جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 8، آية 5

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 8، آية 5

5-"من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟ تحت شجرة التفاح شوَّقتك هناك خطبت لك أمك هناك خطبت لك والدتك *".

ما أجمل المشاهد المتنوعة التي ترى فيها العروس، فبينما نراها مستريحة بين ذراعي حبيبها "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"(ع3) نشاهدها في الوقت نفسه طالعة من البرية مستندة على حبيبها، وما أعظم التعليم الذي لنا في هذه الصورة الأخيرة _ العروس طالعة "من برية مستندة على حبيبها" فان سر القوة والنصرة هو في موارد النعمة الغنية التي لنا، لا في أنفسنا، بل في شخص آخر _ في ربنا يسوع المسيح إلى أبد الآبدين، والذي فيه الكفاية لمعونتنا وتسنيدنا والذي يشاء في محبته بل ويسر بان نستند عليه استنادا كليا وكاملا.

*     *     *

ان "البرية" هي المكان الوحيد الذي فيه يهذبنا الرب ويمتحننا بوسائل الإلهية والذي فيه نتعلم ونختبر ضعفنا وانحراف طبيعتنا، ولكن هناك أيضا نتعلم درس الاعتماد على نعمة ربنا يسوع المسيح الكاهن العظيم، وبذا نستطيع الطلوع من البرية مظهرين كيف أننا في ضعفنا نستند على قوة حبيبنا "تقووا في الرب وفي شدة قوته"(أف6: 10) وبذا تصير نعمة المسيح وقوته ظاهرتين في ضعفنا إذ أننا لا نستطيع ان نسير خطوة واحدة في البرية بدونه وبدون معونته "تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل"(2كو12: 9).

ان خدمة المسيح، الكاهن العظيم في الأقداس السماوية وقوة الروح القدس الساكن فينا متلازمتان، فأننا إذ نستند على حبيبنا نسلك في الوقت ذاته بالروح ولا نعطي للجسد مكانا. يا لها من حالها اختبارية مباركة ان يكون للنفس عادة السلوك المستمر خطوة بعد خطوة بقوة الروح القدس! والرب له المجد يريدنا ان نستند عليه فلا نتحرر فقط من أعمال الجسد، بل نصير قادرين على الطلوع من البرية إلى جو البهجة الإلهية المنعش. في العدد الثالث عشر من هذا الإصحاح يخاطب الحبيب عروسه بالقول "أيتها الجالسة في الجنات" ففي "البرية" نتدرب على السير في الطرق الإلهية واختباراتها، أما في "الجنات" فأننا نكون في دائرة الفرح والابتهاج الإلهيين، وبمؤازرة ربنا يسوع وروحه نستطيع الارتقاء فوق كل اختبارات البرية لنعرف مكاننا السماوي بحسب الدعوة الإلهية التي دعينا إليها ووفقا لقصد المحبة التي لا حد لها _ محبة الله الآب الذي اختارنا في المسيح يسوع من قبل تأسيس العالم.

ان تدريبات البرية كلها لخيرنا ولبركتنا سواء أكانت تجارب متنوعة أم أمراضا جسدية أم أحزانا أو غير ذلك وهي وسائل الله معنا لتهذيبنا وتزكية إيماننا، ومتى تدربنا بها فأنها تنشيء لنا فرحا أبديا، فإذا ما انتهت سياحتنا وغربتنا في هذه البرية وطلعنا منها فأننا لا نخلص فقط من مشقاتنا وتجاربنا بل نحمل معنا ثمارها المجيدة _نحمل معنا ربحا وفيرا لمجد الله وحمده.

*     *     *

ألا ان الطلوع من البرية ليس معناه فقط الانطلاق من هذا العالم لنكون مع المسيح ولكنه من امتيازنا ونحن هنا في هذا العالم ان نطلع روحيا من "البرية" مستندين على حبيبنا، فحضور الرب المبارك معنا أو في وسط الكنيسة هو شيء أسمى من اختبارات البرية، فأنه إذ يخبرنا، نحن الذين لا يستحي ان يدعونا أخوة، عن الله أبينا وإلهنا وعن محبته ومقاصد ومشورات النعمة الأزلية، نكون في دائرة أسمى من البرية واختباراتها، غير أننا هناك في اجتماعنا باسمه وفي حضرته المباركة نقدم له من الثمار التي ربحناها من تدريبات البرية.

*     *     *

"تحت شجرة التفاح أيقظتك (أو أقمتك) هناك ولدتك أمك هناك ولدتك والدتك". يذكر الحبيب عروسه بأصلها في دائرة النعمة، وكيف صار لها وجود أمامه، وأنه لجدير بالاهتمام والالتفات أننا نعرف ذلك جيدا، فكل ما صرنا إليه هو من نعمة الله "الكل من الله" فمن وقت حصولنا على الولادة الثانية _الولادة من فوق ونحن نقيم في نعمة الله الفائقة الإدراك،  ولكن الأمر الجوهري في هذا العدد، والذي يجب ان لا يفوتنا، هو أننا ولدنا من أم "ولدتك أمك _ ولدتك والدتك" والرسول بولس يحدثنا عن "أمين" إحداهما جارية والأخرى حرة (غل4) ويرينا ان هاتين الأمين تمثلان نظامين إحداهما مرسوم العبودية والآخر متوج بالحرية. الواحد هو نظام شرعي مرتبط بسيناء، والآخر نظام روحي قوامه النعمة والحرية وهو المعبر عنه "بأورشليم" وهي التي يقول عنها الرسول بولس بأنها "هي أمنا" وخلاصة هذه الحقيقة هي "إذا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة"(غل4: 22-31). ان "أورشليم العليا" هي الدائرة الروحية السماوية وترمز إلى كل ما صرنا إليه وصار لنا من الله بالنعمة، فمن اللحظة التي رجعنا فيها إلى الله وآمنا بابنه الوحيد قبلنا منه غفرانا لخطايانا كما قبلنا المسيح برا لنا وروحه القدوس الذي به ختمنا وهو ساكن فينا. هذا هو تدبير النعمة المؤسس على موت وقيامة المسيح الممجد الآن في السماء.

*     *     *

ان أمنا قد ولدتنا "تحت شجرة التفاح" وشجرة التفاح هي بكل يقين رمز للمسيح نفسه له المجد والكرامة "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين تحت ظله اشتهيت ان أجلس"(ص2: 3)فإذ قد ولدتنا أمنا والمسيح أيقظنا نجد أنفسنا "تحت ظله"، ويا لها من يقظة مباركة عندما تدرك النفس وقت تجديدها بان الله قد أعد لها كل شيء في المسيح _"شجرة الحياة". ان كل أفكار الله من نحو بركة الإنسان قد تحققت في المسيح، ولكننا لم نستطيع ان ندركها إلا بعد ان ولدتنا "أمنا" وبعد ان أيقظنا المسيح، لأننا بحسب الطبيعة لا نستطيع ان نقدر سمو المسيح، والكرامة اللائقة له، إذ لو استطعنا ذلك بأنفسنا يكون هذا معناه أننا لسنا بشرا ساقطين بحسب الطبيعة. أننا فقط كمن قد ولدنا وأيقظنا نستطيع ان ندرك المسيح ونعمته وغناه الذي لا يستقصى "الناموس بموسى أعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" فليس شيء خارجا عن المسيح "ومن ملئه نحن جميعا أخذنا ونعمة فوق نعمة"(يو1: 16و17) ما أسعد حقا وكم هو ممجد لله ان نعرف بان كل بركة باركنا بها هي من عمل محبته الإلهية وأنها كلها تحققت ووهبت لنا في المسيح، وهو له المجد قد أيقظنا لنراها وندركها ولنحمده ونسبحه لأجلها.

*     *     *

وبالنسبة للبقية التقية في يومها المجيد يقول لها العريس _المسيا "تحت شجرة التفاح أيقظتك أو أقمتك" أني أحببتك وباركتك بكل البركات الأرضية في مملكة مجيدة بحسب عهدي مع الآباء. أما المسيحي فيفوز بحياته وبركته مع المسيح وفيه بحسب غنى نعمته، وهذه الحقيقة الهامة توضح الفارق بين البركة اليهودية والبركة المسيحية. صحيح ان كلا من الفريقين ينال حياته وبركاته منه تبارك اسمه، إلا ان المسيحيين الحقيقيين قد أحياهم الله مع المسيح، وأقامهم معا وأجلسهم معا في السماويات في المسيح يسوع، أما إسرائيل فأنه من الأرض وبركاته أرضية، في حين ان المسيحيين تابعون "للسماويات" وأسماؤهم مكتوبة في السماء.

*     *     *


جاءت العبارة الأخيرة من هذا العدد في كل الترجمات الأخرى هكذا "تحت شجرة التفاح أيقظتك (أو أقمتك) هناك ولدتك أمك هناك ولدتك والدتك":

I raised (or awoke) thee up unber the apple tree, there thy mother brought thee forth , there ahe brought thee forth that bare thee.