لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

الكهنوت الطقسي

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الاعتراضات والرد عليها

1- [ إن الرسل عندما كانوا يحضرون اجتماع العشاء الرباني، كانوا ولا شكّ، هم الذين يقومون بهذا العشاء. ولذلك لا بدّ أنهم عيّنوا خلفاء لهم للقيام به، في حالة غيابهم أو انتقالهم من العالم ].

الرد: فضلاً عن أن الرسل لم يقيموا خلفاء لهم كما اتّضح لنا مما سلف، فإننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نرى أن المؤمنين كانوا في أثناء وجود الرسل يواظبون من تلقاء أنفسهم على "الشركة وكسر الخبز والصلوات" (أعمال 2: 42). ولذلك فكل ما كان يفعله الرسل وقتئذٍ هو التعليم وحده، كما يتّضح من (أعمال 20: 7)، وذلك بسبب المواهب الخاصة التي أعطاها الله لهم، ومن ثم لا مجال للاستنتاج الذي نحن بصدده ـ أما إذا كان الرسل قد قاموا بهذا العشاء، فإن ذلك لم يكن بصفتهم الشخصية كرسل، بل بصفتهم كمؤمنين حقيقيين لهم امتياز القيام به، كما ذكرنا فيما سلف.

2- [إن الوحي، وإن كان قد سجل لنا أن المؤمنين في ترواس (أعمال20: 7) كانوا مجتمعين ليكسروا خبزاً، لكنه سجل لنا أن بولس وحده هو الذي كسر الخبز (عدد 11)، الأمر الذي يدل على أن المؤمنين العاديين لا يجوز لهم القيام بهذا العشاء].

الرد: (أ) إن قول الوحي "إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزاً، (أعمال 20: 7)، وليس مجتمعين مع بولس ليكسر لهم خبزاً، دليل واضح على أن هؤلاء التلاميذ كانوا يقومون بالعشاء الرباني بينهم وبين أنفسهم، وذلك بوصفهم مؤمنين بالمسيح يقدرون كفارته الثمينة ويعتزون بها.

(ب) كما أنه بالرجوع إلى الأصحاح المقتبسة منه هذه الآية، يتّضح لنا أنه ليس من المعقول أن يكون المؤمنون المذكورون قد اجتمعوا ليكسروا خبزاً في المساء (وهو الموعد الذي عمل فيه المسيح هذا العشاء، ونهج الرسل بعده على منواله)، ولكنهم لم يعملوه إلاّ بعد منتصف الليل، عندما كسر بولس الخبز. وإذا كان الأمر كذلك، اتّضح لنا أن الغرض من كسر بولس للخبز هنا، هو لتناول الطعام العادي. ومما يثبت هذه الحقيقة أن الوحي يقول عنه إنه "كسر خبزاً وأكل"، أي أنه وحده هو الذي أكل ـ ويرجع السبب في ذلك إلى أنه كان مزمعاً أن يسافر في صباح اليوم التالي إلى بلاد بعيدة (20: 13-16).

ومما يثبت أيضاً أن هذا هو المعنى المقصود بكسر الخبز هنا، أن الوحي قال في موضع آخر عن الرسول المذكور إنه لما هبت الزوابع على السفينة التي كان فيها، وخاف المسافرون الذين كانوا معه وامتنعوا عن الأكل أياماً، قال لهم "ألتمس أن تتناولوا طعاماً، لأن هذا يكون مفيداً لنجاتكم". ولما قال هذا "أخذ خبزاً وشكر الله أمام الجميع وكسر وابتدأ يأكل " (أعمال 27: 27-37) ـ وما أكله وقتئذٍ كان طبعاً طعاماً عادياً.

3- [إن سوء التصرّف الذي حدث بين مسيحيي كورنثوس عند القيام بالعشاء الرباني (1كورنثوس 11: 17-22)، يقتضي إسناده إلى أشخاص مسؤولين، حتى يحافظوا على النظام عند القيام به ].

الرد: فضلاً عن أن الرسل لم يقيموا هؤلاء الأشخاص، ولا يجوز لنا إقامة أمثالهم من تلقاء أنفسنا، لضرورة التمسّك بالوحي الإلهي كما هو، نقول: ليس من حقنا أن نعمل نظاماً للعبادة لم ينص عليه الكتاب المقدس، لأننا لسنا أحكم من الله، أم أكثر غيرةً على مجده، أو أعظم فهماً منه لطريقة العبادة المرضية أمامه، لذلك فإن حصر القيام بالعشاء الرباني في فئة خاصة من المؤمنين، مهما كان مركزهم، لتجنّب ما عساه أن يحدث من سوء التصرّف في العبادة (كما يقال)، هو محاولة لإصلاح خطأ، بارتكاب خطأ أشرّ منه، لأن عدم التقيّد بأقوال الوحي، هو مخالفة دونها كل مخالفة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن ما يجب علينا عمله، ليس أن نعدّل طريقة العبادة التي وضعها الله لنا حتى تكون ملائمة لحالتنا الروحية الضعيفة، بل أن نصلّي بكل إخلاص حتى يرفع الروح القدس نفوسنا إلى المستوى الذي يتناسب مع القيام بالعبادة اللائقة بالله، وحينئذٍ سوف نختبر عملياً قيادة هذا الروح لنا فيها من أولها إلى آخرها، وسوف نختبر مع هذه القيادة هيبة الله التي تجعل العبادة تسير بنظام يفوق كل نظام.

4- [إن البركة على العشاء الرباني خاصة بالحكماء. فقد قال الرسول
" أقوال كما للحكماء
احكموا أنتم في ما أقول: كأس البركة التي نباركها، أليست هي شركة دم المسيح! الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح! لا تقدروا أن تشتركوا في مائدة الربّ وفي مائدة الشياطين" (1كورنثوس 10: 15-22) ـ والحكماء المذكورون هم الأشخاص المسؤولون عن القيام بالعشاء الرباني].

الرد: فضلاً عن أن هذه الشركة يراد بها الشكر كما ذكرنا فيما سلف، فإنه بالرجوع إلى الأصحاح المقتبسة منه الآيات التي أمامنا، يتّضح لنا أن الرسول لا يقصد بكلمة الحكماء أشخاصاً يتّصفون بالحكمة دون غيرهم من المؤمنين الحقيقيين، حتى كان يظن أنهم هم المسؤولون عن القيام بالعشاء الرباني، بل يقصد بها توجيه هؤلاء المؤمنين إلى أن يقفوا موقف الحكماء، حتى يستطيعوا أن يحكموا حكماً صائباً في ما كانوا يفعلون، لأنه مع اشتراك بعضهم في مائدة الربّ، كانوا يشتركون في مائدة الشياطين [أو بالحري مائدة الوثنيين (1كورنثوس 10: 20)]. والحال أن من لديه ذرة من الحكمة أو العقل السليم، لا يمكن أن يشترك في هاتين المائدتين معاً، وذلك للتناقض الكبير بينهما.

5- [إن ربّ العائلة في العهد القديم هو الذي كان يوزّع على أفراد عائلته خروف الفصح، ولذلك لا شكّ أن الرسل أقاموا أشخاصاً يكونون في منـزلة الآباء الروحيين، ليتولوا توزيع العشاء الرباني على المؤمنين، لأن خروف الفصح كان رمزاً إلى هذا العشاء من بعض الوجوه].

الرد: (أ) فضلاً عن أنه ليست هناك آية في الكتاب المقدس تؤيد هذا الاستنتاج، نقول: إن ربّ العائلة المسيحية هو الرب يسوع المسيح نفسه، وهو له المجد بلاهوته في اجتماع ذكرى موته (كما في كل اجتماعات العبادة والخدمة)، وذلك كرأس الجسد ورئيس المتّكأ، والذي له وحده أن يقول للمؤمنين بوصفه فاديهم هذا القول الكريم الذي يأخذ بمجامع النفس بأسرها: "هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكري وهذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري". (1كورنثوس 11: 24-25). ومن ثم، فإن كان الذين يقومون بالشكر والتوزيع أفراداً من المؤمنين (وذلك بإرشاد الروح القدس وقيادته، كما ذكرنا فيما سلف)، يجب أن تتجه نفوس الجميع إلى المسيح. وبالإيمان القلبي بحضوره الشخصي معهم، يتناولون من يده الخبز والكأس، وذلك بكل تعبّد وخشوع لشخصه الكريم.

(ب) فإذا أضفنا إلى ما تقدم (أولاً) أنه لو كان القيام بالعشاء الرباني منوطاً بأشخاص معينين كالقسوس (مثلاً)، وكان هؤلاء معرّضين للتخلّف عن القيام به يوماً ما، بسبب مرض مفاجئ أو سفر عاجل، لترتب على ذلك حرمان المؤمنين التابعين لهم من ممارسة هذا العشاء (ثانياً) وإن كان هؤلاء الأشخاص لم يتعرّضوا لهذا أو ذاك، لكنهم كانوا متأثّرين بخطايا لم ينهضوا منها بعد، لما استطاعوا (إن كان لهم ضمير صالح) أن يقوموا بالعشاء المذكور. وإن تجاسروا على القيام به مخالفين في ذلك كلمة الله (التي تأمر بأن يمتحن كل واحد نفسه قبل الاشتراك) كانت صلاتهم جسدية، وضعفت تبعاً لذلك الحالة الروحية للمؤمنين التابعين لهم، اتّضح لنا أن إسناد القيام بالعشاء الرباني إلى المؤمنين الحقيقيين عامة تحت إرشاد الروح القدس وقيادته، أمر يتوافق مع الحقّ الإلهي كل التوافق.

6- [كان صموئيل النبي وحده هو الذي له حق تقديم الذبيحة، ولذلك عندما قام شاول بتقديمها عوضاً عنه، اعتبر أحمق، وزال الملك عنه (1صموئيل 13: 8-14). وهكذا الحال من جهة العشاء الرباني، فمن يقومون به من غير الكهنة الرسميين يكونون حمقى، ولا يمكن أن يثبتوا أمام الله ].

الرد: فضلاً عن أن العشاء الرباني ليس ذبيحة ولا يتطلّب القيام به وجود كهنة بالمعنى الحرفي كما ذكرنا، فإن الربّ لم يأمرنا بالالتجاء إلى شخص معين لكي يقوم بهذا العشاء لأجلنا. ومن ثم فإن التجأنا إلى إنسان ما لهذا الغرض، يكون مخالفةً وتنكّراً لرياسته، واعتماداً على البشر دونه، الأمر الذي يبعد قلوبنا عنه ويحرمنا من بركاته.

وإذا كان الأمر كذلك، فليس هناك مجال للاعتقاد بوجوب وجود خلفاء للرسل أو كهنة بالمعنى الحرفي، يكون من حقهم وحدهم القيام بالعشاء الرباني.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.