لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح العاشر

1 فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، 2 وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ، 3 وَجَمِيعَهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، 4 وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ. (عدد 1-4). قد رأينا في آخر الأصحاح السابق كلام الرسول الخطير عن مسئوليتنا من جهة السيرة الأمينة وأما من الآن فصاعدًا فنراهُ يضيق عليهم دائرة الكلام إذ يُذكرهم في هذا الأصحاح بأن اشتراكهم في الامتيازات المسيحية الظاهرة لا يكفي وحدهُ. جميع الآباء الإسرائيليين خرجوا من مصر وحسب الظاهر كانوا جميعًا قاصدين كنعان وعبروا البحر وبذلك اعتمدوا لموسى، أي انفرزوا لهُ كقائدهم. ثم بعد ذلك لما أعطاهم الله المن والماء جميعهم أكلوا وشربوا منهما. ومعنى لفظة روحيًّا رمزيًّا، الصخرة التي شقَّها موسى كانت رمزية أيضًا. وقولهُ عنها: أنها تابعتهم يحتمل أنها استمرَّت تلحقهم لتعطيهم الماء حيثما ذهبوا. عند اليهود تقليد أنها كانت صخرة صغيرة لحقتهم مدة تيهانهم في البرية. وقولهُ: والصخرة كانت المسيح، يعني أنها كانت المسيح رمزيًّا. غير أنهُ لا يشرح على تلك الرموز هنا؛ لأنهُ إنما قاصد أن يُنبههم على شيء واحد وهو: أن إسرائيل جميعهم اشتركوا في تلك الفوائد كما أن المعترفين بالمسيح الآن جميعهم ينالون المعمودية باسمهِ وهو لهم أيضًا كالمن والماء روحيًّا، ولكن السؤال العظيم هنا: يا تُرى مَنْ ومَنْ منهم قد استفادوا بذلك فائدة حقيقية؟   

5 لكِنْ بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ، لأَنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْقَفْرِ. 6 وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا، حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ. 7 فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«جَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ». 8 وَلاَ نَزْنِ كَمَا زَنَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَسَقَطَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. 9 وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ. 10 وَلاَ تَتَذَمَّرُوا كَمَا تَذَمَّرَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ الْمُهْلِكُ. 11 فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ. (عدد 5-11).

يعطينا في هذا الفصل ملخص تاريخ إسرائيل في البرية. قابل مع ما ورد في (عبرانيين أصحاح3)؛ لأن موضوع الرسول في الموضعين واحد بحيث يُخاطبهم جميعًا باعتبار مسئوليتهم المسيحية كشعب مُنفرز عن العالم ومُنسب إلى الله باعترافهم المسيحي ويطلب منهم الأثمار المُبرهنة أن اعترافهم صحيح. ونرى أن الوحي لا يذكر كلمة من شأنها أن تجعل ريبًا في مؤمن حقيقي مع أنهُ ينخس ضمائر جميع المؤمنين ويفرض أيضًا إمكانية وجود أُناس في وسطهم ليسوا مسيحيين إلاَّ بالاعتراف الشفاهي فقط. كان أصل خيانة إسرائيل اشتهاءهم شرورًا، كان الله معهم وبرهن محبتهُ لهم وعمل لسدّ احتياجاتهم، ولكنهم لم يُريدوا أن يتكلوا عليهِ اتكالاً تامًّا فبعد الصبر الكافي قاصَّهم قصاصًا شديدًا مرةً بعد أخرى. لا يُخفى أن العبادة الوثنية ترتبت بالمناسبة للشهوات المحرَّمة، فلذلك كان إسرائيل دائمًا مُعرضين للاشتباك بها. وكان هذا الفخ عينهُ منصوبًا للكورنثيين أيضًا، فإن مَنْ قَبَل دعوة أصحابهِ إلى وليمة وثنية كان في تجربة أن يسقط في الزنا أيضًا. ونرى أن معاملات الله المتنوعة لإسرائيل قد كُتبت لإفادتنا نحن أيضًا.     

12 إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ. 13 لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا. 14 لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ. (عدد 12-14).

الافتخار بحكمتنا وقوتنا ليس مما يحفظنا وقت التجربة. قد رأينا في ما مضى من إنذارات الرسول في هذه الرسالة عظم الافتخار الذي اتصف بهِ المؤمنون في كورنثوس. كلما تحققنا ضعفنا نحترز من فخاخ إبليس ونُصلي لله قائلين: ولا تدخلنا في التجربة. وأما الواثق بنفسهِ أنهُ فوق التجربة فلا بد أن يسقط يومًا ما. وأما السقوط الذي يجب أن نخاف منهُ هنا، فليس بالضرورة الهلاك الأبدي بل انغلابنا من الشهوات حتى نبتعد عن الله ونصير تحت تأديباتهِ. على أن التجارب للشرّ هي غربال يُصفينا كأفراد أو كجماعة وكثيرًا ما يظهر الذين ليس فيهم إيمان فيذهبون إلى طريقهم. ربما كان واحد في كورنثوس يقصد أن يتخلص من قوة كلام الرسول وأخذ يعتذر بسبب الظروف التي كان منوطًا بها هناك، وأما الرسول فيسدُّ على مثل هذا باب الاعتذار قائلاً: لم تصبكم تجربة إلاَّ بشرية، يعني أن تجاربهم هناك مهما كانت قوية فهي مما يناسب الطبيعة البشرية. المقصد هنا التجربة للشر، الظروف التي نحن فيها في وقتٍ ما هي التي تجلب علينا ما يُجرب إيماننا ويُظهر حالتنا. ولا يُخفى أننا وقت التجربة نميل إلى أن نشكو من ظروفنا ظانين أننا لو كنا في خلافها لما كنا نميل إلى الشرُّ، ولكن إلهنا شاء أن يمتحننا بواسطة الشيء الحاضر لا بالغائب ومع أنهُ لا يُجرب أحدًا بالسوء يستعمل كل أمورنا اليومية حيثما كنا ليُظهر ما في قلوبنا، ولكنهُ لا يزال يُراقبنا بلطفهِ لكي لا يدعنا نُجرَّب فوق استطاعتنا؛ لأنهُ يعرف جبلتنا ويذكر أننا تراب نحن، فإذًا ليس لنا عذر. بل سيجعل مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا، يعني مهما كانت ظروفنا فالله يعطينا الإنذارات المناسبة لحفظنا مما يهين اسمهُ ويعدنا بالنعمة إن كنا نعترف بضعفنا ونصرخ إليهِ بالصلاة، فليس من الأمور الضرورية أن ننغلب ونسقط عند التجربة. نرى في هذا الفصل شيئين:

أولاً- مسئوليتنا كمؤمنين.

وثانيًا- أمانة الله نحونا. لو كانت المسئولية وحدها لَمَا أمكن لنا أن نثبت ساعة واحدة، وأما أمانة الله الظاهرة في حفظنا فلا تُبطل مسئوليتنا؛ لأن الوحي يحافظ على كل منهما في محلهِ.    

15 أَقُولُ كَمَا لِلْحُكَمَاءِ: احْكُمُوا أَنْتُمْ فِي مَا أَقُولُ. 16 كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ 17 فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ. (عدد 15-17). يستمرُّ الرسول يحتجُّ لهم من جهة اشتباكهم بتعلقات العبادة الوثنية من أي وجه كان. فيذكر بمبدأ الشركة بحيث أنهُ لا يمكن أن يشتركوا في شيئين متضادين كقول السيد نفسهِ: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين (مَتَّى 24:6). ليس قصدهُ أن يتكلم هنا عن العشاء الرباني غير أنهُ يذكر العناصر المُستعملة فيهِ، أي الكأس والخبز؛ لكي يفكرهم بتعلقهم بالرب تمامًا، فإذ ذاك فلا يليق بهم بل لا يجوز لهم أن يشتركوا أقل شركة في ما يختصُّ بوثن. كأس البركة، هي كأس الخمر التي نقدم عليها الشكر عندما نتناول العشاء الرباني، لأن معنى البركة هي الشكر وأما هذه الكأس فتشير إلى دم المسيح وشربنا منها يشير إلى أننا قد اشتركنا في فوائد دم المسيح، يعني أن دمهُ قد فدانا وطهَّرنا أمام الله. لاحظ أنهُ يقدم ذكر الكأس على ذكر الخبز خلاف ترتيب الاستعمال، وذلك لأن الكأس أقوى دلالة على الشركة، وأما الخبز فيُشير إلى جسد المسيح فنتناول من الخبز إشارة إلى أننا قد اشتركنا في جسد المسيح روحيًّا، ولكنهُ لا يوضح هنا ما هو المقصد بكل من العملين إذ يشاء أن يُظهر لهم شركتهم مع الرب وبعضهم مع بعض. فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد،لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد. تناولنا من الرغيف الواحد يدل ليس على شركتنا في جسد الرب فقط، بل أيضًا على كوننا نحن جسدًا واحدًا. وهذا يُناقض روح التحزُّب بينهم ويقتضي أن يتصرفوا معًا بالمحبة كما قد سبق وقال لهم. وسنرى كلامًا كثيرًا فيما بعد عن هذا الموضوع وتعلقاتهِ. قولهُ: نباركها ونكسرهُ في (العدد 6) يفيد العمل الاجتماعي، لأننا نشترك جميعنا في تقديم الشكر على الكأس مع أن أخًا واحدًا ينطق بالكلام. 

18 انْظُرُوا إِسْرَائِيلَ حَسَبَ الْجَسَدِ. أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟ 19 فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ، أَوْ إِنَّ مَا ذُبحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ 20 بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ ِللهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ. 21 لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ. 22 أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟ (عدد 18-22).

بحسب شريعة موسى إسرائيل أكلوا من بعض الذبائح، أي من ذبائح السلامة انظر (اللاويين أصحاح3) فكان شيءٌ منها للمذبح وشيء آخر لهم، فإذًا اشتركوا مع المذبح أو بالحري مع الرب غير أن المذبح كان الواسطة الظاهرة لشركتهم، كما أن مائدة الرب هي الواسطة الظاهرة لشركتنا الروحية. وقولهُ: إسرائيل حسب الجسد يُشير إلى أن عملهم كان طقسيًّا فقط خلاف ما نعملهُ نحن روحيًّا على أن المبدأ واحد بحيث اشتراكنا في مائدة الرب يدل على تخصيصنا لهُ، فإذًا اشتراكهم في وليمة وثنية ممنوع. ثم بقولهِ في (العدد 19) فماذا أقول … إلخ؟ يشير إلى ما سبق وقال في الأصحاح الثامن: أن الوثن ليس بشيء في العالم لمَنْ لهُ المعرفة المسيحية الكافية، وأما من الجهة الأخرى فالأوثان هي بالحقيقة شياطين لجميع الذين يسجدون لها وأورد الرسول على ذلك شهادة من أقوال موسى (لاويين 7:17؛ تثنية 17:32). فإذًا عبدة الأوثان منتسبون إلى الشيطان بأفكارهم وضمائرهم، فلا يجوز للمسيحيين أن يكونوا شركاء الشياطين، ساعة يشربون كأس الرب وأخرى كأس شياطين؛ لأنهم بذلك يُغيرون الرب وعلى ذلك أورد لهم شهادتين أخريين من التوراة انظر (تثنية 21:32؛ مزمور 58:78). فإن كنا مُنتسبين للرب وأغظناهُ بشيء كهذا فلا بد أن يؤدبنا ويغلبنا، فإنهُ لا يدعنا نستخفُّ بمجدهِ. لكني أعيد ما قلت آنفًا أن الرسول لا يوضح هنا موضوع العشاء الرباني بتفصيل، بل إنما يشير إليهِ لكل يستخرج منهُ مبدأ الشركة لمناقضة اشتراكهم في العبادة الوثنية من أي وجه كان. فنلاحظ أيضًا أن مائدة الرب ليست مذبحًا، لأنهُ إنما يذكر المذبح القديم لأجل التشبيه فقط والذبائح المُشار إليها هنا كانت مما يدلُّ على الشركة والسجود، أي ذبائح السلامة ليس المحرقة وذبيحة الخطية التي كانت رمزًا إلى موت المسيح كفارةً لأجلنا. لأن العشاء الرباني مقترن مع الشكر والسجود، لأن المسيح قد ذُبح مرَّةً واحدة لأجلنا. وبناء على ذلك نتناول مما يُذكرنا بذلك ونسجد لله كالذين قد حصلوا على الفداء الأبدي بدمهِ.   

23 «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي. 24 لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ. 25 كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْمَلْحَمَةِ كُلُوهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ، 26 لأَنَّ «لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا». 27 وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُوكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبُوا، فَكُلُّ مَا يُقَدَّمُ لَكُمْ كُلُوا مِنْهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ، مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ. 28 وَلكِنْ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ:«هذَا مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ» فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ أَجْلِ ذَاكَ الَّذِي أَعْلَمَكُمْ، وَالضَّمِيرِ. لأَنَّ «لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا» 29 أَقُولُ «الضَّمِيرُ»، لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ. لأَنَّهُ لِمَاذَا يُحْكَمُ فِي حُرِّيَّتِي مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟ 23 «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي. 24 لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ. 25 كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْمَلْحَمَةِ كُلُوهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ، 26 لأَنَّ «لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا». 27 وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُوكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبُوا، فَكُلُّ مَا يُقَدَّمُ لَكُمْ كُلُوا مِنْهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ، مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ. 28 وَلكِنْ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ:«هذَا مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ» فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ أَجْلِ ذَاكَ الَّذِي أَعْلَمَكُمْ، وَالضَّمِيرِ. لأَنَّ «لِلرَّبِّ الأَرْضَ وَمِلأَهَا» 29 أَقُولُ «الضَّمِيرُ»، لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ. لأَنَّهُ لِمَاذَا يُحْكَمُ فِي حُرِّيَّتِي مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟ (عدد 23-29). يعود يقول: أن كل الأشياء تحلُّ لهُ كإنسان مسيحي كما قال في (أصحاح12:6) وقرائن كلامهِ تظهر إن معناهُ أنواع الطعام ليس كل الأشياء مطلقًا. وكان قصدهُ بهذا الكلام في المرة الأولى أن يُظهر لهم أنهُ لا يليق بالإنسان المسيحي أن يسيء استعمال حريتهِ في الأشياء الجائزة لهُ حتى يستعبد له، وأما هنا فيرشدهم إلى طريق البنيان إذ يضع لهم قانونًا مطلقًا من الآن فصاعدًا من جهة تصرُّفاتهم في أمر كهذا. فيمنعهم حتمًا عن الحضور في معبد وثن لتناول الطعام على أي وجه كان وإنما يأذن لهم بالحضور إلى بيوت أصحابهم غير المؤمنين بموجب دعوة. وأما القانون المطلق فهو: كل ما يُباع في الملحمة كلوهُ غير فاحصين عن شيء من أجل الضمير. لا يخفى أن عبدة الأوثان كثيرًا ما ذبحوا من الحيوانات إكرامًا لوثن ثم باعوا اللحم للجزارين، فالرسول أجاز للمسيحيين أن يشتروا من اللحم الموجود للبيع في الملحمة بدون أن يسألوا: أهو مما ذُبح لوثن أم لا؟ والسبب لذلك هو أن الأرض وملأها للرب وهم لهُ أيضًا وهو خلق هذه الأشياء لمنفعة الإنسان. فمن ثَم يجوز لهم أن يشتروا مما تيسر لهم بعنايتهِ بدون فحص أو سؤال. هذا في شأن أكلهم مما وجدوا في الملحمة، وأما في بقية هذا الفصل فيذكر موضوعًا آخر من جهة قبولهم الدعوة للأكل من أحد غير المؤمنين. فهذا جائز لهم على شرط أنهم يحضرون إلى بيت الذي دعاهم ويأكلون مما قدِّم لهم بدون فحص أو سؤال، ولكن إن كان أحد يقول هذا مذبوح لوثن كان ينبغي أن يمتنعوا عن أكلهِ اعتبارًا لأفكارهِ، فإنهُ حاسب الوثن شيئًا ويحسبهم شركاء معهُ في عبادتهِ إن تناولوا من اللحم. فينتج ضرر لهُ وإهانة أيضًا لاسم الرب، وإن كان لهم العلم المسيحي أن الوثن ليس بشيء لهم؛ لأنهم أضرُّوا ضمير الآخر ولو قدروا أن يأكلوا بضمير صالح نظرًا إلى أنفسهم. ثم يسأل الرسول سؤالاً عن لسان مَنْ يعترض عليهِ: لأنهُ لماذا يُحكم في حريتي من ضمير آخر؟ معناهُ ماذا يعنيني أنا ضمير أحد غير المؤمنين، ما دامت لي حرية تامة من جهة الأكل؟ فلماذا أُحرم حريتي؟ وسنرى الجواب في ما يأتي. 

30 فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَتَنَاوَلُ بِشُكْرٍ، فَلِمَاذَا يُفْتَرَى عَلَيَّ لأَجْلِ مَا أَشْكُرُ عَلَيْهِ؟ 31 فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ. 32 كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ. 33 كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا. (عدد 30-33). فعاد وكرَّر السؤال في شأن هذا الموضوع على هيئة أخرى تناسب افتراء أُناس مؤمنين على أخ استعمل حريتهُ في أكل ما ذُبح لوثن. فلماذا ينكتون عليهِ، كأنهُ فعل شرًّا مع أنهُ قدر أن يأكل بضمير صالح مُقدمًا الشكر لله؟ فالرسول يُجيب كلاًّ من السؤالين بجواب واحد:

أولاً- يجب عليهم أن يفعلوا كل شيء حتى الأكل والشرب لمجد الله، يعني أنهم يُحافظون على نسبتهم لله في تصرُّفهم في هذه الأمور، لأنهُ لا يليق بالإنسان المسيحي أن يعمل شيئًا كأنهُ لنفسهِ.

وثانيًا- يجب أن يكونوا بلا عثرة لجميع الناس إن كانوا يهودًا أو وثنيين أو مسيحيين. والعثرة هنا هي كل ما يخرج ضمائرهم أو يجعلهم يسيئون الظن في شأن الإيمان المسيحي. وكان الرسول نفسهُ قدوة لهم في ذلك بحيث أنهُ لم يطلب أن يرضي نفسهُ في أشياء كهذه، بل كان يُراعي أحوال الآخرين وأفكارهم لئلا يُعثرهم أقلَّ عثرة ويعيقهم عن الخلاص. يجب أن نلاحظ جيدًا أن موضوعهُ هنا هو التصرُّف اللائق في الأمور الجائز استعمالها لنا والتي يمكن أن ننكر أنفسنا عنها اعتبارًا لخير الآخرين. ولا مدخل هنا لدائرة الطاعة المسيحية الواسعة في ما هو مذكور صريحًا لإرشادنا؛ لأنهُ لا يجوز لنا أن نتردَّد عن الطاعة لكلام الله خوفًا من الآخرين أنهم يعثرون، فإن صليب المسيح أكبر عثرة للعالم في كل حين. قال الرسول في موضع آخر: وأما أن أيُّها الإخوة فإن كنت بعد أكرز بالختان، فلماذا أُضطهد بعد؟ إذًا عثرة الصليب قد بطلت (غلاطية 11:5). في كل ما تعلق بالطاعة لكلمة الله والامتثال بقدوة السيد لم يكن بولس يذعن لا لليهود ولا لغيرهم من البشر. فلا يجوز أن نطلب أن نرضي الناس في ما يُخالف كلام الله أو يهين اسم المسيح.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة