لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل الثالث

رابح النفوس الحكيم

"رابح النفوس حكيم" (أم11: 30).

 وأي حكيم مثل الرب الذي قال عن نفسه "أنا الحكمة أسكن الذكاء وأجد معرفة التدابير" (أم8: 12). فهو يعرف كيف يصل للنفوس، ومتى يصل إليها وبأي طريقة يتعامل معها. إنه يقبل الخطاة ويأكل معهم (لو15: 2)، وفي ذات الوقت يوبخ الفريسيين المرائين (مت23: 13-36). يصل إلى زكا العشار وهو فوق شجرة الجميز، وينتظر الخاطئة في بيت سمعان الفريسي (لو19: 1-10، 7: 36-50). يعرف الأسلوب المناسب لكل واحد من البشر لأنهم خليقته وصنعة يديه. يقول للمرأة الخاطئة "مغفورة لك خطاياك"، وفي ذات الوقت يوبخ سمعان الفريسي.

ولأنه الرب العالم بكل شيء جاء في التوقيت المناسب عند بئر سوخار ليتلاقى بامرأة متعبة في حالة الإعياء والتعب بسبب الانغماس في أوحال شهواتها. لقد تعب هو ليريحها هي، لذا يذكر عنه "إذ كان قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر". هذا الذي قال ولازال يقول "تعالوا إليَ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت11: 28).

بعد قيامته من الأموات ظهر لتلميذي عمواس وتظاهر لهما كأنه منطلق إلى مكان بعيد (لو24: 13-34). ربما عمل مع المرأة السامرية نفس الشيء، ربما أعطى لها ظهره حتى تنتهي من ملء جرتها دون أن تشعر بشيء متغير تجاهها. هذا درس يجب أن يتعلمه كل كارز بالإنجيل، بأن يعمل كل ما هو مريح للنفوس التي يتعامل معها. لقد وصل الرب يسوع إلى هذه المرأة في التوقيت الذي فيه باءت كل الأشياء التي كانت تسعى نحوها وتشرب منها بالفشل في إشباع نفسها. لقد وصل إليها هذا الشخص الذي في اليوم الأخير العظيم من العيد نادى قائلا "إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب" (يو7: 37) والذي قال "أيها العطاش جميعا هلموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا واشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا..." (إش55: 1و2).

 يجب أن تكون المبادرة في التبشير من المبشر. إن الرب يسوع هو أروع مثال لنا في ذلك، فالذي بادر بالكلام طالبا هو الرب يسوع وبالتالي كان لابد للمرأة السامرية أن تجيب سواء إجابة صحيحة أم غير صحيحة، وبعدها واصل الحديث معها بالنعمة، فما كان على النعمة إلا أن تنتصر.

بينما يذكر عن الرب يسوع أنه "تعب من السفر جلس..." يذكر "فجاءت امرأة من السامرة...لأن تلاميذه كانوا قد مضوا...". من الأشياء الرائعة المعلنة في إنجيل يوحنا عن المسيح أنه العالي المرتفع القدوس اسمه الكلمة الأزلي المعادل للآب والخالق لكل شيء الذي أتى في الجسد نراه ينفرد بالخطاة. فهو انفرد بنيقوديموس في يوحنا 3 وبالمرأة السامرية في يوحنا 4 وبالمرأة الزانية في يوحنا 8 وبالمولود أعمى في يوحنا 9 بعد أن طرده الفريسيون من المجمع (يو9: 35). إنه يريدهم ولا يريد من يتوسط بينه وبينهم. يريد أن يختلي بهم ليظهر ما بهم ويمنحهم ما عنده. إنه ينظف قبل أن يعطي، ولا يريد أحدا يعرف ما قال أو ما سمع لذلك يذكر "...لأن تلاميذه كانوا قد مضوا".

لقد أرسل كل تلاميذه ليحضروا له طعاما. كان من الممكن أن يرسل واحدا أو اثنين منهم ليقوموا بهذه المهمة ويظل الباقون منهم معه، أو يرسل الجميع ويظل واحد أو اثنين منهم معه، لكنه أرسلهم جميعا لأنه هناك كلام لا يقال علانية على مسمع الناس. والشيء العجيب أن الرب ينتهي من الحديث مع هذه المرأة ويعلن ذاته لها ثم يأتي تلاميذه إلى المكان ويتعجبون من أنه يتكلم مع امرأة، ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها. أما المرأة إذ كانت قد ارتوت في هذه اللحظة فتركت جرتها ودخلت المدينة لتخبر عنه. لم يتحدث الرب يسوع نهائيا مع التلاميذ عندما رجعوا إليه عن ما دار من حديث بينه وبين المرأة ولم يعرفهم نهائيا ما قالته من أسرار. يا له من مخلص حكيم.

في الوقت الذي فيه أعلن للمرأة عن ذاته بأنه المسيا، جاء تلاميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة. لنلاحظ روعة الآداب المسيحية ولنتعلمها من هذا الشخص الفريد، ربنا يسوع المسيح. عندما تقابل مع شيخ يقول الروح القدس عنه "هذا جاء إلى يسوع ليلا" (يو3: 2) ولما تقابل مع المرأة السامرية تقابل معها في وضح النهار في ظهيرة اليوم. ألا نتعلم من بين السطور دروسا لأنفسنا؟ إذا كان السيد العظيم القدوس اسمه فعل هكذا أليس بالأولى نحن؟.

يقول الرسول بولس "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام للمسيح ووكلاء سرائر الله. ثم يسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان أمينا" (1كو4: 1و2). يجب أن نتعلم كيف نحفظ أسرار الذين نخدمهم والذين يأتمنونا بأسرارهم، وإلا فكيف يأتمنونا بعد ذلك؟ وإن فقدوا الثقة فينا فماذا بعد هذا وهل نصلح أن نكون خدام للرب؟. مرات كثيرة يأخذنا الحماس العاطفي ونحكي في عظاتنا عن أشياء لا ينبغي لنا أن نحكي عنها تحت عنوان اختبارات من واقع الحياة، وننسى أن أصحاب هذه القصص موجودين معنا فننشئ فيهم جراح عميقة، شفاءها يتطلب وقتا طويلا. لقد كشف الرب أعماق المرأة السامرية ماضيها وحاضرها، لكنه لم يقل لتلاميذه شيئا عنها. لقد بدأ معها وأكمل عمله معها وفي ذات الوقت حفظ سرها، لكنها هي التي تركت جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس "هلموا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت" (يو4: 29).

هذا ومن جانب آخر نرى أن الرب باعتباره الله المتجسد كان يعلم عن المرأة كل شيء ما فعلته وما تعمله وما ستفعله، ورغم ذلك لم يخاطبها بشيء عن ماضيها أو حاضرها لكنه جعلها هي تعترف بما هي فيه ولاسيما عندما قال لها "اذهبي وأدعي زوجك وتعالي إلى هاهنا". وهنا نرى درسا رائعا لنا سواء في العمل الفردي أو الخدمة المنبرية، بأن لا نجرح الآخرين أو نحتقرهم بسبب أخطائهم، لكن لنشجعهم ولنظهر لهم محبة الله المعلنة في صليب المسيح التي وحدها تستطيع أن تفتقدهم.

 أمامنا في قصة المرأة السامرية أروع نموذج ومثال لربح النفوس. لقد كان متأنيا وصبورا على هذه المرأة رغم معرفته بتفاصيل حياتها، معطيا لها وقتا للتعبير عما يجول في خاطرها وفي أعماقها. لقد انتظر طويلا مع أنها أرادت الهروب منه إلى أن اعترفت وأقرت بما أراد هو أن يصل إليه، ولم يتركها حتى منحها الراحة والارتواء. يمكننا أن نتعلم هذا الدرس من سيدنا الكريم. لا يمكننا أن نخدم خدمة صحيحة إلا إذا تعلمنا المسيح شخصيا. لا نكتفي بما نتعلمه عنه ومنه فقط لكن لنتعلمه هو شخصيا، هذا الشيء الذي لا يمكن أن يكون إلا بالشركة والعشرة معه، بالمكوث عند قدميه ومع كلمته طويلا.

يمكننا أن نوجز ما فعله الرب يسوع مع هذه المرأة:-

1-  أتى إليها حيث هي تكون.

2-  تعب لأجلها فسار مسافة طويلة لوقت طويل لكي يصل إليها ليريحها.

3-  جلس منتظرا إياها بلا ملل أو قلق وانتظرها حتى أتت. فهو أتى قبل أن تأتي هي إليه

4-  أتى في التوقيت المناسب وكان نحو السادسة، في وقت الظهيرة وفي وضح النهار.

5-  عطش ولم يرتوي إلا بارتوائها.

6-  لم يستخدم معها أية كلمة أو عبارة جارحة.

7-  تأنى عليها ولم يتركها حتى حصلت على خلاصه وارتوت من نبعه فتركت جرتها.

من الأقوال السابقة يمكننا أن نتعلم درسين هامين على الأقل:-

الدرس الأول: هو أننا نحن البشر لم نذهب إلى الرب ولم نبحث عنه ولم نفكر حتى في خلاص نفوسنا، لكنه هو الذي أتى إلينا وبحث عنا "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة..." (1تي1: 15). "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد..." (يو3: 16). "ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8). "ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين هم تحت الناموس لننال التبني" (غلا4: 4و5). لقد تعب لنستريح نحن وعطش لنرتوي، وهو الآن ينتظر بطول أناة رجوع الخطاة إليه، فهو "يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة" (2بط3: 9).

الدرس الثاني: يجب أن نتعلم كيف نتأنى على النفوس التي نقدم لها بشارة الإنجيل، ولا نفشل بل نثابر حتى تصل إلى المسيح المخلص. كما يجب أن نتعلم كيف نختار المكان المناسب والوقت المناسب لزيارة الأشخاص ولاسيما لو كانت عائلات. يجب أن يكون موعد الزيارة متفق عليه من قبل، والتوقيت مناسب ليس في وقت النوم أو في ساعة متأخرة بالليل حتى لا يحدث انزعاج، ويجب أن يكون رب العائلة متواجد وإن لم يكن متواجد فيجب اصطحاب مؤمن في الزيارة. يجب أن يقدم المسيح المخلص دون التدخل في أمور عقائدية أو استخدام كلمات وعبارات جارحة أثناء الحديث. لقد كان الرب يسوع يعرف كل تفاصيل حياة المرأة السامرية، ماضيها وحاضرها، فهو "يعرف الجميع. ولأنه لم يكن محتاجا أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان" (يو2: 24و25). لكنه لم يتكلم معها بأية كلمة جارحة نهائيا بل أظهر لها المحبة والنعمة، أما هي فقد اعترفت له بخطيئتها (يو4: 17). لقد حدثها عن شخصه باعتباره عطية الله (يو4: 10). كان من السهل أن يكلمها عن ماضيها وحاضرها، ما فعلته وما تعيش فيه، لكنه لم يفعل ذلك. فهو لم يأت ليفضح ويكشف أسرار الناس لكنه جاء لخلاصهم وتحريرهم. لقد خاطبها بروح الوداعة والاتضاع ولم يخدش مشاعرها من قرب أو بعد. أنه يفهم أفكارنا من بعيد (مز139: 2) ومع ذلك لم يستخدم كلمة واحدة تسبب لها ألما، بل كان حلوا مميزا في كل حديثه "حلقه حلاوة كله مشتهيات" (نش5: 16). "انسكبت النعمة على شفتيه" (مز45: 2) "مملوءا نعمة وحقا" (يو1: 14). إن رسالة المسيح ليست هي رسالة التوبيخ ولا رسالة التهديد والتأنيب ولا هي رسالة التشجيع على عيشة الخطية وحياة البعد عن الله، لكنها رسالة الحب للبشر والنعمة التي تعطي بلا حساب خلاصا وارتواء وشبعا لأشر الخطاة.

من الأمور الرائعة التي نلاحظها في هذه القصة ترفق الرب يسوع وصبره وطول آناته وتحمله إياها. الشيء الذي يريد الرب أن يعلمنا إياه وهو أن نترفق بالنفوس البادئة التي لا تزيد عن أنها أطفال. إن "رابح النفوس حكيم" (أم11: 30). لو أدركنا أننا دخلنا إلى دائرة النعمة بذات الكيفية التي يدخل بها الآخرين لترفقنا بهم. فالنعمة التي خلصت نيقوديموس المتدين هي ذاتها التي خلصت المرأة السامرية المنبوذة والمعروفة بشرها، وهي التي خلصتنا نحن أيضا. إذا لماذا لا نترفق بالآخرين ونصبر عليهم؟ ولماذا نحسب أنفسنا أفضل منهم؟.

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.