لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير إنجيل مرقس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح السادس عشر

1 وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. 2 وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. 3 وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ:«مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟» 4 فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا. 5 وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. 6 فَقَالَ لَهُنَّ:«لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ ههُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. 7 لكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ». 8 فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ. (عدد 1-8).

أن تاريخ القيامة في إنجيل مرقس مختصر وبسيط جدًا. ولا ريب في أن نساء كثيرات من اللواتي تبعنَ يسوع زرنَ القبر، الواحدة بعد الأخرى. ولا يُخفى أن مريم المجدلية وصلت إليهِ قبل غيرها، وأن مريم الأخرى وسالومة كانتا معًا ثم أتت الأخريات. فكل إنجيل كتب لنا ما هو لازم لإيماننا حسب التعليم الخاص الذي شاء الله أن يعرضهُ علينا في ذلك الإنجيل. فأننا نرى في إنجيل يوحنا  مثلاً: قصة مريم المجدلية وذلك الخبر التمثيل المُلائم لذلك الإنجيل. على أن العدد التاسع من هذا الإصحاح يتكلم عن ذلك أيضًا. فقد أتت مريم المجدلية حين كان لم يزل ظلامًا بعدُ أما هنا في إنجيل مرقس فقد قيل: أنها  أتت عند شروق الشمس. والنساء الأخريات ابتعنَ اطيابًا لتحنيط جسد يسوع فربما كنَّ ابتعنَ بعضها قبل السبت ليسترحنَ فيهِ حسب الوصية ولا ريب في أنهنَّ انتظرنَ بعد انقضاء السبت حتى الصباح ليطيبنَ يسوع.

ولكن لما أتت مريم المجدلية القبر كان الملاك النازل من السماء قد دحرج الحجر الكبير، ولم يكن السيد بعدَ هناك، فأنهُ كان قد قام بالقوة الإلهية بغاية السكون، وكانت كل ثياب القبر بترتيب وانتظام. وقد قصَّ مَتَّى في الإصحاح الثامن والعشرين بعض الحوادث التي أجراها الله لكي يجتذب التفات البشر إلى حقيقة قيامة يسوع غير أن يسوع لم يكن في القبر حين وصول النساء إليهِ. فالحجر الكبير لم يكن مانعًا لقيامة يسوع وخروجهِ؛ فأن القوة الإلهية التي أقامتهُ من الأموات والجسد الروحي الذي حصل عليهِ حينئذٍ جعلا غيابهُ عن القبر واحتجابهُ سهلاً.

9 وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. 10 فَذَهَبَتْ هذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. 11 فَلَمَّا سَمِعَ أُولئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا. 12 وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. 13 وَذَهَبَ هذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هذَيْنِ. (عدد 9-13).

أن مرقس وحدهُ يذكر في العدد التاسع زيارة مريم المجدليَّة الأولى القبر، وفي العدد الثاني يذكر عن مريم الأخرى وسالومة. على أن مريم المجدليَّة كانت قد ذهبت من القبر؛ لتُعلن لبطرس ويوحنا أن جسد الرب ليس بعد في القبر. فدخل النساء القبر ووجدن الحجر مُدحرجًا ورأينَ ملاكًا جالسًا إلى يمين المكان حيث كان يسوع موضوعًا. فخاطبهنَّ تشجيعًا لهؤلاء النساء المرتعدات الأمينات، وقال: لا تندهشنَ أنتنَّ تطلبنَ يسوع الناصري المصلوب قد قام ليس هو ههنا ثم أراهنَّ المكان الذي كان موضوعًا فيهِ. ذلك من الأمور المجيدة الجديرة بالاعتبار الدالة على جودة الله وإحسانهِ. فأنهُ كان لم يزل فيهنَّ شيء من عدم الإيمان، وكان يجب أن يفهمنَ أن يسوع قد قام لأن الملاك أخبرهنَّ بذلك. غير أن هذا كان أمرًا يفوق أدراك إيمانهنَّ فقد آمنَّ بشخص المخلص، وأنهُ ابن الله غير أن القيامة كانت حقًّا مجيدًا يسمو على إيمانهنَّ. على أن قلوبهنَّ كانت مُخلصة. ولكن طلبن الحي بين الأموات فوافتهنَّ نعمة الله ورحمتهُ بالبشرى الصالحة، وظمنت قلوبهنَّ.

فهؤلاء النساء لم يجدنَ يسوع مائتًا بل أدَّبنَ شهادة صالحة عن أن المخلص المحبوب كان حيًّا. فقد صرنَ رسولات للتلاميذ وبشَّرنهم بكلام المخلص بفم الملاك. لا جرم أن تكريس القلب لله يأتي للنفس بالنور والمعرفة وذلك إذا طلبنا الحق ويسوع نفسهُ. فقد ظهر من مريم المجدليَّة أنها كرست قلبها للمسيح أكثر مما فعل غيرها؛ ولذلك نراها عند القبر قبل شروق الشمس، وقد كانت أول من رآهُ بعد قيامتهِ. وفضلاً عن ذلك قد فُوّضتْ إبلاغ رسالة أسمى مما ذكر هنا، وهي أن تذهب إلى التلاميذ أنفسهم، وتعلن لهم الحصول على مقام أسمى، وحقوق وامتيازات أثمن قيمة. وفضلاً، فقد قال لها يسوع: أذهبي إلى أخوتي وقولي لهم: أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (يوحنا 17:20). فقد دُعي التلاميذ هنا أخوة المسيح- المرَّة الأولى-أي أخوة المسيح الناهض من الأموات.

فهؤلاء النساء وأن كان عاملهنَّ يسوع بالكرامة لم تكن لهنَّ بعدُ حقوق عظيمة كما كانت لمريم المجدليَّة بل تسلمنَ رسالة أخرى. فأن يسوع الناهض من الأموات لهُ صفتان متميزتان وهما نسبتهُ لبقية إسرائيل ومقامهُ الجديد كإنسان مُمجد لدى الآب. ففي الصفة الأولى ظهر لتلاميذهِ في الجليل حيث صرف أكثر زمان ظهورهِ معهم وفي النسبة الثانية صعد إلى السماء من بيت عنيا. أما خدمة التلاميذ فتختلف عن هذه أيضًا، ومَتَّى يتكلم عن الصفة الأولى؛ ولذلك لا نرى هنالك تاريخ الصعود، وأما لوقا فيتكلم عن الصفة الثانية حيث صعد السيد وقُبِلَ في السماء.

14 أَخِيرًا ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ. 15 وَقَالَ لَهُمُ:«اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. 17 وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. 18 يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ». 19 ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ. 20 وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ. (عدد 14-20).

ثم ان هذا الإنجيل يذكر ملخص الجزء الأخير من تاريخ حياة يسوع الناهض المدون في إنجيلي يوحنا ومرقس ويتكلم أيضًا عن مريم المجدلية، والتلميذين الآخرين المنطلقين إلى عمواس، وخدمة الرسل العامة الذين كانوا مزمعين ان يذهبوا ويكرزوا بالإنجيل للعالم كلهِ، وقِيلَ أيضًا أن مَنْ آمن وأعتمد خلُص وأن الآيات تتبع ليس الرسل فقط بل الذين يؤمنون بواسطتهم. وأنهم سيعلنون بالمعجزات التي يجترحونها قوة الرب الذي قد آمنوا بهِ. 

ثم صعد الرب أخيرًا إلى السماء وجلس عن يمين الله وانطلقوا الرسل ليكرزوا في العالم وكان الرب يعمل معهم ويُثبت الكلام بالآيات التابعة. إذًا الخلاص يتعلق على الإيمان والاعتراف بيسوع، وقد شهد الرب لحق الإنجيل بالآيات العظيمة ذلك يسرَّ سبيل الإيمان وسهلهُ وجعل كل من لم يؤمن بلا عذر.

أخيرًا أقول أني ما تكلمت كثيرًا في شرحي على الفصل الأخير من هذا الإنجيل عن آلام المسيح والحوادث المتعلقة بقيامتهِ لأنهُ ليس المقصد بهذا الإنجيل أن يوضح لنا هذه الحقائق. ولكن الروح الواحد الذي أعطانا إياهُ قد أنعم علينا بالثلاثة الأناجيل الأخرى أيضًا لكي تكون الفائدة تامة وكاملة. وقد رأينا مرارًا كثيرة في هذا الإنجيل أنهُ يخبرنا بما يتعلق بحياة سيدنا يسوع المسيح كالنبي، والخادم الكامل الأمين الذي أظهر الطاعة التامة لمشيئة الذي أقامهُ في هذا المقام في وسط البشر الذين داوموا على المعصية والتعدي منذ وقت السقوط. فمرقس الإنجيل إنما

اُلهم من الله أن يتتبع حوادث حياة الرب باعتبار خدمتهِ الأمينة، فظلَّ طائعًا حتى الموت وكأنهُ إنما أسلم روحهُ طوعًا حين لم يبقَ لهُ شيءٌ بعد ليفعلهُ. سبيل الطاعة جلب عليه عار العالم وقادهُ إلى الصليب وكان في كل حالٍ يكمل مشيئة الله أبيهِ. فليس لهُ داعٍ للبقاء بعد في عالم مشحون من المعاصي حيث لا يوجد شيءٌ بعد من مشيئة الله غير مُكمل. وياللعجب من حياة كهذه في عالم كهذا. قد رأيناهُ في الفصل الأخير من إنجيل مَتَّى موصوفًا كالذبيحة القدوسة قائمًا مقامنا لدى العدل الإلهي وأما في هذا الإنجيل فنراهُ مُكملاً طاعتهُ بالموت. وكان لابدَّ للبشر جميعًا أن يظهروا ما فيهم على كل حالٍ وأما يسوع فأظهر ما فيهِ ونعمَّ الإظهار.

وأما من جهة قيامتهِ من بين الأموات فنرى في هذا الإنجيل أنها تأكدت كل التأكيد لتلاميذهِ لأجل تثبيت إيمانهم وذلك على طريقين أعني المشاهدة والشهادة. فأنهم شاهدوهُ البعض بعد الآخر ثم ذهبوا وأخبروا رفقاءهم أن الرب قد قام وقد ظهر لهم وكان يجب على الآخرين أن يصدقوا شهادة كهذه غير أن إيمان الجميع كان ضعيفًا. لا يوجد هنا ذكر زلزلة الأرض التي حدثت وقت نزول الملاك من السماء ودحرجة الحجر من باب القبر لأن الحوادث الخارقة العادة في الطبيعة ذاتها لم تكن مما يلزم لتوطيد إيمان التلاميذ الذي كان من الأمور الأولية لهم، أولاً- لأجل تطمين أفكارهم وراحة قلوبهم، وثانيًا- لأجل خدمتهم حيث تكلفوا بخدمة الكرازة للعالم. وأما خدمة الكرازة المذكورة هنا فهي المناداة ببشارة الخلاص بمجرد الإيمان بالمسيح والاعتراف باسمهِ في نوال المعمودية. والآيات المذكورة هنا هي مما يتعلق بالإيمان وتخصُّ المؤمنين جميعًا ولاريب أنها حدثت بعدئذٍ كما نرى في التاريخ المدون في الأعمال. قيل هنا. وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، ويحملون حيات وإن شربوا شيئًا مُميتًا لا يضرُّهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأُون. معلوم أن الآيات جرت عن يد مؤمنين كثيرين في الأول، ولكنها انقطعت شيئًا فشيئًا من أجل الضعف الذي اعترى الإيمان عند مضي الزمان، وإذ ذاك فضعفت الشهادة المسيحية للعالم كما لايُخفى عند القارئ. فأن صنع المعجزات لم يكن للمؤمنين بل لغير المؤمنين. حتى التكلم بألسنة جديدة كان على سبيل آية للذين لم يكونوا قد حصلوا على الإيمان بعد وليس لأجل الكرازة والتعليم (انظر كورنثوس الأولى 22:14). على أنهُ مذكور في التواريخ المسيحية ان بعض الآيات لم يزل موجودًا في العصر الثالث فأن المسيحيين كانوا يشفون المرضى ويخرجون الشياطين باسم المسيح. وإن سأل القارئ لماذا لا نقدر ان نجترح الآيات في أيامنا. أُجيب وأقول: انهُ من الأمور الواضحة كل الوضوح ان المواهب المتعلقة بإجراء الآيات ليست موجودة الآن لأنها قد انقطعت حقيقيةً ولا يوجد وعد واحد برجوعها وانهُ ليس من العلامات الحسنة أننا نهتم بها ونطلب الحصول عليها حتى لما كانت موجودة كانت المواهب المتعلقة بالبنيان الروحي محسوبة أفضل منها انظر (كورنثوس الأولى 1:14) ويجب أن نشكر الله لمداومة ما هي الأفضل عندنا. وعدا ذلك أقول: أولاً- انهُ ما بقى موضوع مناسب لإجراء الآيات فيهِ من وقت انفصال المسيحيين بعضهم عن البعض وتسميتهم بطوائف متعددة فإنهُ لو ظهر شيء من القوة الآن يُنسب حالاً فضلها إلى الطائفة ما أو على الأقل للرجل الظاهر القوة عن يدهِ، وذلك لا يكون لمجد اسم المسيح. ثانيًا- اجتراح الآيات كان مثل زينة أو حُلي للكنيسة في الأول قد ألبسها الرب إياها لدى العالم ولكن لما خانتهُ بمخالطتها العالم نزعها الرب عنها وأهانها نوعًا من الكرامة. ثالثًا- ربما قائل يقول: ولكننا قد سمعنا بحدوث شفاء بعض مرضى وإخراج شياطين في أيامنا فإذًا كيف نجزم بانقطاع هذه القوة تمامًا؟ فأقول: أن الله قادر ان يفعل كما يشاء في أي وقتٍ كان. هذا القبيل ليس من باب القوة والمواهب مطلقًا فإنما يُنسب للصلاة فقط. ويوجد فرق عظيم جدًا جدًا بين القوة لاجتراح عجائب وبين نوالنا أجوبة حسنة لصلواتنا، يجوز لنا بل يجب علينا أن نواظب على الصلوات والتضرعات لله لأجل كل الأمور التي تهمنا كأولادهِ وربما صلَّينا لأجل مريض فشُفي أو لأجل مُصاب بروح نجس فخرج منهُ، ولكنهُ لا ينتج من ذلك أننا نقدر أن نشفي كل مريض أتى إلينا أو نُخرج جميع الأرواح التي نُلاقيها. إن كان أحد يدعي بقوة لفعل ذلك يوجد كذابًا سريعًا. إن كنا نُصلي في الضيق فهذا من الضعف لا من القوة ولنا مواعيد كثيرة من قِبل الله بإجابة الصلاة. فإذًا إذا حصلنا على جواب للصلوات يظهر انهُ عجيب كإقامة واحدٍ من مرض مرضًا شديدًا فيجب ان نحترز جدًا من الانتفاخ كأن ذلك يُبرهن وجود قوة فينا دون غيرنا أو كأننا نستطيع شفاء أي مريض كان لأنهُ إن وقعنا في وهم كهذا لا يلبث الرب ان يُخجل وجوهنا على قدر افتخارنا.

ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله، وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويُثبت الكلام بالآيات التابعة. فختم مرقس إنجيلهُ بهذه الإشارة المختصرة إلى خدمة التلاميذ لأنهم بمعونة النعمة أظهروا نوعًا من الأمانة في خدمتهم كما كان قد ظهر في خدمة سيدهم. معلوم أنهم لبسوا قوة بعد حلول الروح القدس عليهم ولكن لا يوجد ذكر لذلك في هذا الإنجيل. فارتفع السيد إلى السماء وجلس عن يمين الله ولكن الخدمة المتعلقة بالمحبة الإلهية لم تنقطع عن العمل في هذا العالم الشقي المحتاج إلى ذلك كل الاحتياج. ويا للنعمة التي شاءت وجعلتنا آنية لهذه الخدمة! وكم يجب علينا ان نسلك مع الله بضمير طاهر لكي نستطيع أن نكرز للآخرين بالمحبة التي أفعمت نفوسنا؛ لأن كل من يأخذ ينادي بالإنجيل بدون ان يشعر بقوتهِ في نفسهِ فليس إلا نحاسًا يطن أو صنجًا يرنُّ. وكأنه يجول يصف دواء للآخرين وهو لم يشربهُ مع انهُ مُصاب بمرضهم بعينهِ. نعم لسنا نقدر على اجتراح العجائب وذلك ليس بمطلوب منا ولكننا نستطيع بالنعمة أن نُنادي بمحبة الله التي أظهرها بعطية ابنهِ العزيز والإيمان يأتي بالخبر والخبر بكلمة الله.

المحتمل انهُ سيظهر في هذه الأيام الأخيرة بعض علامات قوة ولكنها تُنسب إلى إبليس لا إلى المسيح فعينا أن نحترز من الضلال، والخداع ونمتحن كل شيء بكلمة الله واسم المسيح. إذا كنا ننصب وراء علامات قوة نُصبح في خطر عظيم من أن ننغش من العدو ونشتبك بشباكهِ. ولكن إذا كنا نسعى في طريق الاتضاع والطاعة نشبه سيدنا العزيز ونَسَلم من حيل إبليس.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة