سبعة تطويبات في سفر الرؤيا |
الدكتور مراد امين
مقدمة: السفر الذي يعلن غلبة الله النهائية المطلقة علي كل أعدائه ، لذلك هو الوحيد في كل أسفار الوحي الذي يسمي "بالنبوة" ص 3:1 و 22: 7و10و18و19 و الوحيد في كل أسفار الوحي الذي يأتي فيه التطويبات 7 مرات لمن يقرأ و من يسمع أقوال النبوة. ومع انه سفر قضائي يعلن غضب الله المركزة في أسبوع الضيقة الأخير، لكن نسمع فيه ترنيمات متوالية من القديسين الممجدين في السماء مع عريسنا و رأسنا المعبود يسوع المسيح. التطويب الأول ص 1: 3 "طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة و يحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب" أولا: لأن من أول الموحي و خلال الأسفار المقدسة تري أن السقوط جاء بالنظر أي بالعين و هكذا العدو أثار الشهوة و الشهوة إذا حبلت تلد خطية و الخطية إذا كملت تنتج موتا (يع1: 15) و من آثار إثارة الشهوة يأتي احتقار الكلمة أو علي الأقل خروج النفس من تحت تأثير الخضوع الكامل لها. لذلك قصد الله الكلي الحكمة المنزه عن الخطأ أن يكون الخلاص عن طريق سماع الكلمة و الارتعاد أمامها و قبولها "كما هي بالحقيقة ككلمة الله" تس 2: 13 "يسمع الأمم كلمة الإنجيل و يؤمنون و الله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس" أع15: 7 "وإلى هذا المسكين والمنسحق الروح و المرتعد من كلامي" اش 66: 2 "شكرا لله أنكم كنتم عبيد الخطية و لكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها و إذا عتقتم من الخطية صرتم عبيدا للبر" رو 6: 17 ثانيا: سماع كلمة نبوة هذا السفر يجعلنا نتأمل في مناظر مجيدة للرب يسوع قد لا نجد نظيرها في باقي أسفار الوحي و هكذا تمتلئ قلوبنا بالفرح فيه و يتم قوله البارك "ذلك يمجدني لأنه يأخذ مما لي و يخبركم" يو16: 14. مثلا تحدي الملاك القوي بصوت عظيم مناديا "من هو مستحق أن يفتح السفر و يفك ختومه فلم يستطع أحدا في السماء و لا علي الأرض و لا تحت الأرض أن يفتح السفر و لا أن ينظر إليه".."فقال لي واحد من الشيوخ لا تبك هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا اصل داود ليفتح السفر و يفك ختومه السبعة" رؤ 5: 2و3و5 ثم المنظر التالي مباشرة : (رؤ5: 6) "ورأيت فإذا في وسط العرش و الحيوانات الأربعة و في وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح.. ولما اخذ السفر خرّت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب ...وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت (هذا طبعا موجه لربنا المحبوب المعبود) أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا للّه بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمّة.. ثم المنظر التالي أيضا رؤ 5: 11 "ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش ...وكان عددهم ربوات ربوات ألوف ألوف (ملايين الملايين) قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة power الغنى والحكمة والقوة strength والكرامة والمجد والبركة." و هكذا كلما نتقدم في هذا السفر نجد أمجاده الساطعة التي ترفع قلوبنا فوق كل منظور . ثالثا: في هذا السفر النبوي نسمع عن مناظر غضب الله العظيم القادم بكل يقين على كل المسكونة و هذا يجعلنا نعظم محبة الله لنا و نعمته الغنية جداً من جهتنا و هكذا تهون كثيرا كل صعوبات الطريق. رابعا: يرسخ في قلوبنا مناظر الانتصار النهائي و هكذا تشتاق قلوبنا لتلك اللحظة و يتم فينا تحرض الروح القدس "منتظرين و طالبين سرعة مجيء يوم الرب" 2بط 3: 12 خامسا: الجو المهيمن في كل السفر يجعلنا اكثر جدية في السير مع الرب و في تعاملنا مع النفوس التي حولنا التي تنتظرها هذه الأمور الرهيبة إن لم ترجع للرب. سادساً: نسمع في هذا السفر عن مواعيد الرب السبعة للغالبين و هي كلها للمؤمنين الحقيقيين و لا شيء منها للمعترفين و هذا يشجعنا كثيراً على حياة التدقيق التي بها نحصل علي الغلبة العملية المفرحة لقلب الرب و لقلوبنا. سابعاً: هو السفر الوحيد الذي يحدثنا عن البهجة الغامرة لعرس الخروف و المشهد الوحيد لأربعة مرات هللويا في العهد الجديد المرتبط بالعرس و كم هذا يشوق قلوبنا و نقول من أعماق القلب و علي الدوام" أمين تعال أيها الرب يسوع" التطويب الثاني: ص 14: 13 " وسمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن.نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم.و أعمالهم تتبعهم" (شرح هذا التطويب مقتبس بتصرف من شرح الرؤيا لخادم الرب ناشد حنا) تتكرر كلمة "اكتب" 12 مرة في سفر الرؤيا للتنبيه إلي أهمية الأمور التي يطلب من الرائي كتابتها. المؤمنون الذين تنتهي حياتهم قبل الاختطاف لهم هذه الصفات : الأولى: "الأموات في المسيح" (1 تس 4: 16) هذا وصف مقامهم أمام الله لأن الإنسان بالولادة من فوق يصبح إنسان في المسيح" (2 كو 5: 17 و 2 كو 12: 2) له ذات كمال المسيح وذات قبول المسيح بل هو لابس المسيح (1 يو 4: 17 و غل 3: 26 ) الثانية: "الراقدون بيسوع" (1 تس 4: 14) قديسو الرب يسوع هم في يديه في الحياة و الموت و عندما يترك المؤمنون أجسادهم جانبا فذلك بمعرفة سيدهم أي أن الرب يسوع هو الذي يسلمهم للرقاد مثل الأم التي ترضع طفلها على ركبتيها بكل حنان حتى ينام – كذلك الرب يسوع يجعلهم ينامون و يستريحون إلى صباح يوم القيامة المجيد عندما يوقظهم بسماع صوته ليأخذهم إليه بالأجساد الممجدة. لذلك نلاحظ أيضا قوله"سيحضرهم الله أيضا معه" في ذات ع 14 و لم يقل سيأخذهم لان هذا سبق و تم في القيامة، أما هنا في ع 14 يتكلم عن الظهور للملك و هذا بعد القيامة بسبع سنين. الثالثة : "في الإيمان" (عب 11: 13) في ذات الإيمان المقدس لهم (فصلهم عن العالم) أمام الناس (و بررهم أمام الله) في ذات الإيمان إلى لحظة انطلاق أرواحهم، بدون أقل شك في وعد واحد من مواعيد الله الأبدية و مع انهم لم ينالوها لكن من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها واقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض. الرابعة: "في الرب" (رؤ 14: 13) إعلان التطويب للذين يموتون في الرب في ذلك الوقت بالذات هو لأجل تشجيعهم و لكي يطمئنهم بأنهم لم يخسروا نصيبهم في الملك بموتهم بل سيشتركون في الملك لا كرعايا لكن كملوك مع المسيح. صحيح أن الذين يموتون في الرب (أي تحت راية ربوبية ربنا المعبود يسوع المسيح في كل تفصيلات حياتهم) في أي وقت من الأوقات هم مطوبون أي لهم الغبطة و السعادة لأنهم ينطلقون ليكونوا مع المسيح ذاك أفضل جداً (في 1: 21) لكن الإشارة "منذ الأن" أي في وقت اضطهاد الوحش و النبي الكذاب لذلك يقول يستريحون من أتعابهم، أتعاب لم يكن لها نظير في كل التاريخ. و ما أروع الإعلان "وأعمالهم تتبعهم" وما الذي يسبقهم أي يفتح الطريق أمامهم للدخول إلي بيت الأب؟! ليس إلا الرب يسوع ودمه الكريم شكراً له من كل القلب. التطويب الثالث رؤ16: 15 "ها أنا آتي كلص.طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانا فيروا عورته." هذا التحريض علي القداسة العملية لمؤمني ذلك الوقت الرهيب عندما تتجمع الملوك و الشعوب بواسطة العوامل الشيطانية التي ستفاجأ في لحظة نجاحها الظاهري بظهور رب المجد (1تس 5: 2و3) ويكون العالم غارقاً في سبات عميق و ظلمة أدبية رهيبة، و حينئذ يفاجئهم الهلاك بغتة "على غير انتظار كاللص في الليل. وهذا الوجه من مجيء الرب ليس هو رجاؤنا كما انه لا يخيفنا لأننا لسنا من ليل ولا ظلمة لأنه سيأتي لنا ككوب الصبح المنير. و لذلك نجد هنا كلمة تحذير لازمة لكل وقت ولا سيما للحظة ظهور الرب. فالمؤمن الذي يسهر ويحفظ ثيابه هو مطوّب دائماً، لأنه متمتع بالشركة العميقة مع الرب و حياته في الداخل و الخارج في اثر خطوات الرب (يو12: 26 و 1بط2: 21 و عب 12: 14) بل و حياته مملوءة بمعجزات الرب "تقدسوا لان الرب يعمل غدا في وسطكم عجائب." ليست المسألة هنا الخلاص و نوال الحياة الأبدية لأن هذا أمر مقرر في كل الوحي أنه لا دخل للأعمال فيه إطلاقاً، لكن المقصود التدقيق في السلوك و ما أحوجنا أن نتنبه إلي سلوكنا لئلا ننكشف أمام الأعداء فيروا عريتنا وما سجله الوحي عن سقطات رجال الله العظام مثل داود الملك هو عظة و عبرة لنا. التطويب الرابع: رؤ 19: 9 "طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف." هؤلاء هم مؤمنو العهد القديم الذين امتلأت بهم صفحة بطولة الإيمان. لقد تمجد الله فيهم و بهم عبر العهد القديم كله قبل مجيء ربنا المعبود رئيس الإيمان و مكمله. و قد وصفهم الرسول بسحابة الشهود و هو تعبير يدل على عدد القديسين الهائل الذي لا يستطيع إنسان أن يعده أو يحصره. إن عيوننا لا تستقر على كثيرين بل واحد، شكرا لله ليس على الجيش بل على القائد، ليس على الخدام بل على السيد لأنه هو الأصل و النبع الذي منه صدر كل الإيمان (عب 12: 2) وفي رؤ 19: 9 نجد التمييز واضحا بين العروس و المدعوين للعرس. و إذا كان المدعوون مطوبين فماذا تكون العروس؟ إن المدعوين يتناولون من عشاء العرس و يفرحون، أما العروس فبركاتها من أسمى نوع و علاقتها بالعريس أوثق علاقة "العروس امرأة الخروف" و المدعوون ينطبق عليهم الوصف الذي وصف به يوحنا المعمدان نفسه "صديق العريس" (يو3: 29) التطويب الخامس: رؤ 20: 6 "مبارك (مغبوط و مطوب) ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى." أي مجيء ربنا المعبود لقيامة الراقدين و نحن الأحياء نتغير في لحظة في طرفة عين لملاقاة الرب في الهواء. و كل من له نصيب في القيامة ليس للموت الثاني سلطان عليهم. و الموت الثاني هو الطرح في بحيرة النار و هذه القيامة لها أسماء تعبر عن صفات هؤلاء المقامين. أولاً: قيامة الأبرار: لو 14: 14 (مز1: 5) أي أنهم حصلوا على بر الله بالإيمان بربنا يسوع "متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان" (رو 3: 24) ثانياً: قيامة الحياة (يو 5: 29) أي انهم حصلوا على الحياة الأبدية بالإيمان بالرب يسوع (يو 3: 36) ثالثاً: من الأموات (لو 20: 35 و مر 9: 9) أو القيامة من بين الأموات: الرب يسوع في صليبه قسم العالم إلى فريقين "فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة و أما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله."( 1كو : 18) و لكن في إقامة الراقدين سيقسم القبور إلى قسمين الأول هم أحباءه المفديين بدمه و الثاني هم غير المفديين ستظل أجسادهم في القبور إلى ما بعد الملك الألفي حيث تزول السماء و الأرض و حينئذ يقام القسم الثاني الأموات بالذنوب و الخطايا و سيُعطوا أجسادً معدة للبحيرة المتقدة بالنار و الكبريت و سيقفوا أمام العرش العظيم الأبيض للدينونة بحسب كل ما فعلوا (رؤ 20: 11) رابعاً: القيامة الأولى (رؤ 20: 6) و هي قيامة قديسي العهد القديم و العهد الجديد الراقدين و هي تسبق قيامة الأشرار بألف سنة و سبعة سنين. خامساً: القيامة الأفضل (عب 11: 35) ولا مجال للمقارنة بين القيامتين الأولى و لها كل هذه الصفات المباركة و القيامة الثانية للوقوف أمام العرش العظيم الأبيض. التطويب السادس : رؤ 22: 7 "ها أنا آتي سريعا.طوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب" هنا نسمع صوت الرب يسوع نفسه يعلن عن سرعة مجيئه و يتكرر هذا ثلاث مرات في هذا الإصحاح كل مرة بمناسبة خاصة ع 7و12و20 و في المرات الثلاث ترد كلمة سريعا، دلالة على قرب تحقيق الرجاء المبارك و في هذه المرة يقترن الإعلان بالطوبى لمن يحفظ نبوة هذا الكتاب و هكذا تتكرر في خاتمة السفر الطوبى كما جاءت في البداءة و ترد كلمة كتاب سبع مرات في هذا الفصل الختامي من السفر (ع 7 و 9و 10و 18مرتين و19 مرتين) دليلاً على كمال الكتاب فلا شيء يزاد عليه و لا شيء ينقص منه. و المقصود "يحفظ نبوة هذا الكتاب" هو اكتنازها في القلب و التمسك بها و العمل بموجبها "طوبى للكاملين طريقا السالكين في شريعة الرب. طوبى لحافظي شهاداته.من كل قلوبهم يطلبونه." (مز 119: 1و2) (انظر سباعية المزامير التي تبدأ بالتطويب و هي تحكي قصة النعمة في هذا الجزء الثاني من "درر من كلمة الله"). التطويب السابع: رؤ 22: 14 "طوبى للذين يغسلون ثيابهم ليكون لهم المؤهل إلى شجرة الحياة" (ترجمة يوحنا داربي) أولاً تطويب الذين هو لهم الألف و الياء ع 13. و كيف صار ذلك لأنهم غسُلوا بدم الحمل و هكذا صار لهم التمتع به كشجرة الحياة أي قمة الغبطة و السعادة و يُكَونون المدينة السماوية أورشليم الجديدة الذي سروره أن يكون هو وسطها. |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.