لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله

الفصل العشرون

المرأة السامرية صورة لكل البشرية

"البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية" (أم14: 34)

إن المرأة السامرية هي أروع صورة للبشرية بعد السقوط في الخطية سواء كانوا أفرادا أو

جماعة، في صفاتها وفي مقابلة الرب معها.

أولا: في صفاتها

هذه المرأة تتصف بصفات هي ذات صفات البشر مثل:- 

أولا: هذه المرأة يملأها الخجل والشعور بالعار والخزي: وذلك بسبب الخطية والنجاسة وعدم مقدرتها على إشباع نفسها. لقد جربت خمسة أزواج وعاشت مع سادس ليس زوجها وهؤلاء جميعا لم يستطع واحد منهم أن يشبعها ويرويها. لذلك لازالت تبحث عن الرجل الذي تشتاق أن يملأ فراغها وفي امكانه أن يشبع قلبها. هذه هي صورة البشرية في مختلف أدوارها وحضاراتها المتنوعة، حتى في هذا العالم الحاضر رغم كل ما اكتشفه واخترعه لم يجد شبعه وارتواءه بعيدا عن المسيح. لا المال ولا الجمال ولا الشهوات ولا الانغماس في الملذات ولا التكنولوجيا العصرية وغيرها استطاعت أن تملأ فراغ الإنسان أو توجد له الشبع والارتواء. إن جميع الاختراعات وما يسمى سبل الراحة والرفاهية لم تشبع فراغ الإنسان ولم توجد له الارتواء. لقد فشلت البشرية في إشباع وتسديد احتياجاتها بدون المسيح.

ثانيا: إنها امرأة عطشانة: لقد جاءت بجرتها لكي تملأها وتشرب. هذه هي البشرية مصورة بامرأة ممسكة بجرة لكن البئر عميقة. لقد استقى البشر من أنهار كثيرة مثل نهر العلم ونهر الملذات حتى أصبحوا في عيافة للملذات ولا زالوا عطشى.

لقد جاء الرجل الحقيقي المشبع والمروي لعطش الإنسان. إن وصوله للمرأة ليس أمرا سهلا، فلكي يصل إليها قيل عنه "تعب يسوع من السفر...". لقد جاء الرب يسوع لكي يروي البشرية، ولأجلها قد تعب كثيرا، لذلك يقول الروح القدس "من تعب نفسه يرى ويشبع" (إش53: 11). كل من أراد أن يرتوي بعيدا عن الرب يسوع الذي جاء إلى العالم لأجل هذا الغرض، يتم فيه القول "تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء (إر2: 13).

 لقد تعب وجلس على البئر إلى أن أتت المرأة، ولأنه البئر الحقيقي والماء المروي لم يتركها دون أن ترتوي. هكذا كل من يقبل إلى الرب يسوع ويؤمن به. قال الرب يسوع "...إن عطش أحد فليقبل إليَ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي" (يو7: 37و38).

إن العالم يسأل: هل يقدر المسيح أن يروي ظمأ القلب؟ وينتظر جوابا لا نظريا لكن عمليا يراه في مؤمنين قد ارتووا منه بالفعل عندما تقابلوا معه. فلوط البار مثلا لا يمكن أن يعطي جوابا بنعم، ولا جيحزي أيضا. لكن إبراهيم ودانيال وبولس والسامرية يمكن أن يقولوا نعم.

ثانيا: في لقاء الرب معها

إن لقاء الرب مع المرأة السامرية إنما هو صورة رائعة للقائه مع كل واحد من البشرية. إنه لقاء عجيب ومجيد فيه نرى ماذا يقول الله للبشر وماذا يقول البشر لله. كيف يفكر الله تجاه البشر وكيف يفكر البشر تجاه الله. إن ما فكرت فيه وتكلمت به المرأة السامرية للرب يسوع هو ما تفكر فيه وتتكلم به البشرية تجاه الله. وجواب الرب يسوع للمرأة وأسئلتها هو جواب الله لأسئلة البشرية. لقد تكلم الرب يسوع مع المرأة سبع عبارات وكذلك المرأة تكلمت مع الرب يسوع سبع عبارات.

أولا: العبارات التي قالها الرب يسوع للمرأة السامرية:-

1-  العبارة الأولى: أعطيني لأشرب (يو4: 7): هنا نقطة بدء العمل الإلهي لنعمة الله، فكيف يطلب هذا الشخص العظيم من امرأة ساقطة؟! يا لها من نعمة معلنة "أعطيني" بها يجذب انتباه الخطاة إليه. "أعطيني لأشرب" ماذا يعني المخلص بهذا التعبير؟ من المؤكد أن تفكيره كان يرمي إلى شيء أعظم من الماء. إن العالم بالنسبة له لا يزيد عن أرض جافة ومعطشة والشيء المنعش له فقط هو في خدمة الخطاة المساكين المحتاجين لنعمته وبرجوعهم بالإيمان إليه. "أعطيني لأشرب" هذه أول عبارة، أخذ الرب يسوع فيها المبادرة في الكلام مع المرأة السامرية، فطلب منها أن تعطيه ليشرب. وهذا أمر طبيعي فالبدايات دائما هي من الله. فالرب هو الذي يذهب ويبحث عن الخطاة ليهبهم الخلاص. الإنسان خاطئ ولا يبحث عن الله بل يهرب منه، يعرف كيف يخطئ وكيف يخاصم وكيف يعادي، لكن الرب يعرف كيف يبحث وكيف يعالج وكيف يصالح وكيف يحرر ويخلص من الخطية والشيطان. يعلن الكتاب المقدس "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة" (2كو5: 18و19). من إنجيل لوقا نعرف أن الرب يسوع باعتباره الراعي الصالح يذهب لأجل الضال حتى يجده، والروح القدس يستخدم سراج الكلمة مفتشا باجتهاد عنه، والآب المحب كان مترقبا في شوق رجوع ابنه الذي ابتعد عنه (لو15). وهنا نرى أن البداية هي دائما من الله.

إن الذي قال للمرأة أعطيني لأشرب في سلطانه أن يعمل كل شيء، هذا الذي هو مركز المجد السماوي، لكنه على الأرض في مركز الاتضاع يعيش في عالم الخطية والألم. هذا الشخص العجيب موضوع مسرة الآب يتحمل إنكار الخطاة له وافتراءهم عليه. في ملء نعمته جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله. الخطاة والعشارون تقابلوا معه أما الفريسيون فنفروا منه. إنه يعمل كل ما يحركنا لنطلب منه العطية المجيدة الذي وحده يمتلكها. لقد تحدث مع المرأة السامرية بالنعمة الفائقة وبالتأني والصبر قادها خطوة بعد خطوة. لقد لمس قلبها وحرك ضميرها وأيقظ نفسها لتشعر باحتياجها الشديد. 

الماء يكلمنا عن الارتواء والإنعاش، والرب يسوع طلب من المرأة قائلا "أعطيني لأشرب". وهنا نسأل: هل الله يطلب ارتواء وإنعاش من الإنسان؟ وهل عند الإنسان الكفاءة ليقدم ما ينعش الله؟. نعم إن الله يطلب إنعاشا من الإنسان لأنه صنعة يديه وله تقديرا خاصا لديه. عندما خلق الله السموات وجندها، والأرض وكل ما فيها، لم يقل إلا كلمة "لأنه قال فكان هو أمر فصار" (مز33: 9)، لكن عند خلق الإنسان قال الله "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26)، وقال أيضا "لذاتي مع بني آدم" (أم8: 31)، وقال أيضا "...ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7). مع أن الرب يكره الخطيئة لكنه يحب الإنسان رغم كل خطاياه. إنه يحب الإنسان ويبحث عنه، لذلك أتى إليه متجسدا ومتضعا واحتمل الصليب بكل آلامه "لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام" (عب2: 10). إن إلهنا العظيم مكتف بذاته ولا يحتاج إلى مخلوق, لكن بسبب محبته العظيمة عنده رغبة عميقة وعطش شديد للإنسان.

لقد قال للمرأة السامرية "أعطيني لأشرب" ومع أنها لم تعطه لكنه ارتوى والدليل على ذلك لما جاء تلاميذه رأوا عليه علامات الشبع والارتواء حتى أنهم قالوا "أ لعل أحد أتاه بشيء ليأكل" (يو4: 33). فهو أكل طعاما آخر هم لم يعرفوه. لقد قال لتلاميذه "لي طعام آخر لآكل لستم تعرفونه أنتم... طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو4: 32و34). هذه هي أول عبارة من الرب وجهها للمرأة السامرية وللبشرية أجمع وكأنه يقول أنا أحبكم وأريد أن أرتوي بكم. "أعطيني لأشرب" صورة بليغة جدا تكشف لنا عن اشتياق الرب للنفس البشرية فهو يحبها قبل رجوعها. "أعطيني لأشرب" لكن كيف تستطيع مسكينة يائسة وبائسة مصابة بالعمى الروحي وخاطئة أن تعطيه؟ إنها لا تستطيع. فيجب أن تسأله أولا، بل يجب أن تقبله قبل أن تعطيه.

2-  العبارة الثانية: "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا" (يو4: 10): في هذه العبارة يعلن الرب يسوع أن الله لا يريد أن يأخذ من الإنسان، لكنه يريد أن يعطيه. وهذه العبارة يمكن أن تترجم هكذا "لو كنت تعلمين أن الله هو العاطي"، الله الغني عن الأخذ. إن كان الله يبحث عنا فهو يريد أن يعطينا. فهو الذي يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء (أع17: 25). حتى الإنسان الذي لازال يعيش في شره وبعده عن الله، الله لا يحرمه من عطاياه. لقد قال لتلاميذه "أبوكم منعم على غير الشاكرين والأشرار" (لو6: 35). إن عظمة الله في تقديره للإنسان تعلن من خلال أمور عديدة. فهو قد خلقه من تراب الأرض لكنه نفخ في أنفه نسمة حياة فصار نفسا حية (تك2: 7). وخلقه على صورته "على صورة الله خلقه" (تك1: 27). واهتم به فغرس له جنة ووضعه فيها (تك2: 8). وقال الرب الإله ليس جيدا أن يكون لوحده فأصنع له معينا نظيره. فصنع له حواء (تك2: 18و21و22). ليس ذلك فقط بل تجلت عظمة الله ومحبته في أروع صورها من خلال إرسال عطيته للبشر مع ابنه المحبوب وليس عن طريق ملاك أو أي شخص آخر. إن شفاء النفس وارتواءها هو في الله وحده وليس في شيء آخر سواه. يقول الرب يسوع للمرأة "لطلبت أنت منه" وكأنه يتوسل إليها لتطلب. يوجد في أعماق الإنسان فراغ ومن ترى يملأه؟ لا يستطيع أي شيء في هذا العالم أن يملأ هذا الفراغ إلا الروح القدس فقط الذي فيه كل الكفاءة ليعمل ذلك، لأجل هذا يقول الرسول بولس "امتلئوا بالروح" (أف5: 18). لا نظن أن الرب يدعونا لنرجع إليه ليأخذ منا شيئا، فنحن لا نملك شيئا، لكنه يدعونا لكي يعطينا. الداعي هو الآب، والعطية هو الروح القدس، والذي يصل بالعطية إلينا هو الابن. فالله في ثالوث أقانيمه يبحث عن الإنسان ويريد أن يسعده.

لقد كانت الخطوة الأولى: أن الله يعطي ولا يطالب، وهذا الأمر كانت تجهله المرأة السامرية بل واليهود أيضا لأنهم تحت الناموس الذي يعلن أن الله يطالب الإنسان. أما الخطوة الثانية: "ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب". إنها أمام الله الذي ظهر في الجسد ربنا يسوع، الذي وقف في الثغرة لصالح الإنسان العاجز والضعيف والميت، والذي أعلن لنيقوديموس أن الله أعطى أسمى ما عنده "حتى بذل ابنه الوحيد" (يو3: 16). قال الرب يسوع للمرأة السامرية "لو كنت تعلمين (إن الله يعطي)" ولو كنت تعرفين "من هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب". وهنا نرى أن الآب يعطي ولا يطالب، والابن الذي أرسله يعطي ماء حيا. لقد استطاع الرب أن يضعها في مركز المستقبل للعطية بدلا من أن تعطي، ولاسيما عندما أظهر لها أنه على أتم الاستعداد أن يعطيها إذا هي أخذت موقف المحتاج، لذلك قال لها "لطلبت أنت منه فأعطاك".

إن كثيرين يحرمون من نعمة الحياة والعطية لا لأنهم عملوا شرا أكثر من غيرهم بل لأنهم يجهلون عطية الله ومن هو العاطي. يجهلون شخص المسيح تماما من هو في ذاته وماذا فعل؟. لقد قال الرب عن شعبه "هلك شعبي لعدم المعرفة".

"لو كنت تعلمين.."، إنها تجهل مثلها مثل أي إنسان آخر، فجميعنا بحسب الطبيعة الساقطة نجهل ما هي "عطية الله"، نجهل من هو العاطي ونجهل النعمة التي بها يعطي، نجهل خلاصه الثمين والحياة الأبدية والمياه الحية التي يريد أن يهبها لنا. 

3-  العبارة الثالثة: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو4: 13و14): في هذه العبارة يعلن الرب يسوع عن ثلاث حقائق هامة هي:

 · نفس الإنسان في عطش: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا"، فالنفس في عطش مستمر. مكتوب "للعلوقة بنتان هات هات" (أم30: 15) هكذا الإنسان دائما يعلن عن احتياجه ولا يكف عن ذلك. لقد خلقنا الله في احتياج مستمر، لكن المشكلة تكمن في كيف يسدد هذا الاحتياج؟ وكيف يملأ هذا الفراغ؟. 

 · ممتلكات الإنسان لا ترويه: لا يمكن لنفس الإنسان أن ترتو ولو امتلك كل ما هو على الأرض، لهذا السبب يبحث في الكواكب الأخرى كالقمر لعله يملأ فراغه، ولكن هذا مستحيل. إن صنعة الله لا يملأها إلا الله. لقد قال سليمان الحكيم "الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس" (جا2: 11). فكل ما امتلكه سليمان الحكيم لم يشبع نفسه. 

 · كفاءة ما يعطيه الله: "لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد". ربما الماء هنا على الأرض يبرد لسان الإنسان من الحر للحظات، لكن في الأبدية لا يجد ما يرويه أو يبرد لسانه. هذا ما قاله الغني وهو في العذاب بعد موته لإبراهيم "ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب" (لو16: 24). لكن الماء الذي يعطيه الرب يسوع يروي إلى الأبد. ليس ذلك فقط، لكن يقول: "بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية". فهو يحول الإنسان من محتاج إلى معطاء. قال المسيح "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح القدس" (يو17: 38و39)، وفي هذه العبارة أيضا يحدثنا عن ثلاث حقائق، الأولى: الله يشتاق إلى نفس الإنسان. والثانية: الله هو العاطي. والثالثة: حقائق عن الإنسان والعالم والروح القدس.

لقد أعلن الرب يسوع أنه هو لا سواه يهب الماء الحي الذي كل من يشربه لا يعطش إلى الأبد. هنا نرى جلال اللاهوت في اتحاده مع أسمى أهداف المسيا المنتظر. فهو ينبوع المياه الحية (مز36: 9، رؤ22:1، إر17: 13، إش49: 10).

4-  العبارة الرابعة: "اذهبي وأدعي زوجك وتعالي إلى ههنا" (يو4: 16): بهذه العبارة كشف الرب يسوع النقاب عن ما في باطنها، وأعطاها أن تواجه حياتها بنفسها. لقد كشف لها حقيقة حياتها، انحلالها وتعاسة حالها. إن أعظم معجزة في المسيحية هي أنها تقدم للإنسان إعلانا مزدوجا: فهي تعلن أمجاد وقداسة وعدالة الله، وتعلن أيضا في محضره حالة الإنسان التعيسة واحتياجه الشديد إلى محبة الله ونعمته المخلصة. إن العبارة تنشئ فينا هذا التساؤل: ما هي علاقة الماء الحي بالزواج والزوج؟. وبالنظرة السريعة نقول أنه لا توجد علاقة, لكن الرب قصد أن يظهر لنا من خلالها أن هذه المرأة تصورت أنه في إمكانها أن تملأ فراغ النفس من خلال الزواج والأزواج، فابتدأت بالواحد حتى وصلت إلى الخامس. وإذ لم تجد ما يشبع ويروي قلبها اتجهت إلى السادس الذي قال الرب يسوع عنه "والذي لك الآن ليس هو زوجك." (يو4: 18) لكن ظل الفراغ متسع إلى أن كلمها الرب عن الماء الحي الذي يملأ فراغ النفس "لأن عندك ينبوع الحياة" (مز36: 9).

5-  العبارة الخامسة: "حسنا قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق" (يو4: 17و18): من هذه العبارة نرى أن قلب الرب يسوع امتلأ بالسرور بهذه المرأة لأنها أقرت واعترفت بالفراغ الذي تعيشه وأعلنت فشلها في إشباع نفسها. وكأنها تقول له لا يوجد ما يملأ فراغ قلبي. لذلك قال لها "حسنا قلت". إن كل من يعترف بأنه لا يوجد ما يملأ فراغ نفسه لابد أن يقول الرب له "حسنا قلت". إن الاعتراف بالخطيئة كما ذكرنا من قبل يقود إلى الإقرار بالفراغ. 

يصعب على الإنسان الاعتراف بالخطية لكن الله يعمل في النفس ليجعل الطريق للاعتراف سهلا، مثل آدم الذي قاده الرب للاعتراف. وهنا أيضا في هذه القصة ساعد المرأة وأعانها حتى اعترفت بخطيئتها. لقد شوه الشيطان صورة الله أمام الإنسان بأفكار خاطئة. لقد صور له أن الله قاسي يسر بعذاب الإنسان، لكن الله ليس هكذا، فهو يظهر الخطأ ويساعد الإنسان على أن يوافق ويقر بذلك وهو من جانبه يغفر. لقد قال العشار في صلاته لله "اللهم ارحمني أنا الخاطئ"، وكان الجواب الإلهي "أنه نزل إلى بيته مبررا دون ذاك" (لو18: 13و14). إنه الله الذي قال له موسى "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب" (ميخا7: 18).

 إن الرب لا ينتظر من الإنسان الخاطئ أكثر من القول "أخطأت" (2مل18: 4، 1أخ21: 8، مز41: 4، 51: 4). لقد قال الابن الضال عند رجوعه لأبيه "...أنا أهلك جوعا. أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك" (لو15: 17و18)، والأب رحب به بمجرد أنه قام وجاء إلى أبيه ولم يقل له أي كلمة تعيير أو عتاب، مع أن الأب كان فاهما ذلك. فبمجرد أن قال الابن "أخطأت" قال الأب لعبيده "أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه. واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه" (لو15: 21و22). إنه يغفر لأنه يسر بالغفران.

6-  العبارة السادسة: "يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب... ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق..." (يو4: 21-24): في هذه العبارة نرى أن الرب بعد أن كشف للمرأة ماضيها وحاضرها، فكرت في من يكون هذا الشخص، فقالت "أرى أنك نبي". وفي هذه العبارة اعتراف ضمني بالموافقة على كل ما قاله لها من جهة خطاياها، وكأنها تقول له "أنت تعلم كل شيء" (يو16: 30). المرأة الخاطئة التي جاءت إليه وهو في بيت سمعان الفريسي بكت وذرفت الدموع، ومع أنها لم تتكلم كلمة واحدة لكنه غفر لها خطاياها لأنه كان يعلم ما في قلبها ويعلم لماذا جاءت إليه. لقد قال لها "مغفورة لك خطاياك" (لو7: 48). وكذلك زكا العشار طلب أن يرى يسوع من هو، والرب كان يعلم ما يفكر فيه، لذلك جاء إليه خصيصا وبات في بيته وقال له "اليوم حصل خلاص لهذا البيت" (لو19: 9). فالرب يعلم كل شيء ويريد بل ويسر أن يغفر.  لقد حاولت المرأة السامرية الهروب من الرب يسوع ومن واقع حياتها إذ رأت أن أسرارها قد كشفت، فطلبت منه معرفة مكان السجود الحقيقي، لكن الرب حولها تماما عن السامريين واليهود إلى شخصه المبارك والسجود للآب. لقد قال لها "لا في هذا الجبل ولا في أورشليم" لكن حيث يوجد المسيح، هذا هو الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه.

7-  العبارة السابعة: "أنا الذي أكلمك هو" (يو4: 26): وأيضا تترجم هذه العبارة هكذا "إني أنا هو. هذا الذي يكلمك" وفيها يعلن الرب للمرأة عن ذاته بالقول "أنا هو" وهي تعني "أنا يهوه". لقد صارت المرأة في محضر الله وصار الرب يسوع معلنا لها. لقد بدأت في محضر رجل يهودي لا تريد أن تعطيه ماء وانتهت بأنها قد صارت في محضر الله، وصار الله معلنا لها. لقد بدأ بالقول "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب" وانتهت القصة بالقول "أنا هو". إنه يعلن عن ذاته بالقول "أنا هو" وهنا نرى أروع الإعلانات بأن الرب يسوع هو المسيا الذي كانت تنتظره، وهو أيضا يهوه. لقد نسي آساف ذلك عندما خرج من المقادس، لكنه عندما رجع قال للرب "من لي في السماء ومعك لا أريد شيئا في الأرض" (مز73: 25).

 ثانيا: العبارات التي قالتها المرأة السامرية للرب يسوع:-

في إنجيل لوقا نرى النعمة في عظمتها، فالابن الضال عند الخنازير في أوحال خطاياه ونجاسته، وأيضا يعيش في بؤس وشقاء وجوع وحرمان، لكن لما بدأ في الرجوع إلى أبيه وجد أن أبوه كان في انتظاره "وإذ لم يزل بعيدا رآه أبوه فتحنن وركض" (لو15: 20). فالأب كان دائما ينتظر رجوع ابنه إليه. إنه يشتاق لرجوع ابنه الضال. لا يوجد أروع من نعمة كهذه. وفي لقاء الرب يسوع للمرأة السامرية قال لها "أعطيني لأشرب". إنها أشواق الرب للنفس البشرية لأنه يحبها. لا يعرف قيمة النفس البشرية ويراها في وضعها الصحيح إلا الرب يسوع وحده الذي أوجدها في الإنسان وفداها بموته على الصليب وسفك دمه الكريم.

لقد قالت المرأة في لقائها مع الرب يسوع سبع عبارات وهي ذات اللغة التي يتكلم بها أي إنسان يعيش على الأرض، وهي كالآتي:-

1-  العبارة الأولى: "كيف تتطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية. لأن اليهود لا يعاملون السامريين" (يو4: 9): وهنا نرى المرأة ومعها كل إنسان تقول للرب يسوع: هل ترغب في التعامل معي؟ بالخطيئة عاديناك، ووصاياك لم نطيع وتمردنا عليك وعصيناك، وقلنا لك "ابعد عنا "، هل تقبل أن تصل إلينا وتتصالح معنا رغم العداء الشديد بيننا وبينك؟ هل ترضى أن تمد يدك إلينا وتضعها في أيادينا الملوثة بالخطية؟. إن المرأة السامرية تتعجب في كيف يرغب الرب في واحدة مثلها! وهذا ما حدث معنا نحن أيضا، فكل واحد منا يقول: كيف يقبلني الرب أنا الأثيم؟ أنا أعرف ماضيَ التعيس وكم من الخطايا والرذائل أنا فعلت. إنها مفاجأة مذهلة لزكا العشار الذي كان كل ما يريده أن يرى يسوع لكن الرب يسوع قال له "أسرع وانزل. لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5). إنه أمر يدهشنا جدا فبعد أن عملنا الشر والفجور وانغمسنا في بحور النجاسة والإثم يأتي رب المجد من عند الآب ليخلصنا!! نعم "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد..." (يو3: 16). لم يهان الله من كل الخليقة التي خلقها مثلما أهين من الإنسان الذي قال عنه "لمجدي قد خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7). لذلك لا غرابة إن كان الإنسان يستغرب من أن الله يحبه رغم التعدي عليه، فيسأل: هل الله يرضى ويرغب أن يقبل مثلي؟ لقد أجاب الرب يسوع بأروع كلمات بأنه ليس يريد أن يقبل فقط، لكن إلى أي مدى يحب، فقال للمرأة "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب". إن الله في محبته العظيمة ضحى بوحيده الابن الأزلي والذي سر بأن يسحقه بالحزن لأجلنا. "الله الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين" (رو8: 32). إننا لا نستغرب عندما نقرأ أن "الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا" (2بط2: 4)، وكذلك عندما نقرأ عنه أنه لم يشفق على العالم القديم في أيام نوح الذي أهلكه بالطوفان، وفي أيام لوط حيث أحرق ورمد مدينتي سدوم وعمورة بالنار والكبريت بسبب الفجور والإثم. لكننا نندهش جدا عندما نقرأ "الله الذي لم يشفق على ابنه"، مسرة قلبه، القدوس البار، والذي لم يعرف خطيئة. إن المرأة السامرية ترى أن معاملة رجل يهودي لها بهذه الكيفية لهي أعظم نعمة. إنه يحب الخاطئ ويرغب في رجوعه ويسر بأن يقبله. إنه تعب من السفر لأجل الوصول إليها. "كان لابد له أن يجتاز السامرة"، ليست حتمية جغرافية لأنه كان من الممكن له أن يصل من اليهودية إلى الجليل سائرا على الهواء كما سار على الماء ذاهبا للتلاميذ في الهزيع الرابع من الليل (مت15: 25) لكن كان لابد له أن يجتاز السامرة. إنه جاء خصيصا لأجل الخطاة ولذلك لا يستصعب أمر غفران خطايانا. إنه الشخص الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة (1بط2: 24). لنلاحظ إلى أي مدى بلغ عطاء الله للبشرية.

2-  العبارة الثانية هي "لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي" (يو4: 11): في هذه العبارة نرى تساؤلا آخر من الإنسان ألا وهو: إن الرب يرغب في قبولي والتصالح معي، لكن هل يقدر أن يشبع ويروي نفسي ويملأ فراغ قلبي العميق؟ فالبئر عميقة ولا دلو له. بمعنى أنه لا يمكن أن يصل إلى أعماق الإنسان. لقد قالت المرأة هذا وهي لا تعلم أن هذا هو الذي قال "روح الرب عليَ لأنه مسحني لأبشر المساكين. أرسلني لأشفي المنكسري القلوب. لأنادي للمأسورين بالإطلاق والعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية..." (لو4: 18و19). لقد كان جواب الرب للمرأة مظهرا عظمة إمكانياته، وكأنه يقول لها: ليس في قدرتي أن أروي عطشك فقط، بل أقدر أن أجعلك أيضا مصدر لارتواء الآخرين. يقينا لابد أن يملأ الرب فراغ النفس، وهذا ما فعله مع كل الذين آمنوا به ولازال يعمل. فهو يقدر مهما كانت الصعاب. يستطيع أن يتعامل مع شاول الطرسوسي المتدين ويتعامل مع المرأة الخاطئة أيضا، فمهما كان شر الإنسان وعجزه التام، لكنه يقدر أن يخلص إلى التمام (عب 7: 25). إنه يخلص في كل مكان وفي كل زمان. لقد خلص اللص التائب وهو في آخر لحظات حياته على الأرض. إنه يقدر أن يخلص. لقد كشف الرب يسوع للمرأة السامرية إمكانياتها في القول "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا"، وكشف لها أيضا إمكانياته في القول "ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو4: 13و14).

لقد أجاب الرب عن سؤالين هامين لهذه المرأة ولكل سائل مثلها:

السؤال الأول: هل الرب يقبل؟.

والسؤال الثاني: هل الرب يقدر؟.

وكان الجواب نعم إنه يقبل ويقدر. وهذا ما نراه في معجزة تطهير الأبرص وأيضا في معجزة تحرير الولد الذي كان به روح نجس. فالأبرص قال للرب "إن أردت تقدر أن تطهرني" (مر1: 40). فهو يؤمن أن الرب يسوع يقدر أن يطهر، لكن كان السؤال في أعماقه: هل يرغب ويريد نجس مثلي؟ ولذلك تحنن الرب يسوع عليه لأنه كان يعلم بكل ما يفكر فيه في أعماقه، و"مد يده ولمسه" قبل أن يقول له "أريد فاطهر". وكأنه يقول له: لو ابتعد عنك الجميع خوفا من أن يتنجسوا منك بلمسهم إياك، لكنني أنا أقترب منك لأني أرغب في قبولك لأني أحبك وأريد تطهيرك. أما أبو الولد الذي كان بابنه روح نجس قال للرب يسوع "إن كنت تستطيع شيئا فتحنن علينا وأعنا" (مر9: 17-22). فهذا الرجل كان يؤمن أن قلب الرب يسوع مملوء بالحنان والشفقة، لكن في أعماقه تساؤلا وهو: هل يقدر الرب أن يحرر ابني؟ ولذلك قبل أن يحرر الرب الولد من الروح النجس، قال للأب "إن كنت تستطيع أن تؤمن. كل شيء مستطاع للمؤمن. فللوقت صرخ أبو الولد بدموع وقال أومن يا سيد فأعن عدم إيماني" (مر9: 23و24) وعندئذ حرر الولد من الروح النجس.

فالأبرص يقول: هل يقبل. وأبو الولد يقول هل يقدر؟ والرب قد أجاب على كليهما. 

3-  العبارة الثالثة:"يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي" (يو4: 15): وفي هذه العبارة نرى أن الإنسان دائما يفكر في العطايا المادية لا الروحية، مع أن العطايا المادية لا يمكن أن تشبع أو تروي ظمأ الإنسان. إنها المياه العالمية التي شربت وتشرب منها الناس والبهائم. هذا ما قالته المرأة للرب عن بئر سوخار "شرب منها يعقوب وبنوه ومواشيه" (يو4: 12). لقد قالت المرأة للرب يسوع: "يا سيد أعطني هذا الماء"، فكل تفكيرها كان في الماء الذي في البئر. لقد طلبت هذا الطلب لسببين، الأول: لكي لا أعطش. والثاني: ولا آتي إلى هنا لأستقي. فهي لا تزال عطشى، وأيضا عبرت عن الإعياء الجسدي والأدبي والملل من المجيء اليومي لتستقي. إن الرب يسوع يعطي المياه الروحية التي تروي، إنها عطية الروح القدس المروي والمعزي. العطايا المادية لا يمكن أن تروي النفس، فالمال مثلا يمكن لنا أن نشتري به ما نحتاج إليه جسديا، لكن لا يمكن أن يوجد لنا الراحة النفسية أو الفرح والسلام الدائم والحقيقي. العطاء الروحي الذي يعطيه الرب لنا هو فقط الذي يملأ الفراغ الإنساني. قال الرب يسوع "اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت6: 33). فهو يشبع القلب بشخصه أولا بالروح القدس ثم يعطي الماديات بعد ذلك. لقد بدأ الرب الحديث مع هذه المرأة بالقول "أعطيني" وانتهى هذا الحديث بأن المرأة قالت له "أعطيني". لقد عرف كيف يجذب النفس دون أن يجرحها حتى تشعر بالاحتياج. إنه رابح النفوس الحكيم. يا لها من عطية رائعة! عندئذ قالت له المرأة "يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى ههنا لأستقي" (يو4: 15). هذه هي أول طلبة وأول كلمات تنبع من قلبها "أعطني". لقد قالت للرب أول مرة "كيف"، ثم في المرة الثانية قالت "أ لعلك أعظم من أبينا يعقوب"، لكن في هذه المرة قالت له "أعطني هذا الماء". لقد سمعت المرأة عن الله المعطي، والابن الذي جاء متجسدا ليمكنه أن يقول لها "أعطيني لأشرب"، والروح القدس الذي هو الينبوع الذي ينبع إلى "حياة أبدية"

الناس لا يمانعون في أن يعطيهم الرب شيئا أو كل شيء، بشرط أن يترك الينابيع الخاصة بهم دون إبعادها. بمعنى أن يترك الرب هذه الينابيع ليشربوا منها وليعطهم بجوارها!! من السهل جدا أن نقول للرب "أعطيني" على أن نظل متمسكين بما عندنا!! إنها رغبة ليست صحيحة، ولا يمكن أن الله يعطي لشخص مثل هذا إلا إذا تنازل الإنسان عن الينابيع العالمية وكل مصدر للارتواء غيره. 

4-  العبارة الرابعة: "ليس لي زوج" (يو4: 17): لقد قال الرب يسوع للمرأة "اذهبي وأدعي زوجك" في هذه العبارة نرى شيئين: الأول هو الإقرار بحالتها، والثاني هو الإقرار بفشل المصادر البشرية الأرضية التي اعتمدت عليها في ارتواء نفسها والتخلي عنها. لا يمكن للإنسان الخاطئ أن يأتي إلى الرب إلا بعد أن يقر أن كل شيء غير الرب سراب. إن الآبار التي ينقرها الإنسان لنفسه هي آبار مشققة لا تضبط ماء. (إر2: 13). هل نعترف بأننا لم نجد راحة بعيد عن المسيح؟ هل نقر أن الشيء الذي كنا نظن أنه يروينا فشل في ذلك؟ هل بانكسار قلب نقر ونعترف بذلك ونتحول عن خرنوب الخنازير وشهوات العالم ونأتي إلى الرب؟. لقد أجابت المرأة بإجابة رائعة إذ قالت "ليس لي زوج". لقد دخل الرب يسوع معها في التحدي بأن تستدعي أي زوج قد أشبع فراغها العاطفي والنفسي، فكان إقرارها بأن لا شيء يستطيع أن يروي النفس لذلك قالت له "ليس لي زوج".

في الأصحاح الرابع من إنجيل يوحنا نرى العالم في فجوره والرب يسأل البشر هل وجدتم ما يشبع قلوبكم؟ والإجابة لا يوجد. وفي الأصحاح الخامس نرى البشر تحت الناموس قريبين من الله، لكنهم في حالة العجز التام، ممثلين بمريض بركة بيت حسدا ولسان حالهم "بينما أنا آت ينزل قدامي آخر" (يو5: 7). لقد قال الرب للمريض "أتريد أن تبرأ"؟ فكان جوابه "ليس لي إنسان". لقد قالت المرأة السامرية "ليس لي زوج"، وقال مريض بركة بيت حسدا "ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء". لا يوجد أروع من أن نقول للرب "ليس لي" وعندئذ يصير الرب لنا كل شيء (رو8: 31، عب13: 6).

لقد اعترفت المرأة وأقرت بأنها في فراغ عميق "ليس لي زوج". إنها تعترف أنه بالبعد عن الرب لا يوجد شبع أو ارتواء.

يجب أن يعترف الإنسان بالخطية، هذه مطالب الله العادلة. لا يمكن للرب أن يمتع الخاطئ بالخلاص إلا إذا اعترف بخطاياه. "اعرفي فقط إثمك أنك إلى الرب إلهك أذنبت..." (إر3: 13). الرب لا ينتظر من المرأة اعتراف تصغه هي لنفسها، لكن هو صاغه وينتظر منها المصادقة، لذلك قال لها "كان لك خمسة أزواج..." وينتظر منها المصادقة. لقد قال الرب لآدم "أين أنت" ثم قال له "هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها". الله لم ينتظر أكثر من مصادقة الإنسان على ما قاله له. الله لا يريد من الإنسان تقرير عن ما فعل، لكن ينتظر من الإنسان المصادقة على تقريره هو، لأن الله يعرف الإنسان أكثر من معرفة الإنسان لنفسه. الابن الضال في رجوعه لأبيه عمل لنفسه تقريرا يقول فيه لأبيه "أخطأت إلى السماء وقدامك". هذه العبارة رائعة لكنه وضع بعد ذلك تقريرا لا لزوم له إذ قال "ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا. اجعلني كأحد أجراك" (لو15: 19). في الحقيقة هو لا يستحق أن يكون أجيرا أو عبدا بل بحسب شريعة الله وأحكامه يستحق الرجم (تث21: 18-19) ولذلك لم ينتظر له أبيه حتى ينطق بما قرر أن يقوله، ولما أدخله البيت وعمل له كل ما يلزم قال "ابني هذا كان ميتا"، فهو لا يستحق أن يكون أجير لكنه يستحق الموت.

الله لا يريد من الخاطئ تقريرا أو تشخيصا فهو في استغناء عن ذلك تماما، فهو فاحص القلب ويقول في تقريره عن قلب الإنسان "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه. أنا الرب فاحص القلب ومختبر الكلى" (إر17: 9و10). متى اعترف الإنسان فهو يعترف ببعض الأخطاء، لكن تقرير الله "إن كل الرأس مريض وكل القلب سقيم" (إش1: 5). لقد قال الرب للمرأة "كان لك..."، ومن المؤكد متى رجع الإنسان إلى الله يكشف له الرب حالته فيدرك أن "الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد".

5-  العبارة الخامسة: "أرى أنك نبي" (يو4: 19): في هذه العبارة نرى أن المرأة تعلن الموافقة على كل ما قاله الرب يسوع لها وهذا ما يريده الرب منا أن نقر ونعلن أنه "ليس لي". لقد كان عند اليهود معرفة بأن النبي يعرف ويعلم حالة القلب. عندما جاءت المرأة الخاطئة إلى الرب يسوع وهو في بيت سمعان الفريسي، قال سمعان "لو كان هذا نبيا لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي. إنها خاطئة" (لو7: 39). لهذا السبب أيضا قالت المرأة السامرية للرب يسوع "أرى أنك نبي"، وبمعنى آخر إن كل ما قلته عني هو حقيقة. لقد عرفت أن رسالته رسالة نبي من خلالها أدركت ما هي الخطية وما هي نتائجها؟ وعرفت أن علاجها هو عنده هو فقط. لقد جعل الرب لآدم أمر المصادقة سهلا، لكن آدم قال لله "المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت". فبدلا من أن يصادق على تقرير الله أراد أن يبرر نفسه فألقى اللوم على الآخرين. وهكذا كان الحال مع قايين الذي قتل أخيه. لقد قال للرب "ذنبي أعظم من أن يحتمل" وكأنه يقول لله هذا القصاص ظلم فأنا لا أستحق هذا. للأسف إن كثيرين من الناس يسلكون ذات الطريق، طريق قايين، وعندما نتكلم عن نار جهنم يقولون هذا ظلم، ماذا فعلنا حتى تكون النهاية هكذا؟!

6-  العبارة السادسة: "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه" (يو4: 20): في هذه العبارة عرضت المرأة مشكلة جديدة وهي: أين تذهب بعد ذلك لتسجد وآباؤها قالوا أن السجود في هذا الجبل (جبل جرزيم)، والمسيح الذي تقف أمامه قد كشف لها ماضيها وحاضرها وهو بحسب تفكيرها رجل يهودي، واليهود يقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه؟ لذلك تلتمس منه أين تذهب لتقدم الذبيحة؟. وكأنها تريد أن تقول أنا علمت أني إنسانة خاطئة وهالكة وأريد أن أطلب الغفران، لكن أين أطلبه في هذا الجبل أم في أورشليم؟. إن كثيرين مثل هذه المرأة، وصلوا إلى معرفة أنفسهم لكنهم يبحثون عن الطوائف وأنواعها!! لقد قال الرب يسوع للمرأة "يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب...ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو4: 21-24).

عندما قال الرب يسوع لها "اذهبي وأدعي زوجك" قال لها أيضا "وتعالي إلى ههنا". لو انتبهت إلى قوله هذا لعلمت أنه لم يدعها إلى هذا الجبل ولا إلى أورشليم لكن يدعوها إلى شخصه المبارك، "إلى ههنا" حيث يوجد هو. لنلاحظ القول "ههنا" والقول "الآن". هنا: حيث يوجد المسيح، فهو الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه.

"تعالي إلى ههنا" إن الرب موجود حسب وعده "وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم" (مت18: 20). "هنا والآن" حيث تسمع بشارة الإنجيل، وأنت في محضر الرب وأمامه. عندما تسمع وفي المكان الذي تسمع صلي إلى الرب قائلا "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" وستجد صليب المسيح أمامك ودمه الكريم يطهرك من كل خطية ومن هذه اللحظة تخرج إنسانا جديدا هاتفا بالقول "الذي أحبنا وقد غسلنا بدمه من خطايانا وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه" (رؤ1: 5). 

7-  العبارة السابعة: "أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء" (يو4: 25): لقد وصل الرب بهذه المرأة إلى الشعور والرغبة العميقة للارتباط بشخصه المبارك. هذا هو عمل الله في النفس. ليس رغبة لمكان ما أو اشتياق إلى تعاليم أو حقائق أو عقائد تخص المسيح لكن الاشتياق إلى شخصه.

في العبارة السابقة التي تكلمت بها المرأة مع الرب يسوع كأنها تسأله قائلة: هل أنت المسيا؟ وهنا أعلن الرب ذاته لها بالقول "أنا الذي أكلمك هو" وهنا حدث التغيير العظيم، فتركت جرتها وكأنها تقول لا أريد شيئا بعد أن عرفت يسوع. لقد تركت جرتها ومضت لمدينتها مخبرة قائلة "هلموا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت. أ لعل هذا هو المسيح" (يو4: 29). وهذه كانت آخر العبارات التي تكلمت بها. وفي هذه العبارة نرى دور الإنسان بعد الخلاص. يجب أن نذهب لكل الناس وأن نخبرهم بأخبار الإنجيل السارة، نكرز بالمسيح المحب لكل العالم. لقد كان لبشارتها تأثيرا عظيما فالمدينة كلها خرجت إلى الرب يسوع.

هذه هي قصة كل شخص التقى الرب يسوع به، وليتها تكون قصة القارئ العزيز أيضا. إن الرب يريد منا شيئين:-

  الأول: الإقرار بأنه لا يوجد شيء في العالم يشبع ويروي قلب الإنسان.

  الثاني: قبول إقرار الله عن حالة الإنسان والاعتراف بأنه لا يوجد ما يروي النفس إلا الرب يسوع وحده.

إن لم نقر الآن بذلك هنا في حياتنا على الأرض، سيقررها كل من يرفض في هاوية العذاب ويكون لسان حاله مع الغني "أرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب" (لو16: 24).

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.