جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 4، آية 5

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 4، آية 5

5-"ثدياك كخشفتي ظبية (*) توأمان يرعيان بين السوسن"

هذه هي الصفة السابعة من الصفات التي فيها ترى العروس جميلة في عيني عريسها، فالثديان هما رمز التطور والنمو الروحي، كما أنهما يتحدثان عن تكريس القلب والعواطف للمسيح، لقد أفسحت العروس مكانا في قلبها وعواطفها لعريسها الحبيب "بين ثديي يبيت"(ص1: 13) وإذ وجد هو راحته في أحشاء عروسه وعواطفها لذا يتغنى متحدثا إليها عما وجده في قلبها من محبة صادقة له _ هذه المحبة التي يسر بها كما يسر الزوج بمحبة زوجته التي تكون له كالظبية المحبوبة لان ثدييها يرويانه في كل وقت (أم5: 19) لقد كانت صلاة بولس لأجل القديسين في أفسس ان يحل المسيح بالإيمان في قلوبهم (أف3) فهلا نحني نحن أيضا ركبنا باستمرار أمام إلهنا وأبينا لكي نتمتع بهذه الغبطة المقدسة _ غبطة حلول المسيح بالإيمان في قلوبنا؟

*     *     *

ثم ان العريس يشبه ثديي عروسه بأنهما "كخشفتي ظبية توأمين" أي غزالتين صغيرتين، وفي هذا إشارة إلى رقة العواطف ودقة الإحساس الروحي، فالظباء تتميز بالحياء كما بالحس المرهف وبدقة الشعور بأي شيء مزعج أو مكدر يدنو منها فتبادر بالهرب منه بأقدام خفيفة وسريعة (أنظر 2صم2: 18)، وان ربنا المبارك يريدنا ان نربي ونهذب أنفسنا فتكون لنا الحواس المدربة فنصحو ونسهر ضد كل أمور العالم أو حركات الجسد أو حيل إبليس، وامتلاك هذه الحساسية المقدسة والاحتفاظ بها يتطلب منا التغذي المستمر بالطعام الروحي والشركة المستمرة مع الرب، فان خشفتي الظبية "يرعيان بين السوسن" وهذا هو المكان الذي فيه يرعى الرب المبارك قطيعه (ص2: 16، 6: 3) وبما ان العروس نفسها هي "كالسوسنة بين الشوك"(ص2: 2) فان عواطفها يجب ان تتغذى بما يتفق مع طبيعتها الجديدة، وما أجمل وأمجد هذا المكان الذي هيأته لنا النعمة بين السوسن.

*     *     *

والثديان هما أيضا رمز التغذية، أعني تغذية الآخرين ونموهم وبركتهم، ومن هنا ندرك علة المفارقة القائمة بين العروس وأختها الصغيرة التي يقال عنها في ختام هذا السفر "لنا أخت صغيرة ليس لها ثديان"(ص8: 8) فيرى البعض من توفر نمو العروس ومن انعدامه في "الأخت الصغيرة" إشارة إلى الحالة الروحية التي سيكون عليها يهوذا (أي السبطان) من جهة، وأفرايم (أي العشرة الأسباط) من جهة أخرى في المستقبل. فأنه حينما يلتقي الأسباط الاثنا عشر معا مرة أخرى سيكون الفارق ملموسا وواضحا، فمع ان العشرة أسباط (المعبر عنهم بأفرايم) سوف يتمتعون بنتائج البركة التي صارت لأخوتهم _ أي للسبطين، إلا ان أفرايم سيظل بعيدا إلى درجة ما عن تلك التدريبات القلبية العميقة التي سيجتازها يهوذا بالنسبة للمسيا، ومن ثم لا يكون لهم التطور الروحي الذي سوف تنشئه تلك التدريبات، فأنه بعد سبي الأسباط العشرة أتى المسيح له المجد إلى هذا العالم ورفض وصلب، ثم قبل جمعه إياهم من بين الأمم وإتيانه بهم إلى الأرض سيكون قد أعلن نفسه ليهوذا كمن سيأتي بالقوة والمجد.

*     *     *

ان كان الرب يتحدث إلى عروسه عن صفات الجمال السبع _ أي الكاملة العدد التي في نعمته ومحبته يراها فيها فذلك لأنه يرغب في ان تكون العروس مدركة وعالمة بهذه الصفات التي يراها فيها. ويجب ان معرفتنا هذه لا تقودنا إلى تعظيم ذواتنا بل إلى تعظيم نعمته الفائقة لان هذه كلها هي ثمرة موته لأجلنا، كما ان إظهار هذه الصفات الجميلة بكيفية عملية يتطلب منا الحكم على الذات وإدانة كل ما هو من الجسد، والتحرر بنعمة الرب وبعمل الروح القدس من كل ما كنا عليه بحسب الطبيعة. ان الرب الحبيب يريد أيضا ان يطلعنا على نواحي الجمال التي يرانا فيها لكي يشجعنا على التجمل عمليا بهذه الصفات المباركة ولإظهار جماله هو في حياتنا وذلك لمسرة وبهجة قلبه، فجدير بكل مؤمن حقيقي ان يناحي نفسه في كل صباح ومساء وبلا انقطاع قائلا "ان الله قد أتى بي بنعمته إليه ليجعلني كالمسيح لذا فان أي شيء ليس من المسيح ولا أكون فيه مثله لا يليق بي" ان جمال العروس يتجلى في رفض كل ما لا يتفق مع المسيح، وبقدر ما نـزداد تعرفا بالمسيح وشركة معه يزداد تمثلنا به.


(*)  خشفتي ظبية أي غزا لتين صغيرتين جدا