لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل السادس

حتمية المرور بالسامرة

"...وكان لابد له أن يجتاز السامرة" (يو4: 4).

يمكننا أن نفهم العبارة السابقة بطريقة أخرى وهي أن الرب يسوع ليصل إلى الجليل كان لابد له أن يجتاز في هذا الطريق المار بالسامرة. مع أنه في امكانه أن يغير الطريق إلى طريق آخر كما كان يفعل اليهود. لكن لأنه كان يعلم أن هناك نفس يحبها قد قيدتها الخطية والشهوات العالمية تحتاج إلى من يحررها ويخلصها ويرفع عنها نير العبودية، ولم يوجد من البشر من يستطيع أن يفعل لها هذا، كان لابد له أن يذهب إلى هناك ليفعل لها هذا. لذلك قيل "وكان لابد له أن يجتاز السامرة".

في ذات مرة مضى الرب يسوع إلى تخوم صور وصيداء وكان متعبا وكان يريد أن يستريح في بيت "وهو يريد أن لا يعلم أحد. فلم يقدر أن يختفي لأن امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به فأتت وخرت عند قدميه" (مر7: 24و25). لقد كان يريد أن يستريح، لكن عندما جاءت إليه المرأة المحتاجة إليه لم يستطع أن يختفي عنها لأنه محب للجميع وهو الراعي الصالح الذي يذهب لأجل الضال حتى يجده (لو15: 4). لم تذهب المرأة السامرية إليه، لكنه هو الذي ذهب إليها فهو يبحث عن النفوس في كل مكان.

"كان لابد له أن يجتاز السامرة": إنها عبارة رائعة، جاءت في بعض الترجمات الإنجليزية بمعنى "كان محتاجا أن يجتاز السامرة". كان من الممكن أن يعبر إلى الجليل عن طريق البحر كما فعل في ذهابه إلى بعض الأماكن (مت15: 39)، أو عن طريق آخر بكيفية تمنعه من المرور بالسامرة، لكنه كان عطشانا لخلاص هذه المرأة المسكينة فذهب إلى هناك. ذهب إليها متعبا وعطشانا.

مع أن اليهودية في الجنوب والجليل في الشمال وما بين الاثنين منطقة السامرة، ولكي يترك الرب اليهودية ويصل إلى الجليل كان من الطبيعي أن يجتاز السامرة. لكن الملفت للنظر هو عبارة "كان لابد له". أي أن هذا الأمر ضروري وحتمي. وهنا يمكننا أن نذكر الأسباب التي جعلت مرور الرب بالسامرة حتمي وضروري:-

 · جغرافيا: من المعروف أن اليهود لا يعاملون السامريين، وبالتالي لكي يصل اليهودي من اليهودية إلى الجليل كان لابد له أن يتخذ طريقا بعيدا عن السامرة. فكان يعبر نهر الأردن ويصل شرق النهر ويسير رغم الصعوبات التي تواجهه في طريق كان يطلق عليها في ذلك الوقت "برية". ثم عبور نهر الأردن مرة أخرى متفاديا المرور في المنطقة الوسطى التي تفصل اليهودية في الجنوب والجليل في الشمال. أما الرب يسوع فأراد أن يختصر الطريق لذلك "كان لابد له أن يجتاز السامرة". هذا السبب لا يعتبر سببا رئيسيا يجعل الرب أن يجتاز السامرة.

 · الطبيعة الإلهية: الشيء الملزم للرب يسوع ليجتاز السامرة، الأرض المعادية هو أن له طبيعة تختلف عن طبيعة كل البشر، له طبيعة الحب لأنه هو الله المحب فلابد أن تعلن هذه الطبيعة لكل البشر مهما إن كانوا. كان لابد أن يفتح أبواب الحب لشعب محتقر في عيني اليهود.

 · علمه باحتياج المرأة إليه بل وأيضا كل مدينتها: فكان لابد أن يصل إلى هناك ليلتقي بامرأة ساقطة تعيش في أوحال خطاياها تحتاج إلى من يخلصها. لم تكن هذه المرأة ذو شخصية مشهورة كملكة سبأ أو غيرها من المشهورات، بل كانت شهرتها بأنها تعيش في مستنقع الخطية والنجاسة. يا لها من محبة ونعمة ورحمة أن يجتاز القدوس البار لأجل امرأة خاطئة! إنه لم ينتظر أن تأتي إليه بل هو ذهب إليها، وذلك لأنها لم تقدر أن تأتي إليه بسبب صغر النفس وانحنائها بسبب الخطيئة. إنها كالمرأة المنحنية التي ربطها الشيطان فلم تقدر أن تنتصب البتة (لو13: 11). ربما يشعر الإنسان الخاطئ بمرارة الخطية في بادئ الأمر، لكن مع تكرارها يصاب بفقدان الشعور والحس، وبالتالي لا يشعر بالاحتياج إلى المسيح المخلص. لكن المسيح نفسه يعلم احتياج الإنسان إليه، لذلك لا ينتظر إلى أن يأتي إليه الخاطئ بل هو يذهب إليه بنفسه. يا لها من نعمة تفيض بالإحسان، إنه الرب المملوء نعمة وحقا الذي يبحث عن الإنسان ليمنحه الإحسان.

 · السبب الوظيفي: الرب يسوع باعتباره الراعي الصالح كان لابد أن يذهب لأجل الضال حتى يجده (لو15: 4). ولقد قال أيضا "...لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة" (مت9: 13). لو فرض أننا أخبرنا المرأة السامرية بأن شخص عظيم جدا يبحث عنها، أعتقد أنها لا تصدق ذلك. فمن هذا الذي يبحث عن امرأة ساقطة؟! فماذا لو أخبرناها بأن الله العظيم المحب يبحث عنها؟ من المؤكد أنها تندهش من قولنا هذا، فكيف يبحث الله كلي القداسة عن امرأة في منتهى النجاسة؟. لكن هذه حقيقة لا جدال فيها، فإن الله جاء إلينا متجسدا من قمة المجد لأجلنا نحن الخطاة. لقد قال الرسول بولس "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1تي1: 15). وقال الرب يسوع "لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم" (يو12: 47). وقال لزكا "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو19: 10).

 · لأنه الخالق المسئول عن خليقته: المرأة السامرية امرأة خاطئة ومنبوذة ومحتقرة عند كل يهودي، لكن كان لها تقديرها الخاص في عيني الرب يسوع الذي خلقها، لذلك "كان لابد له أن يجتاز السامرة". لقد كان مجبرا بدافع الحب لهذه المنطقة المرفوضة، وأيضا لأجل امرأة خاطئة يائسة لا يمكنها أن تأتي إليه لأنها حقيرة في عيني نفسها وفي أعين اليهود. لو تركها الرب لرغبتها لكانت تقول: أريد ولكن أنا لا أستحق لأني حقيرة ويائسة وفي حياتي ستة رجال. لكن الرب الذي خلقها ويعرف تكوينها وكيف يتعامل معها ذهب إلى السامرة خصيصا ليلتقي بها.

 · لأنه الطبيب الشافي: السامريون لم يكونوا يهودا بل هم أمم سكنوا في فلسطين وتعلموا من اللاويين وعرفوا شرائع الرب وفرائضه فتمسكوا بها وفي ذات الوقت تمسكوا بوثنيتهم، ولذلك "اليهود لا يعاملون السامريين" لهذا السبب كان اليهودي يأخذ طريقا آخر للوصول إلى الجليل حتى لا يجتاز السامرة. لكن الرب يسوع له كل المجد اجتاز، بل كان لابد له أن يجتاز السامرة. فهو الذي قال "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلموا ما هو. إني أريد رحمة لا ذبيحة. لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة" (مت9: 12و13). لقد اجتاز السامرة لأنه كان يعلم احتياج هذه المرأة المريضة بالخطية والمحتاجة إلى الشفاء من شخصه الطبيب الشافي مع أنها هي لا تعلم باحتياجها له.

 · ليرفع العداء بين الشعوب ويزرع الحب من جديد: لقد أنشأت الخطية العداء بين الله والناس، وليس ذلك فقط بل وتسببت في عداء الإنسان لأخيه. ولذلك قايين قتل هابيل أخيه (تك4: 8) وأبشالوم طارد أبيه داود (2صم15-18). لقد كثرت الحروب ومعها كثر الدمار في العالم. والوقيعة والبغضة صارت سمة البشر، فاليهود لا يعاملون السامريين. ويعتبر اليهود أن الأمم بالنسبة لهم كلاب. ومن يستطيع أن يصالح هذا مع ذاك؟! كان لابد له أن يجتاز السامرة ويرفع العداء الذي كان بينهم وبين اليهود. وهكذا كان لابد أن يجتاز إلى هذا العالم بل ويجتاز جثسيماني والجلجثة لرفع العداء ويصنع الله المصالحة بيننا وبينه من خلال موت المسيح على الصليب "الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه..."(2كو5: 19). ليس ذلك فقط بل وصنع الصلح والسلام بين البشر (أف2: 14-18).

 · ليأت بها باعتبارها من الخراف التي ليست من حظيرة إسرائيل: لقد قال مرة لليهود "ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آت بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد" (يو10: 16) وهذه المرأة السامرية تعتبر من تلك الخراف التي ليست من حظيرة إسرائيل والتي كان لابد أن يذهب ليأت بها من هناك.

 · للحصول على ما أعطاه له الآب: لقد كان يعلم أن هذه المرأة هي من ضمن الذين أعطاهم الآب له، لذلك ذهب بنعمة الآب التي تخلص الهالكين ليأت بها إليه. (يو6: 37-40، 10: 29، 17: 6).

 · ليعطي درسا خاصا لتلاميذه في الكرازة: من المعروف أن التلاميذ سيرسلهم الرب خلافة له ليكرزوا في كل العالم ولكل الخليقة، ولكي لا يحكموا في الأشخاص من ظاهر الأمور أعطاهم درسا عظيما بأن نعمته تستطيع أن تخلص أشر الخطاة. فحسب الظاهر والحكم في الأمور من خارجها لا يظن أحد أن امرأة سامرية ساقطة تحوز القبول وتحصل على خلاصه. لقد اندهش التلاميذ عندما رأوه يتكلم معها (يو4: 27) ولذلك قال لهم "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد" (يو4: 35).

إن كلمة "لابد" تعني الإلزام، ومن هنا نسأل: ما الذي ألزم الرب بذلك؟ ومن الذي ألزمه ليجتاز السامرة؟. من الواضح أن المحبة التي في قلبه تجاه الخطاة هي التي ألزمته أن يفعل ذلك. لذلك جاء إلى السامرة واجتاز كل الصعاب ليتقابل مع هذه المرأة الخاطئة. إنه "محب للعشارين والخطاة" (لو7: 34)، وإنه "يقبل خطاة ويأكل معهم" (لو15: 2).

"كان لابد له أن يجتاز السامرة"، يمكن لكل واحد منا أن يقول ذات العبارة "كان لابد أن يأتي الرب يسوع من عند الآب متجسدا لأجلي، كان لابد أن يصلب بدلا عني، كان لابد له أن يجتاز جثسيماني والجلجثة، كان لابد أن يأتي إليَ أنا وينقذني ويمنحني خلاصه.

لم يذهب الرب يسوع لنيقوديموس رئيس اليهود (يو3: 1) لكن جعله يأتي إليه، فقال الرب له "ينبغي أن تولدوا من فوق" (يو3: 7). أما هذه المرأة الخاطئة فلقد ذهب هو بنفسه إليها، لذلك يذكر عنه "ترك، ومضى، واجتاز، وتعب، وجلس، وعطش، وطلب أن يشرب".

لقد أتى الرب يسوع من اليهودية إلى السامرة لأجل امرأة ساقطة. هذه صورة رائعة لمجيئه من بيت الآب إلينا "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد..." (1تي3: 16). "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلا4: 4و5). لقد جاء إلينا من عند الآب "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم..." (يو16: 28). لقد جاء لأجلنا خصيصا ليفتدينا نحن البشر الساقطين والغرقى في أوحال خطايانا. لم يكن مرغما في ذلك بل حبا لنا وفينا، وإعلانا لله لنا "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو1: 18).

ترد كلمة "يجتاز" مرارا عن الرب يسوع، وفي كل مرة كان يجتاز ليس كعابر سبيل، بل كان يجتاز ليصنع رحمة ويقدم إحسانا للبائسين المحتاجين إليه، ويظهر نعمة بلا حدود لبشر مساكين، فعلى سبيل المثال:-

 · "فدخل يسوع السفينة واجتاز إلى مدينته. وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحا على فراش" (مت9: 1و2). ولقد شفاه الرب بعد أن غفر له خطاياه.

 · "وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانا جالسا عند مكان الجباية اسمه متى. فقال له اتبعني. فقام وتبعه" (مت9: 9). وبالطبع غيره وجعله تلميذا له.

 · "وفيما يسوع مجتاز من هناك تبعه أعميان يصرخان ويقولان ارحمنا يا ابن داود" (مت9: 27) ولقد وهبهما البصر.

 · "واجتاز في مدن وقرى يعلم ويسافر نحو أورشليم" (لو13: 22).

 · "ثم دخل واجتاز في أريحا. وإذا رجل اسمه زكا... طلب أن يرى يسوع من هو... فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت..." (لو19: 1-10).

لقد اجتاز ووصل حيث توجد خرافه الضالة ليفتقدها ويشفي بؤسها ويسعدها، ولازال يجتاز في عالمنا هذا وطوبى لمن يلتقي به قبل فوات الأوان، لأنه سيأتي الوقت وذاك قريب فيه لا فائدة ولا مخرج بل يسمع الشخص هذا القول المرعب "...بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت حتى إن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون إلينا" (لو16: 26).

لقد أتى الرب يسوع ولازال يأتي. أتى إلينا في أتضاع لا يوصف "أخلى نفسه آخذا صورة عبد... ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في2: 7و8). لقد أكمل عمل الفداء وما يستلزمه خلاصنا. والآن يأتي إلى الخاطئ قارعا على قلبه مستخدما كلمته الحية الفعالة، مقدما له خلاصا ثمينا. ومن ترى يصغ لصوته؟.

إن قرعات المحبة لازالت تدوي على المسامع، وهو على أتم الاستعداد ليخلص ويمنح الراحة والفرح. لقد قال عن شعبه القديم "أني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين" (خر3: 7). وموسى يقول للرب "ها أنا آتي لبني إسرائيل...فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم" (خر3: 13). فهم لم يصرخوا إليه ولم يبحثوا عنه، لكنه هو الذي يسمع صرخة المسكين حتى لو لم تكن موجهة إليه. إن بره ورحمته هي لكل مسكين وكل بائس، لذلك اجتاز في السامرة وكان يعرض صلاحه ونعمته وفداءه وبركاته على كل من كان في السامرة.

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.