جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 3، آية 9 و10

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 3، آية 9 و10

9و10-"الملك سليمان عمل لنفسه تختا من خشب لبنان. عمل أعمدته فضة وروافده ذهبا ومقعده أرجوانا ووسطه مرصوفا محبة من بنات أورشليم".

رأينا فيما سلف (ع7) ان تخت سليمان (أي فراشه أو سريره) حوله ستون جبارا لحراسته من هول الليل، أما هنا فنرى تختا لسليمان من نوع آخر، فهو ليس فراشا أو سريرا مرتبطا بالليل ولكنه لأجل النهار _ الوقت المعين من الله للعمل (مز104: 22و23) "ينبغي ان أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار"(يو9: 4) وأنه لمن أسمى امتيازاتنا ان نكون في رفقة العريس وفي خدمته في وقت العمل في زمان الحياة الحاضرة. علينا إذا ان نسلك "كحكماء مفتدين الوقت" فلا نضيع لحظة في الباطل لأنه "يأتي ليل حين لا يستطيع أحد ان يعمل"(يو9: 4).

*     *     *

ولنلاحظ ان هذا التخت هو من صنعه هو "الملك عمل لنفسه تختا" فان ربنا يسوع المسيح قد عمل بنفسه ما فيه سعادة وهناء شعبه، فهو "صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا"(عب1: 3) أنه لم يترك لنا ما نعمله سوى ان نقبل ما عمله لأجلنا ونتمتع به وبثماره المباركة وان نتعبد له ونشكره على عمله لأجلنا فوق الصليب وما يعمله الآن وباستمرار لمعونتنا في الطريق وما سيعمله عند مجيئه إذ يأخذنا إليه لنكون كل حين معه في بيت الآب.

*     *     *

كان "تخت سليمان" هذا عبارة عن هودج (أو تخت روان) كما سلفت الإشارة، فلم يكن مركبة تسير على عجلات بل كان يحمل على الأكتاف، وفي هذا إشارة إلى ان الرب يسوع "الحي إلى أبد الآبدين" والذي يعمل بغير انقطاع لأجل خير وإسعاد شعبه لا يقوم بهذا العمل بالاستقلال عن خاصته. أنه يعمل بواسطة محبيه الذين كرسوا كل قواهم لعمل إرادته الصالحة، وكأنهم يحملون تخت الملك على قلوبهم وعواطفهم المحبة والمكرسة له، وهذا يذكرنا بتابوت العهد الذي كان من امتياز الفهاتيين ان يحملوه في كل تحركاته، فربنا يسوع المسيح "الماشي في وسط المنائر الذهبية" يعمل لخير خاصته _قطيعه وأعضاء جسده ولكن ليس بالاستقلال عنهم وعن خدمتهم له، وما أعظم وأجل خدمة كهذه _ ان نحمل تخت سليمان الحقيقي! أنها بلا ريب أسمى وأشرف خدمة كما أنها في الوقت نفسه تتطلب منا ان نكون في الحالة النقية المقدسة _ حالة السمو الروحي التي تليق بجلال سليماننا _ ملك السلام الذي نحبه ونخدمه.

*     *     *

"من خشب لبنان" ولا سيما الأرز فأنه رمز عدم الفساد أو بالحري القيامة كما أنه رمز السمو والرفعة، وقد كان لخشب لبنان مكانه الممتاز في بناء هيكل الرب كما ان فيه إشارة إلى مجد المدينة الملكية _ مدينة يهوه في يوم قادم "مجد لبنان إليك يأتي السرو والسنديان والشربين معا لزينة مكان مقدسي وأمجد موضع رجليّ"(أش60: 13) فواضح أذن ان "خشب لبنان" هو رمز العظمة والارتفاع أو بالحري كل ما له صفة السمو الروحي، ومن واجب أؤلئك الذين صار لهم شرف العلاقة بسليمان الحقيقي _ الرب المقام من بين الأموات وبتخته ان تكون لهم هم أيضا صفة السمو الروحي. الذي كان سلوك الرسول بولس متوافقا مع تعليمه "لذلك أرسلت إليكم تيموثاوس. . . . الذي يذكركم بطرقي في المسيح"(1كو4: 17). كم من المرات يكون كلامنا بلا وزن أو قيمة لأننا عمليا لسنا في الحالة التي تتفق مع كلامنا. ليتنا نحرص على ان تكون شهادة أفواهنا عن المسيح متوافقة مع حياتنا الروحية العملية.

*     *     *

"عمل أعمدته فضة" ان الأعمدة رمز القوة، والفضة رمز الطهارة، كما أنها تشير بصفة خاصة إلى نعمة الفداء (خر30: 11-16) هذا الفداء الذي هو أساس العلاقة الكائنة بين المسيح وخاصته، وهو له المجد لن ينسى في علاقته بخاصته نتائج موته المبارك، فهو دائما ينظر إلى خاصته هذه ويتعامل معهم في نور هذا الحق الجوهري، أعني به الفداء الذي لهم بدمه الكريم. ان شعبه المختار لم يصيوا خاصته إلا على أساس الفداء فهم مفديوه الذين أخذهم من العالم ليكونوا لمسرة الآب بواسطة قيمة وقوة موته على الصليب.

*     *     *

"وروافده ذهبا" الروافد بمعنى القاعدة أو الأرضية أو بمعنى المسند *. وهي من ذهب، والذهب في كلمة الله يرمز إما إلى المجد الإلهي (أنظر خر25: 11، عب9: 4و5، تس5: 11و14) أو إلى البر الإلهي (مز45: 13، رؤ3: 18) وهذا هو الحق الجوهري الذي تعلمنا إياه كلمة الله فربنا يسوع المسيح الذي هو بهاء مجد الله ورسم جوهره والحامل كل الأشياء بكلمة قدرته _ الابن الأزلي الذي له المجد منذ الأزل والكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد، قد أخلى نفسه. . . ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، وقد جعل خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. هذه هي الروافد أو بالحري القواعد التي يستقر عليها إيماننا والمساند الإلهية التي تستريح عليها نفوسنا، فان ربنا وسيدنا المعبود وإلهنا ذا المجد والجلال صار لنا "من الله برا"(1كو1: 30).

*     *     *

"ومقعده أرجوانا" والأرجوان هو مزيج من اللونين القرمزي والأزرق،فهو رمز لأمجاد عمانوئيل الذي جمع بين جلال ملكه على الأرض كابن داود ومجده السماوي باعتباره "الرب من السماء" فان قصد الله هو ان "يجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض"(أف1: 10) ولا بد ان يأتي بمجده كملكي صادق _ الملك والكاهن معا.

وان كان أعداؤه في عدم إيمانهم استهزءوا به "وألبسوه أرجوانا"(مر15: 17) إلا ان عين الإيمان تستطيع ان تراه الآن مكللا بالمجد والكرامة.

*     *     *

"ووسطه مرصوفا محبة من بنات أورشليم" ان كان لخشب لبنان والأعمدة الفضية والروافد الذهبية والمقعد الأرجواني قيمتها الغالية في تخت سليمان إلا ان المحبة هي أسمى وأجمل ما يزين ذلك التخت "وأعظمهن المحبة" وان ربنا له المجد يقدر كل التقدير ويجد سروره وشبعه في محبة خاصته المتعلقين به والملتفين حوله، كما ان بنات أورشليم يجدن سرورهن في سكب عواطف محبتهن للعريس المبارك، وكأني بمريم أخت مرثا كانت من "بنات أورشليم" عندما سبقت فدهنت بالطيب قدمي المخلص الكريم، أو أولئك المخلصين الذين فرشوا ثيابهم في الطريق عند دخول الرب أورشليم كملك صهيون. لا شيء يشبع قلب المسيح المرفوض من العالم نظير محبة خاصته له "أتحبني".

*     *     *


*  كلمة روافد في ترجمة إنكليزية بمعنى قاعدة Bottom  وفي أخرى بمعنى مسند Support