لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

المعمــودية والأطـفال

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الفصــل التاسع

 

المعمــودية والأطـفال

 

خلال كل ما سبق يتضح لنا أنه يجب على المُعمَّد أن يكون مدركاً لما يفعله، وإلا فما هى قيمة المعمودية بالنسبة له؟ ثم من قول الرب فى (مر16:16) "من آمن واعتمد خَلَصَ"، يتضح أن المعمودية مرتبطة بالإيمان وتتم بعده، وهذا يجعل ممارسة المعمودية قاصرة على البالغين المدركين فقط، لذلك يُذكر عن النهضة التى استخدم الرب فيها فيلبس المبشر في السامرة أنها كانت سبب فرح عظيم فى تلك المدينة، أي أن المدينة كلها فرحت "لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم. وكثيرون من المفلوجين والعرج شفوا" (أع 8,7:8)، أما بالنسبة للمعمودية، لم تكن لكل المدينة بل يقول "ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالا ونساء" (أع 12:8). لاحـظ القول "صدقوا فيلبس وهو يبشر.. اعتمدوا رجالا ونساء". وهنا نسأل: من الذي يستطيع أن يصدق أو أن لا يصدق، سوى المُدْرِك، الأمر الذي لا يتوافر في الطفل. مع ملاحظة أنه لم يرد ذكر معمودية الأطفال فى كل الكتاب المقدس بصورة مباشرة، ولم يُر لها أي أثر في الكنيسة الأولى إلا بعد الجيل الثاني، الأمر الذي لجأت إليه الكنيسة، عندما اعتقدت خطأ أن الأطفال هالكون بسبب الخطية الأصلية والتي لا تخلص منها النفس إلا بالمعمودية، حسب زعمهم. وآخرون يرون أن معمودية الأطفال ضرورية بالرغم من أنهم يؤمنون ويقرون أن المعمودية لا تخلص الإنسان خلاصاً أبديا لا من سيادة الخطية والشيطان ولا من النار الأبدية، بانين فكرهم هذا على أنه لا بد أن يكون هناك أطفال فى العائلات التى اعتمد أفرادها على أيدى الرسل مثل بيت سجان فيلبى وآخرين، وأطلقوا عليها معمودية أهل البيت، غير أنه لا يوجد ما يثبت قولهم، بل على العكس. فكما رأينا في (أع 12:8)، يقدم لنا الكتاب المقدس تمييزاً واضحاً لشخصية وطبيعة المعمَّدين، ويصفهم بأنهم كانوا رجالاً ونساءً. ويقول الرسول بطرس عن المعمودية أنها "سؤال ضمير صالح عن الله" (1بط21:3). والجواب على سؤال الضمير الصالح يتطلب إدراكاً وإيماناً، وهذا غير متوفر فى الأطفال، إذاً ففَهْم معنى المعمودية يتطلب أناساً مدركين، لا أطفالاً تحت سن الإدراك، وإن صـح لنا أن نعمد الأطفال مثل الكبار ظانين أن هذا امتياز، فلماذا لا نشركهم في بقية الامتيازات والوصايا، مثل كسر الخبز؟! وإليك بعض الأمور التي تحتاج منا وقفة مع أنفسنا:

[1] لم يعمد يوحنا المعمدان أطفالا على الإطلاق، مع أن معموديته كان الغرض منها إعداد تلاميذ للملكوت، وكانت بشارته "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات". وإن كان الملكوت دائرة امتياز يتم الانضمام إليه بالمعمودية، فلماذا لم يسمح يوحنا للأطفال بالمعمودية منه؟ والرسل الذين ارتبطوا بالرب، البعض منهم بدأوا يعمِّدون بعد ارتباطهم بالرب مباشرة، ومارسوا ببساطة نفس الطريقة التي اتبعها يوحنا المعمدان ( يو 22:3و26 ، 4: 1-2)، ولم يذكر عنهم أيضا أنهم عمدوا أطفالا. لقد خرج إلى يوحنا المعمدان أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن واعتمدوا منه في مياه الأردن، معترفين بخطاياهم ( مت3: 5-6). ولنلاحظ القول "خرج إليه"، والقـول "معترفين بخطاياهم".. هذه التعبيرات تستبعد وجود أطفال. في ذات يوم أحضرت الأمهات أطفالهن للرب يسوع فانتهرهم التلاميذ، فهل كان من الممكن أن يفعل التلاميذ ذلك لو كانوا يعمدون الأطفال؟ مع ملاحظة أن الرب قبَّلهم وباركهم وهم غير معتمدين، كما أنه قال: "دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات". لم يقل عمِّدوهم ليكون لهم ملكوت السماوات، أو عمِّدوهم لأن المعمودية هي بوابة الملكوت!! بل قال: "لمثل هؤلاء ملكوت السماوات"، مع أنهم غير معتمدين ولم يأمر الرب بعمادهم (مت13:19-15). إذاً فالشخص المدرك يجب أن يعترف بخطاياه تائباً ومؤمناً، ثم يعتمد ليكون تلميذاً في دائرة الملكوت، والطفل من غير أن يعتمد هو (كما قال الرب) له ملكوت السماوات، سواء كان والديه مؤمنين أو غير مؤمنين، مسيحيين أو غير مسيحيين، فالمعمودية مرتبطة بالاعتراف بالخطايا (مت6:3)، وهذا ما لا يمكن أن يفعله الأطفال لأنه ليست لهم بعد خطايا فعلية يعترفوا بها أو يتركوها.

[2] في سفر الأعمال (37:2-41) لم يذكر معمودية ولو لطفل واحد قام بها التلاميذ يوم الخمسين، بل يذكر أن عدد الذين اعتمدوا ثلاثة آلاف نفس، هؤلاء جميعاً قبلوا الكلمة بفرح (ع41). إن قلنا أن الرسول بطرس أعطيت له مفاتيح ملكوت السماوات ففتح الباب الأول لليهود للدخول في هذه الدائرة التي تعتبر امتيازا من خلال المعمودية، فإني أتساءل: إن ما تم قد حدث في مناسبة عظيمة وهي يوم الخمسين، وهو محفل مقدس، ومن المؤكد كان هناك أطفال مع آبائهم. فلماذا لا يُذكر أن الأطفال اعتمدوا مع والديهم ليدخلوا دائرة الملكوت على مسئولية آبائهم؟ هل أخفى الروح القدس عنا وجود أطفال في هذه المناسبة مع أنه يذكر في معجزة إشباع الجموع بالخمسة أرغفة الشعير والسمكتين، أن الذين شبعوا كان عددهم خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال؟ ثم لماذا ترك الآباء أولادهم خلفهم ولم يُدخلوهم بالمعمودية إلى دائرة الامتياز التي هي ملكوت السماوات؟ وإن صحَّ ما ذكره أحدهم: "أن التعميد والتعليم هي المكنى عنها بمفاتيح ملكوت السماوات" (مت19:16)، فها بطرس الذي أعطيت له هذه المفاتيح، لماذا لا ذكر عنه أنه عمَّد ولو طفلاً واحداً ليُدخله إلى دائرة الملكوت؟ بل على العكس يذكر عن الذين اعتمدوا أنهم نُخسوا في قلوبهم، وسألوا وواظبوا على التعليم فهم إذا مدركين.

في الدائرة الأولى (دائرة اليهودية) (أع42,41:2)، لا ترى فيها طفلا واحدا قد اعتمد وفى الدائرة الثانية (دائرة السامرة) (أع 12:8)، اعتمدوا رجالاً ونساءً فقط دون الأطفال وفى الدائرة الثالثة (دائرة الأمم أقصى الأرض) (أع 47,43:10)، يذكر عن كرنيليوس بعد أن أرسل واستدعى الرسول بطرس، أنه قد دعا أنسبائه وأصدقائه الأقربين، ولما وصل بطرس الرسول إلى بيته قال لكرنيليوس: "أستخبركم: لأي سبب استدعيتموني؟" (أع 29,24:10). عندئذ قال له كرنيليوس عما رآه، وما قيل له من ملاك الله، ثم قال: "..والآن نحن جميعا حاضرون أمام الله لنسمع جميع ما أمرك به الله" (أع 30:10-33). وكانت نتيجة كرازة الرسول بطرس - والتي انتهت بالقول "أن كل من يؤمن به {بيسوع} ينال باسمه غفران الخطايا (ع43) - أن السامعين قد آمنوا وحل الروح القدس عليهم، الأمر الذي لا يعطى لنا مجالاً لأن نقول أنه كان هناك ولو طفل واحد. ونتيجة هذا الإيمان قال الرسول بطرس: "أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا؟ وأمر أن يعتمدوا باسم الـرب" (أع44:10 48). ومن هنا نسأل: لماذا لا يرد ذكر معمودية طفل واحد في هذه الدوائر الثلاث؟ وإن كنا نسمى المعمودية "فتح الأبواب للدخول في دائرة الملكوت" واستخدم الروح القدس كما رأينا من سُلِّمت له مفاتيح ملكوت السماوات (بطرس الرسول) في الأحداث الثلاثة، فلماذا لم يدخل الأطفال مـــع والديهم إلى هذه الدائرة بالمعمودية؟ ولماذا لم يحدد في الحادثة الأخيرة في بيت كرنيليوس نوعيه الذين اعتمدوا بالقول وقبلوا الروح القدس، وكأنه اغلق على الأطفال خارج الدائرة؟ إن كرنيليوس قبل أن يذهب بطرس إلى بيته كانت له صفات رائعة مذكورة في هذا الأصحاح، فإن كانت المعمودية تُدخل الأطفال إلى دائرة الامتياز بناءً على إيمان ومسئولية والديهم فإن كرنيليوس يكون له الأولوية في ذلك، لاسيما وهو الرجل التقى والخائف الله بحسب شهادة الروح القدس. كما أنه، بعد أن قبل الإيمان، اعتمد بالروح القدس، فلماذا لا يُذكر أن أطفالا، على حساب إيمانه، اعتمدوا ليدخلوا دائرة الامتياز والأمان والرضى؟ نعم لقد سبق الرب وقالها "لمثل هؤلاء ملكوت السماوات". إن تقدير الرب للأطفال واضح جداً في بشارة متى (ص18)، حتى انه يربط الأولاد به إذ يقول "ومن قَبِلَ ولداً واحداً مثل هذا باسمي فقد قَبِلَني" (مت5:18). ثم يربطهم بالآب فيقول: "هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم.. أن يهلك أحد هؤلاء الصغار" (مت14:18). وفى (ص19) يُقبِّلهم ويباركهم ويصرح بأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات (مت13:19-15). هل تكون بعد ذلك ضرورة لمعموديتهم؟!

[3] إن كانت التلمذة تتم بأمرين هما المعمودية ثم التعليم، ونحن نعلم كتابياً أن التعليم لا يأتي إلا بعد الإيمان - أو بمعنى آخر بعد خدمه الكرازة - فأين دور التبشير والكرازة إن كانت التلمذة تتم بالعماد ثم التعليم؟ هل يصح، لكي ندعم مسألة اجتهادية، أن نلغي حقاً واضحاً، مدلوله: "كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟"(رو14:10)، "إذا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رو17:10)؟ وما معنى أن نقول أن المعمودية تُدخل الطفل في دائرة الملكوت، دائرة امتياز؟ إن كان الأمر هكذا، فما هي الدروس التي يتعلمها الطفل في هذه الدائرة وهو بعد طفل لا يدرك؟

[4] هناك بعض التساؤلات تجول في الذهن: أولها: من هو المسيحي؟ وكيف يصبح الإنسان مسيحيا؟ ولماذا أنا مسيحي؟ وهل الإيمان يورث من الأباء؟ وهل من الممكن للآباء أن يحفظوا أطفالهم حتى يكبروا ويصلوا إلى سن الإدراك ويؤمنوا؟ وهل المعمودية لها دور في نوال بركات الله؟ ثم كيف أرضي الله بل وكيف أكون في دائرة الرضى؟ ما هو الإيمان وكيف أحصل عليه؟ ألم تخبرنا كلمة الله أن الذين دُعوا مسيحيون هم مؤمنون وتلاميذ للمسيح ( أع 26:11)؟ إذن فليس كل من انتسب إلى المسيح اسماً هو مسيحي حقيقي، بل كل من حل المسيح بالإيمان في قلبه، هذا الإيمان لا ولم ولن يورث من الأباء حتى ولو كانوا مؤمنين، يمكن للآباء تربية وتهذيب وتأديب الأبناء في تعليم الرب وإنذاره، لكن لا يمكن أن يهبوا أبناءهم الإيمان لأنه عطية الله (أف 8:2). والكتاب يذكر "..لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). فالأمر مسؤولية شخصية، وسيعطي الإنسان حساباً عنه. يمكن للآباء أن يصلّوا لأجل أولادهم، وأن يوضحوا لهم طريق الخلاص، لكن الخلاص نفسه يمنحه الرب وحده. كم من آباء خدام للرب كانوا آباء روحيين لكثيرين، لكن أولادهم كانوا في منتهى الشر، مع أنهم ربما قاموا بتعميدهم وهم أطفالاً. فما هو إذاً تأثير المعمودية عليهم؟ وما هي البركات التي حصلوا عليها من وراء ذلك؟ بل أقول العكس وهذا من واقع الخدمة والاختبار، كم من آباء لا يعرفون شيئاً عن الرب وغير مختبرين لحياة الإيمان، لكن تعامل الرب مع أولادهم وصارت لهم شهادة حية وخدمة مبار‍كة!! أين دور الآباء في مثل هذه الحالات؟ أنا لا أقلل من مسؤولية الآباء في تربية وخدمة أولادهم، لكن أتكلم من حيث المبدأ.

قرأت رأياً يقول: "هناك فصول كتابية تقرر بأنه قد حدثت معمودية لأهل البيت، وأن هذه المعمودية كانت مبنية على إيمان رأس العائلة ليس إلا.." ثم يقول معلقاً: "إن المعمودية هي سؤال ضمير صالح.." (1بط21:3)، وإن كان الطفل لا يقدر أن يعي ذلك، فالطلب قد تم بالفعل من أبوي الطفل ونيابة عنه..". وهل هذا يتفق مع فكر الكتاب المقدس، وهل هناك نيابة سماوية ونيابة أرضية؟ المسيح النائب عنا أمام الله لأنه دفع الثمن على الصليب، والأب رأس العائلة نائب عن طفله أمام من يا ترى؟ ثم بأي وجه حق؟ وهل ضمير الأب ينوب عن ضمير طفل لم يدرك شيئا لا عن الله ولا عن المسيح وعمله الكفاري؟ ثم لو كان هذا يصلح من أب مؤمن (هذا على سبيل الفرض)، فماذا عن الآباء - وما أكثرهم، حتى في داخل دائرة الاعتراف المسيحي - بعيدين كل البعد عن الله ولا يعرفون شيئا؟ وإن جعلنا هذا الكلام مشروطا بإيمان رأس العائلة فما هو ذنب الأطفال الذين وُلدوا في عائلات مسيحية أو غير مسيحية لا تربطهم علاقة بالمسيح؟ وماذا عن آلاف الأطفال غير الشرعيين في هذا العصر في دول العالم الخارجي، من سيكون نائبا عنهم لتعميدهم ليدخلوا دائرة الرضى والبركة والملكوت؟ ولقد قرأت تعليقا على قول الرسول بولس "أيها الأباء.. ربوهم بتأديب الرب وإنذاره" (أف4:6)، جاء فيه: "ليكن هناك فارق بين أولادكم وأولاد العالم. لكن لاحظ أنه لا يقول ربوهم بتأديب المسيح لأن لقب المسيح يأخذ فكرنا إلى الدائرة الأضيق، أعنى دائرة الإيمان الحقيقي والارتباط بالرأس الممجد في السماء. إنه اللقب الذي يرتبط بالأكثر مع الكنيسة، أما لقب الرب فهو مرتبط مع الدائرة الأوسع أعنى دائرة الملكوت. إذاً فالقول: ربوهم بتأديب الرب وإنذاره يعنى: ربوهم بما يتناسب مع كونهم في دائرة الملكوت التي دخلوا إليها بالمعمودية، نعم تلمذوهم للرب وعلموهم الولاء والخضوع له".

وأنا بدوري أسال في ضوء ما هو مكتوب في كلمة الله: "إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت .. لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص" (رو9:10، 13)، والقـول الذي قيل للسجان في فيلبى: "آمن بالرب يسوع فتخلص" (أع 31:16)، ثم القول: "وليس أحد يقدر أن يقول: يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو 3:12)، والقول: "وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة [وليس إلى الملكوت] الذين يخلصون" (أع 2: 47)، "وكان مؤمنون ينضمون للرب أكثر، جماهير من رجال ونساء" (أع 14:5)، والقول: "انتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة، ثم صليا بأصوام واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به" (أع 23:14)، وغيرها من الآيات التي تعلن أن الكنيسة منضمة وخاضعة لمن يسود عليها وهو الرب، فلماذا نفرق بين ارتباط الرب والمسيح بالكنيسة، قائلين إن لقب الرب مرتبط بالدائرة الأوسع وأما لقب المسيح فهو مرتبط بالكنيسة؟ ولماذا سُمي العشاء الرباني بعشاء الرب - ونحن نعلم أن الذين يصنعون الذكرى جميعهم مؤمنون - ولم يُسَمَّ بعشاء المسيح (1كو 22:11)؟ وهل من المعقول أننا بالمعمودية يمكننا أن نُدخل أولادنا بالفعل إلى دائرة سيادة الرب وسلطانه (دائرة الملكوت)؟ لقد قال الرب لشعبه قديماً: "..وإن كنت سيداً، فأين هيبتي؟ قال لكم رب الجنود" (ملا6:1). وهل يسود الرب ولا تكون له هيبة؟ ثم ما تكلم به الرسول بولس سواء للمؤمنين في مدينة أفسس أو للمؤمنين في مدينة كولوسى (أف 1:6،4) ، (كو 20:3)، القصد منه إظهار مسئولية الآباء نحو أولادهم، لتربيتهم بتأديبه وتعليمه وإنذاره، لم يتكلم نهائيا عن المعمودية، ولا مناسبة لذلك، فلماذا نحن نتكهن من أنفسنا ونربط ذلك بمعموديتهم كأطفال؟!

لقد سبق أن أشرت إلى أن المعمودية أمر اختياري يقرره المؤمن عندما يؤمن، كسجان فليبي، والخصي الحبشي وسواهم، فكيف تتم معمودية إجبارية لطفل؟ لو كان راضيا على الوضع لفرح وتهلل عند معموديته، لكن في غمره في الماء يصرخ وفى خروجه من الماء يصرُخ، وكأنه غير راضٍ على ما يُفعل له! لكن الخصي الحبشي بعد أن اعتمد، مضى في طريقه فرحاً (أع 8: 39). ثم دعني أسأل: ما هي الفائدة التي تعود على الطفل من انتسابه للملكوت، وهو لم يولد بعد من الله؟ لو قلنا أن الطفل دخل بالمعمودية دائرة ملكوت السماوات، تُرى ماذا يكون في الدائرة: حنطة أم زوان؟ من السمك الجيد أم من السمك الرديء؟ عبد شرير أم عبد أمين؟ من الحكيمات أم من الجاهلات؟ أليست هذه هي فئات ملكوت السماوات الحالية على الأرض (مت 13: 24-30)، (47-50)، (23:18-34)، (1:25-12)؟ من يا ترى يحدد وضعه الحقيقي ويظهر الانتساب الصحيح للمسيح غير الإيمان الذي يجعله فعلا متمتعا بهذا الامتياز والوضع الجديد، وواحدا من عائلة الله المحبوبة والغالية على قلبه، ومن خراف المسيح. لقد انتهي انتساب المؤمن للعالم، وأصبح للمسيح "..هم في العالم.. والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم، كما أنى أنا لست من العالم" ( يو11:17و14).

إن كانت المعمودية تنقل الطفل إلى دائرة الأمان، وتنهى الانتساب إلى هذا العالم الواقع تحت غضب الله، فما هو الداعي للإيمان؟ بل ويمكننا أن نقول أن كل من يُدعون مسيحيون لأنهم اعتمدوا لا خوف عليهم من الغضب الآتي على العالم. وأين نذهب من القول "..والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) والقول "ومن لم يؤمن يُدَن" (مر 16:16)؟ إن نوح لم يخلص من الطوفان إلا بدخوله الفلك هو وبيته، وسر هلاك العالم في أيامه هو أنه كان خارج الفلك. والماء الذي أهلك العالم هو الذي خلص نوح الذي في الفلك من العالم ، فدائرة الأمان هي في المسيح فلك نجاتنا "إذاً لاشيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع" (رو 1:8). والمعمودية أخرجتنا بل وأعلنت خلاصنا من الانتساب لهذا العالم الحاضر الشرير والواقع تحت غضب الله.

ثم أي رضى يأتي من الله على الإنسان بدون إيمان، بينما يصرِّح الله في كلمته بالقول: "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" لذلك يقول عن أخنوخ: "بالإيمان نُقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقله. إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله" (عب 5:11-6)؟ هل لكوني اعتمدت بمعمودية الماء وأنا طفل يعلن الله رضاه علىّ؟ وما هي دائرة الرضى هذه بينما يقول الرب: "لأنه من يجدني يجد الحياة، وينال رضىً من الرب" (أم35:8). كما أنه لا يمكن الحصول على كل بركات الله إلا بالإيمان بالمسيح ، وليس بشيء آخر، فمثلاً الروح القدس أحصل عليه بالإيمان (يو 38:7-39) ،(أف1 : 13-14). والتبرير أحصل عليه بالإيمان (رو1:5). والغفران كذلك (أع 43:10). والبنوة أيضاً (يو12:1).. الخ. الله باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح (أف 3:1)، ولا يمكن التمتع بها إلا عن طريق الإيمان بالمسيح يسوع.

[5]: لا توجد معمودية واحدة تمّت لطفل واحد في العهد الجديد، وكل الذين اعتمدوا مع أهل البيت تؤكد القرينة في كلمة الله إيمانهم بالمسيح. وسنتحدث عن ذلك فيما بعد (أع 41:10-48 ، 14:16و15و40 ، 32:16-34) الخ.

[6] لماذا لم تحفظ المعمودية التي أدخلت أناساً في طفولتهم إلى دائرة الامتياز من تركهم للمسيحية وهجرها بثمن رخيص؟!

[7] الطفل هو الشخص الذي لم يبلغ سن التمييز في المسائل الأدبية، وهو لا يتحمل أية مسؤولية إرادية تستحق حكم الشريعة عليه بالدينونة والقصاص، لذلك لم يوجد في كل الكتاب المقدس أية إشارة تفيد أنه يوجد أطفالاً هلكوا بسبب عدم معموديتهم، وذلك لأن فداء المسيح شامل لكل البشر. والأطفال أيضاً يتمتعون بالخلاص على حساب ذبيحة المسيح، دون حاجتهم لأية ممارسه من أي نوع. فكما ناب آدم عن الجميع هكذا المسيح أيضاً (رو 18:5 -21).

[8] يُذكر في الكتاب المقدس أن الأطفال بركه معطاة من الرب ( أم 6:17 ، مز 4:128)، وكذلك عشرات التحريضات لتربيتهم و الاهتمام بهم، ويُذكر أيضاً ما للطفل من مكانة لدى الله، واهتمام الله به بسبب ضعفه ( خر 21:2223 )، ويذكر عن سروره بحمدهم وتسبيحهم له (مز2:8). غير أن الوحي لم يذكر أنهم مطالبون بممارسات من أي نوع أو فرائض محدده ليدخلوا ملكوت السماوات (مت 4:19 ، 3:18). ولذلك لا يوجد نص واحد مباشر أو صريح في تعاليم الرب أو في الرسائل أو في سفر الأعمال يحث على معمودية الأطفال، في الوقت الذي فيه اشتمل الحديث على المعمودية وأهميتها في أسفار العهد الجديد على عشرات التفاصيل الدقيقة التي ذُكرت قبلاً. والنصوص التي يستخدمها مؤيدو فكرة معمودية الأطفال كلها وبلا استثناء إستنتاجية، لم يذكر فيها صراحةً كلمة الأطفال.

وإن قيل أن "رجل الله هو شخص يعرف فكر الرب، ويتصرف بموجبه في المسائل التي لا يوجد بشأنها نصاً صريحاً، وذلك لأنه يحفظ كلامه وليس فقط يحفظ وصاياه؛ أقول إن هذا صحيح في حالة عدم وجود حق واضح وصريح، فما قد أُعلن وكُتب لنا بخصوص المعمودية كاف لأن يجعلنا لا نتكهن ولا نستخدم استنتاجات أو تطبيقات من العهد القديم لا تعطى المعنى المطلوب.

[9] في سفر العدد نقرأ عن الحيات المحرقة التي كانت تلدغ الشعب بسبب تذمرهم على الرب وعلى موسى، وطريق الله للإحياء من خلال الحية النحاسية المعلقة على الراية (عد6:21-9). هل من الممكن أن أب ينوب عن ابنه بأن ينظر إلى الحية النحاسية إذا لدغت ابنه فيحيا؟ من الأكيد أنه لا يمكن أن يكون هذا، لأن الرب قال: "..متى لدغت حيه إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا".. فالشخص الذي لُدغ كان لابد أن ينظر بنفسه إلى الحية النحاسية ليحيا، وهذا ما قاله الرب يسوع لنيقوديموس: "و كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 14:3-15).

[10] إننا لا نقدر أن نقول أن الطفل قد اعتمد {الكلمة التي استخدمت عن الذين اعتمدوا في كلمة الله}، بل نستطيع أن نقول عُمِّدَ، لأنه عُمل له شيء هو لم يطلبه ولا يعيه. هذا ومن جانب آخر، إذا ما كبر ورفض الإيمان فماذا تنفعه المعمودية؟ وإن كانت المعمودية لا تنفعه ما لم يؤمن عندما يكبر، فلماذا إذاً لا ننتظر حتى يكبر ويؤمن وبعدها يعتمد؟!

[11] من النتائج المحـزنة لمعمودية الأطفال، وبخاصة بين الذين يعتقدون أن الولادة الثانية تتم بالمعمودية، أنها تقف عقبة في طريق الكرازة بالإنجيل. فبمجرد أن نتكلم عن الولادة الجديدة والحصول عليها بالإيمان بالمسيح، يكون رد فعل الشخص - على الفور وبنوع من الحماس المصحوب بالتعصب العقائدي - بأنه قد وُلِدَ بالمعمودية، رغم وضوح الحق الكتابي بخصوص هذا الأمر. أي مكان يبقى بعد ذلك للكرازة بالإنجيل الصحيح لأناس شَبُّوا في هذا التعليم؟

إن الشيطان يسعى جاهداً لإضعاف تأثير الإنجيل في النفوس وذلك بإغراقه الناس في طمأنينة كاذبة، واهماً إياهم أنهم قد وُلدوا ولادةً ثانيه بالمعمودية، وإذا سألت عن يقينية الخلاص لديهم، ستسمع منهم إجابات مدهشة؛ فأحدهم يقول: من الكبرياء أن نناقش مثل هذا الموضوع، وآخر يقول: أنى لم أولد في بيت غير مسيحي، وآخر يقول: أرجو ذلك، وآخر يقول: أنا تعمدت بمعمودية الماء.. وهكذا الكثير من الإجابات.. لكن أين اليقين؟ لا تجد، لأنه لا يحصل عليه الإنسان إلا بالإيمان الحقيقي.

[12] يستند البعض في معمودية الأطفال، على القول الذي تكلم به بطرس في سفر الأعمال يوم الخمسين، عندما قال: "لأن الموعد هو لكم و لأولادكم". ونحن نعلم أننا لا يمكننا أن نبني تعليماً على نصف آية، بل يجب أن نوضحها في ضوء ما قبلها، وقرينتها في كل الكتاب. لذلك نحتاج أن نسأل: ما هو الموعد الذي يُعطى لهؤلاء التائبين ولأولادهم ولكل الذين على بعد؟ هل يا ترى المقصود بالموعد هو المعمودية؟ بالطبع تفسير مثل هذا غير مقبول. إذا قرأنا الأعداد من (أع37-41) فسوف نلاحظ أن الذين سمعوا كلام الكرازة نخسوا في قلوبهم وسألوا بطرس وسائر الرسل قائلين: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟"، فكان جواب بطرس لهم: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد، كل من يدعوه الرب إلهنا".

  • الكلمة الأولى: "توبوا"، وهذا ما يأمر به الرب: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا " ( أع30:17). ويجب أن "يطاع الله أكثر من الناس" (أع29:5).

  • الكلمة الثانية: " ليعتمد"، وهي تتلو التوبة مباشرة، "وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا": فالذي أطاع الأولى "التوبة"، لابد له أن يطيع الثانية "المعمودية". هذا ما يطابق أقوال الرب يسوع: "من آمن واعتمد خلص".. من هنا يتضح لنا أن أقوال بطرس السابقة للسائلين، ليست وعداً، ولكنها - إذا شئت أن نسميها - أمر من الرب، قيل على فم الرسول بطرس بالروح القدس، وإن لم تشأ، فلنقل أنها نصيحة وإرشاد، وهذا ما لا يمكن أن يكون موعداً أو وعداً.

  • الكلمة الثالثة: "فتقبلوا".. "فتقبلوا عطية الروح القدس، لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا". لو رجعنا إلى أقوال الرب يسوع في إنجيل لوقا بعد القيامة، لقرأنا: "وها أنا أرسل إليكم موعد أبي. فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو 49:24)، وذلك "..لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطىَ بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد" ( يو 39:7)، ولذلك قال لتلاميذه قبل الصليب: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر يمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" ( يو 16:14-17). ويقول كاتب سفر الأعمال عن الرب يسوع بعد قيامته: "..الرسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضاً نفسه حياً ببراهين كثيرة" ( أع 3:1 )، "وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا (موعد الآب الذي سمعتموه منى، لأن يوحنا عمدّ بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير)" ( أع 4:1 )، وهذا ما تم بالفعل.. فلقد انسكب الروح القدس على الرسل والتلاميذ، ثم أعلن للسامعين بعد ذلك أن هذا الموعد هو لهم ( أي لليهود) إذا تابوا واعتمدوا، وعلى نفس القياس أولادهم من بعدهم إذا سلكوا في نفس الطريق "التوبة ثم المعمودية؛ وأيضاً الذين هم على بُعد (الأمم) كل من يدعوه الرب إلهنا. ومن هنا يأتي السؤال: إن كان المقصود بالموعد هو الروح القدس الذي أرسله الآب، فما هي الكيفية التي يمكن عن طريقها الحصول على الروح القدس، هل هي المعمودية؟ وإن كان الجواب بنعم، فماذا نقول عن الذين قبلوا الروح القدس بعد أن آمنوا وغُفرت خطاياهم ثم بعد ذلك اعتمدوا، وأنا أعنى بهم كرنيليوس ومن معه ( أع 43:10-48)؟ وإن كان جوابنا هو الإيمان بالمسيح، كما يقول الرسول بولس "الذي فيه أيضاً أنتم، إذ سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربون ميراثنا، لفداء المقتنى، لمدح مجده" (أف 13:1-14 ). وهذا ما يطابق قول الرب يسوع: "من آمن بي، كما قال الكتاب، تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" ( يو 38:7-39). فلماذا نطبق الكلام عن "الموعد هو لكم ولأولادكم" على المعمودية ؟!

&واضح أنه ليس في هذه الآية ما يدعم فكرة معمودية الأطفال، فالترتيب الإلهي الواضح في هذه الأعداد هو سماع الإنجيل، فالتوبة، فالمعمودية. وإن كان الموعد هو غفران الخطايا وعطية الروح القدس لا المعمودية، فهذا الوعد هو لهم وللأجيال اللاحقة وحتى إلى الأمم، الذين وإن كانوا "بعيدين" بالطبيعة يمكنهم بالإيمان والتوبة أن يصيروا "قريبين" بدم المسيح الثمين ( أف 13:2 ). مع ملاحظة أنه يقول: "كل من يدعوه الرب إلهنا" بعد أن يقول: "الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بُعد"، أي أن الموعد هو لكل من يدعوه الرب من هؤلاء، وكل من يدعوه الرب من الأجيال التي بعدهم، وحتى الذين يدعوهم الرب من الأمم. وواضح أن الدعوة تقدم للكبار المدركين وليس للأطفال الغير مبالين.

[13] يستند مؤيدو معمودية الأطفال على ما جاء في (ا كو 14:7) "لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة، والمرأة الغير مؤمنة مقدسة في الرجل. وإلا فأولادهم نجسون، وأما الآن فهم مقدسون". إن القضية التي كتب عنها الرسول بولس هنا، ليست عن الخلاص أو المعمودية، ولم يتعرض لهذه القضايا نهائياً في هذا الأصحاح، لكن الحديث هنا هو عن الزواج وشرعيته، وواجب كلاً من الزوجين تجاه الآخر في كل شئ ليكونا على موافقة (1 كو 2:7-5). لذلك يكتب للمتزوجين وصية الرب لهم أن لا تفارق المرأة رجلها ولا أن يترك الرجل امرأته ( ا كو 10:7-11). ثم يكتب للأخ المرتبط بزوجة غير مؤمنة، والعكس أيضا؛ إذا ارتضى الطرف غير المؤمن أن يسكن مع المؤمن فلا يتركه "لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة والمرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل وإلا فأولادكم نجسون، وأما الآن فهم مقدسون". ثم يقول: "ولكن إن فارق غير المؤمن، فليفارق. ليس الأخ أو الأخت مستعبداً في هذه الأحوال، ولكن الله دعانا في السلام. لأنه كيف تعلمين أيتها المرأة، هل تخلصين الرجل؟ أو كيف تعلم أيها الرجل، هل تخلص المرأة؟" (اكو 12:7-16). وهنا في هذه الأعداد نرى الحديث عن الموقف الذي يجب أن يكون، في حالة قبول أحد الطرفين لشخص المسيح بالإيمان، بينما الطرف الآخر لم يقبله. هل في هذه الحالة تستمر العلاقة الزوجية بينهما أم لا؟ لذلك، في جوابه، يصف الشريك غير المؤمن بأنه "مقدس" والأولاد "مقدسون" بسبب الشريك المؤمن، لكن لنلاحظ - رغما عن ذلك - انه يقول عن الزوج تعبير "غير مؤمن"، رغم انه يقول عنه "مقدس". من هنا يتضح أن الكلام ليس عن قداستنا كمؤمنين من خلال المسيح وعمله الكفاري، والذي جاء عنه في الرسالة إلى العبرانيين "بهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" (عب10:10)، لكنه يتكلم عن قدسيه الزواج وموافقة الله عليه، لقد قال للعبرانيين: "ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد، والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله" ( عب4:13 ). ولكون المضجع في الزواج غير نجس، فتكون النتيجة أن أولادهم - من حيث الشرعية - "مقدسون". إني أرى أن الحديث هنا لا دخل للمعمودية فيه نهائياً، ولا يصعب على الرسول أن يتكلم عن المعمودية موضحاً ذلك لو كان لها لزوم، ولا سيما في هذا الجزء الذي يقول فيه: "وأما الباقون، فأقول لهم أنا، لا الرب..". كما أرجو أن نلاحظ أنه لا تفريق بين البعض والبعض الآخر من هؤلاء الأولاد المولودين في عائله فيها زواج مختلط، كلهم "مقدسون" بغض النظر عن ولادتهم قبل أو بعد تجديد الأب أو الأم. فكلمه "مقدسون" لاتعنى أنهم يختلفون عن الآخرين بالطبيعة أو أنهم لا يحتاجون إلى الولادة الجديدة بكلمه الله وعمل الروح القدس، بل مثلهم مثل أي شخص آخر ولو وثنى في كورنثوس، فهي تعنى الشرعية.

ومن جانب آخر، إذا كانت المعمودية تقدس الأطفال المولودين من أبوين أحدهما مؤمن، فلماذا نكتفي بأن الطرف غير المؤمن مقدس في الطرف المؤمن دون أن نعمده؟ إن كانت هناك قاعدة ثابتة، فيجب أن نطبقها على الجميع، لذلك يلزم الأمر أن يعمد الشريك غير المؤمن، وهذا ما لا يوافق عليه!!

[14] معمودية يوحنا المعمدان كانت لتهيئه الناس للدخول في دائرة الملكوت، ولو كانت المعمودية المسيحية لها نفس الغرض لمارسها المسيح في أثناء خدمته على الأرض، وما كان قد كُتب أن المسيح لم يكن يُعمِّد بل تلاميذه (يو1:4-2). لكنه أوصى تلاميذه بالمعمودية بعد قيامته، ونحن نعلم أن قيامه المسيح من الأموات دخلت بنا إلى عهد جديد أساسه الإيمان بشخصه، فكيف نربطها بعد ذلك بالملكوت كدائرة أمان ورضى وبركه وامتياز، وهكذا ندخل الأطفال فيها؟

[15] إن كان الطفل يصير مسيحياً بالمعمودية - كما ذكر بعض الكُتَّاب - فماذا نقول عن آباء وأمهات من ديانات غير المسيحية، يعمدون أطفالهم، وقد شاهدتهم بنفسي؟ وإذا سألتهم: لماذا يفعلون هكذا؟ يكون جوابهم لكي يعيشوا طويلاً ولا يموتوا، وبعد أن يكبر هؤلاء الأطفال - بل ومن طفولتهم - تراهم على مبدأ والديهم بل وربما أكثر تعصبا. هل يمكننا أن نقول أن هؤلاء الأطفال المعمدين دخلوا إلى دائرة انتساب جديدة، بينما الذين ولدوا من أبوين مسيحيين مؤمنين ولم يعمدوا أنهم خارج دائرة الانتساب، مع أنهم قد تربوا في تعليم الرب وإنذاره منذ طفولتهم؟* ألا يعتبر هؤلاء الأطفال الذين جاءوا من أصل مقدس "مقدسين" دون المعمودية؟

[16] لنسأل الذين ينادون بمعمودية الأطفال: ما هو مصير الأطفال الذين يموتون بدون معمودية؟ هل لهم مكان خاص بهم لأنهم لم يُعمدوا؟ وما هو ذنبهم إن كان الآباء قد أخطأوا في عدم تعميدهم، ولا سيما أن كثيرين من الأطفال آباءهم غير مسيحيين؟ وهل الله ليس بعادل حتى أنه يقتص من طفل لا يعي ذلك؟ أظن أن الجواب هو: "الله ليس بظالم". هذا ومن جانب آخر، خلاص الأطفال الذين يموتون قبل أن يعتمدوا قد تحقق بفداء المسيح الذي صنعه بموته على الصليب، حيث أنه قد رفع عنهم عقوبة الخطية التي ورثوها من آدم، إذ قد دانها على الصليب في جسده (رو3:8)، وأبطلها إلى الأبد بذبيحة نفسه (عب26:9). ولكونهم لم يمارسوا أية خطية فعلية، فعدالة الله لا تحاسبهم على ذنب لم يفعلوه، (راجع 1كو22:5 ، رو18:5،19). إن كلمة الله تعلن لنا بصراحة أن كل الأطفال الذين دون سن الإدراك لهم ملكوت السماوات. وهذا ما أعلنه لنا الـرب يسوع (مر14:10-16 ، مت 10:18-11).

[17]: الإيمان المسيحي لا يمكن أن يورث من الأباء للأبناء، لأن "المولود من الجسد جسد هو" ( يو5:3-6 ). كما أن الإيمان المسيحي هو مسئوليه فرديه "..لكي لا يهلك كل من يؤمن به" (يو15:3). لاحظ كلمه "كل من"، وكذلك "توبوا وليعتمد كل واحد منكم " ( أع38:2 ). لاحظ "كل واحد" وأيضاً "الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يو18:3). بناءاً على هذا لا تصلح نيابة الأباء عن أطفالهم في أية ممارسه كنسية مرتبطة بالإيمان، وإن سلمنا بجواز نيابة رأس العائلة في معمودية طفله فهذا يعطينا أن نسلم أيضاً بجواز نيابته ليعطى تصريحاً لطفله ليكسر خبزاً!

[18]: إذا كانت المعمودية، كما يقول عنها الرسول بطرس، هي: "سؤال ضمير صالح عن الله بقيامه يسوع المسيح من الأموات" (1بط21:3)، فهل من الصواب أن نسأل طفلاً لكي يعطينا جواباً صادراً من ضمير صالح قبل معموديته؟ أم أن هذا يتناسب مع مؤمن قد اتخذ قراراً شخصياً عن فهم وإدراك من جهة إيمانه بموت المسيح ودفنه وقيامته؟ قال الرسول بولس لتيموثاوس: "..وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر، وضمير صالح، وإيمان بلا رياء" (اتى5:1). وقال له أيضاً "..ولك إيمان وضمير صالح" (1تي19:1). هل هذا الكلام يمكننا أن نقوله عن الطفل؟ وهل كان تيموثاوس طفلاً في ذلك الوقت؟

[19] معمودية الأطفال تقود الناس بعيداً عن الواقع إلى تقليد الناس، وتأتى بهم إلى طقس بشرى حرفي (مر7:7،9،13). كما أنها تحطم المعنى الكتابي للمعمودية والمذكور في (كو12:2)، والقائـل "مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله، الذي أقامه من الأموات".

[20] اتخذ البعض من اعتماد إسرائيل في السحابة وفى البحر (1كو2:10 ) سنداً لمعمودية الأطفال، مع أن هذا ليس مبرراً، لسبب بسيط وهو أنهم اجتازوا البحر مع آبائهم في معمودية عامة إعلاناً لخضوعهم تحت لواء وسيادة وقيادة موسى، أما المعمودية المسيحية فهي إجراء فردى وليس جماعي إعلاناً عن الخضوع لسيادة المسيح الأمر الذي لا يدركه الأطفال بل البالغين.

[21] في سفر الأعمال (ص8)، نرى أن أهل السامره من كبيرهم إلى صغيرهم كانوا يتبعون سيمون الساحر، لكنهم لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بملكوت الله وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساء، وليس من الصغير إلى الكبير (أع9:8-12) مع ملاحظة القول "لما صدقوا فيلبس"، فالتصديق لكلمه الله والإيمان

بها شرطان أساسيان يجب توافرهما في الشخص قبل المعمودية.

[22] إن الذين يقومون بالتعميد هم مسئولون أمام الرب، لأن الأمر الذي صدر من الرب لرسله هو أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم ثم يعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ثم يعلموهم أن يحفظوا جميع وصايا الرب، وإن أي تصرف مخالف لذلك يجعل من يقوم بالتعميد تحت مسئوليه عدم الطاعة لأمر الرب.

[23] في سفر الأعمال نرى تكرار القول "اعتمدوا لاسم يسوع"، وفى إنجيل متى يقول الرب يسوع: "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسْطِهِم" (مت20:18). واضح أن اجتماع العبادة إلى اسمه، والمعمودية تمارس إلى اسمه، فكيف يكون هذا للأطفال؟ وكيف تكون المعمودية بعد ذلك للإدخال لدائرة الملكوت؟

[24] في إنجيل متى (ص19) يرد هذا القول: "حينئذ قدم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصلى، فانتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال: دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات. فوضع يديه عليهم ومضى من هناك" (مت 19: 13-15). عند كل مناقشة في أمر معمودية الأطفال نرى استعمال الآية السابقة، مع أنه ليس لهذه الآية علاقة بأمر المعمودية. ويلاحظ في هذا الجزء أنه لا ذكر للمعمودية، ولكنه يسجل لنا ببساطة أن الرب في عواطفه الرقيقة، أخذ الأطفال الصغار بين ذراعيه وباركهم مع أنه لم يعمدهم (مر 13:10-16). ولم يرسل الرب أيضا تلاميذه ليعمدوهم. ولكن الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من (مت19)، هي أن المسيح بارك الأطفال الصغار ولكنه لم يعمدهم. ومن هنا نفهم أنه لا علاقة بين بركة الأطفال والمعمودية، وأولئك الذين يعلمون أن المعمودية فقط هي التي تجعل الطفل في دائرة البركة، يضعون المعمودية بين الطفل والرب الذى باركهم.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة