوا أمام الرب «يخرجون ويرون جثث الناس الذين عصوا عليه» فإن ذلك يتضمن ولا شك استمرار هذا المشهد المريع. والأقوال التالية توضح سبب هذا الاستمرار «لأن دودهم لا يموت ونارهم لا تطفأ ويكونون رذالة لكل ذي جسد». إن هذه العبارة تؤكد استمرار المشهد الرهيب الذي يبقى مستمراً أمام أعين الناس من «هلال إلى هلال».

وهذا يصبح أوضح عندما ننتقل إلى الفصل المماثل في الإنجيل. فهنا لا يتكلم الرب عن مشهد أمام أعين الآخرين وإنما هو يحذر أولئك الذين قد يقعون فيه هم أنفسهم. ففي إشعياء نقرأ القول «يخرجون ويرون .. لأن نارهم لا تطفأ» أما في الإنجيل فالرب يقول «خافوا .. لأن النار لا تطفأ». وكما أن هذه الأقوال في إشعياء تتضمن استمرار الدينونة، كذلك يجب أن يكون معناها هكذا عندما ينتقل استعمالها إلى الإنجيل.

ولكن عدد 49 يضيف شيئاً آخر، «كل واحد يملح بنار وكل ذبيحة تملح بملح». هنا نرى التمليح بنار والتمليح بملح شيئين مختلفين. إن التمليح رمز للحفظ. فالملح كما يقول الرب «جيد» وله دائماً معنى حسن في الكتاب باعتباره رمزاً لنشاط القداسة التي تحفظ لله باستبعاد الفساد. ولكن التمليح بنار بشيء مختلف كل الاختلاف عن التمليح بملح وذلك لأن النار ترمز دائماً للدينونة الإلهية.

يتضح من هذا أن كل واحد (بلا حدود) يملَّح بنار - حتى القديس لأنه محتاج للتأديب لحفظه في مركز القداسة والخلاص (قارن 1بطرس 17:4، 18) ولكن النار سيكون لها شأن آخر مع الأشرار. فهي في حالتهم «نار لا تطفأ» نظراً لوجود شر في حاجة دائمة للكبح وذلك بالدينونة. فليس سوى الدينونة يستطيع ذلك. ويضيف الرب قائلاً «وكل ذبيحة تملح بملح». هنا نقطة الانتقال التي عندها يبدأ الرب له المجد يتكلم عن القديس وحده.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.