لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل الخامس عشر

 

لماذا تكلم الرب مع المرأة السامرية؟

 

"يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه. ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء. لأن من يعرف فكر الرب أو من صار له مشيرا" (رو11: 23و24).

 عندما كان ربنا المعبود على أرضنا بالجسد كان غير متكلف، ولم يظهر بمظهر ليس مظهره ولم يلبس ثوب غير ثوبه. كان يمشي وبتعب، ويجلس ويصوم ويجوع ويأكل وينام ويصحو ويحزن ويكتئب ويدهش. قال عنه كاتب العبرانيين "مجرب في كل شيء مثلنا" (عب4: 15). كان إنسانا طبيعيا مثلنا تماما، كان بكل بساطة وتلقائية يتحدث ويتكلم بأعظم الأمور. مع أن العمق والبساطة لا يجتمعان معا. فالكلام عندما يكون عميقا لا يكون بسيطا وعندما يكون بسيطا لا يكون عميقا بل يكون سطحيا. لكن الرب يسوع جمع بين الاثنين، عمق الكلام وبساطته. فهو العارف الفاحص الفاهم والقادر على كل شيء. عندما كان هنا على الأرض تقابل مع كثيرين، تكلم مع البعض منهم بعمق شديد، وآخرين تحدث معهم في يسر وسهولة. لا يفكر فيما يريد أن يقول، فهو يعرف احتياج الروح، ويعرف أعماق النفس.

عندما رجع التلاميذ من شراء الطعام تعجبوا من أن المسيح يتكلم مع امرأة، خاصة وأنها امرأة سامرية، لكنهم لم يقاطعوه. فقد كانوا يدركون أن معلمهم يعرف ماذا يفعل ولا يحتاج إلى مشورتهم. رغم ذلك كان الأمر بالنسبة لهم غريب حتى أنهم تعجبوا منه "كانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة" (يو4: 27). وهنا نسأل لماذا كانوا يتعجبون؟ وللجواب نقول:-

 · من المعروف أن الرب يسوع هو رب ومعلم، وكان في معتقد اليهودي أن الرب والمعلم لا يتحدث مع امرأة فهذا غير لائق بالمعلم، فالمعلم يجب أن يكون أمامه رجل.

 · في العصر الذي ولد فيه المسيح كان التقليد الشرقي يمنع حديث الرجل مع امرأة، ولأن المسيح ولد في هذا المجتمع، ومن المعروف أن المسيح يحترم التقاليد، فكيف يتصرف هذا التصرف؟ الأمر الذي جعل تلاميذه يتعجبون متسائلون "كيف يتكلم مع امرأة"؟.

 · غير مسموح أن يتكلم رجل مع امرأة في مكان منفصل وعلى انفراد.

 · كان المسيح رجل يهودي وهذه المرأة سامرية واليهود في ذلك الزمان لا يعاملون السامريين. فبهذا التصرف تخطى الرب حدود النظام اليهودي وفعل ما لا يجب فعله.

 · لأنها كانت امرأة خاطئة وربما كانت لها شهرة لارتباطها بالرجال.

يجب أن نلاحظ أن الرب يسوع لم يتحدث مع المرأة السامرية لكنه جلس على البئر وعندما جاءت طلب منها طلبا "أعطيني لأشرب". فهو لم يتحدث معها لكنها هي التي تحدثت معه كثيرا. كما أنه لم يتكلم معها كلاما عفويا أو كلاما للمغازلة من الكلام الذي اعتادت أن تسمعه من كثيرين، لكن كان يكلمها ويحدثها بقوة الكلمة التي تخرج من فمه. لقد قال لها لو كنت تعلمين عطية الله...لطلبت أنت منه" (يو4: 10) وقال لها أيضا "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون" (يو4: 21). واضح لنا أن كلامه كان له سلطان على ضميرها، كما أن كلامه أثمر في حياتها. فهو لم يتحدث معها عن قصة ما أو حكاية جذابة، لكنه تكلم بكلام نافذ لأعماقها ومثمرا في حياتها. إنه لم يذهب صدفة لبئر يعقوب لكنه ذهب وهو يعلم لماذا ذهب. إنها مشيئة إلهية ومحبة بلا حدود لمسكينة تحتاج إلى محبته ونعمته المخلصة.

ومن هنا نسأل لماذا تكلم المسيح مع المرأة السامرية؟ وللإجابة نقول:-

1-  تكلم معها لأنه يحبها: فهو المحب للعشارين والخطاة (لو7: 34). وهي واحدة من أولئك. لا يعرف الحب إلا من هو المحبة ذاتها "الله محبة" (1يو4: 16) "لأنه هكذا أحب الله العالم..." (يو3: 16) أما نحن البشر لا نعرف كيف نحب إلا بعد أن نولد ثانية ونصير شركاء الطبيعة الإلهية لأن المحبة ليست من طبيعتنا الساقطة (1بط1: 3، 2بط1: 4). إن المسيح هو الله المتجسد ويعرف هذه المرأة جيد المعرفة، لم تخف عنه أسرارها وبواطن حياتها، ولذلك سار على قدميه المسافة الطويلة لكي يصل إليها. يقول الرسول بولس للمؤمنين "فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2كو8: 9) ويقول أيضا "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة..." (1تي1: 15). مع أن المرأة السامرية كسرت إحدى الوصايا السامية وكسرتها بكل قوتها. لكنه تبارك اسمه إلى الأبد أحبها فذهب إليها. إنها مكروهة ومشبوهة من الجميع، ولقد تألمت من الأزواج ومن الناس ومن كلامهم الموجع. رغم ذلك فإن الشخص الوحيد الذي أحبها هو الرب يسوع والذي ذهب إليها خصيصا ليرويها ويريحها ويشبعها. إن كان الرب يسوع قد أحبها فهو يحبنا نحن، أنت وأنا وكل إنسان. فهل نستفيد من محبته؟

2-  تكلم معها لكي يخلصها ويحررها: كان من الممكن للرب أن يتكلم ويجلس مع الشريفات والنزيهات. لكنه تقابل مع هذه المرأة لأنه يريد أن يخلصها من خطاياها ويحررها من عبودية الشيطان. إنه لم يأت ليعلم تعاليم أو مبادئ، مع أنه علم وتكلم بما لا يستطيع آخر سواه أن ينطق به أو يعلم به لأنه هو المعلم الصالح، لكنه جاء أساسا "ليخلص الخطاة" (1تي1: 15). جاء لكي يخلص من الخطية وعقوبتها ويحرر من عبودية إبليس وينجي من دينونة الله العادلة ومن لعنة الناموس الشيء الذي كلفه أن يبذل نفسه بدلا عنا على الصليب. "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا" (يو8: 36). إن اسمه "يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت1: 21). هذه المرأة كانت من ضمن خطة الرب يسوع، لقد كانت من ضمن البشر الذين أتى لأجلهم. "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس. ويعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية" (عب2: 14و15).

3-  تكلم معها ليرويها ويشبعها: لقد ارتبطت هذه المرأة بخمسة رجال، واحد بعد الآخر والسادس الذي لها ليس زوجها، لكنها أخيرا التقت بالسابع، رب المجد القدوس اسمه، ربنا يسوع المسيح الذي استطاع وحده أن يروي ويشبع قلبها. لقد قال لها "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو4: 13و14). لقد كانت هذه المرأة محتاجة ولم تجد أحد يقول لها ولو كلمة تشجيع أو يشاركها مشاكلها، لكن عندما التقى الرب يسوع بها وجدت كل ما تريد وأعطاها ما لم يعطه لها آخر. إنه المسيح الذي يشبع القلب الذي قال "أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليَ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا" (يو6: 35) وقال أيضا "...إن عطش أحد فليقبل إليَ ويشرب..." (يو7: 37). على قدر ما يسعى الإنسان وراء آخر غير المسيح لا يجد إلا المواجع "تكثر أوجاعهم الذين أسرعوا وراء آخر" (مز16: 4) لذلك لنرجع إليه فنجد فيه الماء الحي الذي يروي وخبز الحياة المشبع.

4-  تكلم معها ليخرج ما في داخلها: كانت هذه المرأة تعيش في مستنقع النجاسة والخطية ولم تفكر في يوم ما بأن ترجع إلى الله معترفة بخطاياها. وواضح لنا من أقوال الله أن "من يكتم خطاياه لا ينجح. ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم28: 13). كان لابد للرب يسوع أن يتكلم معها متأنيا إلى أن يقودها للاعتراف. لقد وصل معها إلى الطلب، قالت له "يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي"، عند هذا القول قال لها الرب يسوع "اذهبي وأدعي زوجك وتعالي إلى هاهنا" (يو4: 15و16). فكان جوابها "ليس لي زوج" لقد كان في جوابها اعتراف بالخطية، وإن كانت لم تعترف اعترافا كاملا لكن ساعدها للوصول إلى الحقيقة وأخرج ما هو خفي من داخلها. لذا قال لها "حسنا قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج. والذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق" (يو4: 17و18). 

5-  تكلم معها ليصحح مفاهيم خاطئة كثيرة في ذهنها: لقد ظنت أن المسيح الذي جلس على البئر هو مثل أي رجل يهودي، لذلك قالت له "كيف تطلب مني وأنت يهودي...واليهود لا يعاملون السامريين" (يو4: 9). وقالت له أيضا "أ لعلك أعظم من أبينا يعقوب" (يو4: 12). ولما كشف أسرار حياتها قالت "أرى أنك نبي". وإلى هذا الحد لم تقل القول الصحيح عن الرب يسوع فاستمر يتكلم معها إلى أن أدركت أن هذا هو المسيا، الأمر الذي جعلها تترك جرتها وتذهب إلى المدينة مخبرة، قائلة "إنسان قال لي كل ما فعلت. أ لعل هذا هو المسيح" (يو4: 28و29). هذا ومن جانب آخر لقد ظنت أن الارتواء الحقيقي هو في الشهوات والملذات، لكنه عرفها أن الارتواء الحقيقي في شخصه المبارك بل ورواها أيضا (يو4: 13و14). وأيضا كان لديها مفهوم خاطئ عن السجود فقالت للرب يسوع "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه" لذلك صحح الرب يسوع مفاهيمها فقال لها "...لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب...ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق..." (يو4: 20-24).

6-  تكلم معها ليهدئ من نفسها ويطمئنها: ربما استغربت إذ رأت أن رجل في هذا التوقيت الذي تعودت أن تأتي فيه لتملأ جرتها وهي تعلم أنه لا يوجد عند البئر أي شخص في هذا التوقيت، وربما فزعت وارتبكت من هذا الشيء وخاصة عندما طلب منها "أعطيني لأشرب". ولذلك كان لابد من أن يتكلم معها ويسمعها حتى تهدأ فتأخذ قرارا صحيحا من جهته. لقد شعرت بالأمان في محضره وراحة في أن تتحدث معه حتى أنها سألت عن أمور هامة مرتبطة بالسجود، وعن قناعة مضت لتخبر بأن هذا هو المسيا.

7-  تكلم معها ليستخدمها في إرسالية خاصة لا يصلح فيها أحد من تلاميذه: جيد للشخص الذي انهزم في مكان أن يتوج فيه، وجيد للمرأة السامرية أن تشهد وتستخدم من الرب بين الناس الذين جرحوها والمدينة التي تشوهت فيها سمعتها. لقد "تركت جرتها ومضت ودخلت إلى المدينة وقالت للناس إنسان قال لي كل ما فعلت". ربما كثيرون من المدينة لم يسمعوا عنها، لكنها أخبرت في كل المدينة وكانت النتيجة أن كثيرين من تلك المدينة آمنوا به. يا لها من نعمة عظيمة تستخدمها بعد أن خلصتها. لعلنا نذكر المجنون الذي حرره الرب يسوع من الأرواح الشريرة فبعد أن حرره أرسله إلى ذات بيته وقريته ليخبر بكم صنع الرب به ورحمه. (مر5: 19و20).

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.