آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

  قريب على الأبواب

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

الفصل الرابع

من هم الذين يأخذهم المسيح إليه بالاختطاف؟

رأينا فيما سلف أن مجيء المسيح الثاني لأخذ قديسيه إليه هو رجاء حاضر موضوع أمامهم باستمرار، وهم يتطلعون بشوق إلى تحقيقه في أية لحظة لأنه لا يرتبط بأية علامات، ولا بأية حوادث يجب أن تسبقه.

والآن نسأل: عندما يتحقق هذا الرجاء، ويأتي المسيح لاختطاف المؤمنين، هل يخطفهم كلهم أم يخطف فريقاً منهم فقط يتصف بمميزات خاصة؟ الجواب: بكل يقين سيخطفهم كلهم. نقول هذا ونحن نعلم أن البعض - لاشك عن غيرة وحسن نية - ينادون خطأً بغير هذا، ولكن لنرجع إلى كلمة الله لنرى ماذا تقول لنا.

ونستعرض مرة أخرى بعض الفصول التي تخبرنا عن مجيء المسيح لأخذ قديسيه، ونفحص منطوقها، ومدلول عباراتها:

تسالونيكي الأولى 4

لاشك أن هذا هو أبرز الفصول في هذا الموضوع العظيم فماذا نجد فيه؟ نجد عبارتين محددتين:

1- أن «الأموات في المسيح سيقومون أولاً»؛ ليس بعضهم ولا الأموات من مؤمني العهد الجديد فقط، بل كل الأموات المؤمنين بدون تمييز.

2- «ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء». هل يوجد أصرح من هذا؟ «نحن الأحياء الباقين» «جميعاً» بلا تمييز أو مؤهلات خاصة

كورنثوس الأولى 15

هذا هو الفصل الثاني، وهو يتكلم عن القيامة ثم يتدرج منها إلى الاختطاف. والرسول في هذا الأصحاح يبني كلامه على أساس حقيقة قيامة المسيح، ويبيّن أن كل واحد سيقوم في رتبته «المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه». وهنا نلاحظ شمول عبارة «الذين للمسيح»، فعند مجيء المسيح سيُقام كل الذين له، لا جزء منهم. وبالرجوع إلى الأعداد 45-49 من هذا الأصحاح نجد أن «الذين للمسيح» هم الذين ارتبطوا به كالإنسان الثاني، آدم الأخير؛ إذ نقرأ «الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء»، فالذين في آدم هم كجنسه ترابيون من الأرض، والذين في المسيح هم كجنسه سماويون. فالمسألة مسألة «جنس» تلك الكلمة التي تتكرر عشر مرات في تك1، كل شيء «كجنسه». في هذا الضوء ما أعجب المعنى المتضمَن في عبارة «الذين للمسيح»! فعند مجيء المسيح يُقيم الذين هم له، لا بصفتهم ملكه فقط، بل بصفتهم من جنسه، لهم حياته وطبيعته، هذا هو الأساس الوحيد للتمييز.

لنأخذ لذلك مثلاً. نفرض أنه في زاوية من مصنع كومة كبيرة من البرادة المعدنية المختلفة الأنواع من مخلفات العمل. من الذي يستطيع أن يفرز برادة الصلب من بينها؟ لا يستطيع الناس بأيديهم، ولكن إذا أمررنا عليها مغنطيساً كهربياً قوياً، ففي الحال تشعر برادة الحديد بقوة الجذب فتلتصق بالمغناطيس، بينما تبقى برادة الرصاص في مكانها. ولنفرض أن بعض أجزاء برادة الرصاص لامعة برّاقة، بينما بعض أجزاء برادة الصلب قد علاها شيء من الصدأ، فهل يتغير الوضع؟ هل تقوم برادة الرصاص لأنها لامعة وتتخلف برادة الصلب التي علاها شيء من الصدأ؟ كلا البتة. لأن أساس الجاذبية هو الطبيعة والنوع وليس المظهر السطحي. أما مسألة التنظيف فلها مجال آخر سنتكلم عنه فيما بعد.

فمن 1كورنثوس23:15 نرى قيامة جميع الذين للمسيح «في مجيئه» بحكم طبيعتهم كسماويين قد اتحدوا بالإنسان الثاني «الرب من السماء». وعلى هذا القياس سيتعامل الرب مع المؤمنين الأحياء الباقين إلى مجيئه على نفس المبدأ، لا على مبدأ مضاد. فإذا كان هناك تمييز بين المؤمنين الأحياء فيكون بالمثل بين الراقدين والعكس بالعكس.

ثم نلاحظ تتابع الفكر في 1كورنثوس20:15، فنجد أن الذين للمسيح سيقامون في مجيئه. وفي ع42-44 نجد أنهم سيقامون في مجد وفي قوة، وفي أجساد روحانية عديمة فساد. وفي ع45-49 نجد أنهم سيلبسون صورة السماوي حيث أنهم قد صاروا سماويين، شركاء في حياته وطبيعته. ثم في ع51،52 يعلن لنا السر بخصوص الأحياء الباقين في القول «هوذا سر أقوله لكم. لا نرقد كلنا. ولكننا كلنا نتغير في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير. فإنه سيبوَّق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير». وهنا نجد ثلاثة أشياء هامة مبينة بكل وضوح:

1- أننا نحن الأحياء كلّنا نتغير، وليس بعض منا.

2- أننا كلنا نتغير معاً «في لحظة في طرفة عين».

3- أننا كلنا نتغير في ذات المناسبة «عند البوق الأخير»

وهذا التغيير إلى أجساد ممجدة هو لأجل اختطافنا معاً دفعة واحدة بلا تفريق. وتلك اللحظة ستكون لحظة غلبة يعطينا إياها الله «بربنا يسوع المسيح» (ع57)، ليس على أساس استحقاقنا أو أمانتنا، إنها استعراض لنعمة الرب يسوع المسيح وقوته.

أفسس25:5-27

ثم لننظر إلى الموضوع، لا من جهة المؤمنين كأفراد، بل من وجهة الجماعة، فإننا نعلم أنه بجانب امتيازات ومسئوليات المؤمن كفرد، توجد الحقيقة بأنه عضو في جماعة متحدة هي كنيسة المسيح. ورسالة أفسس بنوع خاص تكلمنا عن الكنيسة كهيكل مقدس وكمسكن الله (أف21:2،22). وأيضاً كجسد المسيح (أف22:1-23). وكعروس المسيح (أف25:5-27).

فكنيسة المسيح إذاً هي كبناء مركب معاً. وأقوى من ذلك هي جسد حال كونه «مُركَّباً معاً ومقترناً بمؤازرة كل مفصل» (أف16:4) كالجسم الإنساني الذي هو جسد واحد يجري في عروقه دم واحد، وتسيطر عليه رأس واحدة.

ثم الكنيسة هي عروس المسيح التي سيحضرها لنفسه «كنيسة مجيدة». وهذا سيتم بعد اختطافها إلى السماء وقبل ظهورها مع المسيح بالمجد، عندما نسمع القول «لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها» (رؤ7:19).

كيف يتفق هذا الحق العظيم مع فكرة الاختطاف الجزئي المنتخب؟ هل نتصور أن المسيح ينتقي الحجارة الكبيرة ويأخذها إليه، ويترك الحجارة الصغيرة مبعثرة على الأرض؟ هل نتصور أنه يأخذ الأعضاء القوية الأكثر نفعاً، ويترك الأعضاء الصغيرة مشلولة محطمة؟ هل يخطر ذلك على البال؟ وكيف يحضر الكنيسة لنفسه إذ ذاك كنيسة مجيدة كاملة؟‍

إن عروس المسيح تنتظر بشوق مجيء عريسها ككوكب الصبح المنير «والروح والعروس يقولان تعال» (رؤ17:22)، ولابد أن يحقق الرب وعده ويأتي سريعاً ليأخذها إليه في حالة الكمال. أما الذين سيتركهم للغضب والضربات فهم المعبَّر عنهم بالعذارى الجاهلات. وغني عن البيان أنهم ليسوا من الكنيسة، بل هم المسيحيون بالاسم، لأن الرب يقول للجاهلات بصريح العبارة «إني ما أعرفكن» (مت12:25) كما يقول في رؤ17:3 للمنتسبين إليه انتساباً ظاهرياً بدون حياة، الذين هم في حالة الشقاوة، والبؤس والفقر والعمى «أنا مزمع أن أتقيأك من فمي». هؤلاء هم الذين يُتركون، أما كل المسيحيين الحقيقيين فسيخطفون مع كل الراقدين المقامين ويُرون جالسين على عروشهم في السماء ممثَلين في الأربعة والعشرين شيخاً كاملي العدد غير منقوصين (رؤ4:4).

وهذا يأتي بنا إلى هذا السؤال: هل الاختطاف من أعمال نعمة الله ومرتبط بالخلاص والفداء؟ أم من أعمال المجازاة ومرتبط باستحقاق الإنسان وأمانته؟

لنرجع إلى الكتاب ونستعرض بعض الفصول التي تشير إلى الاختطاف، ونربطه بالخلاص، والفداء، والنعمة، والرحمة، وذلك بصريح العبارة.

الاختطاف مرتبط بالخلاص

واضح من إنجيل نعمة الله، أن الخاطئ ينال بالإيمان بالمسيح خلاصاً كاملاً من خطاياه ومن عقوبتها الأبدية، كقول الرب له المجد «من آمن وأعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدن» (مر16:16). وهذا الخلاص هو بالنعمة كقول الرسول «بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان» (أف5:2) وليس على أساس أي استحقاق بشري «الذي خلصنا لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة» (2تي9:1).

هذا هو خلاص نفوسنا الذي نلناه الآن فعلاً بمجرد إيماننا، ولكننا ننتظر الخلاص النهائي من كل ما هو ضد لنا في هذا العالم؛ وذلك بفداء أجسادنا عند مجيء الرب لاختطافنا. وكما أن خلاص نفوسنا هو بالنعمة كذلك خلاصنا المستقبل هو بالنعمة أيضاً، لأنه في الحقيقة خلاص واحد كامل، إذ يقول الرسول «فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا» (رو11:13)، وأيضاً «لأن الله لم يجعلنا للغضب. بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح، (1تس9:5). فالمؤمنون لا يبقون في العالم ليقع عليهم الغضب أو ليجتازوا في الضيقة العظيمة، بل ينقذون من الغضب الآتي، ويقتنون الخلاص النهائي بمجيء المسيح لاختطافهم كما هو واضح من الآيات التالية:

«لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب» (رو9:5).

«وتنتظروا ابنه من السماء... يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي» (1تس10:1).

«السماوات التي منها أيضاً ننتظر مخلِّصاً هو الرب يسوع المسيح الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده» (في20:3،21).

«أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعَد أن يُعلن في الزمان الأخير» (1بط5:1).

واضح من هذه الآيات أن اختطاف المؤمنين مرتبط بالخلاص؛ وأنه من أعمال نعمة الله الصافية.

الاختطاف مرتبط بالفداء

لنتأمل في الآيات الآتية:

«نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا» (رو23:8).

«إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده» (أف13:1،14).

«لاتحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء» (أف30:4).

إن «يوم الفداء» «فداء أجسادنا» أو «فداء المقتنى»، هو يوم مجيء الرب لاختطاف المؤمنين. لقد نلنا الآن فداء نفوسنا، ولكننا نتوقع فداء أجسادنا إذ يغيِّر الرب «شكل جسد تواضعنا لنكون على صورة جسد مجده» (في21:3)، وذلك عندما يأتي من السماء لا ديّاناً بل «مخلِّصاً».

والفداء في الكتاب مرتبط دائماً بنعمة الله ورحمته، لا باستحقاق الإنسان. فعندما يأتي الرب يسوع المسيح كمخلِّص ليفدي أجساد قديسيه، هل يمكن أن يفعل هذا على أساس استحقاقنا، بينما أعطانا فداء نفوسنا على مبدأ نعمته الغنية؟ مستحيل، لأن فداء الجسد متمِّم لفداء النفس.

والاختطاف مرتبط أيضاً بالنعمة والرحمة كما يتضح مما يأتي:

«الذي أحبنا وأعطانا عزاءً أبدياً ورجاءً صالحاً بالنعمة» (2تس16:2).

«منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية» (يه21).

ما أحقر الفكر البشري الذي ينسب أمور الله العظيمة لاستحقاق الإنسان فيشوه جمال ولمعان نعمة الله! إن المجازاة على الأمانة والخدمة لها دورها بعد الاختطاف، عند الوقوف أمام كرسي المسيح، حيث يعطي كل واحد حساباً عن نفسه، وينال«كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع» (2كو10:5)؛ وهذا يدعونا لأن نحترص «أن نكون مرضيين عنده».

إن الأساس الصحيح الذي يُبنى عليه تكريس القلب للمسيح هو «النعمة». النعمة هي الحافز على حياة التقوى، وهي القوة الدافعة لها «لأنه قد ظهرت نعمة الله ... معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر» (2تي11:2،12).

إن النعمة التي خلصتك أيها الأخ المؤمن، هي ذات النعمة التي بها ستُخطف إلى المجد لتكون مع المسيح ومثله، وهي التي تستأثر قلبك لتحيا حياة السهر والخدمة. «فتقو أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع» (2تي1:2). ولتكن النعمة بمثابة كعكة الرضف وكوز الماء، بهما تتشدد كإيليا في مسافة السفر التي أمامك (1مل6:19-8).

ولكن إذا لم يستفد المؤمن من وسائط النعمة، وتساهل في عيشته وتغافل عن انتظار سيده، فماذا يعمل الرب معه؟ لاشك أنه كراعي الخراف العظيم لابد أن يرد نفسه ويهديه إلى سبل البر من أجل اسمه. ومن وسائل رد النفس التأديب كما يقول الرسول «لأنه لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكِم علينا ولكن إذ قد حُكِم علينا نؤدّب من الرب لكي لا نُدان مع العالم» (1كو31:11،32).

كما أن الآب السماوي له معاملات خاصة مع أولاده «فأي ابن لا يؤدبه أبوه»، إلا أن تأديب الآب لأولاده شيء، وانصباب غضبه على العالم شيء آخر. والرسول بطرس أيضاً يوضح هذا التمييز في قوله «لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أولاً منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله» (1بط17:4)، ونهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله يوضحها الرسول بولس في قوله «الذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح... سيعاقَبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته متى جاء ليتمجد في قديسيه، (2تس8:1-10)، وهذا سيتم عند ظهور الرب أو استعلانه من السماء في نهاية الضيقة العظيمة. فالمؤمنون يُؤدّبون هنا قبل مجيء الرب ولكنهم يُنقذون من الغضب الآتي على العالم.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.