قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

16

الخلود. أهو مشروط؟

السبيل الذي سنسلكه في هذا الجزء من بحثنا هو ما يلي بكل اختصار: سنحاول أولاً معرفة معنى التعبيرات المستخدمة في الكتاب بالعلاقة مع هذا الموضوع. ثم ننظر إلى الصورة النبوية التي يطالعنا بها الكتاب عن المستقبل وذلك بقدر ما تدعو إليه الحاجة لربط وتطبيق الفصول المختلفة. بعد ذلك سنحاول ربط أجزاء هذا المشروع بالفصول التي لها علاقة بحوادثه المتتالية. وأخيراً، سنولي قدراً من الاهتمام لمناقشة المسائل العاطفية أو الأدبية التي لها مساس بالموضوع، أي المتعلقة بالعذاب الأبدي.

إن الكلمة الحقيقية المعبرة عن الخلود: "أثاناسيا" athanasia وهي المترجمة عدم موت (immortality) وردت في العهد الجديد ثلاث مرات فقط، مرتين في 1كورنثوس 53:15، 54 «هذا المائت لا بد أن يلبس عدم موت» و «متى لبس هذا المائت عدم موت»، والمرة الثالثة في 1تيموثاوس 16:6 بمعنى آخر، حيث يقال لنا عن الله إنه هو «وحده له عدم الموت». أما النعت المشتق من هذه الكلمة فلا يرد إطلاقاً.

هناك حقاً كلمة أخرى "افثرسيا" aphtharsia وهي المترجمة مرة «بقاء» ومرة «خلود» ولكن معناها الصحيح عدم فساد incorruption وهكذا تُرجمت في معظم الفصول التي وردت فيها ما عدا في الاثنين المُشار إليهما.

وإليك هذه الفصول كما وردت:

رو 7:2 «أما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء، فبالحياة الأبدية»

1كو 42:15 «يقام في عدم فساد»

1كو 50:15 «ولا يرث الفساد عدم فساد»

1كو 53:15 «لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد»

1كو 54:15 «ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد»

أف 24:6 «الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد»

2تي 10:1 «أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل»

أما النعت المشتق من هذه الكلمة وهو "افثارتوس" aphthartos (incorruptible) فقد ورد في الكتاب ست مرات وهو المترجم في خمس منها «لا يفنى» وفي السادس «لا يبلى». وقد ورد هذا النعت في وصف الله (رو 23:1؛ 1تي 17:1) وإكليل البر (1كو 26:9) وميراثنا (1بط 4:1) وكلمة الله (1بط 23:1) وإكليل المجد (1بط 4:5).

وكلمة نقيضة "فيثارتوس" phthartos (corruptible) ورد ست مرات وقد تُرجم «يفنى» في أربع منها (رو 23:1؛ 1كو 25:9؛ 1بط 18:1، 23) و «فاسد» في اثنين (1كو 53:15، 54).

إن الفرق بين هذه الكلمات يتجلى في أصحاح القيامة (1كو 15) حيث وردت جميعها. فعندما يتكلم الرسول عن جسد المؤمن الراحل (ع 42، 50) يستخدم الكلمتين «فاسد» و «فساد» فذلك الجسد المسجى في الكفن أو الراقد في القبر لم يكن مائتاً (mortal) بل ميتاً (dead) وعندما يتكلم الرسول عن قيامة «الذين للمسيح في مجيئه» (ع 23) يتحدث أيضاً عن تغيير القديسين الأحياء الذي يتم في الوقت نفسه حيث يقول «لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغير» - «فيقام الأموات عديمي فساد، ونحن (الأحياء) نتغير، لأن هذا الفاسد (مشيراً إلى القديسين الراقدين) لا بد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت (مشيراً إلى الأحياء) يلبس عدم موت».

يتبين من هذا أن هناك تمييزاً واضحاً في استخدام هذه الكلمات في الكتاب. وعندما يقال في رومية 7:2 إن الله سيجازي بالحياة الأبدية «الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء» لا يمكن إطلاقاً أن يكون لهذه الآية نفس معناها الرائع الجميل أن كل المؤمنون بعملهم الصالح يطلبون البقاء أي الخلود الزمني ولكن الذي يطلبه هؤلاء القديسون بصبر وانتظار، إنما هو حالة عدم الفساد المباركة التي سينتقلون إليها عند مجيء الرب بالقيامة أو«التغيير»، وهي حالة تنطبق فقط على القديسين شأنها شأن كل الوصف الوارد في 1كورنثوس 42:15 - 50 فالأشرار ليسوا هم الذين يقال عنهم «يزرع في فساد ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان ويقام في مجد. يزرع في ضعف ويقام في قوة». إن أقوالاً كهذه إنما تنطبق فقط على ازدهار وجمال «قيامة الحياة».

صحيح أن القديسين كأحياء، ولكن مائتين (mortal) - أي قابلين للموت - سيحصلون عند مجيء الرب على «الخلود» أو «عدم الموت» (immortality) وسيبطل عنهم كل تعرض أو قابلية للموت. هذا حق لا شك فيه. ولكن هذه الكلمة تعبِّر عن حقيقة تختلف عن تلك التي يشار إليها في حالة القديسين الذين رقدوا. إن الجميع (أحياء وراقدين) سيحصلون ولا شك على عدم الفساد إذ سيلبسون جميعاً صورة السماوي ولكن الذي يقال عن الأحياء هو أيضاً إنهم لا يرقدون إطلاقاً بل إن قابليتهم للموت «ستُبتلع إلى غلبة» أو «ستبتلع من الحياة».

إن القابلية للموت هي حالتنا هنا. أما الخلود أو عدم الموت فليس حالتنا الطبيعية الحاضرة. إن الخلود هو عدم الموت. ومَن ذا الذي يدعي أننا لا نموت؟ إن النفس لا تموت. ولا الروح. ولكن الإنسان يموت يقيناً. وإنما السؤال ما هو الموت وليس إذا كان الناس خاضعين للموت أو غير خاضعين. إننا نقصد بالموت رجوع التراب إلى الأرض كما كان في حين ترجع الروح إلى الله الذي أعطاها.

نحن ننكر أن اللحم والدم هما كل الإنسان الطبيعي. ونحن نوافق على أن عبارة «عدم فساد» تشير إلى الجسد أينما وردت. ونحن ننكر أن عبارة القابلية للموت (mortality) أو عدم الموت (immortality) تشير إلى النفس (فهذه مسألة مفروغ منها) ولكنها تشير إلى أجساد الأحياء عند مجيء المسيح كما تشير عبارة الفساد وعدم الفساد إلى أجساد الأموات. ذلك ما نراه مؤكداً أيضاً في الفصل المعروف في 1تسالونيكي 15:4 - 17 حيث يتحدث الوحي عن نفس الموضوع أي مجيء الرب الثاني وحيث نجد المباينة بين الأموات في المسيح و «نحن» الأحياء الذين نبقى أحياء إلى مجيئه. فالقول «ونحن نتغير» في 1كورنثوس 52:15 يرد بالمباينة مع الأموات الذين يقامون، وكلمة المائت تشير إلى الأحياء. والكلمتان تشيران إلى الجسد الذي يسميه الرسول «الجسد المائت» (2كو 11:4).

إن الرسول في 2كورنثوس 4:5 يقول واضحاً إنه كان يئن مشتاقاً لا أن يخلعها بل أن يلبس فوقها. وهذا هو تغيير الأحياء عينه الذي كنا نتأمل فيه الآن. فبولس، الإنسان الحي، ولكن المائت، أي القابل للموت، كان يئن مشتاقاً لا أن يخلع الخيمة - أي أن ينفصل عن الجسد - بل، بعكس ذلك، أن يلبس فوقها، إن القابلية للموت (mortality) التي هي حالته الحاضرة، تبتلع من الحياة.

ولكن الفنائيين من السبتيين وشهود يهوه وغيرهم من أبواق الشيطان يعترضون قائلين (مستندين على 1تيموثاوس 16:6) أن «الله وحده له عدم الموت» ويستنتجون من هذا أن النفس لا يمكن أن يكون لها الخلود أو عدم الموت. وإذا سايرناهم قليلاً في منطقهم فالنتيجة واضحة وهي أن الملائكة أيضاً لا يمكن أن يكون لهم عدم الموت. فهل الموت إذن يسود في صفوف الكائنات العلوية الخالية من الخطية؟ كلا بطبيعة الحال، ولكن هذا ما تنطوي عليه حجتهم بالضرورة ويجب التسليم به وإلا فإن حجتهم تسقط من تلقاء ذاتها. إنهم يعترفون أن «الملائكة أرواح» وبديهي أن روح الإنسان هي الأخرى «روح» وإذا كان الملائكة هم «أبناء الله» لهذا السبب فإن الناس أيضاً هم «ذريته» للسبب عينه. فكل ما تثبته هذه الحقيقة بالنسبة للملائكة تثبته أيضاً بالنسبة لروح الإنسان.

والحق أن المعنى الكتابي للفصل الذي نحن بصدده يجعله منطبقاً على الملائكة وعلى سائر الكائنات المخلوقة. فالمعنى الذي يرمي إليه الفصل هو أن الفارق الجوهري بين الخالق وكل مخلوقاته هو أنه وحده له المجد يقوم بذاته، في حين أنه «به» من الجهة الأخرى «يقوم الكل» وهو «حامل كل الأشياء بكلمة قدرته». فنحن لا ننادي كما يدّعي القوم بمبدأ الخلود الذاتي الجوهري للجنس الأرضي بل بالعكس ننادي بأن الجنس البشري كله مائت، أي قابل للموت (mortal) وأن الخلود الذاتي الجوهري ليس ملك أي مخلوق ساقط أو غير ساقط بل ملك الله وحده جل جلاله. والفصل المشار إليه في الرسالة إلى تيموثاوس يؤكد هذا اليقين فمن ناحية هذا المعنى الكتابي، ناحية اختصاص الله بالخلود الذاتي الجوهري، نحن نؤمن أن الله وحده صاحب الخلود وعدم الموت وأننا به «نحيا ونتحرك ونوجد».

ولكن هذا لا يعني أن النفس تموت كما أنه لا يعني أن الملائكة يموتون. إن النفس - شأنها شأن الملائكة - تملك خلوداً مستمداً من الله معتمداً عليه، وأن خلودها بهذا المعنى مؤكَّد، لأن من يستطيعون أن يقتلوا الجسد لا يستطيعون أن يقتلوا النفس.

أما الحياة الأبدية التي يختلط الأمر بينهما وبين الخلود أو عدم الموت في أذهان الكثيرين فهي شيء آخر مختلف كل الاختلاف.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.