جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 15

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية 15

15-"خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة الكروم لان كرومنا قد أقعلت".

كم هو جميل ان نرى العريس هنا يربط نفسه بعروسه في أمر العناية بالكروم، فيقول خذوا "لنا". . . لان "كرومنا" فكان فرح العريس مرتبط بفرح عروسه وان ما يؤلمها أو يؤذيها كأنه يؤلمه ويؤذيه هو "أنا يسوع الذي أنت تضطهده"(أع9: 5) لذا نراه مهتما بسلامتها وصيانتها من كل أذى. لقد ناجى عروسه بان تريه وجهها الجميل وتسمعه صوتها اللطيف، وهو لا يريد ان أي شيء يعطل هذه الشركة المقدسة "فالثعالب الصغار" التي تزحف بكل خفة، فلا يشعر بها أحد، تفسد الكروم التي أقلعت (أي ظهرت أغصانها الطرية وبدأت تظهرها ثمارها) وما أكثر "الثعالب الصغار". ان خطايا كثيرة ومتنوعة تبدو كأنها بسيطة وصغيرة ولكنها تستطيع ان تسلب من المؤمنين تعزياتهم وبهجة خلاصهم وتهدم كيانهم الروحي، فليست الخطايا التي تحسب كبيرة وبغيضة هي وحدها التي تؤذي الحياة الروحية، بل ان هناك آلافا من الأمور التي يظن أنها بريئة ولا ضرر من ورائها تعطل حياة المؤمنين الروحية، فالأصدقاء ولو كانوا ظرفاء وأدبين، ومجاراتهم في مبادئهم العالمية والتمشي معهم في ميولهم اجتماعية كانت أو سياسية والاشتراك معهم في منتدياتهم الرياضية أو ما شاكل ذلك، كما ان الروابط الجسدية والعائلية، أو الدخول تحت نير مع غير المؤمنين سواء في العلاقات الزوجية أو الأشغال الزمنية أو غير ذلك، قد تكون  هذه وغيرها كثير من "الثعالب الصغار" التي لا يلفت إليها وإلى خطرها إلا عند ما يتنبه القلب ليرى أنه قد فقد فرحه في الرب وان هذه الأشياء قد ملكت عليه بدلا من الإصغاء إلى صوت الحبيب. فليحذر كل مسيحي حقيقي ولا سيما المؤمنين الأحداث من "الثعالب الصغار" فأنه تفسد الكروم الغضة. حذار من الخطية المحيطة بك بسهولة. لا تعطي إبليس مكانا أو منفذا إلى نفسك أو بالحري أحفظ قلبك مغلق ضد الخطية مهما كان نوعها فان فكرا شريرا أو نظرة دنسة أو كلمة هزل، أو أي كلمة عاطلة أو غير ذلك مما تحسبه خطايا صغيرة هي كالثعالب الصغار التي تفسد حياتك الروحية. "امتنعوا عن كل شبه شر"(1تس5: 22) "فوق كل تحفظ أحفظ قلبك لان منه مخارج الحيوة"(أم4: 23).

لقد وهبنا الرب يسوع بموته فوق الصليب حياة أبدية ولا يمكن ان نفقد هذه الحياة "خرافي. لن تهلك إلى الأبد" إلا أننا بحاجة مستمرة إلى السهر الروحي لئلا يتعطل "ثمر الروح" في حياتنا. أننا _ كأفراد _ نحتاج إلى الصحو والسهر حتى لا نحزن الروح القدس الساكن فينا، فلا نعيق عمله الإلهي في حياتنا وإلا فان العدو يسلب منا أفراحنا وتعزياتنا وسلامنا، كما أننا _ كجماعة نجتمع معا باسم الرب _ في حاجة مستمرة إلى السهر ضد "الثعالب الصغار" التي تفسد الكروم لئلا نطفئ الروح القدس في سجودنا وفي ممارسة المواهب الروحية التي أؤتمنا عليها سواء لبنيان المؤمنين أو لخلاص النفوس.

*     *     *

ولنلاحظ ان "الثعالب الصغار" لا تبقى صغيرة على مر الزمن فأنها تنمو وتكبر حتى تصير ثعالب كبيرة، فالخطايا التي تتسرب إلى حياة المؤمنين كأنها ثعالب صغيرة إذ لم نحكم عليه ونتحرر منه لا بد ان تنمو وتكبر في حياتنا وتتأصل فينا ولا يكون من السهل التخلص منها "ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذ كملت تنتج موتا"(يع1: 15) نعم أننا إذ لم نسهر ضد ما تحسبه "شبه شر" فأنه ينمو حتى يصير شرا بالغا "من الخطايا المستترة (كالثعالب الصغار) أبريني. من المتكبرين (أي الخطايا الكبيرة" ( * )، أحفظ عبدك فلا يتسلطوا علي حينئذ أكون كاملا وأتبرأ من ذنب عظيم"(مز19: 12و 13).

لقد كانت الأمة الإسرائيلية في أيام داود وسليمان كالكرمة المثمرة "فأصلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله. مدت قضبانها إلى البحر وإلى النهر فروعها"(مز80) ولكنها إذ لم تسهر ضد الشر ولم تحفظ سور الانفصال بينها وبين سائر الشعوب عاليا تسلقت "الثعالب الصغار" أسوارها حتى صار "يرعاها وحش البرية". "أنبياءك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب"(خر13: 4) وليس الأنبياء فقط بل لقد شبه الرب في أيام تجسده ذلك الملك الأدومي الشرير الذي ملك على إسرائيل والذي كان يريد قتل الرب بالثعلب الماكر (لو13: 31و 32) ولكن تبارك اسم إلهنا الواعد الأمين فأنه لا بد ان يجيء الوقت الذي فيه ينير الرب وجهه لخلاص ذلك الشعب الأرضي وذلك بواسطة المسيا _ الابن المختار لان دعوته وهباته هي بلا ندامة "يا إله الجنود أرجعن أطلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة والغرس الذي غرسته بيمينك والابن  الذي اخترته لنفسك. لتكن يدك على رجل يمينك وعلى ابن آدم الذي اخترته لنفسك فلا نرتد عنك. أحينا فتدعو باسمك. يا رب إله الجنود أرجعنا. أنر بوجهك فنخلص"(مز80).

*     *      *


( * )  Presumptuous sins