جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 4

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية 4

4-"أدخلني إلى بيت الخمر وعلمه فوقي محبة"

يا لها من نعمة غنية ومحبة إلهية فائقة فأنه عندما طلبة العروس إلى عريسها بان يجذبها فتجري ورائه أدخلها إلى حجاله حيث البهجة والفرح (ص1: 4) وعندما اشتهت ان تجلس تحت ظله أدخلها إلى "بيت الخمر" نعم لقد أدخلها قبلا إلى حجاله ثم أقتادها (كالراعي) إلى المراعي الدسمة حيث يرعى ويربض خرافه (1: 7و8) ثم تمتعت به (كالملك) متكئا على مائدته حيث أفاح ناردينها رائحته (ص1: 12) وهوذا هي ترى في "بيت الخمر" فكأنه لم يكتفي ان يشبعها ويلذذها من ثمرة شجرة التفاح فأدخلها إلى "بيت الخمر" لترتوي وتبتهج بثمر الكرمة (أي الخمر الروحي) فالمؤمن الحقيقي الذي يقدر البركات والعطايا الروحية حق قدرها "يعطي ويزداد".

وغنى عن البيان ان "بيت الخمر" إشارة إلى الفرح أو بالحري إلى مشاركة الرب نفسه في فرحه، والرسول يوحنا يوضح لنا ذلك إذ يرينا ابن الله المبارك معلنا مجده عندما حول الماء إلى خمر (يو2) وفي هذا الإنجيل عينه يحدثنا عن "الفرح الكامل" _ أعني الفرح الذي أشار إليه الرب في صلاته لأجل تلاميذه "ليكون لهم فرحي كاملا فيهم"(يو17: 13) "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم"(يو15: 11).

*     *     *

ولنلاحظ قول العروس "أدخلني" فهي تعترف بأنه هو الذي أدخلها إلى بيت الخمر أو بالحري أوجد فيه الرغبة الصادقة للوجود في الشركة المقدسة معه. لقد أمسك بيدها وقادها إلى "بيت الخمر" حيث نرى الله في ملء محبته التي لا حد لها.

عندما حل الروح القدس على التلاميذ في يوم الخمسين صار البيت الذي كانوا مجتمعين فيه كأنه "بيت خمر" إذا امتلأوا جميعا من الروح القدس وكانوا يتكلمون "بعظائم الله" حتى ان الذين رأوهم ظنوا أنهم "سكارى" فقالوا عنهم "أنهم قد امتلأوا سلافة (أي خمرا جديدة)" (أع2: 13و15) وهذا هو الحال بالنسبة لخاصة المسيح في كل زمان، سواء كأفراد أو كجماعة، تجتمع باسم الرب وبقيادة روحه، إذ متى كان الجسد مخضعا والروح القدس غير محزون في حياتنا العملية ولا مطفأ في اجتماعاتنا فأنه بلا ريب يملأنا بالفرح في الرب إذ يأخذ مما له ويخبرنا. أنه يرسم أمامنا أمجاده وكمالاته فنحصر في محبته الفائقة المعرفة فنعيش نحن الأحياء فيما بعد لا لأنفسنا بل للذي مات لأجلنا وقام. ان أهم ما نحتاج إليه في أيام الضعف والرخاوة والفتور التي وقعت قرعتنا فيه هو ان نتأيد بقوة الروح القدس في الإنسان الباطني فنعيش أيام غربتنا في هذا العالم وكأننا في "بيت الخمر" لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بلا امتلئوا بالروح"(أف5: 18)

*     *     *

"وعلمه فوقي محبة" ان كانت محبة المسيح ستكون موضوع فرح كل المفديين وسجودهم وتعبدهم طوال الأبدية فليس أقل من ان تكون هذه المحبة موضع فرحهم وتعبدهم وهم هنا في هذا العالم، وهذه هي خدمة الروح القدس في الوقت الحاضر أنه يأتي بنا إلى "بيت الخمر" حيث يرسم أمامنا محبة الله التي أعلنه في صليب ابنه المبارك، هذه المحبة التي بذلت الابن الوحيد "الله بين محبته لنا ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا"(رو5: 8) هذا ما تتمتع به النفس في بيت الخمر، أعني محبة الآب ومحبة الرب يسوع لنا الأمر الذي يؤكده لنا الرب نفسه بقوله "الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني"(يو16: 27) وهذا واضح أيضا من قوله له المجد "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. . . ان أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منـزلا"(يو14: 21و23) أليس هذا "بيت الخمر" حيث علمه فوقنا محبة؟

نعم ان محبة المسيح فائقة المعرفة والتي أظهرت في ملئها وكمالاها فوق الصليب هي العلم الذي يرفرف فوق هاماتنا، فلذلك العمل المبارك الذي أتمه ربنا يسوع المسيح إذ أبطل الخطية بذبيحة نفسه هو علم المحبة الذي يخفق فوقنا ليس في الدهر الحاضر فقط بل طوال الأبدية. أننا هناك في المجد سيكون لنا إدراك الكامل لقيمة تلك الذبيحة التي قربتنا إلى الله "فان المسيح تألم مرة واحدة من أجل الخطايا. البار من أجل الآثمة لكي يقربنا إلى الله (1بط3: 18) وإذ يقودنا الروح القدس للتفرس والتفكر في هذه المحبة الإلهية العجيبة نتغنى ونترنم بفرح قائلين "علمه فوقي محبة".

أما عن إسرائيل، فأنهم بسبب معاصيهم وآثامهم ولا سيم خطية رفضهم لملكهم الذي بأيدي آثمة صلبوه لا زالوا يعانون آلاما متنوعة، لا بد ان يقاسوا آلاما أشد هو لا عندما يجتازون في الضيقة العظيمة العتيدة ان تجرب الساكنين على الأرض وسيكون لهم النصيب الأوفر فيها "ضيق يعقوب" فكأنهم في "بيت النوح" ولكن سيأتي سريعا الوقت الذي ترجع بقية منهم إلى الرب إلههم حيث يعترفون بخطاياهم ولا سيما خطية رفض مسياهم "فينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره. في ذلك اليوم يعظم النوح في أورشليم. . . وتنوح الأرض (أعني أرض إسرائيل) عشائر عشائر على حدتها. . . "(زك12: 10-14) ولكن الرب في صلاحه ورأفته سيتعطف عليهم ويحول بكاءهم إلى فرح فيأخذهم من بيت النوح إلى "بيت الخمر" حولت نوحي إلى رقص لي. حللت مسحي ومنطقتي فرحا لكي تترنم لك روحي ولا تسكت"(مز30: 11) "لأعزي كل النائحين. لأجعل لنائحي صهيون لاعطيهم جمال عوضا عن الرماد ودهن فرح عوضا عن النوح ورداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة"(أش61: 2و3) "لان الرب فدى يعقوب وفكه من يد الذي هو أقوى منه. . . . حينئذ تفرح العذراء بالرقص والشبان والشيوخ معا وأحول نوحهم إلى طرب وأعزيهم وأفرحهم من حزنهم"(أر31: 11-13).

وذلك العلم. أعني علم محبته فقد كان قبلا يرفرف فوق كرسي داود، ولكنه قد أنطوي بسبب معصية بيت إسرائيل ويهوذا وسيستمر مطويا إلى ان تنتهي أزمنة الأمم، وعندئذ سيملك الرب يسوع وسيخفق علم محبته فوق صهيون مرة أخرى. أنه لأجيال عديدة ظلت مدينة الملك العظيم والهيكل الجميل خربة الأمر الذي أنبأ الرب به قبل حدوثه "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت ان أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فرخها تحت جناحيه ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب"(مت23: 37-39).

وان كان الرب قد أبطأ في رجوعه ليرد إليهم الملك فذلك من فيض نعمته لنا نحن الأمم فان محبته كانت منذ يوم الخمسين إلى الآن تعمل لاجتذاب المعينين للحياة الأبدية، فأنه من وسط اليهود والأمم يدعو اليوم شعبا لاسمه، بواسطة الكرازة بالإنجيل بقوة الروح القدس، وذلك لكي يجعل الاثنين واحدا _ مكونا منهما الكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل، ولا بد ان يتمم وعده إذ يأتي لاختطاف جميع المفديين "وهكذا نكون كل حين مع الرب" وهذا سيتم قبل ان يرجع الرب ويعترف بالبقية كشعبه، وان كنا ذلك الشعب مطروحا الآن جانبا وواقعا تحت التأديب بسبب خطاياهم فأنهم لن يظلوا مرفوضين إلى الأبد "لان هبات الله ودعوته هي بلا ندامة"(رو11: 29).

لا بد ان يأتي وقت الرضى الإلهي لشعبه القديم، "لكي يحدث في صهيون باسم الرب وبتسبيحه في أورشليم"(مز102: 21) "لأنه ها أيام تأتي يقول الرب وأرد سبي شعبي إسرائيل ويهوذا (مستقبلا) يقول الرب. وأرجعهم إلى الأرض التي أعطيت آباءهم أياها فيمتلكونها" ( * ) (أر30: 3) "وأقطع لهم عهدا أبديا أني لا أرجع  عنهم لأحسن إليهم وأجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عني"(أر32: 40) حينئذ سترتفع وتخفق راية محبة الله "أعطيت خائفيك راية ترفع لأجل الحق"(مز60: 4). ان ذلك اليوم آتيا قريبا حين يكون الرب سورا من نار حول أورشليم حينئذ سوف لا ينطوي مرة أخرى علم محبته. يومئذ ترى كل شعوب الأرض محبة الرب الأبدية، إذ يصعدون إلى أورشليم ليسجدوا للملك رب الجنود ويعيدوا عيد المظال (زك14) وعندئذ يكون لسان حال البقية التقية "أدخلني إلى بيت الخمر وعلمه فوقي محبة".


( * )  هذا كله سيتم مستقبلا في ملك المسيح الألفي بعد اجتيازهم "في ضيق عظيم لم يكن قبله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون"(مت24: 21) وذلك كله بعد اختطاف المؤمنين = المسيحيين الحقيقيين