لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثامن

1 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ: فَنَعْلَمُ أَنَّ لِجَمِيعِنَا عِلْمًا. الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي. 2 فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا بَعْدُ كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ! 3 وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ اللهَ، فَهذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ. (عدد 1-3).

لا يخفى أن الذبائح الوثنية كانت تشبه تقدمات السلام عند اليهود، فإنهم ذبحوا ذبيحة إكرامًا لوثن من أوثانهم ثم طبخوا لحمها ودعوا أصحابهم ليأكلوا معهم كوليمةٍ، ولما كانت المعابد الوثنية كثيرة جدًّا كان اجتماعهم غالبًا في رواق أو دهليز لمعبد. فكان من المسائل المهمة المُكدرة، يا ترى أيجوز لإنسان مؤمن أن يقبل دعوة كهذه من أصحابهِ الوثنيين، ويحضر معهم أو لا؟ ربما يقول قائل: أنا عالم أن الوثن ليس شيئًا سوى قطعة خشب أو فضة فقط، ومن ثَم لا يفرق معي شيءٌ أن كان اللحم الذي آكلهُ قد ذُبح لهُ أم لا. فالرسول يُجيب هذه المسألة أولاً من جهة العلم الرائد الذي يمكن أن يكون البعض منهم قد حصل عليهِ في شأن هذا الموضوع ويُصرح أن العلم وحدهُ قليل النفع لا بل إنما ينفخ صاحبهُ ويحملهُ إلى استعمال حريتهِ في أمور كهذه والافتخار على الآخرين خلاف المحبة التي تحملنا دائمًا إلى أن نطلب ما هو لبنيانهم. ومن ثَم اتخذ الرسول فرصةً ليتكلم قليلاً عن المعرفة عمومًا. فإن كان أحد يظنُّ أنهُ يعرف شيئًا، فإنهُ لم يعرف شيئًا بعد كما يجب أن يعرف. لا شك بأنهُ توجد درجات متفاوتة من المعرفة الروحية وأنهُ من واجباتنا أن ننمو ونزداد فيها وأما ازديادنا فيها فمثل ازدياد النور بحيث أن كلما تقوَّى البصر ازداد النور لمعانًا ونميز أكثر. فأكثر الأشباح التي لا تظهر لنا إلاَّ بواسطة النور، فإذًا لا نفتكر في النور ذاتهِ كشيء فينا بل في كل ما أدركناهُ بهِ. الله قد أعلن نفسهُ لنا ويجب أن ندرس كلمتهُ دائمًا، لكي نعرفهُ معرفة متزايدة ولكننا نفتكر فيهِ لا في ذواتنا ولا في تقدُّمنا على غيرنا في المعرفة. فمَنْ يظنُّ أنهُ يعرف شيئًا فقد جعل معرفتهُ كغايتهِ ومرامهِ ومن ثَم يفتخر كلما ظنَّ أنهُ تقدم في المعرفة ويُقابل نفسهُ مع الآخرين وبالحقيقة يشغل أفكارهُ في ما لنفسهِ لا في ما لله. وأما الازدياد الحقيقي في المعرفة الروحية فيجعلنا نتواضع أكثر بحيث أنهُ يعلن لنا إلهنا أكثر فأكثر وتنمو محبتنا لهُ ونشعر ليس بمعرفتنا الجزئية، بل بمحبتهِ لنا نعم وبمعرفتهِ إيانا. راجع على ذلك (المزمور 139) لأن الله يفحصنا ويمتحننا ويجعلنا نعرف أنهُ يعرفنا وهذا ليس مما يعظمنا في أعين أنفسنا، فإنهُ يضعنا ويحقق لنا أن معرفتنا ليست بشيءٍ. وبالحقيقة أننا لا نعرف الله إلاَّ بواسطة المحبة، لأن الله محبة. وكل مَنْ يحب قد وُلد من الله ويعرفهُ (يوحنا الأولى 7:4، 8).   

4 فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ: نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِدًا. 5 لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً، سِوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوْ عَلَى الأَرْضِ، كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ. 6 لكِنْ لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ. (عدد 4-6).

كان من الأمور الهينة على مَنْ افتخر بمعرفتهِ أن يعلم أن الوثن ليس بشيءٍ في العالم. كان الأنبياء القدماء قد صرحوا بذلك واستهزأوا بغباوة الذين خافوا من الأوثان وسجدوا لها كأنها قدرت أن تفعل خيرًا أو شرًّا. كان من المبادئ الأولية للإعلانات السابقة أنهُ ليس إلاَّ الإله الواحد. وهذه الحقيقة لنا أيضًا مع أن الله سبحانهُ وتعالى أعلن ذاتهُ مثلَّث الأقانيم الآب والابن والروح القدس وهكذا نعرفهُ ونؤمن بهِ وقد انتسبنا إلى كل من الثلاثة الأقانيم. على أن الرسول لا يبحث هنا في اللاهوت ولا في نسبة الآب والابن ولا يذكر الروح القدس، لأن غايتهُ الوحيدة هنا أن يصرح بوحدانية الله وسيادة يسوع المسيح بالمقابلة مع الآلهة والأرباب الكثيرين المسجود لهم عند الوثنيين.

7 وَلكِنْ لَيْسَ الْعِلْمُ فِي الْجَمِيعِ. بَلْ أُنَاسٌ بِالضَّمِيرِ نَحْوَ الْوَثَنِ إِلَى الآنَ يَأْكُلُونَ كَأَنَّهُ مِمَّا ذُبِحَ لِوَثَنٍ، فَضَمِيرُهُمْ إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ يَتَنَجَّسُ. 8 وَلكِنَّ الطَّعَامَ لاَ يُقَدِّمُنَا إِلَى اللهِ، لأَنَّنَا إِنْ أَكَلْنَا لاَ نَزِيدُ وَإِنْ لَمْ نَأْكُلْ لاَ نَنْقُصُ. 9 وَلكِنِ انْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاءِ. 10 لأَنَّهُ إِنْ رَآكَ أَحَدٌ يَا مَنْ لَهُ عِلْمٌ، مُتَّكِئًا فِي هَيْكَلِ وَثَنٍ، أَفَلاَ يَتَقَوَّى ضَمِيرُهُ، إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ، حَتَّى يَأْكُلَ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ؟ 11 فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ الأَخُ الضَّعِيفُ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ. 12 وَهكَذَا إِذْ تُخْطِئُونَ إِلَى الإِخْوَةِ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ الضَّعِيفَ، تُخْطِئُونَ إِلَى الْمَسِيحِ. 13 لِذلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي. (عدد 7-13).

 لهذا الموضوع أوجه مختلفة ولكن الرسول هنا إنما يعتبرهُ من جهة المحبة بالقابلة مع العلم. سنرى فيما بعد أنهُ يأمرهم أن يهربوا من عبادة الأصنام من كل الأوجه ويقول لهم أيضًا: أن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة. وهذا وحدهُ يكفي لمنعهم مطلقًا عن الاشتراك في الولائم الوثنية. ولكنهُ يوضح لهم هنا أن المحبة تقتضي الامتناع عن الحضور في هيكل وثني باعتبار نتيجتهِ في الآخرين. لم يزل بعض المؤمنين ضعفاء من خصوص الأوثان ومع أنهم آمنوا بالرب يسوع ظنوا أن الوثن شيءٌ، فلذلك ابتعدوا عن كل شبه علاقة بخدمتهِ. وأصابوا في ذلك، لأنهم لو أكلوا شيئًا مما اختصَّ بوثن لشعروا بأنهم قدَّموا عبادةً لهُ. وكان ذلك خطية لهم على ضميرهم ومما يُحزن الروح القدس. وحينئذٍ انفتح باب لإبليس أن يرجعهم عن المسيح إلى عبادة الأصنام. ولكن تناول الطعام بطريق عثرةٍ ليس من الأمور الضرورية لمَنْ لهُ علم، لأنهُ لا يقدر أن يقول: أن هذا مطلوب أو أنهُ مما يُقدمهُ لله. وبالحقيقة يمكن أنهُ يضرُّ أخاهُ بهِ بحيث أنهُ ينقاد بقدوتهِ ويتجاسر على العمل مثلهُ مع أنهُ لا يزال يظنُّ الوثن شيئًا. فيهلك يعني يبتعد عن المسيح مخلصهِ ويعود يتهور في الفساد الوثني. فالمفتخر بعلمهِ الزائد يكون سبب ذلك. تعلمنا من مواضع أخرى أن خراف المسيح لن تهلك على أن هذا ليس موضوع الرسول هنا، لأنهُ إنما يذكر ما نتج من عمل الأخ المقدم العثرة قدام الآخرين. إن كان الذي سقط هو من خراف المسيح لا بد أن الرب يتداخل وينقذهُ من فخ العدو، ولكن الفضل لهُ للذي أسقطهُ. فالمحبة وحدها قدَّمت الجواب السديد لهذا السؤال. العلم ينفخ ولكن المحبة تبني. وقد بالغ الرسول قائلاً: أنهُ لا يأكل لحمًا إلى الأبد إذا كان سبب عثرةٍ لأخٍ. يعني أن محبتهُ لإخوتهِ تحملهُ إلى أن يتجنب كل ما من شأنهِ أن يعثرهم. وهذه هي المثالة الحلوة التي يجب أن نستفيدها من درسنا هذا الأصحاح.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة