لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

شرح إنجيل يوحنا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثامن عشر

1 قَالَ يَسُوعُ هذَا وَخَرَجَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ، حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ دَخَلَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ. 2 وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ يَعْرِفُ الْمَوْضِعَ، لأَنَّ يَسُوعَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيرًا مَعَ تَلاَمِيذِهِ. (عدد 1، 2).

انتهت خدمة الرب لتلاميذهِ المحبوبين في العِلَّية فخرج منها معهم متجهًا إلى جهة الشرق وعبر وادي قدرون الواقع بين المدينة وجبل الزيتون ودخل إلى بستان هناك ولكن البشير يوحنا لا يخبرنا بحزنهِ الشديد ولا بجهادهِ الذي جاهدهُ بالصلاة لأنهُ يصفهُ لنا باعتبار لاهوتهِ ومجدهِ الشخصي فنراهُ هنا مرتفعًا فوق الظروف العالمية المحيطة بهِ من كل الجهات. فكان معتادًا أن يجتمع مع التلاميذ هناك وكان يهوذا الخائن يعرف ذلك وعمل حسابهُ أنهُ لا بد أن يذهب إلى هناك من العِلَّية. فما أعظم شرُّهُ حتى اعتمد على الذهاب إلى موضع كهذا ليمسك الرب حيث كان يتردّد لأجل تعليم تلاميذهِ وتعزيتهم.

3 فَأَخَذَ يَهُوذَا الْجُنْدَ وَخُدَّامًا مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ. 4 فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» 5 أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ:«أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضًا وَاقِفًا مَعَهُمْ. 6 فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ:«إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ. 7 فَسَأَلَهُمْ أَيْضًا: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» فَقَالُوا:«يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». 8 أَجَابَ يَسُوع:«قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ». 9 لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: «إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا». (عدد 3-9).

الوحي يذكر هنا شرَّ يهوذا بتفصيل إذ كان قد خرج من العِلَّية كما رأينا في (إصحاح 30:13) وذهب إلى رؤساء الكهنة ليتم عهدهُ معهم. فبينما كان الرب يعزّي قلوب الآخرين بتلك الأقوال السامية التي كنا نتمعن فيها، فماذا كان التلميذ الخائن يفعل؟ إنهُ كان يتخابر مع أولئك الرؤساء الأردياء ويرتب الوسائط اللازمة لأجل تسليم ابن الله إلى أيديهم الأثيمة. لم يكن يفتكر لا نتيجة عملهِ في هلاك نفسهِ ولا في الخسائر الروحية التي خسرها بتركهِ حضور الرب وعدم سماعهِ كلماتهِ التي هي الحياة الأبدية والتعزية الدائمة للذين يقبلونها. كانت فيهِ غابات أخرى في وقتهِ وبادر إلى الحصول عليها. كان في يدهِ كنز سماوي ولم يعرف قيمتهُ. فإنهُ تهاون بهِ ورماهُ على جنبٍ على أمل أنهُ يحصل على قليل من مال الظلم. لا شك بأن الروح القدس يذكر خيانة يهوذا عبرةً لنا جميعًا بحيث إننا لا نزال في تجربة أن نمتلئ من الأغراض العالمية ونخون الحق ونتركهُ ونخسر أنفسنا. وإذا ابتدأنا نتهاون بنور كلمة الله من بعد معرفتنا إياهُ لا نعلم إلى أية درجة من الإثم نتوصل. مَنْ كان يظن أن واحدًا من الاثنى عشر يتفق مع أعداء الرب ويأخذ منهم الجند وخدامًا ويتقدم إلى سيدهِ بسلاح لكي يمسكهُ كأنهُ لصّ. ولكن إذا سلمنا أنفسنا في أيدي أعداء الحق يستخدموننا بطرق لمناقضتهِ لمجرد كوننا قد عرفناهُ أكثر منهم. هذا يصير وقد صار أوقاتًا كثيرة. يظن الخائن في وقتهِ أنهُ يحصل على نفوذ وشرف من الذين يرضيهم بخيانتهِ ولكنهُ يختبر فيما بعد أن قلوب الذين يبغضون الحق أقسى من الصوان وعديمة المحبة حتى بعضهم نحو البعض. فكيف يمكن أن يحبونهُ ويكرمونهُ؟ وعدا ذلك لله سياسة عمومية على الجميع وهو لا يزال ذكر الأحد عشر مُكرَّمًا عندنا وأما ذكر يهوذا ورؤساء الكهنة فللإهانة الأبدية. لا يوجد أحدّ يمدحهم بشيء فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليهِ وقال لهم: مَنْ تطلبون؟ أتوا لكي يأخذوهُ بالقوة ولكنهُ تبرَّع وقدَّم نفسهُ لهم. ونراهُ هنا عاملاً كشخص إلهي إذ علم بكل شيء. أجابوهُ: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو. وكان يهوذا مُسلَّمهُ أيضًا واقفًا معهم. كانوا قد أخذوا كل الاحتياطات البشرية كالمشاعل والمصابيح والسلاح ويهوذا الإسخريوطي أيضًا كدليل لهم ليدلهم على يسوع ومع ذلك لم يكن لزوم لتلك الاستعدادات كلها لأن يسوع النور الحقيقي دلَّهم على نفسهِ. نعلم من البشائر الأخرى أن يهوذا وفى بعهدهِ معهم إذ اقترب إلى يسوع وقبَّلهُ ولكنهُ كان من الفضول أنهُ يُظهر قساوة قلبهِ هكذا كما نرى في هذا الإنجيل لأن يسوع لم يهرب ولا اختفى بل قال لهم صريحًا: أنا هو. فلما قال لهم: أني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فعل كلامهُ فيهم فوقعوا على الأرض فكان من الأمور الهينة عليهِ أن يذهب في طريقهِ لو شاء ذلك تاركًا أعداءهُ مرميين على الأرض. انظر كلام المزمور. الرب نوري وخلاصي ممن أخاف. الرب حصن حياتي ممن أرتعب. عندما اقترب إليَّ الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقيَّ وأعدائي عثروا وسقطوا. إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي. إن قامت عليَّ حرب ففي ذلك أنا مُطمئنٌّ (مزمور 1:27-3). لم يكن الرب خائفًا من أعداءهِ لأنهُ كان سالكًا في طريقهِ المعيَّنة لهُ من الآب. فأوقعهم على الأرض بكلمة ليُظهر لهم ولنا أيضًا أنهُ سلَّم نفسهُ لهم اختياريًّا وطاعةً لمشيئة الذي أرسلهُ. فسألهم أيضًا: مَنْ تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري. ما أحزن حالة الإنسان إذا صار منقادًا من الشيطان لأنهُ يستمرُّ يحارب الله مع أنهُ يعرف في داخلهِ أنهُ مغلوب. ولكنهُ مغلوب أيضًا من جهة أخرى بحيث أن العدو إستأسرهُ ويستعملهُ كآلة في يدهِ في الحرب التي لا يمكن أن تكون منه إلاَّ نتيجة واحدة أي الانهزام والعار الأبدي للذين يقاومون الله. كنا نظن أن الجند والخدام يشعرون بعظمة ذلك الشخص الذي خرجوا ليلقوا القبض عليهِ وأما يخرُّون عند قدميهِ معترفين بخطيتهم كما عمل بطرس مرةً في السفينة أو بالقليل يفرُّون هاربين من وجههِ. ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل أجابوا الرب ثانيةً أنهم يطلبونهُ. أجاب يسوع: قد قلت لكم أني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون. ليتم القول الذي قالهُ: أن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدًا. فنرى هنا أنهُ لم يكن مفتكرًا في خلاص نفسهِ لما أوقعهم على الأرض بل إنما عمل ذلك لكي يجعلهم في رعبٍ حتى يتركوا شيئًا من قصدهم الأصلي بحيث أتوا لكي يمسكوا التلاميذ أيضًا كما يظهر من كلام الرب لهم هنا. فعمل كالراعي الصالح إذ سلَّم نفسهُ للأعداء وأوجد لهم طريقًا للهرب.              

10 ثُمَّ إِنَّ سِمْعَانَ بُطْرُسَ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ، فَاسْتَلَّهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. وَكَانَ اسْمُ الْعَبْدِ مَلْخُسَ. 11 فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ:«اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟». (عدد 10، 11).

البشير يوحنا يختصر الحوادث التي جرت في البستان وإنما يذكر عمل سمعان بطرس لكي يدرج ما قال الرب لهُ: أنهُ لا يوجد داعٍ لعمل كهذا لأنهُ قاصد أن يشرب كأس الموت التي أعطاها لهُ الآب. نعلم أنهُ نطق بأقوال أخرى عن عمل عبدهِ الغيور وشفى الأُذن المقطوعة ولكنها ليست مذكورة هنا. لأن الروح القدس يرينا الرب باعتبار لا هوتهِ وارتفاعهِ فوق البشر ومع ذلك طاعتهُ الكاملة كخادم لمشيئة الآب أيضًا. لا شك بأن بطرس أخطأ ولكن الوحي يحب أن يضع أمام نظرنا كمال السيد لا خطية العبد. 

12 ثُمَّ إِنَّ الْجُنْدَ وَالْقَائِدَ وَخُدَّامَ الْيَهُودِ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ، 13 وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً، لأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا الَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. 14 وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ. (عدد 12-14).

العجب من جهالة الناس وقساوة قلوبهم. قبضوا على يسوع وأوثقوهُ مع أنهُ كان قد أوقعهم على الأرض بكلمةٍ ثم أسلم نفسهُ إليهم اختياريًّا فربطوا بحبال ذلك الذي صنع السماوات والأرض والذي تعيَّن ديان الأحياء والأموات وقادوهُ كشاة إلى الذبح نعلم من مواضع أخرى أنهم أحضروهُ إلى دار حنَّان بالليل وفحصوهُ فحصًا غير قانوني وصرفوا الوقت إلى الصباح بإهانتهم ابن الله بينما يكون قيافا رئيس كهنتهم وأعضاء المجمع الكبير قد استوفوا راحتهم بالنوم. وأما قيافا المذكور فلهُ تاريخ إذ كان قد نطق بنبوة صحيحة من جهة لزوم موت المسيح فديةً عن الشعب ونرى فيهِ مثالاً عجيبًا لحالة قلوب الذين يتعاطون كلمة الله والأمور الدينية بالحكمة البشرية. بحيث أنهم لا يستطيعون أن يفهموا شيئًا منها روحيًّا بل يحرفونها إلى خلاف معناها تمامًا. لأن إبليس يعميهم بواسطة شهواتهم وأغراضهم الذاتية إلى هذا المقدار حتى أنهم يزعمون أن كلمة الله ترشدهم إلى صنع أعمال تجالفها على الخط المستقيم. راجع نبوة قيافا (إصحاح 50:11). فكان مقصد الروح القدس الذي ألهمهُ بها أن المسيح ينبغي أن يموت كفارةً لدى عدل الله ولكن قيافا فهمها بخلاف ذلك أي أنهُ يجب عليهم أن يقتلوا المسيح وينزعوهُ من وسطهم خوفًا من نتيجة تعليمهِ إذ ظنَّ أنهُ يصير سبب هلاك للأُمة اليهودية بواسطة الرومانيين. فلم يخطر ببالهِ أنهم يحتاجون إلى ما يُخلّصهم من غضب الله والهلاك الأبدي. فنرى أنهُ من الأمور الممكنة لنا أن نتعاطى أقوال الله بغيرةٍ جسدية ومع ذلك نفسرها تفاسير مُحرَّفة لضرر أنفسنا أو هلاكها كما قال الرسول بطرس: لذلك أيها الأحباء إذ أنتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عندهُ بلا دنس ولا عيب في سلام. واحسبوا أناة ربنا خلاصًا. كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس أيضًا بحسب الحكمة المُعطاة لهُ كما في الرسائل كلها أيضًا متكلمًا فيها عن هذه الأمور. التي فيها أشياء عسرة الفهم يُحرّفها غير العلماء وغير التائبين كباقي الكتب أيضًا لهلاك أنفسهم (بطرس الثانية 14:3-16). فيجب أن نكون متعلمين من الله وثابتين في ابنهِ لكي ندرك كلمتهُ بالصواب. كما قال الرب سابقًا: إن شاء أحد أن يعمل مشيئتهُ يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي؟ (إصحاح 17:7) فلم يكن قيافا من الذين يريدون أن يعملوا مشيئة الله فلم يقدر أن يعرف تعليم المسيح ولا فهم معنى النبوة التي نطق بها حين حلَّ عليهِ الوحي. ولكن مع ذلك جلس في القضاء وحكم على ابن الله.

15 وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 16 وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا. فَخَرَجَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ. 17 فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ:«أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ:«لَسْتُ أَنَا!». 18 وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي. (عدد 15-18).

هرب التلاميذ جميعًا في الأول ثم عاد اثنان منهم أي سمعان بطرس ويوحنا نفسهُ وتبعا أثر الجماعة الذين أخذوا الكهنة لأنهُ لا يوجد خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف خارجًا. ويظهر أن يوحنا كان معروفًا هناك. لما كان بطرس واقفًا عند الباب خارجًا كغريب تجاسر يوحنا وكلَّم البوابة فأدخل بطرس إلى الدار الخارجية موضع الخدام ولم يلبث إن تراكمت التجارب عليهِ لأن البوابة نفسها قالت لهُ: ألست أنت من تلاميذ هذا الإنسان. فخاف وقال: لستُ أنا. ثم أخذ مقامًا في وسط الخدام حيث لا بد أن العدو يهاجمهُ ثانيةً لأنهُ كلما ابتعدنا عن الرب تكثر علينا التجارب أن ننكرهُ.

19 فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. 20 أَجَابَهُ يَسُوعُ:«أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. 21 لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا». 22 وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا، قَائِلاً: «أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟» 23 أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟» 24 وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقًا إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. (عدد 19-24).

هذا الفحص جرى أمام حنَّان الذي يُقال لهُ هنا رئيس الكهنة لأنهُ كان كذلك قبلاً ولم يزل معتبرًا غاية الاعتبار مع أن المنصب العالي نقل عنهُ رسميًّا إلى قيافا. فسأل يسوع عن تلاميذهِ وعن تعليمهِ فأجابهُ بالاختصار أنهُ لا يوجد داعٍ لسؤالات كهذه لأنهُ كان قد مارس تعليمهُ علانيةً في كل موضع وفي الخفاء لم يتكلم بشيء كما هي العادة لأصحاب التعاليم الفاسدة. فالأليق برئيس الكهنة أن يسأل الذين سمعوهُ إن كان يريد أن يقف على حقيقة الأمر. فكان جواب الرب حقًّا وفي محلّهِ ولكنهُ كان واقفًا في وسط أُناس لم يريدوا الحق فتجاسر واحد من الخدام ولطمهُ زاعمًا أنهُ كان قد أهان رئيس الكهنة. فأجابهُ الرب جوابًا مُقنعًا فحواهُ أنهُ واقف في موقف الحكم حيث يجب على الحكام أنفسهم لا الخدام أن يسمعوا إقرارهُ ويحكموا هل هو حق أم لا؟ فإن كان جوابهُ السابق رديًّا فما على ذلك الخادم إلاَّ أن يشهد على الردي أمام الحاكم، وإن كان حسنًا فلماذا يضربهُ؟ فعلى الحالتين الذي لطمهُ كان مخطئًا. وأما الظالم فلا يعرف الخزي. لا سيما إن كان يسوع المسيح المظلوم منهُ. وكان حنَّان قد أرسلهُ موثقًا إلى قيافا رئيس الكهنة. فالقراءة الأصح لهذه الجملة هي فحينئذٍ أرسلهُ حنَّان.

25 وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفًا يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ:«أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ؟» فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ:«لَسْتُ أَنَا!». 26 قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ:«أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟» 27 فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. (عدد 25-27).

هذه كمالة الكلام عن سقوط بطرس الذي حصل وهو بعد في دار حنَّان. إذا حدنا عن الحق الذي عرفناهُ تضطرب ضمائرنا في داخلنا ونفقد الشركة الروحية مع الله مصدر قوتنا فيزداد ضعفنا فنبقى مضطربين ومحمولين إلى أن يمدَّ الله يدهُ لينقذنا. لو جاوب بطرس البوابة بالحق لأنهزم العدو وسكت عنهُ. ولكن لما حاد عن الحق فقَد قوتهُ وصار لعبةً للمُجرّب. كان يحب أن يختفي بين الخدام ولكنهم ضايقوا عليهِ بالشهادة الصريحة أنهُ من تلاميذ يسوع فعاد أنكرهُ مرَّتين ثم صاح الديك. يوحنا لا يذكر هنا توبتهُ لأنهُ مزمع أن يذكر عمل الرب معهُ بعد قيامتهِ إذ فحص قلبهُ وردَّ نفسهُ بطريق عجيبة فعالة كما سنرى فيما بعد.

28 ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. 29 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ:«أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هذَا الإِنْسَانِ؟» 30 أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ:«لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!» 31 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:«خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ:«لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا». 32 لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ. (عدد 28-32).

يوحنا لا يذكر ما جرى في المجمع الكبير صباحًا ولكن إذا راجعنا البشائر الأخرى في هذا الموضوع نرى أنهم إنما فحصوهُ فحصًا مختصرًا (انظر لوقا 66:22-71) لأنهم كانوا قد اعتمدوا على قتلهِ قبلاً وإنما تشاوروا معًا لكي يجدوا شيئًا يصلح كشكوى عليهِ لدى الوالي. ثم مضوا من عند قيافا إلى دار الولاية. لاحظ أن الروح القدس في هذا الإنجيل يذكر بعض الحوادث التي تدلُّ على شرّ اليهود ونفاقهم. ولم يدخلوا إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح. فكانوا مُرتكبين أعظم إثم يمكن أن يتصوّر ومع ذلك خافوا من أقلّ شيء ينجسهم طقسيًّا. أهانوا ابن الله بالليل ثم قدَّموهُ صباحًا للوالي الوثني طالبين الحكم عليهِ ومع ذلك امتنعوا عن الدخول إلى دار الولاية لئلا يتنجسوا. فمعنى هذا الكلام أنهم كانوا قد تطهروا طقسيًّا قبل العيد وكانوا قد أكلوا الفصح في اليوم الماضي عشيةً بحسب الشريعة ولكن أيام العيد لم تكمل بعد فلو تنجسوا لفسخوا العيد لهم ولم يقدروا أن يكلموهُ. فمعنى قولهِ فيأكلون الفصح هو فيحفظون الفصح. فلا يجوز لنا أن نستنتج من كلام كهذا أن المشار إليهم لم يكونوا قد ذبحوا الفصح في اليوم الماضي أو أن الرب سبق وحفظهُ قبل وقتهِ الرسمي بيومٍ. لا يخفى أن كثيرين قد ذهبوا إلى آراء كهذه إذ فهموا العبارة فيأكلون الفصح حرفيًّا. ولكن لا يوجد نفع من مباحثات تاريخية وسؤالات تفسيرية مبنية على سؤ مفهومية الألفاظ الواردة في الكتاب. أنهُ من الأمور الواضحة لكل مَنْ يطالع الأربعة الأناجيل أن الجميع ذبحوا الفصح في وقتهِ الرسمي أي في الرابع عشر من الشهر وأنهم استمرُّوا في حفظ الأيام المتعلقة بالعيد إلى نهايتهِ حتى يوم صلب المسيح كان معتبرًا كاستعداد للسبت الذي تلاهُ (انظر إصحاح 31:19). فلا عجب من احتراصهم مما ينجسهم ويحرمهم تكميل حفظ الفصح. ولكن نجاسة قلوبهم هي تستحقُّ العجب. فخرج بيلاطس إليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان. أجابوا وقالوا لهُ لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناهُ إليك. عمل بيلاطس في الأول كما يليق بحاكم إذ طلب منهم أن يُقدّموا الدعوى رسميًّا لكي يجزم فيها بحسب الشريعة وأما جوابهم فلم يكن في محلهِ لأنهم أهانوا الوالي بوقاحتهم إذ حسبوا أن مجرد تقديمهم إنسانًا لديهِ يكفي ليبرهن أنهُ فاعل شرّ مع أنهُ كان من الأمور المعلومة أنهُ لم يوجد شعب آخر يظلم بعضهم البعض مثل اليهود. انظر شهادات أنبياءهم عليهم ولكنهم تكلموا في وجه الوالي كأنهم يحبون العدل والإنصاف إلى هذا المقدار حتى لا يمكن أن يعرضوا إنسانًا للحكم إن لم يكن مُذنبًا. فقال لهم بيلاطس: خذوهُ أنتم واحكموا عليهِ حسب ناموسكم. قال هذا لهم لكي يخلص من مسئولية القضاء في هذه الدعوى. ويظهر أيضًا أنهُ عرف شرّهم وظنَّ أنهم ربما ينتبهون ويتركون الأمر. فقال لهُ اليهود: لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا. يعني أسيادهم الرومانيون لم يسمحوا لهم بأن يجروا الشرائع السياسية ولكنهم أظهروا بجوابهم أنهم اعتمدوا على قتل المسيح من قبل إظهار حكم الوالي. ليتم قول يسوع الذي قالهُ مشيرًا إلى أية ميتة كان مزمعًا أن يموت. يعني سبق وقال أنهُ يُسلَّم إلى أيدي الأُمم ويُصلب. فلو كان اليهود قد هاجوا عليهِ ليرجموهُ كمُجدف كما عملوا مع إستفانوس فيما بعد. فإذ ذاك لم يكن قولهُ عن كيفية موتهِ قد تم. كان الله قاصدًا أن يبرهن حالة اليهود والأُمم سويةً بواسطة حضور المسيح.

33 ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ:«أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» 34 أَجَابَهُ يَسُوعُ:«أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟» 35 أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: «أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» 36 أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا». 37 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ:«أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». 38 قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ:«مَا هُوَ الْحَقُّ؟». وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ:«أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. (عدد 33-38).

يتضح أن الوالي احتار من جهة أسيرهِ الجليلي ولما لم يقدر أن يصرف الدعوى بدون فحص دعاهُ وقال لهُ: أنت ملك اليهود. غير أنهُ لم يتصرف كأنهُ منتظر أن يجدهُ مُذنبًا في حق الملك الروماني. أجابهُ يسوع: أَمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني؟ يعني هل سألهُ هذا السؤال بمعناهُ السياسي كروماني أو معناهُ الديني بحسب أفكار اليهود. أجابهُ بيلاطس: ألعلّي أنا يهودي. أُمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليَّ. ماذا فعلت؟ فكان بيلاطس يحتقر اليهود غاية الاحتقار كما أزهر بقولهِ ألعلّي أنا يهودي ثم تقدم في كلامهِ وأوضح للرب أن الشكوى عليهِ هي من أهل جنسهِ لا من الرومانيين، وسألهُ ماذا فعل ضدّهم؟ أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. يعني أن لهُ مملكة ولكنها ليست كمملكة قيصر أو كإحدى ممالك هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدَّامي يُجاهدون لكي لا أُسلَّم إلى اليهود. فهذا جواب مُقنع للوالي فإنهُ يظهر أن المسيح ليس يدَّعي بأنهُ ملك بالمعنى العالمي لهذه اللفظة. فإذًا هو ليس من العصاة والمفتنين الذين يريدون أن يقبلوا مملكةً ما لكي يقيموا أخرى بدلها ومثلها. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. الرب جاوب بالحكمة وبالحق. فمن الجهة الواحدة أظهر للوالي أنهُ ليس يُقاوم سيدهُ الملك الروماني ومن الأخرى لم ينكر حقوقهُ الملكيَّة وأن لهُ مملكة. سبق نثنائيل واعترف بهِ أشار إلى مملكتهِ المستقبلة وترتيبها أيضًا بحيث أن السماء تكون مفتوحة وملائكة الله يُتمّمون خدمتهم طاعةً لابن الإنسان. ولكن لم يكن الوقت قد أتى بعد لأجل تأسيس مملكتهِ لأن إسرائيل قد رفضوهُ الأمر الظاهر مما قال الوالي نفسهُ سابقًا: أُمتك ورؤساء الكهنة أسلَّموك إليَّ. فإذًا إسرائيل قد رفضوا ملكهم الحقيقي وباعوا أنفسهم إلى ملك الأمم. والرب قَبِلَ ذلك كل القبول بحسب مشورة الله. ويشير إلى ذلك بقولهِ هنا ولكن الآن مملكتي ليست من هنا. الآن يعني من بعد رفضهِ. لاحظ أيضًا أنهُ لا يكمل هذه الجملة قائلاً: مملكتي ليست من هذا العالم، بل يقول عنها: أنها ليست من هنا. لما أجاب الوالي عن شكل مملكتهِ قال: أنها ليست من هذا العالم وهذا الصحيح ولكنها لا بد أن تتأسس فيما بعد من هنا أي جبل صهيون (انظر مزمور 2) وشهادات أخرى كثيرة. ولكنهُ أقرَّ بأنها الآن ليست هكذا. والوالي فهم أنهُ يقرُّ أنهُ ملك ولهُ حق بمملكة على نوعٍ ما، فإنهُ قال لهُ: أَ فأنت إذًا ملك. أجاب يسوع: أنت تقول أني ملك. هذا الكلام من الاصطلاحات اليونانية ومعناهُ أنا كما تقول أنت أي أنا ملك. وهذا هو الاعتراف الحسن الذي شهد بهِ أمام بيلاطس البنطي (انظر تيموثاوس الأولى 13:6). لما كان واقفًا أمام مجمع اليهود اعترف بأنهُ المسيح ابن الله وجلب عليهِ إهانتهم وحكمهم عليهِ كمُجدّف ولكن لما وقف أمام بيلاطس اعترف بأنهُ ملك. 

لهذا قد وُلدتُ أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كلُّ مَنْ هو من الحق يسمع صوتي. هذا فصل جديد من جوابهِ ولفظة لهذا تشير إلى ما هو عتيد أن يقول عن مقصد ولادتهِ وإتيانهِ إلى العالم وقتئذٍ أي ليشهد للحق. وقد رأيناهُ في هذا الإنجيل يشهد للحق. لأنهُ هو ذاتهُ الحق والنور الحقيقي. وشهادتهُ للحق هي التي هيجت أُمتهُ ورؤساء الكهنة أن يُسلموهُ إلى أيدي الأُمم. ولم يسمع صوتهُ إلاَّ الذين ولدوا من الحق وصاروا من الحق. راجع (إصحاح 19:3-21). قال لهُ بيلاطس: ما هو الحق. فلم يكن هو من الحق أكثر من رؤساء الكهنة وإلاَّ فلم يكن قد سأل سؤالاً كهذا. غير أنهُ كان فيلسوفًا مُدَّعيًا بالحكمة وأما هم فمنافقون يتعصبون بالدين ويتظاهرون بالتقوى بدون قوًّة. فالعداوة الشديدة للحق دائمًا تظهر في مثلهم. كان الجواب لسؤال بيلاطس واقفًا أمامهُ بذات المسيح لأنهُ هو الحق والحياة الأبدية أيضًا ولكنهُ لم يكن معروفًا عند حكماء هذا الدهر وعلماءهِ (انظر كورنثوس الأولى 26:1-31؛ 6:2-16). حقًّا نملُّ من مطالعة شرور البشر ومقاومتهم لنور الله. فمهما اختلفوا بعضهم عن بعض في أمور أخرى يتفقون اتفاقًا تامًّا ضدَّ المسيح.    

39 وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 40 فَصَرَخُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِلِينَ: «لَيْسَ هذَا بَلْ بَارَابَاسَ!». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًّا. (عدد 39، 40).

فبعد الفحص لم يجد الوالي في المسيح علَّة تستحقُّ القصاص وقال هذا لليهود وعرض عليهم أنهُ يطلقهُ لهم بحسب العادة أن يُطلق لهم واحد إكرامًا لعيدهم المعتبر. فصرخوا أيضًا جميعهم قائلين: ليس هذا بل باراباس. نعلم من مواضع أخرى أن الرؤساء هم الذين أهاجوا الشعب أن يختاروا اللص الشهير دون يسوع ولكن الشعب كانوا أردياء أيضًا مثل رؤساءهم ومقصد الوحي هنا أن يرينا رداءتهم جميعًا. وقد قلت آنفًا أن يوحنا يقتصر كثيرًا في ما أدرج عن محاكمة المسيح وصلبهِ فلا يليق بنا أن نطيل الشرح على كلامهِ.

10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المقدمة
21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة